الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 سبتمبر 2023 06:39
للمشاركة:

قضية اختفاء الإمام موسى الصدر: من المقصّر؟

قبل خمسة وأربعين عاما انقطعت أخبار القائد الشيعي اللبناني موسى الصدر لدى زيارته إلى ليبيا. منذ ذلك الوقت اصطلح تعريف التغييب على فعل الاختفاء الذي كرّس حضور رجل الدين الإيراني- اللبناني أكثر من زمن حضوره. وعليه تحول اللغز الذي كانه موسى الصدر في حياته لغزا حول غيابه، كيف اختفى ومن الذي يقف خلف اللحظة التي ضاع فيها مصير الصدر بين القبائل. في الذكرى الخامسة والأربعين لتغييبه ورفيقيه، نلقي نظرة على أبرز ما تناولته بعض الصحف والمواقع الإيرانية حول القضية.

سترجع يا موسى

في روايات خاصة عن الامام موسى الصدر، أورد الصحافي بارسا نيكوكار في مقال له في صحيفة “قدس” الأصولية، بعضا من ذكريات وأحداث ما أوردته حبيبة جعفريان في كتابها عن الصدر، الذي حمل عنوان “سبع روايات خاصة من حياة الإمام موسى الصدر”، وما نقلته جعفريان في الكتاب من لقاءات مع عائلة الصدر وجيرانه.

وأشار المقال إلى انتظار زوجة الصدر بروين خليلي لعودته لثلاثة وأربعين عاما، لكن الانتظار يبدو أنه أخذ من عمرها مأخذا، وأنهى الموت مسير انتظارها الطويل. وأوضح في المقال كيف كان يتعامل المغيّب مع زوجته وحجم الاحترام الذي كان يحكم حياتهما المشتركة.

وأورد قصة جارة آل الصدر في لبنان “أم غياث” التي تقول إنه يوم دخلت بيتهم كانت وكأنها رأت فيه الإمام علي بن أبي طالب، ليردف الصحفي متوجها إلى الصدر سائلا: ما الذي جعلك تشبه أمير المؤمنين؟، وليجيب نفسه: “ربما لأنك كنت تكتفي بالطعام البسيط مثل الطماطم والبرغل. ربما هو عدم تكلفك في تعاملك، أو بالأحرى، بساطتك. ربما هو وجهك الهادئ ودائم الابتسامة المحفور في أذهان الشيعة اللبنانيين”. ثم تحدث الصحافي عن جعله ملاذا لكل من كانت تواجهه مشكلة في حياته، لا سيما من يضيع له شخص عزيز، كان الجميع يقصد بيت الصدر ليجده له.

ويختم الصحفي بقصة عن صديق درب وتغييب الصدر، الشيخ محمد يعقوب على لسان أم غياث نفسها، أنه في يوم من الأيام رن هاتف منزله ولم يكن في المنزل، فرد الشيخ وبعد انهاء المكالمة اطرق متسائلا: “إذا ضللنا يوما من سيجدنا؟” ويختم الصحفي “الجميع يبحث عنك. سترجع يا موسى!”.

الملف قضائيا

صحيفة همميهن الإصلاحية والتي أفردت في صفحتها الأولى من العدد الصادر بتاريخ 31 أب/ أغسطس الموافق لذكرى التغييب، مساحة للصدر، تحت ملف يحمل عنوان “نحن جميعا مقصرون”، تضمن الملف لقاءات ومقابلات مع عدة شخصيات منها ابنة الصدر حوراء الصدر، التي تحدثت عن آخر تطورات متابعة قضية الاختفاء والتحقيقات التي أجريت مع نجل القذافي هانيبال المعتقل حاليا في لبنان، وأخر مستجدات اعتقاله والشخصيات الضليعة في القضية. وأكدت أن مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة اللبنانية، ضمنت كل من القذافي نفسه والرجل الثاني في ليبيا عبد السلام جلود واليد اليمنى للقذافي عبدالله السنوسي وابن القذافي سيف الاسلام القذافي.

وعبرت حوراء الصدر عن أسفها أن الشخصيات الضليعة الأخرى لم يتم التحقيق معها من قبل لجنة متابعة قضية اختفاء الامام الصدر ورفيقيه، وأنه تم عقد لقاء مع عبد الله السنوسي لمدة 6 ساعات ولم يتم التحقيق معه بالمعنى الحقيقي. معتبرة أن إحدى المشاكل في التعامل مع هؤلاء الأشخاص هي أنه لم يتم التحقيق معهم، ولم يسمح لأعضاء لجنة المتابعة سوى الجلوس والتحدث مع هؤلاء الأشخاص؛ ولم يتعرضوا للضغوط ولم تكن ظروف الاستجواب كافية، مشككة في أن يكونوا قد قالوا الحقيقة.

وبحسب ما نقلت الصحيفة، قالت حوراء الصدر إن القاضي حسن الشامي، سواء بمفرده أو مع عضو أو أكثر من أعضاء لجنة المتابعة، ذهب إلى جميع مسؤولي النظام الليبي السابق، باستثناء عبد السلام جلود، وتحدث معهم. موضحة أن مذكرة توقيف صدرت بحق الأشخاص المتورطين في اختطاف الإمام، لكن اعتقالهم واجه عقبات سياسية وإدارية مختلفة. وأضافت الصدر أنه رغم محاولة إيران التواصل زمن القذافي في بعض الأحيان، لكن لم يتم بذل الجهد الذي كان ينبغي، ولم يتم القيام بالتحرك والضغط اللازم.

وحول موضوع الإضراب الذي ينفذه هنيبعل القذافي والملف الحقوقي المتعلق به، أكدت الصدر أن “لا أحد منا سعيد بأن يسجن أحدهم بلا سبب، وقد ذقنا هذا الألم. لكن صحيح أن القذافي الإبن كان يبلغ من العمر عامين وقت اختطاف الإمام، لكن المعلومات التي قدمها وقت اعتقاله تظهر أنه كان على علم، ويبدو أنه تم إبلاغه لاحقًا. هو نفسه قدم معلومات وتم اعتقاله بناء على كلامه.” مشيرة إلى اشتراطه إطلاق سراحه لتقديم معلومات عمن كان له علاقة بهذا الأمر.

وفيما يتعلق بإجراءات اللجنة اللبنانية لمتابعة القضية، أوضحت الصدر أن اللجنة سافرت إلى ليبيا غداة سقوط النظام الليبي، وقامت بعد ذلك بعدة رحلات أخرى. وفي رحلة رسمية في كانون الثاني/ يناير 2012، كان هناك أيضاً وزير الخارجية اللبناني وأعضاء اللجنة وأخي السيد صدر الدين صدر والسيد مهدي فيروزان، وقد عقدوا اجتماعات جيدة، وحصلوا على وعود من أعضاء الحكومة الليبية بالتعاون في القضية. كما جرت رحلات لاحقة، أدت إلى توقيع وثيقة تعاون خاصة بين حكومتي ليبيا ولبنان لمتابعة إنقاذ الإمام موسى الصدر. وتم تعيين محاميين وكانت النيابة العامة في ليبيا ولبنان مسؤولة عن المتابعة، لكن الأوضاع في ليبيا تغيرت بعد توقيع المذكرة وبعد عام 2014 أغلقت أبواب ليبيا مرة أخرى. معتبرة أن لا شيء يبرر توقف القضية خصوصا وأن الاختطاف لا يزال مستمرا، وأنه لو كان هناك ضغط دولي لكان من الممكن أن يكون له تأثير.

ذكريات ابنة

وفي ذكرى لها عن أبيها الصدر تحدثت حوراء عن سؤال طرحته على أبيها وهي صغيرة، مفاده “أي الاديان صحيحة؟”، ليجيبها وفق ما نقلت بالآية التالية “إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَالَّذِینَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِینَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ”، مشيرة إلى أن الإمام الصدر كان دائماً رائداً للحوار والتفاهم والعمل المشترك بين أتباع الأديان والمذاهب والتيارات المختلفة.

وختمت الصدر أنه يتبادر إلى ذهنها دائما أن حياة الإمام المباركة التي قضاها في لبنان وهي 18 أو 19 عامًا، ورغم ذلك لا تزال لها آثارها، ماذا كان سيحدث لو استمر هذا الأمر؛ منوهة إلى أن أولئك الذين أرادوا ألا يكون الإمام موجودا، ربما كانوا خائفين من هذا بالتحديد.

جميعنا مقصرون

صلاح فحص ممثل حركة أمل اللبنانية في إيران وفي مقابلة ضمن نفس الملف الذي اوردته صحيفة “هم ميهن”، اعتبر أن ما قام به الإمام الصدر في لبنان، لا يمكن لأحد غيره القيام به، موضحا مدى التغيير الذي أوجده الإمام الصدر لدى اللبنانيين لا سيما الجنوب، الذي كان يعاني الإهمال من قبل الحكومات والعدوان المستمر من قبل الاحتلال الصهيوني، كل هذا كان قبل مجيئ الإمام الصدر، وإنشائه للمقاومة في لبنان، مقاومة على جميع مستويات الحياة في البلاد، أما بعد مجيئ الإمام فيقول فحص: “يمكنك أن ترى ما هي المقاومة، وما لها من قوة في لبنان”.

واعتبر فحص أن كل شخص يؤمن بالإنسانية عليه أن يتابع قضية اختطاف الإمام الصدر، مضيفا أن الجميع، أفرادًا وبلدان، إيران ولبنان بأكملهما، مقصرون في هذه القضية، لأنه كان ينبغي حل هذه القضية منذ زمن. كما شدد على أن وجود الإمام الصدر كان مضراً لأميركا وإسرائيل وكل حلفائهم. وكان العدو الرئيس لإسرائيل.

ورأى أنه لو قدر للإمام الصدر العودة من رحلته سالما قبل 45 عاما، لكان الوضع في لبنان مختلفا تماما، ولكانت الحرب الأهلية ستنتهي أسرع، وأنه لو عاد، فإنه يمكن أن يكون مؤثراً ليس فقط في لبنان، بل في المنطقة أيضاً، ويمكنه تغيير الكثير من القضايا. ذاكرا أنه في لبنان اليوم، ليس الشيعة فقط، بل كل الناس يحبون الإمام الصدر لأنه كان إنساناً حكيماً وعقلانياً ومعتدلاً.

وختم فحص أنه على الرغم من عدم رؤيته للإمام الصدر عن قرب، لكنه لا يعتقد أن طفلاً ولد في لبنان طوال هذه السنوات ولم تخبره عائلته عن الإمام الصدر، وهذا ليس عند الشيعة فقط. الإمام موسى الصدر كان شخص يلقي خطبة في الكنيسة، “وهو شخص ذهب إلى مدينة مسيحية أثناء الحرب الأهلية وقال إذا أطلق المسلمون سهماً في هذه المدينة فكأنما أطلقوا عليّ وعلى عائلتي ومنبري. هذه شخصية لا أعتقد أن إرثها سيُنسى بسهولة في لبنان”.

حقد وعداء

فحص وفي مقابلة أخرى اجراها مع وكالة “تسنيم” الإيرانية المحسوبة على الحرس الثوري، اعتبر أن “معمر القذافي كان يخشى من مكانة الإمام موسى الصدر الرفيعة في علاقات العالم العربي والعالم الإسلامي، وشعر بقلق شديد وبمنافسة الإمام له. ليس معمر القذافي وحده، بل أيضاً زعماء الدول العربية الأخرى، وخاصة الكيان الصهيوني، كانوا أعداء للإمام موسى الصدر، ومن الطبيعي أن هذا الكيان لن يتوافق مع من يطلق على الكيان الذي يحتل القدس بالشر المطلق، ومن وراء الكواليس تعاون مع من خطط لإزاحة الإمام موسى الصدر.

ونفى فحص الادعاءات الليبية حول رحلة الإمام موسى الصدر إلى إيطاليا ومغادرته ليبيا، موضحا أنه “حتى الآن، بعد مرور 45 عاماً على اختطاف الإمام موسى الصدر، جواز سفر الإمام موسى الصدر لا يزال في السفارة اللبنانية وهو موجود في ليبيا ونحن متأكدون أنهم ورفاقه لم يغادروا ليبيا بأي شكل من الأشكال، هل من الممكن أن يكون مسؤولان لبنانيان ذهبا من ليبيا إلى إيطاليا بدون جواز سفر؟”

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: