الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة24 مايو 2023 19:52
للمشاركة:

“صبح شام” 8: هل رغبت إيران بإجراء إصلاحيات في سوريا؟

يحاول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن يعلّق في كتابه "صبح شام"، الذي تترجمه "جاده إيران"، عن نظرة طهران لمسألة الإصلاحات السياسية في سوريا، ورؤيتها للدور الذي كان يُطلب منها أن تلعبه. وبخلفيّته الدبلوماسية، يربط عبد اللهيان بين الوضع الداخلي في السعودية وردور الأخيرة في الأزمة السورية.

أحيانًا يتم طرح سؤال، وهو لماذا لم تقم إيران بتشجيع دمشق على إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية بشكل جدي، قبل بداية الأزمة، نظرًا لعلاقتها وقربها من سوريا؟

الجواب هو أنّ هذا الأمر لاعلاقة لنا به بشكل مباشر. بمعنى، حتى وإن كانت علاقتنا جيّدة مع سوريا ومع شخص الرئيس الأسد، إلا أنه وفق الأعراف الدبلوماسية لا يمكن القول لدولة ما إنّ نظامها السياسي يعاني من مشكلة ما؛ وابحثوا عنها وجدوا حلًّا لها. هذه القضايا من صلاحيات شعب هذا البلد.

هذه الدولة يمكنها وبسهولة أن تجيب إنّ القضايا الداخلية من شأنها هي وشعبها. في النهاية هناك معايير في العالم يجب على الجميع العمل وفقها. على سبيل المثال، في سوريا، يتم انتخاب رئيس الجمهورية ونواب البرلمان بشكل مباشر عبر انتخابات شعبية، وفي السعودية يتم تعيين أعضاء مجلس الأمة من قبل الملك مباشرة، ويحق لأبناء عبد العزيز فقط أن يتولوا منصب الملك. لذلك، نحن عندما نجلس في مفاوضات مع السعودية لا نطلب منهم أن يقوموا بإصلاحات في نظامهم السياسي، ليكون رأي الشعب مؤثرًا.

في النهاية، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، هناك معايير في كل نظام سياسي، وفي إطار هذه المعايير، يمكنك أن تقرر كيف تتعامل مع هذه الدول. طبعا كنا دائما نكنُّ احترامًا لشعوب المنطقة، ولدينا واجبات إنسانية – إسلامية تجاههم، ونوليهم أهمية خاصة؛ ولكن من دون التدخل بشؤون بلدانهم. إضافةً إلى أنّ بشار الأسد، سارع مباشرة إلى تنفيذ إصلاحات سياسية. ولكنّ المشكلة كانت أنّ الأطراف الأخرى لم تكن على استعداد للاعتراف بالرئيس الشرعي للبلاد، ولم يولوا الإصلاحات أي اهتمام، وسعوا إلى إسقاط النظام السياسي.

ولكن، عندما تصاعدت حدة الأزمة، وطلبت الحكومة السورية من إيران إرسال مستشاريها العسكريين لمساعدتها، حاولنا نقل بعض القضايا التي كنا نرى أنها مؤثرة في تحقيق الأمن، مع الحفاظ على هيبة الدولة السورية، مراعاة الأعراف الدبلوماسية، والمحافظة على السيادة الشعبية لهذا البلد.

تدخّلت دول المنطقة في القضايا السورية، بهدف إسقاط النظام السياسي، كلٌّ وفق أهدافه ودوافعه. بالنسبة للسعودية، كان من المهم جدًا أن يتم اتخاذ إجراءات رادعة في دول المنطقة حتى لا تصل موجة نهضة الشعوب المسلمة في المنطقة إليها. في النهاية، يعيش الشيعة في المناطق الشرقية للسعودية تحت الضغط والقيود والتمييز. وحياة أهل السنّة أيضًا في السعودية ليست جيدة في كل المناطق. لقد سمحت لي الفرصة خلال العقدين الماضيين أن أرى عن قرب مناطق ومدن سعودية مختلفة. في تسعينيات القرن الماضي، سافرت إلى عدد كبير من المناطق السعودية بالسيارة. عندما يسافر الإيرانيون إلى السعودية للحج، فإنهم يرون مطار جدة الحديث ومدنًا مثل مكة والمدينة. دبلوماسيونا إضافةً لهذه المدن، يرون مدينة الرياض.

في هذه المناطق، يبدو كل شيء منظّمًا، ولكنّ الحقيقة هي أنه بالابتعاد قليلًا عن الرياض ومكة والمدينة، يمكنكم مشاهدة الناس، حتى من أهل السنّة، في أي حال يعيشون. بمعنى أنّ الأرضية لظلم وعدم عدالة الحكومة موجودة حتى بين الناس من أهل السنة في السعودية.

في المناطق الشيعية في السعودية، شعر الشيعة بقليل من الهدوء والأمن في زمن الملك عبد العزيز. مع الفهم الجيّد لهذه الأمور، سعى الحكّام السعوديون لكي لا تصل موجة الاحتجاجات الشعبية إلى بلدهم. لذلك، رحّبوا بأي أجراء يمكن أن يؤخّر من هذه العملية. بعبارة أخرى، كانت السعودية ترغب بأن تصل هذه الأزمة لبلد آخر قبل أن تصل إليها؛ ليكون لديها فرصة لإدارة الأوضاع. مع هذه التوضيحات، يمكن التوصل إلى أنّ أحد دوافع السعودية للتدخل في سوريا هو تأخير حالة الغليان في الشعب السعودي على النظام الوراثي وغير الديمقراطي.

الحقيقة هي أنّ بعض القادة المعروفين العرب، بعد أن هُزموا في زمن جمال عبد الناصر في حرب الأيام الستة أمام اسرائيل، سقطت كلُّ هيبتهم. استطاعت إسرائيل أن تفوز على العرب، عندما لم تكن تمتلك إمكانات كبيرة. ولكنّ إسرائيل نفسها، وفي حرب الـ33 يومُا في لبنان، المعروفة بحرب تموز، وعلى الرغم من أنها كانت تمتلك ترسانة أسلحة، لم تتمكن من الصمود أكثر من 33 يومًا، وليس أمام جيش او دولة لبنان، بل في مقابل مجموعة مقاومة، باسم حزب الله، وفي النهاية طلبت وقف إطلاق النار.

السعودية وبعض الدول العربية اعتبروا أنّ موقف سوريا الناجح في دعم وحماية المقاومة وفلسطين، إذلالٌ لهم، ولم يتحمّلوا وجود قائد كبشار الأسد وبهذه الصفات بين القادة العرب. سلوك الأسد في مواجهة إسرائيل، كشفَ حجم الخوف والمساومة والخيانة لبعض قادة الدور العربية الأخرى أمام الرأي العام في العالم العربي. لهذا السبب، استقبل بعض القادة العرب فكرة رحيل بشار الأسد واستبداله بشخص أهلٍ للمساومة مع إسرائيل.

لم تكن السعودية ترغب بأن يكون لسوريا دور فعال في محور المقاومة. في أثناء الأزمة السورية، ومع وصول الملك سلمان للحكم، ولعِبِ محمد بن سلمان دورًا في الحكم (ولي العهد)، تم عقد لقاء بين بن سلمان ومسؤول أمني سوري، كان المطلب السوري هو وقف الدعم السعودي التسليحي والمالي للإرهابيين التكفيريين، وكان المطلب السعودي ابتعاد بشار الأسد عن المقاومة. وواضح أنّ الأسد لم يقبل هذا الطلب.

إضافة إلى كل هذا، وعند تحليل سلوك الحكام السعوديين، لا يمكن تجاهل المنافسة مع الجمهورية الإسلامية. إذا أرادت السعودية أن توجه ضربة لإيران، وتواصل معارضتها ومنافستها لإيران، فإنها ترى في سقوط سوريا مكسبًا كبيرًا لها.

يُعتبر سقوط سوريا بالنسبة للسعودية انهيار أحد الأجزاء الأساسية لمحور المقاومة، وقطع يد الجمهورية الإسلامية في إيران من المنطقة. على هذا الأساس، سعت السعودية وبكل طاقتها، لوضع كل إمكاناتها المالية والأمنية في خدمة الولايات المتحدو واسرائيل. استدعت هذه الدولة الإرهابيين ذوي التفكير الوهابي، عن طريق شبكاتها المنتشرة في العالم، وأرسلتهم إلى سوريا. ومنفّذ هذه الخطة، وفقًا للمعلومات والمصادر الأمنية الموثوقة في المنطقة والغرب، كان بندر بن سلطان، الذي شغل آنذاك منصب رئيس الاستخبارات السعودية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: