“من بلاط الشاه إلى سجون الثورة”.. تفاصيل أيام محمد رضا بهلوي الأخيرة في الحكم
يقدّم الكاتب الإيراني إحسان نراغي في كتاب بعنوان "من بلاط الشاه إلى سجون الثورة"، مذكّرات عن لقاءاته بحاكم إيران قبل الثورة الإسلامية التي سيطرت على البلاد عام 1979، الشاه محمد رضا بهلوي، مضيئًا على الزوايا النفسية لهذا الرجل "الذي وصل نفوذه إلى كل العالم"، كما يأتي في مقدمة للكتاب.
الشاه أطلق المعارضة ضد نفسه!
سريعًا يستعرض نراغي تلمّسه لتغيّر الشاه من الناحية النفسية، بعد أن كانت أحداث الثورة تهزّه بعمق، كما بدا ظاهرًا في لقاءٍ جمعها في أيلول/ سبتمبر 1978، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من مغادرة الشاه إيران.
وفي هذا اللقاء، يعبّر الشاه عن رغبته بسماع آراء بعيدة عن رجاله المقرّبين وأجهزته السرية، فيوجه لضيفه، نراغي، الأسئلة التالية: “من أين يأتي هذا العصيان وهذا الاضطراب الآخذ بالانتشار؟ من هو المحرّض عليهما؟ من يدير هذا المعارضة؟ من أطلق هذه الحركة الدينية”؟
لكنّ المفاجأة كانت بالرّد الذي سمعه الشاه: “أنت نفسك يا جلالة الملك”.
ولتبرير كلامه، يذكّر الكاتب الإيراني مضيفه بالتصريحات القاسية التي أطلقها ضد رجال الدين من مدينة قم قبل 15 عامًا، وتعابيره التي اضطرّت المسؤول عن الراديو والتلفزيون الرسمي الإيراني في تلك الفترة لحذف أجزاءٍ منها.
ومما استغربه الشاه في تلك الفترة، هو قدرة علماء الدين على الوصول إلى الشباب وإقناعهم بأفكارهم، وهكذا راح يسأل عما يجب فعله من أجل إصلاح الأوضاع.
وردًا على أسئلته، يشير نراغي إلى قيام علماء الدين بنشر المنشورات سهلة المنال عبر المساجد، فضلًا عن دور الفيلسوف الإيراني الشهير علي شريعتي، الذي بدا الشاه متنبّهًا جدًا لدوره وتأثيره خلال تلك الحقبة من الزمن.
لهذا لم تحضر ملكة بريطانيا
بعد سقوط حكومة شريف إمامي وتعيين حكومة عسكرية لتولّي شؤون البلاد، على أثر مظاهرات تحوَلت إلى عمليات حرق للبنوك ودور السينما، أطلق الشاه نداءً إلى الشعب قال فيه: “لقد فهمت ثورتكم”.
بعد ذلك التقى نراغي بالشاه في قصر نيارفان، ونقل إليه قلق بعض الشخصيات العالمية من الوضع في إيران، بل وثقة البعض بأنّ النظام سيسقط وستنتصر الثورة بقيادة آية الله روح الله الخميني، كالأمير الفرنسي هيوغ دو بوربون.
وينقل نراغي عن الأمير الفرنسي هذا، وعن رئيس السنغال ليوبولد سيدار سنغور، أنّ كل شيء في الثورة ضد الشاه بدأ مع الاحتفالات في ذكرى مرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية، وهي الاحتفالات المشهورة بالبذخ الكبير الذي شهدته، إثر استقبال عدد كبير من زعماء ورؤساء العالم.
ويشرح الكاتب الإيراني لمضيفه سبب انتقاد تلك الاحتفالات حتى من قبل أمراء وملوك أوروبا، حيث يعتقد هؤلاء بأنّ هذا النوع من الاحتفالات يحيى الأحقاد القديمة على الملكيّات الباقية الهشة والمهددة أصلًا، التي بدأت تتخلّى عن أمجاد الماضي وتعيش في جوٍّ من الكتمان.
هكذا يبرّر نراغي أمام الشاه عدم حضور ملكة بريطانيا ولا ملكة هولندا الاحتفالات كما كان يتوقع، وبالرغم من الحملات المركَزة التي قامت بها السفارات الإيرانية في أوروبا من أجل ذلك.
الوضع سيّءٌ جدًا
في حديثه المطوّل الرابع مع الشاه، يسأل الأخير عن سبل إيقاف “الذين لا يهابون الموت”، إثر تحوَل المظاهرات إلى اشتباكات مع رجال الأمن الذين تحدثوا عن اضطرارهم لإطلاق النار للدفاع عن أنفسهم رغم أوامر الشاه إليهم بعدم إطلاق النار إلا في الهواء.
ويروي نراغي في حواره تفاصيل الحملة التي قامت بها الثورة في تلك الفترة، كالهتاف كلّ مساء “الله أكبر” من فوق السطوح، واصفًا هذه التحرّكات بأنها “فعّالة بشكل مخيف”.
ويضيف الكاتب في حواره مع الشاه: “لن أُخفي عليكِ أننا نصعد أنا وعائلتي إلى السطح كل مساء. أستطيع أن أؤكد لك أنّ طهران كلها تنشد نغمًا واحدًا خلال ربع ساعة، كأنها تتحوّل إلى محيط هادر، وهذا مؤثر جدًا. زد على ذلك، أني أشاهد كل صباح بين الساعة الثامنة والنصف والتاسعة، من نافذة مكتبي، تلامذة المدارس الثلاث في الحي، يبدأون بإطلاق الشعارات ما إن يلمحوا جنودًا”.
رسالة من مهندس زراعي إلى الشاه
عندما توجه الكاتب الإيراني في إحدى لقاءاته الأخيرة مع الشاه قبل سقوطه عن كرسي الحكم، حضر إليه مستقلًا سيارة أجرة يقودها شاب مهندس من محافظة خوزستان.
وجه هذا الشاب رسالة إلى الشاه فيها ما فيها من انتقاد لسياسة التطوير الزراعي المنتهجة، وكما نقل نراغي للشاه مباشرةً، أنّ القصد من وراء رسالة المهندس الشاب هو أنّ تطويرًا حقيقيًا للاقتصاد الزراعي في إيران لا يمرّ بالضرورة بإنشاء السدود الكبيرة.
يستدلّ الشاب على صحة رأيه هذا بتجربة سد خوزستان، الذي كان قد أُنشئ قبل 15 عامًا، ولم يؤدِّ، في غياب أعمال الري الملائمة، إلى أي تطوير ملموس، لافتًا إلى أنه لو جرى ضخ المياه على طول النهر الكبير “كارون”، لاستفاد المزارعون بشكل أكيد.
ويعلّق نزاغي على رسالة الشاب المهندس بالتالي: “أعتقد بأنّه كان يقصد القول إنّ كل تخطيط تكنوقراطي، كونه يتم بشكل فوقي، لا يمكنه أن يراعي بما فيه الكفاية مصالح الشعب. خلال السنوات الأخيرة، هذا العدد الكبير من المشاريع الاقتصادية قد أفاد بشكل خاص الأجانب وشركاءهم الإيرانيين الموجودين الآن في أوروبا والولايات المتحدة”.