الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 أغسطس 2023 19:06
للمشاركة:

سجناء طهران وواشطن.. كِباشٌ من دون نهاية!

تبدو فصول عمليات التبادل المتنوّعة بين واشنطن وطهران كأكثر الفصول تواتراً داخل صراع بدأ منذ أكثر من 40 عامًا، خاصة عندما راح الأميركيون يشدّون الخناق أينما وصلت أياديهم على نظام الجمهورية الإسلامية، أملًا بزيادة مشاكله الخارجية والداخلية، وصولًا إلى إسقاطه وفتح المجال أمام نظام آخر يعيد العلاقات بين الطرفين إلى ما كانت عليه ما قبل عام 1979.

هي لعبة القط والفأر تحديدًا، تلك التي يلعبها الأميركيون والإيرانيون، حيث يقوم كل طرف بسجن مواطنين ينتمون للطرف الآخر، وتنتهي القصة بتبادل يعيد الجميع إلى الديار، وربما أكثر من ذلك، فيخفف شيئًا من التوتر الإقليمي.

أزمة الرهائن

قضى 52 أميركيًا كانوا في السفارة الأميركية في طهران، بدءًا من 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1979، 444 يومًا من الاحتجاز، في حادثة أتت عقب استقبال الولايات المتحدة للشاه محمد رضا بهلوي المخلوع عن الحكم إثر ثورة قادها آية الله روح الله الخميني.

وبعد شهور طويلة من التفاوض بين الحكومة الإيرانية – بتوجيهات من الخميني – والإدارة الأميركية خلال رئاسة جيمي كارتر، أُطلق سراح الرهائن الأميركيين بعد الموافقة الأميركية على التعهّد بعدم التدخل في الشؤون الإيرانية، تجميد أصول الشاه بمرسوم رئاسي وقعه كارتر نفسه والاتفاق على اللجوء إلى المحاكم الدولية من أجل حل مسألة الأصول والديون الإيرانية لدى الولايات المتحدة.

كثيرون ظنّوا أنّ انتهاء أزمة الرهائن، نظرًا لصداها العالمي وتعقيدات التفاوض الخاص بها، قد تعني انتهاء هذا الوجه من الصراع بين واشنطن وطهران، لكنّ الأمر لم يطل ليعلم الجميع بأنّ أزمة الرهائن ما كانت إلا إشارة البدء لرحلة مناوشات قاسية في نفس المجال.

إيران – كونترا

خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وبسبب حاجة طهران الكبيرة للسلاح، توصلت لاتفاق مع الإدارة الأميركية في ظل رئاسة رونالد ريغان حصلت بموجبه على الأسلحة مقابل الإفراج عن أميركيين تحتجزهم مجموعات قريبة من إيران في لبنان.

عملية التبادل هذه شكلت فضيحة من الفضائح الكبرى في التاريخ السياسي الأميركي، وأثارت أزمة داخلية وداخلية للولايات المتحدة، عندما كُشف النقاب عنها عام 1986، فاضطرّ ريغان لمخاطبة الجمهور الأميركي لتبرير ما عُرف بفضيحة “إيران – كونترا”.

تسببت الصفقة بصدمة كبيرة لدى حلفاء واشنطن في منطقة الخليج، الذين كانوا يدعمون إلى حد كبير العراق في حربه مع إيران، ويخشون انتصار الأخيرة خوفًا من أن يؤثر هكذا انتصار على استقرار أنظمتهم السياسية.

وشملت الأسلحة التي تم إرسالها لإيران صواريخ مضادة للدبابات من طراز “تاو”، وأخرى مضادة للطائرات من نوع “هوك”.

تبادل.. ليس لمرة واحدة!

في خضم إقدام السلطات الأميركية لاعتقال إيرانيين بِتُهَمٍ مختلفة، نظرًا للعداء بين الدولتين، قامت إيران كذلك باحتجاز مواطنين إيرانيين يحملون الجنسية الأميركية، بتهم مختلفة منها التجسس، حيث أجرى الطرفان لاحقًا صفقات للإفراج عن هؤلاء السجناء، كما تمكنت طهران عبر تلك الصفقات من الوصول إلى بعض أموالها المجمّدة.

انطلقت النسخة الجديدة من عمليات التبادل خلال رئاسة باراك أوباما، حيث نُفِّذت صفقة في 16 كانون الثاني/ يناير 2016، أُطلق بموجبها سراح خمسة أميركيين وسبعة إيرانيين، وقد وصف أوباما هذه الصفقة بأنها “لفتة لمرّة واحدة”، ليتّضح لاحقًا أنها لن تكون كذلك أبدًا، حيث انطلقت جولة تفاوض جديدة في نفس الشأن حتى قبل خروج أوباما من البيت الأبيض!

أما الأميركيون الخمسة المُفرج عنه فهم: الصحافي في صحيفة “الواشنطن بوست” جيسون رضائيات، القسّ المسيحي سعيد عابديني، الجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية أمير حكمتي، رجل الأعمال نصرت الله خسراوي، الطالب ماثيو تريفيثيك ومواطن أميركي من أصل إيراني أخفت الإدارة الأميركية هويته.

في المقابل، الإيرانيون السبعة هم: نادر مدانلو، بهرام مكيانيك، خسرو أفقهي، أراش قهريمان، تروج فريدي، نيما غولستانه وعلي صابونجي. كما وافقت واشنطن على إسقاط الاتهامات الموجّهة لـ14 إيرانيًا يعيشون في الخارج، فضلًا عن تسليم مليار و700 مليون دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة.

علّقت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية على التبادل، واصفة إياه بأنه أزال “مصدرًا رئيسيًا للتوتر” بين البلدين منذ انهيار العلاقات إثر أزمة الرهائن عام 1979.

تبادل العلماء

في 9 كانون الثاني/ ديسمبر 2019، وبموجب صفقة توسّطت فيها الحكومة السويسرية، تم إطلاق سراح العالِم الإيراني في مجال الخلايا الجذعية مسعود سليماني، والذي كانت السلطات الأميركية قد اعتقلته في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وهو في طريقه لزيارة باحث في المجموعة الطبية مايو كلينك.

وُجّهت لسليماني تهمة محاولة تصدير مواد بيولوجية من الولايات المتحدة إلى إيران من دون تصريح، مما اعتُبر خرقًا للعقوبات الأميركية على طهران.

في المقابل، أفرجت إيران عن الباحث الأميركي في مجال التاريخ من أصل صيني شيوي وانغ، المتهم بالتجسس منذ عام 2016. وقد تمت الصفقة في زيورخ بحضور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والبعوث الرئاسي الخاص إلى إيران برايان هوك.

وفي حين وصفت وكالة “رويترز” العملية بأنها “عمل نادر للتعاون بين خصمين منذ زمن طويل”، أعرب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب في تغريدة له عن تقديره لإيران لإجرائها “مفاوضات عادلة للغاية”، وكذلك للحكومة السويسرية، مضيفًا أنّ هذا التبادل يُظهر أنّ “الولايات المتحدة وإيران يمكنهما عقد صفقة معًا”.

التفاوض الصعب

في ظل المفاوضات شبه المستحيلة بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وطهران، أصرّ الطرفان على فصل قضية السجناء عن المسار الأساسي.

خاض الطرفان مفاوضات صعبة كادت أن تصل إلى نتيجة إيجابية في آذار/ مارس الماضي، حيث أعلن مسؤولون إيرانيون عن التوصل إلى صفقة، لكنّ المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس نفى الأمر، واصفاً كلام المسؤولين الإيرانيين بأنه “كذبة أخرى” تزيد من معاناة عائلات الأميركيين المحتجزين في إيران.

إضافةً إلى ذلك، صدرت تصريحات عن مجلس الأمن القومي الأميركي جاء فيها أنّ “المسؤولين الإيرانيين لن يتردووا في اختلاق الأمور”، وأنّ المزاعم الإيرانية الأخيرة تسبب مزيدًا من الحزن لعلائلات المحتجزين الأميركيين.

ووفق صحيفة “نيو يورك تايمز”، فإنّ الاتفاق توقف عندما احتجزت إيران أحد المواطنين الأميركيين مزدوجي الجنسية لم يُكشف عن اسمه، حيث طلبت الولايات المتحدة ضم السجين الجديد إلى الصفقة، إلا أنّ إيران رفضت ذلك في البداية.

وأسفر التبادل الأخير مؤخرًا عن الاتفاق على الإفراج عن خمسة أميركيين مزدوجي الإنسانية من إيران، وهم سيامك نمازي، عماد شرقي، مراد طهباز، وشخصين آخرين رفضت عائلاتهما كشف أسمائهما.

أما الولايات المتحدة فستفرج عن إيرانيين سجناء لديها، بالإضافة إلى ستة مليارات دولار من أموال إيران المجمّدة في كوريا الجنوبية، على أن يتولّى المصرف المركزي القطري إنفاق هذه الأموال على حاجات إنسانية لصالح طهران.

وأشارت “نيو يورك تايمز” إلى أنّ أحد الأميركيين الذين لم يتم الكشف عن اسمهما هو عالِم، والآخر هو رجل أعمال.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: