الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 سبتمبر 2023 07:07
للمشاركة:

قصة مبنى كركوك تشتعل… صراع الذاكرة وهواجس المستقبل

قصة الاشتباك

رصاص كثيف واشتباكات وسيارات محترقة. حصل ذلك في كركوك. كان نتيجة طبيعية، كما يقول كثيرون، للتصعيد المستمر بين عدد من الأطراف السياسية الفاعلة في المدينة. مبنى كبير يتمحور الصراع اليوم حول ملكيته. يقع شمال المدينة وفي الطريق بينها وبين أربيل. كان هذا المبنى مقراً رئيسياً للحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني حتى 2017، قبل إجباره على تسليمه للقوات العراقية ومغادرة المدينة، رداً على إجراء سلطات إقليم كردستان استفتاء الانفصال عن العراق.

ومنذ معركة كركوك حتى اليوم، يتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني بالخيانة، لأن قواته لم تقاتل قوات بغداد بناءً على اتفاق مسبق، ويصف كركوك بأنها “محتلة”. هذه العناصر كانت كافية لإشعال الاشتباك، لكن القصة الفعلية لما شهدته المدينة بدأت منذ احتاجت قوى ضمن “الإطار التنسيقي” ثقة نواب حزب بارزاني في البرلمان الاتحادي (31 نائباً) بالحكومة الفيدرالية الحالية صيف العام الماضي، فاشترط بارزاني أمورا عديدة  من بينها عودة حزبه إلى كركوك، ووافقت قوى الإطار على ذلك.

في تفاصيل الاشتباك تنقل مصادر عربية وكردية لـ”جادة العراق” أنّ نحو 300 مواطن كردي من سكان المناطق المحيطة بالمقر، تظاهروا احتجاجاً على تسبب اعتصام العرب والتركمان بقطع الطريق إلى أربيل، وعندما اقتربوا من المخيمات جرى إطلاق النار وإحراق سيارات.

الاتهامات المتبادلة سمة المشهد. مسعود بارزاني إن “ضريبة سفك دماء أبنائنا في كركوك ستكون باهظة”، وفيما دعا نجله مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان من وصفهم بـ”الكرد المضطهدين في كركوك إلى ضبط النفس والابتعاد عن العنف”، وصفت قناة “رووداو” الكردية المملوكة لعائلة بارزاني، أحد قادة الاعتصام العرب بأنه “راعي المناصرين للحشد الشعبي في كركوك”.

على الضفة الأخرى، أمر رئيس الحكومة الاتحادية محمد شياع السوداني بفرض حظر تجوال في المدينة، وتشكيل لجنة تحقيق بإشراف رئيس أركان الجيش الذي وصل إلى كركوك بعد منتصف الليل، والأهم في قرارات السوداني كان التريث في تسليم المقر للحزب الديمقراطي. قرارات السوداني نالت دعم الإطار التنسيقي، وعبّر عن ذلك الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي بقوله: “إن ممارسة أي حزب يحمل رخصة قانونية للعمل السياسي أمر طبيعي، لكن يجب أن يكون وفق القانون وألا يكون استفزازاً لمشاعر أبناء كركوك بإعادة السيطرة على مقر شهد لسنوات طويلة أحداثاً دامية وجثثاً مدفونة”.

سياق الأزمة

كان التوتر التدريجي في المدينة قد بدأ بعد ملاحظة التحضيرات لعودة الحزب الديمقراطي إلى مقره السابق، حيث خرج مئات السكان العرب والتركمان للاعتصام أمامه، والتحق بهم عربٌ من مناطق أخرى يرفضون ذلك. فذكريات هؤلاء محمّلة بما يصفونه بـ”التاريخ السيء لحكم الكرد قبل 2017 واعتقال قواتهم 5 آلاف عربي من دون أوامر قضائية، ونقلهم إلى سجون في كردستان وإخفائهم هناك”، على حد تعبير المواطن العربي علي يوسف لـ”جادة العراق”.

يسكن يوسف كركوك منذ ولادته قبل أكثر من 40 سنة، ويقول إنه بحكم عمله يرتبط بصداقات واسعة مع الكرد. لكنه لا يتردّد في سرد الاتهامات التي تعتمل في صدور فئات واسعة من العرب والتركمان بحق الحزب الديمقراطي الكردستاني تحديدا، ومن بينها قصة جثث يقولون إنها وُجدت في ممرات الصرف الصحي أسفل المبنى الذي يسعى لاستعادته.

محافظ كركوك راكان الجبوري كان قد ذكر هذه القصة في لقاء متلفز قبل أيام قائلا: “القوات الاتحادية عثرت على الجثث بعد 4 أيام على دخولها إلى كركوك في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وأظهرت فحوصات الطب العدلي أن أصحابها فارقوا الحياة قبل 3 أشهر من تاريخ العثور عليها”. كما قال إن “هذه المقرات كانت تستخدم للاعتقالات والتعذيب”، بينما نفى الحزب الديمقراطي في بيان هذه الاتهامات وقال إنها “ملفقة ولا أساس لها من الصحة”، ووصف وجود القوات العراقية في مقره في كركوك بالاحتلال، وهو الوصف الذي لطالما أثار غضب العرب والتركمان.

رمزية المبنى

باستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني، تملك معظم الأحزاب الكردية الأخرى مثل الاتحاد الوطني الكردستاني، والجيل الجديد، والحزب الشيوعي، والحزب الإسلامي، مقرات في كركوك، وتمارس عملها على نحو طبيعي مع حراس مسلحين. أمّا عن المبنى المقصود وإصرار الحزب الديمقراطي على العودة إليه،  فيجيبنا شخصٌ عمل مع أعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي فضّل عدم ذكر اسمه قائلاً: “إن السبب يكمن في رمزية هذا المقر لدى الكرد في كركوك وخارجها. استعادة الحزب لمقره السابق يُشعر أنصاره وسواهم من الكرد بقوته ويعزز من ثقتهم به، وهو يسعى للحصول عليه والاستفادة منه دعائياً خاصة مع قرب الانتخابات المحلية التي ستجرى نهاية العام الجاري”.

القصة لا تبدو في فصلها الأخيرة. فالاشتباك الذي جرى بكل سياقاته، يؤسس لانطباع راسخ في المدينة أنّ شيئا ما سيتطور قبل حسم هذه المعضلة بالقوة أو التسوية السياسية. ويأمل القلقون ألا يتحول التوتر إلى حرب أهلية في كركوك تبدأ منها وتبلغ ألسنة لهيبها كل العراق.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: