الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 أبريل 2023 23:04
للمشاركة:

ما هي دوافع السعودية من التوافق مع إيران؟

رأت الكاتبة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط ياسمين فاروق أنّ أهداف السعودية من المضي في الوساطة الصينية بينها وبين إيران تتخطى مسألة الموازنة بين القوى العظمى، في وقت تظهر بكين كطرف قادر على منح الرياض ضمانات من طهران يعجز عنها الغرب.

في 10 آذار/ مارس،أصدرت السعودية، إيران والصين بيانًا مشتركًا أعلنت فيه عن اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران.

بعد سبع سنوات من العداء العسكري والدبلوماسي، اتفقت القوتان الخليجيتان على العمل من أجل حل خلافاتهما بناءً على مجموعة من القواعد الدولية، واتفاقيتين ثنائيتين تم توقيعهما في عامي 1998 و2001. وجاء اتفاق هذا العام بعد خمسة أيام من المفاوضات الشاملة والمكثفة في بكين – وسنتين من المحادثات السعودية الإيرانية المغلقة في العراق وعمان.

ركز جزء كبير من تحليل فاروق الذي نشره معهد كارنيغي، على الدور الصيني المتنامي في الشرق الأوسط، وسط المنافسة العالمية على القوة. مؤكدًا في ذات الوقت على أن الدوافع السعودية تتجاوز التحوّط أمام انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، أو الموازنة بين قوة عظمى وأخرى.

يُعتبر كل من مضمون وعملية هذه الاتفاقية مهمين لفهم الصين والسعودية المشترك لنظام دولي قائم على القواعد والأمن الدولي. هذا اتفاق على مبادئ حل النزاع بين دولتين، وليس اتفاق على الحلول التي سيتم التوصل إليها، وهو يؤكد الالتزام السعودي والصيني المتكرر بمعايير مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي كانت ركائز ثابتة للشراكة الصينية السعودية منذ عام 2006، والتي تظهر في بياناتهما المشتركة، وإجراءاتهما داخل منظومة الأمم المتحدة، وفي مبادرة الأمن العالمي الصينية.

وساعدت الوساطة الصينية أيضًا على التغلّب على نزاع طويل الأمد بين السعودية وإيران بشأن الصراع في اليمن.

تضمّن موقف الرياض الأولي شروطًا مسبقة لأي محادثات مع إيران مبدأ “ترك اليمن لليمنيين”، حيث اعتبرت السعودية دعم إيران لحركة أنصار الله – الحوثيين عقبة رئيسية أمام أي خفض للتصعيد. لكن على مدار العامين الماضيين، تطور الموقف السعودي، وساعدت الصين في الوصول لحل وسط وافقت الرياض بموجبه على طلب طهران إعلان استعادة العلاقات الدبلوماسية قبل أن توقف دعمها لحركة أنصار الله – الحوثيين.

البيان الثلاثي العلني يفتقر إلى أي لفتة إيرانية بشأن اليمن، لكن لغته وتقاريره الصحفية المتتالية تؤكد أن الوساطة الصينية أوصلت الأطراف في النهاية إلى اتفاق، يمنحهم فترة سماح مدتها شهران لإبداء حُسن النية قبل دخول استئناف العلاقات الدبلوماسية حيّز التنفيذ. لا تستطيع السعودية ضمان دور إيراني بنّاء، لكنها تعتمد على بعض الفهم الصيني، وإن كان غير كامل، لموقفها في اليمن. كما تراهن السعودية على مصلحة الصين الراسخة في نجاح ممارسة بكين الأولى للقيادة الدبلوماسية في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التصريحات السعودية تؤطر ارتباطات إيران بموجب هذه الاتفاقية على أنها وعود قُطعت للصين. ووصف مسؤول سعودي لم يذكر اسمه دور الصين في المفاوضات بالأساسي، نظرًا لأنها تتمتع بنفوذ يضمن احترام إيران لالتزاماتها من وجهة النظر الرياض.

فعلى عكس الوسطاء السابقين (عُمان والعراق مؤخرًا)، تتمتع الصين بالنفوذ لضمان احترام إيران لالتزاماتها. كما تمكنت بكين من كسب ودّ الرياض عبر جمع مسؤوليها بمسؤولين أمنيين إيرانيين بدل المستوى الدبلوماسي كما كان يجري سابقًا، حيث أن المملكة تعتبر أن الجانب السياسي أقل سيطرة على اتخاذ القرار في الجمهورية الإسلامية. وتفتقر الرياض تقليديًا إلى الأدوات الدبلوماسية القسرية والردع العسكري للضغط على أصحاب النفوذ الأمني والعسكري داخل إيران، وخاصة الحرس الثوري، من أجل التوصل إلى حل وسط.

قد تعوّض الوساطة الصينية عن هذا الضعف، لكنها أيضًا تضع بكين تحت دائرة الضوء إذا انتهكت طهران ارتباطاتها مع بكين.

أخيرًا، التجارب الفاشلة هي ركيزة النهج السعودي في أي حوار مع إيران – بما في ذلك الاعتماد على القوى الغربية والإقليمية لمحاولة الضغط على إيران للتوصل إلى حل وسط. تلعب الصين دور “الراعي” لأول مرة، ولها فائدة من شك الرياض. إنها القوة العالمية الأولى التي تستخدم نفوذها مع إيران لمعالجة طلبات سعودية محددة في ما يتعلّق بسياسة طهران الإقليمية، من دون تأطيرها علنًا على أنها مبادرات أمنية صينية أو اتفاق نووي.

هناك جانبان سلبيان لاختيار بكين لتسليط الضوء على الأهمية الإقليمية لهذه الاتفاقية. أولاً، قدمت الصين نفسها على أنها “صديق يمكن الاعتماد عليه للبلدين” ، وتبقي نفسها على مسافة متساوية من كليهما. هذا موقف لا تفضله السعودية بالضرورة، حتى لو استفادت من نفوذ الصين على إيران. ثانيًا، تشير الصين أيضًا إلى بُعدها عن النتيجة النهائية، على الرغم من تكرار الوعد بأنها “ستواصل دورها البناء”.

تظل الأولويات الصينية في الشرق الأوسط اقتصادية إلى حد كبير، مع اعتبار الأمن إحدى الوظائف المتعلقة بهذه الأولويات.

يُعَدُّ خفض التصعيد السعودي مع إيران جزءًا من تركيز أكبر للسياسة الخارجية على دعم خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والمعروفة باسم رؤية 2030. تستثمر السعودية مليارات الدولارات لتنفيذ الخطة، والتصعيد مع إيران سيهدد تمويل المشروع، سيعرقل الاستثمار الأجنبي الذي تشتد الحاجة إليه، ويقضي على أحلام السعودية بأن تصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا للحوسبة، الخدمات اللوجستية، التجارة والصناعة.

جاءت وساطة الصين في وقت يميل فيه ميزان القوى الدبلوماسي والاقتصادي الإقليمي نحو السعودية. تسمح أسعار النفط المرتفعة للمملكة بالمضي قدمًا في خطط التنمية الاقتصادية ومضاعفة دبلوماسيتها المالية تحت عنوان: “السعودية أولاً”، لاستعادة النفوذ الإقليمي والدولي.

عملت القيادة السعودية على ترسيخ مكانة البلاد الدولية منذ عام 2018 من خلال تجديد عمليتها في صنع السياسة الخارجية، وإنهاء المواجهات الدبلوماسية، وتحسين السرد الدولي بشأن الدور السعودي في حرب اليمن. تتحرك الولايات المتحدة لتقليص الفجوة في دفاع السعودية ضد إيران وحلفائها. أصبحت إسرائيل شريكًا أمنيًا فعليًا داخل القيادة المركزية الأميركية، ويشكل حرصها على التطبيع مع السعودية تهديدًا لإيران. الأهم من ذلك، أن التقارير المتعلقة بالتغطية السعودية للاضطرابات الداخلية الإيرانية واستثمارها الخاص الواضح في وسائل الإعلام الإيرانية المعارضة زودت المملكة بورقة مساومة قوية.

على الجانب الآخر من الخليج، تتعرض إيران لضغوط من الاحتجاجات المحلية والعقوبات الاقتصادية الدولية المعوقة والعزلة الدبلوماسية. تزيد هذه العوامل من حاجة إيران إلى الدعم الاقتصادي، ليس فقط من الصين ولكن أيضًا من جيرانها الأغنياء، وعلى رأسهم السعودية.

على الرغم من أن هذا قد يبدو وضعًا مثاليًا للرياض، إلا أنه ليس كذلك، فإيران وفق الباحثة لديها سجل حافل بالهجوم على جيرانها عندما يكون استقرار النظام على المحك. ومن الأمثلة على ذلك هجمات برج الخبر عام 1996 وهجمات 2019 على البنية التحتية النفطية في بقيق وخريص، مما أدى إلى تقارير عن “هجوم إيراني وشيك” بعد تهديدات للسعودية، وسط احتجاجات إيرانية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. كما أن طهران أقرب إلى الحصول على اليورانيوم المخصّب الذي يستخدم في صنع الأسلحة، مما قد يزيد من ردع إيران إلى مستوى جديد، ويطلق المزيد من الأعمال العدائية ضد جارتها الخليجية. قد ترعى الصين اقتصاديًا ودبلوماسيًا خفض التصعيد بين إيران والسعودية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ بكين ستتدخل إذا قررت طهران خرق ذلك.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: