الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 سبتمبر 2023 08:00
للمشاركة:

البرنامج الصاروخي الإيراني.. من الرّعب حتى التخريب

ليسّ باعثًا للقلق بدرجة أقلّ من البرنامج النووي، سُمع صدى الحديث عن البرنامج الصاروخي الإيراني يتردّد دائمًا على ألسن كبار المسؤولين الغربيين والإسرائيليين، كما أصرّ العديد من هؤلاء على ربطه بمسألة العقوبات والسّماح لإيران ببيع النفط.

تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل تحديدًا، صواريخ إيران بعيدة المدى، تهديدًا عسكريًا كبيرًا يجدر التعامل معه، على أملِ إيجاد حلّ نهائيّ له.

مخاوف ليس أكثر من يغذّيها تصاريح إيرانية واضحة عن تدمير القواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وتسوية مدنٍ إسرائيلية كاملة بالأرض، كما توعّد بذلك القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في حال تعرض بلاده للهجوم.

بداية المشروع

خلال الحرب العراقية – الإيرانية، ومن أجل التعويض عن أوجه القصور في القوة الجوية الإيرانية التي لم تسمح بالرّد بالمثل على الجيش العراقي – الذي كان قادرًا على توجيه ضربات مدمّرة للمدن الإيرانية – لجأت إيران إلى ليبيا لإطلاق مشروعها الخاص للصواريخ البالستية.

عام 1984، وبعد مفاوضات سرّية مع طرابلس الغرب، تلقّت طهران أوّل دفعة من 20 صاروخاً من طراز Scud-B، وقد تم توجيهها مباشرةً على بغداد ومدن عراقية أخرى.

وفي حين لم يكن لتلك الصواريخ أثر عسكري ملموس، إلا أنّ أثرها النفسيَّ كان كبيرًا، ومن جملة ما دلَّ عليه، النظرة الإيرانية لأهمية سلاح الصواريخ.

بعد ذلك، حصلت إيران على صواريخ مماثلة من سوريا وكوريا الشمالية، جرى إطلاق تسميات أخرى عليها (شهاب 1 وشهاب 2)، وبات بإمكانها استهداف الدول الخليجية العربية، وبالتالي القت بأثر على الحسابات العسكرية الأميركية في المنطقة، كما جاء في دراسة لموقع كونسورتيوم الاتحاد الأوروبي لمنع انتشار الأسلحة النووية.

بين عامَيْ 1998-2003، اختبرت إيران صاروخ “شهاب 3″، الذي يُقال إنه يعتمد على تعاون مع كوريا الشمالية. بهذا النموذج الجديد، باتت طهران قادرةً على استهداف إسرائيل والسعودية وقواعد عسكريّة لحلف شمال الأطلسي في تركيا. بات ذلك ممكنًا تمامًا عندما تمّت مضاعفة مدى الصواريخ من 500 كلم إلى 1000 كلم، وفقًا لماء ورد في نفس الدراسة.

كما عملت إيران منذ نهاية التسعينيّات على نسختها من الصواريخ التي تعمل على الوقود الصلب، وهي صواريخ قصيرة المدى: فاتح 110، فاتح 110 أ وفاتح 313. وعام 2008، اختبرت إيران صاروخ سجّيل، الذي يبلغ مداه 2000 كلم.

رعب التطوير المستمرّ

يتناول الإعلام الغربي تطوير البرنامج الصاروخي الإيراني بين الحين والآخر، ويقيس درجة خطورته بالمدى الذي تستطيع الصواريخ الإيرانية أن تبلغه مع تطوّرها المستمرّ.

على سبيل المثال، تلاحظ صحيفة “بوليتيكو” أنّ طهران حسّنت من صواريخها حتى باتت قادرة برأسها الحربيّ الأخفّ على ضرب أهداف على بعد 3000 آلاف كيلومتر.

بتلك الخطوة، انتقلت اليد العسكريّة الإيرانيّة من القدرة على استهداف أجزاءٍ من جنوب أوروبا، إلى القدرة على ضرب كل آسيا الوسطى تقريبًا.

هذا تحديدًا ما دفع دولاً كبريطانيا، فرنسا وألمانيا، إلى إثارة مخاوفها في الأمم المتحدة عام 2019.

وفي الوقت نفسه، هناك مخاوف بشأن الرأس الحربي شديد الانفجار الذي يبلغ وزنه 1500 كلغ لصاروخ “خرمشهر”، بالإضافة إلى أنّ هذا الطراز من الصواريخ يمكنه المناورة في منتصف مسار الرحلة حتى ضرب الهدف، ممّا يخلق تحدّيات للدفاعات الصاروخية في أوروبا، التي بنتها الولايات المتحدة بدعم من حلف شمال الأطلسي.

إسرائيل والخطر الوجودي

وصف الجنرال كينيث إم ماكنزي جونيور، الذي تقاعد مؤخّرًا من رئاسة للقيادة المركزية الأميركية، وهو الذي أشرف على التخطيط العسكري للتعامل مع إيران، التقدّم الذي حققه هذا البلد في تكنولوجيا الصواريخ أمام لجنة القوّات المسلّحة في مجلس الشيوخ العام الماضي بالتالي:

“لديهم أكثر من 3000 صاروخ بالستي من مختلف الأنواع، بعضها قادر على الوصول إلى تل أبيب. على مدى السنوات الخمس الماضية، استثمروا بكثافة في برنامج الصواريخ البالستية. صواريخهم تتمتّع بمدى أكبر بكثير ودقة معزّزة بشكل كبير”.

لا يفوت القادة الإسرائيليون لفت الانتباه دائمًا إلى أنّ الخطر الآتي من إيران لا يقتصر على البرنامج النووي فقط، بل على البرنامج الصاروخي أيضًا، خاصّة إذا بلغته أيادي منظّمات عسكرية حليفة لطهران في المنطقة، كحزب الله في لبنان، وحركتَيْ “الجهاد الإسلامي” و”حماس” في قطاع غزّة.

كما لا يمكن تجاهل مدى الربط المنطقي بين تطوّر البرنامجين الإيرانيين، الصاروخي والنووي، بالنسبة لإسرائيل، حيث أنّ ما يدفع للخشية من اكتمال التخصيب اللازم لليورانيوم لصناعة قنبلة نووية، هو وجود صاروخي قادر على أن يحمل هذه القنبلة بعيدًا والسقوط فوق أيّ مدينة إسرائيلية.

ولعلّ من الجدير الذكر إنّه في 8 آذار/ مارس 2016، أطلقت إيران صاروخَيْن من طراز “قدر”، مع عبارة “يجب محو إسرائيل”، مكتوبة على جانبَيْ الصاروخ، وقد تزامن ذلك مع زيارة نائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن إلى إسرائيل لمناقشة حزم المساعدات الجديدة.

الهجمات الإسرائيلية

كل ما سبق يشرح الرغبة الإسرائيلية بالقيام بأي شيء لعرقلة أو ضرب الصناعة الصاروخية الإيرانية، وهو ما يظهر في محاولات عدة كُشف عنها النّقاب واحدة تلو الأخرى.

في تموز/ يوليو 2019، نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصادر دبلوماسية غربية أنّ إسرائيل وسّعت دائرة استهداف إيران في العراق وسوريا، عقب الأنباء التي تحدّثت آنذاك عن غارة لطائرة F-35 استهدفت مخزن صواريخ إيرانية في عسكر شمال شرق بغداد.

وفي السياق، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن الخبير العسكري رون بن شاي أنّ القاعدة التي تمَّ قصفها في العراق هي القاعدة العسكرية الأقرب إلى سوريا، وتستغلّها إيران لإدخال الأسلحة عبر العراق إلى سوريا ولبنان، للعمل ضد إسرائيل.

وفي أيلول/ سبتمبر 2022، عرض وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس خريطة ادّعى إنها تُظهر مواقع لعشرة منشآت إيرانية لإنتاج للصواريخ الدقيقة في سوريا، قدّمتها طهران لحزب الله ومنظّمات آخرى حليفة لها، على حد تعبيره.

وصرّح غانتس: “طهران تعمل أيضًا على بناء صناعات الصواريخ والأسلحة في لبنان واليمن”.

في كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، هاجمت طائرة مسيّرة منشأة عسكرية إيرانية في مدينة أصفهان، مما أدى إلى وقوع انفجار كبير، وكانت العمليّة من تنفيذ جهاز الموساد، كما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤولين استخباريين كبار على دراية بالتواصل بين واشنطن وتل أبيب بشأن الهجوم.

وأصفهان، المدينة الواقعة وسط إيران، تُعدٌّ مركزًا لإنتاج الصواريخ وتطوير الأبحاث في هذا المجال، كصواريخ شهاب البالستية متوسّطة المدى، التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل.

وتضمّ أصفهان موقعَيْن لنشر الصواريخ، ووحدتَيْن عسكريّتَيْن على الأقلّ مرتبطتَيْن بهذا المجال، وفقًا لتقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.

وقال الرئيس السابق لجهاز الموساد داني ياتوم، في تصريح لراديو الجيش الإسرائيلي، بعد يومين من وقوع الهجوم: “إنّ الهجوم استهدف منشأة تعمل على تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت – ذخائر بعيدة المدى قادرة على التحليق بسرعة تصل إلى 15 ضعف سرعة الصوت، بدقّة مرعبة، والتي يمكنها أن تحمل رأسًا حربيًّا نوويًا، إذا قامت إيران بتطويره”.

ومنذ أيام، كشفت السلطات الإيرانية عن إحباط مخطّط لزرع قطع مضروبة في عجلة إنتاج الصواريخ الإيرانية المتقدّمة.

ونقلت وكالة إيرانية عن هذه السلطات أنّ هذا المخطط كان يُعمل عليه من قبل شبكة سعت بتوجيه مباشرٍ من جهاز الموساد الإسرائيلي لتحويل الصواريخ الإيرانية المنُنتجة – من خلال دسّ القطع المجهّزة – إلى عبوات ناسفة لضرب الخطوط الصناعية والموظّفين العاملين في هذا المجال.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: