الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 سبتمبر 2023 19:05
للمشاركة:

عام على وفاة مهسا اميني.. هل تمكن النظام الإيراني من التغلب على الاحتجاجات الداخلية؟

يستعرض الكاتبان إميلي بلوت وسينا أزودي الفرق في تعامل نظام الشاه السابق في إيران ونظام الجمهورية الإسلامية مع الاحتجاجات، مستخلصين دروسًا يطبّقها القائد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي لتجنّب ما وصل إليه الشاه، كالسيطرة الفعلية على وسائل الإعلام والتحرّك بحزم ضد الاحتجاجات، على حدّ تعبير الكاتبين. "جاده إيران" تقدم لكم ترجمة كاملة لهذا المقال

سأل الدكتاتور العسكري للعراق صدّام حسين الشاه محمّد رضا بهلوي في آب/ أغسطس 1978: “هذا الملّا يسبّب مشاكل لك، ولي ولنا جميعاً. هل تريد منّي أن أهتمَّ بهذه المشكلة”؟

كان يتحدث عن روح الله الخميني، وهو عالم دين كبير استقرّ في النّجف، وكان يدعو لأشهر عدّة إلى تغيير النظام.

رفض الشاه عرض صدام باغتيال آية الله. لقد كان أحد القرارات الحاسمة القليلة التي من شأنها أن تساعد على تحويل حركة المعارضة الوليدة والممزّقة إلى ثورة.

وبعد مرور أربعة وأربعين عاماً، ظهرت حركة معارضة أخرى، لكن هذه الحركة فشلت في إحداث التغييرات التي طالبت بها هي والمغتربون.

في الذكرى السنوية الأولى لوفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، يتساءل الكثيرون عن سبب فشل حركة الاحتجاج – وهي الأكبر منذ ما يقرب من أربعة عقود – في إحداث التغييرات التي طالبت بها.

الثورة التي دعا إليها الشّتات ضد القائد الأعلى ونظام الجمهورية الإسلامية. ما يجب أن نسأله، بدلاً من ذلك، هو لماذا نجح النظام؟ ولكي نفهم هذا، ننتقل إلى الدروس المستفادة من سقوط الشاه.

تصرّف بحزم ولا تتردّد

هناك بعض الجدل داخل الدراسات بشأن متى بدأت الاحتجاجات ضد الشاه على وجه التحديد. والأمر الواضح هو أنه بحلول عام 1978، اندلعت عقود من السخط المتصاعد في الشوارع، وتحوّلن إلى دعوات مفتوحة للإطاحة بالنظام.

وقد أُخذ الشاه، الذي حكم البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على حين غرّة. لقد شعر بالفزع من “جحود” شعبه. وكما أعرب لاحقاً عن أسفه أثناء منفاه، فإنّ “إنكار الجميل هو من اختصاص الشعب”.

والأكثر من أيّ شيء آخر، كان منزعجاً من سياسة إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الجديدة التي تركّز على حقوق الإنسان، والتي شجبت سجلّ الشرطة السرّيّة للشاه، السافاك.

وإذا كان يريد تعزيز العلاقة بين إيران وضامنها الأمني، فعليه أن يتعامل بحذر. كان سجن الأشخاص ومضايقة المنشقّين الإيرانيين تصرّفات لا تتّفق مع أجندة السياسة الخارجية لكارتر، ومن أجل رفع مكانته كزعيم تحديثي، كان على الشاه أن يلتزم بمعايير “العالم الحر”.

وعلى الرغم من أن مستشاريه طالبوا باتخاذ إجراءات حاسمة ضد الاحتجاجات والأشخاص والمنظّمات التي تقودها، إلا أنّ الشاه فعل العكس. لقد حاول التفاهم مع معارضيه، وقدّم مبادرات لقادتها، وسمح لهم بمواصلة تنظيمهم وتحريضهم. وعندما لم ينجح ذلك، ذهب إلى التلفزيون وقرأ خطابًا، يُعرف الآن بالعبارة المشؤومة “سمعت صوت الثورة”، حيث اعترف بفساد النظام ومظالمه ووعد بقمع الفساد.

إنّ فشل الحكومة العسكرية في إعادة النظام إلى البلاد، إلى جانب الاعتقالات الجماعية لخدم الشاه المخلصين من قبل الحكومة العسكرية، بما في ذلك رئيس الوزراء أمير عباس هويدا، لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من الفوضى داخل النظام.

ولا يُظهِر زعيم نظام الجمهورية الإسلامية اليوم، آية الله علي خامنئي، الكثير من التردّد في قمع نشاط المعارضة، وذلك لأنه ليس لديه نفس القيود على العمل، ولا الحوافز لتوفير مساحة للتعبير السلمي عن المعارضة.

وعلى النّقيض من إيران الامبراطورية في عهد الشاه، لا تقيم الجمهورية الإسلامية علاقات تجارية أو دبلوماسية مع الولايات المتحدة، كما أنّ علاقاتها مع الديمقراطيات الليبرالية الأخرى مشحونة بالتوتر.

وفي الواقع، كثيراً ما تتّهم نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين بالعمل لصالح الولايات المتحدة لإسقاط النظام. ولدى رعاتها، روسيا والصين، سجلّاتٌ سيّئة في مجال حقوق الإنسان. معزولة عن جزء كبير من الاقتصاد الدولي، إنها أكثر دولة تُفرض عليها عقوبات في العالم، إلى جانب فنزويلا. وقد أدّت هذه العزلة، على نحو معاكس، إلى جعل النظام أكثر ميلاً إلى العنف وقمع التعبير والحرية.

ومن خلال التعلّم من التجربة، ومراقبة الأنظمة الاستبدادية الأخرى التي تواجه الاضطرابات الشعبية، والدروس المستفادة من الثورة “الإسلامية”، رفضت الدولة الاستجابة لدعوات المتظاهرين للتغيير.

وبدلاً من ذلك، شدّدت قبضتها على النساء والمجتمع المدني، وفرضت تدابير جديدة صارمة بشأن العفّة، وأغلقت الشركات التي لم تطبّق قانون الحجاب الحالي. وبدلاً من السعي إلى استيعاب المظاهرات، تحرّكوا لقمعها. وهو ما يقودنا إلى الدرس التالي.

وفي الأشهر الأخيرة من حكم الشاه، في أواخر عام 1978، تم تكليف الجيش بمهمة إعادة النظام إلى البلاد. ولكن مع تزايد اتحاد المعارضة، لم يتمكّن الجيش من وقف الاضطرابات. وهناك عدد من الأسباب لذلك، منها أنّ الجيش كان قوّةً مقاتلة وليس وكالة لإنفاذ القانون.

ولم يكن لأنظمة أسلحتها المتقدمة أي فائدة في شوارع طهران أو غيرها من المدن الكبرى.

بالإضافة إلى ذلك، بينما ظلَّ الضبّاطُ موالين في الغالب للشاه وبقوا في مواقعهم، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للمجنّدين – وهي المجموعة التي لم تتمتع بمزايا سلك الضباط.

لقد انقلبوا على الشاه، وعصوا الأوامر وانشقّوا بأعداد كبيرة. وبعد أن ذبح جندي مجنّدٌ مجموعة من الضباط في مطعم الضباط، حتى الحرس الامبراطوري للشاه لم يعد من الممكن الاعتماد عليه.

ويتناقض الوضع مع جيش الشاه مع قوات الأمن في الجمهورية الإسلامية، التي ظلّت موالية للقائد الأعلى، باستثناء حالات انشقاق نادرة بين صغار الضباط في المؤسسة العسكرية. في الواقع، كان نشطاء الحرس الثوري الإيراني والبسيج، المجموعتان المكلّفتان بقمع الاحتجاجات، ينفّذان أوامرهما حرفيًا. وتتمتع هذه القوات بتمويل وموارد جيدة، ومن المتوقع أن تزيد ميزانية الحرس الثوري الإيراني بنسبة 28% للعام المالي المقبل.

وعلى النقيض من قادة الشاه، الذين كان لديهم خيار الفرار من البلاد عندما سارت الأمور نحو الأسوأ، فإنّ قوّات الأمن في الجمهورية الإسلامية ليس لديها طريق للهروب من هذا القبيل. ويخضع معظمهم لعقوبات تتعلّق بحقوق الإنسان، وقد تمّ تصنيف الحرس الثوري الإيراني على أنه جماعة إرهابية، وخياراتهم في عصيان الأوامر والانشقاق محدودة. باختصار، فإنّ المؤسسات المكلّفة بحماية النظام لديها كل الأسباب للبقاء مخلصة له.

السيطرة على وسائل الإعلام

في عام 1973، أنشأ الشاه هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية الإيرانية (NIRT)، المصدر القانوني الوحيد للبث التلفزيوني والإذاعي في البلاد. وكانت الوكالة، من الناحية النظرية، واحدة من أعظم أصوله للسيطرة على رواية الاحتجاجات المناهضة للنظام التي اندلعت بعد سنوات. استفادت الشرطة السرّيّة بشكل كامل من NIRT، حيث قامت بنشر معلومات كاذبة ومضلّلة، وعرض “اعترافات” على الشاشة مماثلة للاعترافات القسرية التي نراها اليوم.

لكن سيطرة الشاه على المنظّمة كانت ضعيفة. في نهاية المطاف، ترك موظفو NIRT مناصبهم وانضمّوا إلى إضرابات أخرى في القطاع العام.

ثم في 11 شباط/ فبراير 1979، اقتحم الثوار المقرّ وخرجوا على موجات الأثير ليُعلنوا انتصارهم.

على الرغم من سوء هذه الأنشطة، إلا أنّ أنشطة “السافاك” في المجال الإعلامي لا يمكن مقارنتها بأنشطة النظام الحالي، الذي يستخدم التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى للتلاعب بالناس، واللعب على العاطفة والمكائد وتشويه الحقائق.

وفي مظاهرات أميني، صوّرت الدولة (ولا تزال تفعل ذلك) المتظاهرين في المحافظات التي تضم أقليات عرقية كبيرة على أنهم “إرهابيون” و”انفصاليون”. النظام ينشر الأكاذيب على وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمًا لقطات قديمة ومزيّفة لتشويه سمعة المتظاهرات وللمطالبة بالدعم الشعبي الهائل لحكمه.

ومع ذلك، فإنّ السلاح الأكثر أهمية في ترسانة الاتصالات لدى الجمهورية الإسلامية هو الإنجاز التكنولوجي الذي يتجاوز أعظم تصوّرات الشاه، أو أي دكتاتور في عصره. إنها شبكة المعلومات الوطنية (NIN). تم تصميم NIN على غرار شبكات الانترنت في روسيا والصين، وهو نظام من الاستبداد الرقمي مصمم لمنح الدولة القدرة على التحكم في ما يراه الناس، وكيفية تواصلهم، والاختيارات التي يتّخذونها.

من عام 2012 إلى عام 2019 وحتى اليوم، تحسّنت NIN مع كلّ جولة من الاحتجاجات، وتم اختبار قدراتها وصقلها في أجواء المعارضة العامة. ليس من المفاجئ إذًا أنه عندما اندلعت الاحتجاجات لأوّل مرّة في جميع أنحاء البلاد في أيلول/ سبتمبر 2022، دفعت الدولة إلى تباطؤ الانترنت وحظر تطبيقات الاتصال الرئيسية، مثل Instagram وWhatsApp. لقد بدأت “حظر التجوّل الرقمي” الذي جعل من المستحيل تقريبًا التواصل بشكل فعال مع العالم الخارجي.

وتشير التقارير الأخيرة إلى تطوّرات إضافية. يستطيع النظام الآن التلاعب بمساحة المعلومات على مستوى دقيق، وتوجيه مشغّلي خدمة الانترنت عبر الهاتف المحمول في المقاطعات المضطربة أو المهدّدة بشكل خاص إلى قطع الخدمة بالكامل.

تُعتبر حالات انقطاع الانترنت المحلّيّة هذه استراتيجية، وتتوافق مع الذكرى السنوية وأيام الحداد. لاحظ خبراء التكنولوجيا انقطاع خدمة الإنترنت على نطاق واسع في 15 تموز/ يوليو، على سبيل المثال، وهو اليوم الذي عادت فيه شرطة الآداب إلى الشوارع، بعد أن تم إزالتها بهدوء لأشهر عدة.

لقد تزايدت طموحات النظام على الجبهة التكنولوجية. ويروّج المسؤولون لتكنولوجيا المراقبة البيولوجية وقواعد البيانات المتقدّمة، في حين تكشف الوثائق التي تم اختراقها مؤخرًا عن خطط “لفصل” الانترنت.

وفي نهاية المطاف، خسر الشاه معركته مع المعارضة وهرب من البلاد، وخلقت قراراته الظروف الملائمة لسقوط النظام. ويبدو أنّ خامنئي تعلّم الدرس من هذا التاريخ وأدرجه في نهج النظام في التعامل مع الاحتجاجات التي تلت وفاة أميني المأساوية.

ولكن يمكن للآخرين أن يتعلّموا من هذا التاريخ أيضا. ومن الواضح أنّ الأساليب القاسية، مثل الاغتيالات المستهدفة والوحشية المنظّمة يجب أن تكون خارجة عن المألوف. لكن بالنسبة للمتظاهرين، يُظهر التاريخ الإيراني أنّ المعارضة يجب أن يكون لها قيادة محدّدة. ويجب عليها إزالة احتكار الدولة للقوة من خلال تشجيع الانشقاقات في القوات المسلحة. ويجب عليها تقويض، بل وتفكيك، احتكار الدولة لوسائل الإعلام والانترنت الوطني، ويجب ألّا يتوقف أبدًا.

بالنسبة للمجتمع الدولي، في ضوء التاريخ وملاحظاتنا عن تكتيكات واستراتيجيات هذا النظام، هناك دروس يمكن تعلّمها أيضًا. ويجب على الولايات المتحدة إنهاء العقوبات الاقتصادية غير الفعّالة والعزلة الدبلوماسية، والعمل على مواجهة الحوافز الضارّة التي تدفع الأجهزة الأمنية إلى ارتكاب الفظائع. يجب على المجتمع الدولي ككلّ أن يعمل على تمكين الشعب الإيراني من خلال تكنولوجيا الاتصالات والمعرفة، وليس فقط سحب الستار الالكتروني، أي NIN، بل وإشعال النار فيه.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: