حصار أميركي – أوروبي جديد.. حرب ممرات لتطويق إيران؟!
اشتدت المنافسة الاقتصادية في العالم على صناعة الممرّات وطرق العبور الجديدة، حيث أعلنت كل من الولايات المتحدة، الهند، السعودية، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا عن مشروع الممر الطموح للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وذلك خلال قمة الـ20 التي عُقدت مؤخرًا في العاصمة الهندية نيودلهي.
في المقابل، وفي المنطقة الشمالية من إيران، يجري العمل على ممر آخر يربط تركيا ببحر قزوين والصين عبر ممر زنغزور، الذي سيتجاوز إيران بسهولة ويحرمها من الاتصال بأرمينيا فروسيا وأوروبا، حيث ستبدو إيران محاصرة بممرّات فعّالة من الشمال والجنوب.
ومن الممكن حينها أن ترسم القوافل المهجورة في العصر الصفوي مستقبل إيران وموقعها التجاري في عالم اليوم، في ظل التقاعس الشديد لإيران وحلفائها عن استكمال مشاريع الممرات المتفق عليها منذ سنين في شمال وغرب إيران.
ويتسائل المراقبون عن المسار الذي تنوي إيران اتّباه، وإن كانت تنوي الابتعاد عن الممرّين الأميركي والصيني، أم أنها تنوي استكمال تنفيذ الممر الشمالي – الجنوبي بالتعاون مع روسيا؟
تقدّم “جاده إيران” تقريرًا مفصّلًا عن حرب الممرّات الجديدة التي يجري التحضير لها في العالم لخلق تغيير جيوسياسي في خريطة النقل والترانزيت الدولي، وتأثيرها على إيران على كافة الأصعدة.
حرب نفوذ جديدة بين الولايات المتحدة والصين
يُعتبر الممرّ الطموح الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة نِدًّا لمواجهة مشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني الضخم، الذي يُعتبر أكبر استثمار لدولة في دول العالم الأخرى من حيث الأرقام والتكاليف، حيث تستثمر الصين في البنية التحتية في 150 دولة وتشكّل ممرّات لا تقتصر في الواقع على النقل، فتتجاوز الأرقام المتعلّقة بهذا الاستثمار الضخم المبلغ 900 مليار دولار، فهل ستكون الولايات المتحدة قادرة على هزيمة الصين بممر واحد فقط؟!
القوقاز ساحة حرب ولاعبين كُثر
يرى الكاتب الإيراني رامين فخاري أنَّ هناك دولًا مختلفة تحاول التواجد وممارسة النفوذ في منطقة القوقاز لأهداف مختلفة، مما أدى إلى تشكل خارطة صراعات وتنافس بين داعمي أرمينا وأذربيجان، على شكل قطبين متنافسين.
القطب الاول شكّلته تركيا وأذربيجان والولايات المتحدة وجورجيا وإسرائيل، ولكل منهم نفوذه وأهدافه في هذه المنطقة، أما الحلف الثاني فشكّلته أرمينيا، إيران، الهند وروسيا، وجميعهم يتنافسون على المصالح المشتركة.
تسعى تركيا إلى تحقيق أهداف جيوسياسية وجيواقتصادية مختلفة، أهمها أن تصبح مركزاً للطاقة في المنطقة والعالم عبر ربط شطري جمهورية أذربيجان ببعضهما البعض للوصول إلى آسيا الوسطى وبحر قزوين، وربطهما بأوروبا للضغط عليها لقبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
وتحاول تركيا أن تلعب دوراً أساسياً في المعادلات الأمنية للقوقاز، من أجل الحصول على الامتيازات الاقتصادية اللازمة من الصين، بالنظر إلى دور القوقاز في الممر الأوسط وطريق الحرير الجديد.
تريد أنقرة من خلال إغلاق ممر زانكزور السيطرة على أحد الممرّات المرتبطة بإيران، والتي تستطيع من خلاله تصدير واستيراد البضائع، وأيضًا تصدير الطاقة في المستقبل، وكذلك تهديد أمن إيران و تقليص النفوذ الأمني لإيران وروسيا في منطقة القوقاز، والأهم من ذلك كله هو إنشاء اتحاد الدول الناطقة بالتركية، على غرار الاتحاد الأوروبي، لتغذية النشاط الأمني التركي في منطقة القوقاز.
أما الولايات المتحدة، فرغم أنها غير موجودة في منطقة القوقاز، إلا أنَّ لها مصالح مختلفة، مهي توافق على زيادة نفوذ تركيا في هذه المنطقة، لأنّ الأخيرة تسعى لتمرير الطاقة إلى أوروبا، وفي المقابل تعمل واشنطن على توسيع روابطها مع أرمينا لإبعاد روسيا وتقليل نفوذها في منطقة القوقاز.
وتمنح إسرائيل الدعم لأذربيجان لمحاصرة إيران والحدّ من نفوذها، واستنزاف طاقاتها في حال قيام حرب في منطقة القوقاز.
ويشير الكاتب الإيراني إلى أنَّ الهند دخلت الصراع مؤخرًا كداعم لأرمينيا، وذلك بهدف تطوير طريق الحرير الهندي ومنافسة الصين في منطقة القوقاز، خاصة أنَّ لدى الهند خطة لتطوير موانئ مكران الإيرانية لتصدير البضائع عبر أراضي إيران وأرمينيا إلى أوروبا.
أما روسيا فيبدو أنها تغضّ النظر عما يجري في القوقاز لأنها غارقة في الحرب على أوكرانيا، وتحتاج إلى جهود تركيا لتصدير الحبوب والغاز التركي.
وعلى النقيص من هذه التحالفات، تقف الصين لتراقب ما يجري، منتظرة فوز أحد الأطراف، تماشيًا مع سياسة عدم التدخل، حتى إعلان الفائز، على أن تدخل حينها بمفاوضات مع الطرف الفائز لتأمين مصالحها الاقتصادية الخاصة.
مشروع جديد لتغيير قواعد اللعبة
وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الممرّ الجديد بـ”مغيّر قواعد اللعبة”، حيث سيكون المشروع تأسيسًا لبنية تحتية كبيرة لربط العديد من الدول بآليات مختلفة، بما في ذلك السكك الحديدية والموانئ البحرية، إلى جانب خطوط نقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات وأنابيب الطاقة.
هذا النوع من البنية التحتية مشابه لخط الحزام الصيني، غير أنه محدود بوصل الهند بالشرق الأوسط وأوروبا فقط، كما ستكون إسرائيل والأردن حاضرين أيضًا في هذا المشروع الكبير.
وسيبدأ المشروع، الذي يشبه طريق التوابل القديم، من مومباي في الهند بحرًا إلى ميناء دبي في الإمارات، ومن هناك إلى منطقة الغويفات الإماراتية بالسكك الحديدية، ثم يمتد الطريق إلى السعودية ويصل إلى جنوب الأردن، ثم إلى مدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية، ومنها إلى ميناء بيرايوس اليوناني بحرًا، ومنه إلى أوروبا برًّا.
وسيختصر هذا المسار في حال تنفيذه طريق التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40%.
ممر “زنغزور” واستبعاد إيران
أعلن وزير المواصلات والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو الأربعاء 13 آب/أغسطس بدء العمل على ممر “زنغزور” خلال الأيام، الواقع بين تركيا وأذربيجان، مرورًا بأرمينيا، في وقت قريب.
الممر الذي تسعى أنقرة لاستكماله سيوفر رابطًا جديدًا بين تركيا وأذربيجان، حيث يعبر أراضي ولاية زنغزور الأرمينية التي تفصل بين البر الرئيسي لأذربيجان وإقليم ناختشيفان الأذربيجاني ذاتي الحكم، المحاذي لتركيا، ليصل تركيا بأذربيجان مباشرة ثم إلى بحر قزوين ودول آسيا الشرقية، مما سيخلق منافسًا قويًَا لمشروع جنوب – شمال الروسي الإيراني الذي لم يُستكمل بعد.
ممر جنوب شمال وتقاعس الحلفاء
علّقت إيران آمالا كبيرة على المشروع الكبير لربط الهند بروسيا وأوروبا عبر ممر جنوب شمال، الذي تعهّدت روسيا باستكماله ومدّه بالسكك الحديدية اللازمة، لكن يبدو أنَّ هناك تقاعسًا من كافة الأطراف في هذا الصدد، إذ ما زال الطريق متعثرًا عند الوصول إلى مدينة رشت الإيرانية، في حين يتسابق اللاعبون الدوليون لإنشاء ممرات جديدة والاستحواذ على طرق التجارة العالمية
مشروع طريق التنمية وحصار إيران
يسعى العراق عبر مشروع طريق التنمية إلى ربط تركيا وأوروبا من الشمال بالخليج من الجنوب، وذلك لنقل البضائع بين أوروبا والخليج، حيث ستبلغ كلفة هذا الطريق 17 مليار دولار. وسيتم تنفيذ هذا المشروع بدءًا من 2024 وحتى 2028.
وفي حين ترغب إيران بالاستفادة من العراق للوصول إلى سوريا ولبنان والبحر المتوسط فأوروبا، إلا أنّ التصريحات العراقية عن خط سكة حديد شلمشة – البصرة كانت صادمة للإيرانيين، حيث أكد المسؤولون العراقيون على تخصيص خط السكة لنقل المسافرين فقط.
حذف إيران من مشروع خط الحرير الصيني
أشارت البيانات الجديدة الصادرة عن حكومة كازاخستان إلى أنّ نقل البضائع عبر الممر الأوسط، وهو ممر جديد يربط الصين وآسيا الوسطى عبر بحر قزوين وعبر أذربيجان إلى تركيا وأوروبا، شهد في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 نموًّا يُقدَّرُ بـ 800 في المئة، حيث بلغ حجم البضائع المنقولة بالسكك الحديدية بين أذربيجان وكازاخستان في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022 ما مجموعه 950 ألف طن، مما يعني أنَّ الصين مهتمة بهذا الطريق بعد الحرب الاوكرانية وفشل ممر الصين – كازاخستان – روسيا – أوروبا.
ويبلغ طول الطريق الأوسط 4256 كيلومترًا، بين طرق برّيّة وسكك حديدية، إضافة إلى 508 كيلومترات بحرية.
التقارير الإعلامية في هذا الشأن تتحدّث عن ارتفاع نسبة الاستثمارات على البنية التحتية في كازاخستان وأذربيجان لتفعيل الممر الجديد، حيث أنَّ ازدياد أهمية هذا الممر يعني تجاهل وجود إيران ضمن المشروع الصيني، بسبب ضعف الاستثمارات والعقوبات الغربية.
خطورة الممرّات الجديدة على دور إيران
تأكيد الصين والولايات المتحدة على دعم الممرّات في منطقة الشرق الأوسط خصوصًا، يدلّ على أهمية هذه المنطقة في التجارة والاقتصاد العالمي، تحديدًا لجهة تمركز الثروات.
وفي حين تقع إيران وسط هذه المنطقة، إلا أنَّ الصين والولايات المتحدة لا توليان اهتمامًا خاصًا في الاستثمار فيها، مما يعني أنَّ على إيران السعي بمفردها لإيجاد الممر المناسب لتأمين تجارتها في المستقبل.
وبينما يرى الخبراء أنَّ إنشاء الممرّات الجديدة يعني ابتعاد إيران عن المسار العالمي وعمليات التنمية الدولية التي تتم بالتعاون الدولي، مما سيخلق مستقبلاً مخيفاً لإيران، يبقى الممرّ الأقرب والأفضل بين الشرق والغرب يمرّ عبر الصين وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا على التوالي، ويصل بسهولة إلى البحر الأبيض المتوسّط، لأنه الطريق الأقصر، وفي نفس الوقت الأقلّ تكلفة، لكن إيران لم تستطع إطلاقه رغم إنفاقها الكثير في المنطقة بهدف تحقيق نفوذ في هذه الدول.
وقال السفير الإيراني السابق عبد الرضا فرجيراد إنّ ما يجري من توتّر في منطقة القوقاز يدلّ على محاولة من الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف للاستيلاء على جزء من إقليم قرّة باغ لنفسه، لكي يتمكّن في المرحلة المقبلة من إقامة اتصال مباشر بين بلاده ومنطقة نخجوان، وبعدها إنشاء ممر زانغزور، مسغلًّا ضعف أرمينيا.
وفي مقابله له مع صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، أكد فرجيراد أنَّ إيران تعارض بشكل عام إنشاء ممر زانغزور، لأنه إذا حدثت مثل هذه المشكلة، فسيتم قطع اتّصال إيران بالشمال، أي أرمينيا وروسيا وجورجيا وحتى أوروبا، وستصبح إيران محدودة من الناحية الجيوسياسية وتفقد حرّيتها السابقة في العمل.
أما الخطر الثالث على إيران فهو حذفها من ممرًات التجارة البحرية في الجنوب، حيث أن الاتفاق الجديد سيربط الموانئ الهندية مع موانئ الإمارات والسعودية، وبهذا سيتم فرض حالة من الجمود على الموانئ الإيرانية في المحيط الهندي والخليج.
في هذا الحصار الثلاثي، من الشمال عبر ممر زنغزور، والجنوب عبر الممر الهندي الأوروبي الجديد، والغرب عبر إفشال مشروع ربط إيران بالبحر المتوسط فأوروبا، لن يُبقي لإيران سوى أمل واحد هو جذب استثمارات جديدة لمشروع شمال – جنوب والعمل على رفع العقوبات للحيلولة دون حذفها من طرق التجارة العالمية.