إيران والزلازل… حصة السياسة
لم تهتز الأرض هكذا منذ زمن بعيد، هكذا يقول كثيرون. لكن الحقيقة أن سلسلة الزلازل التي لم تتوقف منذ الفجر المشؤوم للسادس من شباط الجاري لم تكن سوى تجربة مكثفة لما مر على المنطقة على مدى السنوات الماضية. لم يحل الدمار على منطقة غريبة عنه، لم تهتز الأرض في بلاد مستقرة، لم تخسف أرض إلا لتظهر شقوقا اتسعت واتسعت بين بلدان يجمعها تقريبا كل شيء، وتفرقها السياسات.
لم تهتز الأرض هكذا منذ زمن بعيد، هكذا يقول كثيرون. لكن الحقيقة أن سلسلة الزلازل التي لم تتوقف منذ الفجر المشؤوم للسادس من شباط الجاري لم تكن سوى تجربة مكثفة لما مر على المنطقة على مدى السنوات الماضية. لم يحل الدمار على منطقة غريبة عنه، لم تهتز الأرض في بلاد مستقرة، لم تخسف أرض إلا لتظهر شقوقا اتسعت واتسعت بين بلدان يجمعها تقريبا كل شيء، وتفرقها السياسات.
قد ينحى الرومانسيون باتجاه القول إن الزلزال لحظة الذروة التي ستأتي بعدها الحلول من كل جانب، لحظة الحقيقة التي لأجلها مات عشرات الآلاف تحت أسقف منازلهم، لتعيد دماؤهم المتفرقين إلى كلمة سواء. لكن هذا يبقى بعيدا عن الواقع الذي تحكمه لغة المصالح والسياسة التي لا تعترف بالعواطف والأحلام.
الهزات الارتدادية هي الحاكم هذه الأيام، وكما في تركيا وسوريا كما في بقية المنطقة وصولا إلى إيران التي بدورها شهدت هزة سياسية واجتماعية امتدت لأشهر في شوارعها ومدنها وداخل نظامها الذي احتوى الحريق لكنه لا يزال يتعامل مع الجمر الذي تحت الرماد. ولأن إيران في سوريا فالزلازل الطبيعية حركت الأرض من تحتها هناك ما جعلها تستنفر هي وحلفائها لاحتواء مشهد كان يتشكل وتعزز بحكم الكارثة الإنسانية بين دمشق وأبو ظبي ومن خلفها الرياض. دلالة زيارة عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، إلى سوريا مباشرة بعد الحدث الطبيعي، وإن كانت طبيعية في سياق العلاقة بين البلدين، حملت إشارة لا يمكن أن تتجاهلها مجسات الاستشعار الإيرانية. والرغبة السورية في احتضان عربي لا يمكن إلا أن تمرّ من رتق لا يبدو أنه يًلم رغم كل المحاولات لجعله يبدو وكأنه لم يكن.
لا تعترف إيران أو أي من حلفائها بالفجوة التي تكبر بينها وبين سوريا، تماما كما أنها لا تتعامل جديا بالفتق التي نشأ في العراق خلال السنوات القليلة الماضية. المسألة تأخذ بعداً أكبر لأنها تتشكل مجتمعيا قبل أن تصعد السلم نحو هرم السلطة، فتبدو طهران عاجزة حتى عندما يصبح امتداد ثورتها العضوي في لبنان، حزب الله، حاكما وغير حاكم في آن. إنها معضلة المشروع الذي يواجه أزمة التسييل سياسيا لأسباب تبدأ من الحصار الاقتصادي ولا تنتهي في غياب خطاب قادر على تقديم أجوبة على الأسئلة الأكثر الحاحا، في الاقتصاد والاجتماع، والأهم من الأولين على عين المشروع الذي يعيش معضلة التداخل بين الوسيلة والغاية.
في المسار من الثورة إلى الدولة هزّات لم تعرف نهاية بعد. وفي المسار من المقاومة إلى الدولة الأمر سيان، هناك معضلة عصية على الحل وتتمثل في العلاقة بين السلطة التي انتجتها الثورة وامتداداتها الإقليمية مع العامل الإنساني الحاضر الغائب عن المعادلة. فالشعوب تحلم بالقضايا الكبيرة وتعشق القادة الخطباء وتقدّر القوة والردع وكل المفردات التي يمكن استخدامها في هكذا محضر، لكنها قبل أن تنام لتحلم وترى احلامها وقائع، تبحث عن كسرة خبز تسكن بها جوعها، عن طبيب يعالج سقمها، عن سقف يقيها المطر والحر. هؤلاء لا يريدون أن يكونوا عائقا في طريق الأهداف الكبرى، لكنهم يرغبون أيضا في مقومات صمود تمنع عنهم يد العدو الطويلة، وتمنحهم مقاومة ذاتية لحظة يراد بهم أن يكونوا في غير موضعهم، كيف لا وهم على امتداد منطقة الزلازل المستمرة لم يحظوا بليلة هادئة منذ عقود.
ستعيد تركيا بناء ما تهدم، وسوريا ستجد طريقة لذلك أيضا، تماما كما فعلت إيران بعد زلازل بم وسسيستان بالوشستان ومؤخرا كرمنشاه، هذا ليس بالصعب على دول اعتادت كوارثا وحروب في أزمان مختلفة، العسير يبقى رأب الصدوع الداخلية التي من شأنها التسبب بزلازل أشد فتكا وأكثر دمارا على الدول.