الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 سبتمبر 2023 20:25
للمشاركة:

هجرة النّخب في إيران.. أخطار خلف سوء الوضع الاقتصادي

أصبحت الهجرة من إيران أحد أبرز القضايا الساخنة التي تشغل أوساط المجتمع، حيث يتراوح النقاش فيها ما بين تحذير الخبراء من الازدياد الكبير لعدد المهاجرين وشرائحهم، وبين صمت الحكومة واتهام الأصوليين للإصلاحيين بتلفيق الإحصاءات، واعتبارهم أن تداول هذا الأمر بتلك الشدة ما هو إلا إشاعة ضمن خطة من الأعداء لزرع اليأس في نفوس المجتمع الإيراني.

تقدّم “جادّه إيران” تقريرًا مفصّلًا عن هجرة النخب في إيران وتأثيرها على المشهد السياسي والعلمي والاقتصادي للبلاد، في ظلّ صمت الحكومة.

آخر الإحصاءات

أعلن رئيس مركز أبحاث حركة الابتكار حسين سالار أملي مؤخراً إنّ ما بين 8 إلى 10% من سكان إيران قد هاجروا، مشيرًا إلى أنّ هذه الأرقام أعلى من المتوسّط العالمي.

وبحسب تقارير الهجرة العالمية، تمَّ إصدار ما متوسّطه 86000 تأشيرة أو تصريح إقامة غير سياحيّة للإيرانيين في أوروبا والولايات المتحدة وتركيا، من عام 2010 إلى عام 2021، كما تم إصدار ما يقارب الـ12 ألف تأشيرة إقامة مؤقتة ودائمة للإيرانيين في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي خلال الـ12 عامًا الماضية.

هجرة الأطباء

أشارت آخر الاحصاءات المنشورة داخل إيران إلى أنّ ما بين أربعة إلى خمسة آلاف طبيب يهاجرون كل عام، فيما تتجاوز تكلفة تدريب الطبيب الواحد مليارَيْ تومان (40 ألف دولار).

الهجرة أكثر شعبية بين المهندسين

أكدت بيانات التقرير الأخير لمركز أبحاث هاتف، وهو مؤسسة بحثية تأسّست عام 2018، أنّ الطلّاب الذين حصلوا على المراتب العشرة الأولى لعام 2001 في مجالَيْ الرياضيات والفيزياء، هاجروا خارج إيران، ولم يبق منهم سوى اثنان في البلاد.

أما الأوائل لسنة 2002 فبقي منهم ثلاثة فقط، فيما بقي شخص واحد فقط من العشرة الأوائل لسنة 2003 في إيران وهاجر البقية، أما المتبقون من دفعة 2005 فهما اثنان فقد، وقد هاجر البقيّة للعمل في شركة Apple أو شركات أخرى في الولايات المتحدة وكندا.

وبحسب التقرير، فإنّ معظم المهاجرين على مدى السنوات 2001-2011 كانوا من المهندسين، كما ذكر تقرير مركز هاتف البحثي أنه من بين المجموعات الأربع من نشطاء الشركات الناشئة، والأطباء والممرضات، والأساتذة، والباحثين والطلّاب وخريجي الجامعات، فإنّ ما بين 63 و71% من هؤلاء لديهم رغبة عالية أو عالية جدًا في الهجرة من البلاد.

وأضاف التقرير أنَّ ما بين 56 و87% من هذه الفئات يعتبرون رغبتهم في الهجرة بدرجة كبيرة أو كبيرة جدًا هي نتيجة الظروف العامة للبلاد.

وتؤكد المواقع الإيرانية أنّ الأطبًاء والكادر الطبي هما الأكثر رغبة بالهجرة، يليهم المهندسون والخبرات الصناعية، ثم العاملون في مجالات السياحة وإدارة الفنادق، خدمات المؤتمرات، الترجمة، الرياضة والترفيه.

الأسباب والدوافع

يرى مراقبون في إيران أنَّ العقوبات الغربية وسوء إدارة البلاد وانتشار الفساد هي أسباب لعشرات المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي أنتجت بدورها ضغطًا على النخب، دافعةً إياهم للبحث عن مخرج عبر الهجرة إلى أي بلد آخر يتوافق ورغباتهم في بناء مستقبلهم.

كما يرى آخرون أنَّ ازدياد التدخل الحكومي في شؤون المواطنين، مثل تنفيذ خطة الشباب وحماية الأسرة، وخطة حماية وتقييد الإنترنت، وتجاهل الحقوق المدنية للمواطنين، والتوظيف غير المستقرّ، هي عوامل أخرى تزيد من رغبة النّخب والجامعيين في الهجرة.

أما خبراء الاقتصاد، فيشيرون إلى أنّ حصّة إيران الضئيلة من الاقتصاد العالمي واستمرار العقوبات وارتفاع مستوى التضخم، وزيادة الفقر والطلاق والتهميش والتسرّب من المدارس وتنامي الأضرار الاجتماعية، هي أبرز المشكلات التي تدفع الإيرانيين للهجرة.

الانتقادات والتحذيرات

انتقد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني اتّساع دائرة الهجرة بين الإيرانيين، لافتًا أنَّ بعض الناس سعداء برحيل نخبة الشباب في البلاد، حيث يقولون إنّ هؤلاء سيذهبون وسيأتي آخرون مكانهم.

وخلال اجتماع له مع وزرائه السابقين الأثنين 28 آب/ أغسطس 2023، أضاف روحاني: “عندما ذهبنا إلى الولايات المتحدة في عام 2014، وألقينا خطابًا أمام الإيرانيين، أراد الجميع العودة، وقفوا وتحدثوا، وقالوا إننا نريد أن نعود إلى إيران. وعندما أدركوا هنا رغبة هؤلاء في العودة، اعتقلوا أحدهم لدى وصوله المطار! وأغلقوا هذا الباب”.

رسميًا، حذّر مدير مرصد الهجرة الإيراني بهرام صلواتي من الازدياد الكبير لعدد النخب المهاجرة، معتبرًا أنَّ المسؤولين أضاعوا الوقت بما يتعلّق بهجرة النخبة.

وأرجع صلواتي المسألة إلى أسباب ثقافية وسياسية واجتماعية معقدة، مضيفًا أنَّه في بعض الأقسام وصلت نسبة الهجرة بين النخب إلى 80%.

أما رئيس مركز بحوث البرلمان الإيراني بابك نكهداري، فقد نبّه من اتساع موجة الهجرة في البلاد، مؤكدًا أنَّ هناك نسبة كبيرة من الأساتذة والأطباء والنخبة لديهم الرغبة في الهجرة، كما وصلت هذه الرغبة إلى الشركات المعرفية، وحتى طلاب المدارس الثانوية، وزاد عمق القضية وحيثياتها.

على الصعيد الاقتصادي، تناولت الأستاذة الجامعية زهراء كاظمي بور تداعيات مشكلة الهجرة على المستويات القتصادية، مشدّدةً على أنّ هجرة القوى المنتجة هي في الواقع خسارة لفرص العمل في البلاد ومسبب رئيسي للركود الاقتصادي وفشل التنمية الاقتصادية، فضلًا عن أضرار الهجرة الفكرية المضاعفة، لأنّ هناك قوة ورأس مال في البلاد، لكنهما لا يستطيعان العمل وهما سلبيتان، على حد تعبيرها.

وفي مقابلة لها مع صحيفة “تجارت” الاقتصادية، أضافت كاظمي بور أنَّ هجرة النخبة ترجع في معظمها إلى مسألة التضخّم وعدم كفاية الدخل مدى الحياة، حيث تصرّ النخب على الإنتاج في فترة التعليم، في حين تخشى من الفشل إن بقيت في إيران.

وعن حلول الظاهرة تقول الأستاذة الجامعية: “ليس هناك حلّ مباشر للمشكلة، وإيقاف إصدار الشهادات العلمية للطلبة أو زيادة تكلفة إصدار الوثائق ليست حلولًا واقعية، بل يجب تصحيح الحلقة المفرغة للاقتصاد وهجرة النخبة، وبذل الجهود لخفض التضخم وتوفير الأمن الاقتصادي والاجتماعي”.

نفي واتّهامات من الأصوليين

وفق البرلماني الإيراني علي كريمي فيروزجايي، فإنّ معارضي الحكومة الثالثة عشر يسعون إلى إشاعة وترويج مشروع هجرة النخبة بإشاعات كاذبة، كما فعلوا في موضوع فصل الأساتذة الجامعيين، على حد قوله، وهدفهم من ذلك هو زرع اليأس وخيبة الأمل في المجتمع.

وفي مقابلة له مع وكالة “ارنا” الرسمية الأثنين 28 آب/ أغسطس، قال فيروزجايي إنّ أسلوب الإعلام المناهض للحكومة وأعداء الثورة الإسلامية هو اتّباع مشروع زرع اليأس بين الناس، ومحاولة دفع النخب إلى الفرار من البلاد بالإشاعات الكاذبة.

أما الحكومة الإيرانية فقد التزمت الصمت إزاء انتشار الأخبار عن توسّع الهجرة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: