الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 أغسطس 2022 22:42
للمشاركة:

“الموت في لهيب الاحتجاج”.. ما هي أسباب زيادة معدلات الانتحار في إيران؟

نشرت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية تقريراً عن حالات الانتحار حرقاً في إيران، حيث اعتبرت أنّ هذا الأمر يمثل حالة اجتماعية خطيرة تزداد يوماً بعد اليوم بسبب المشاكل الاقتصادية والمعيشية للناس وعدم قدرتهم على مواجهة واقعهم الصعب، مشيرةً إلى أنّ البلاد تشهد كل يوم 288 محاولة انتحار منذ العام الإيراني 1400، أي منذ آذار/ مارس 2021، ووفاة شخص واحد على الأقل منتحراً كل 16 يوماً.

ووفق الصحيفة، منذ بداية أواخر أيار/ مايو من هذا العام وحتى 31 تموز/ يوليو، أضرم ثمانية عمال النار في أنفسهم احتجاجاً على المشاكل المعيشية، وبحسب الأخبار المتداولة فإنّ الأسباب تعود لأشياء مثل الفصل، تعديل وضع العمل، عدم وضوح مصير عقد العمل، المطالب التي لم يتم الرد عليها وعدم القدرة على توفير لقمة العيش. وقدمت “اعتماد” تفاصيل عدد من تلك الحالات:

  • في 22 أيار/ مايو، أضرم أحد العمال في شركة غلستان للتبغ النار في نفسه أمام مبنى مكاتب الشركة في جرجان. وكما ذكر رئيس طوارئ غلستان، كان الضحية رجلاً يبلغ من العمر 50 عاماً أصيب بحروق بنسبة 60%. أما زملاء هذا العامل فقد أرجعوا قيامه بإحراق نفسه لتوبيخه بعد وقوع حادث في مقر الشركة وعرضه على لجنة الانضباط ونقله إلى وحدة أخرى، بعد مضيّ 20 عاماً على عمله كسائق في هذه الشركة.
  • في 23 أيار/ مايو، أضرم عامل في دائرة المياه والصرف الصحي في مدينة قلعة الريسي (من مقاطعة شاروزا/ كاهغيلوية) النار في نفسه، وبحسب رئيس منطقة شاروزا، فإن الرجل يبلغ من العمر 40 عاماً ولديه أربعة أطفال، وقد أحرق نفسه احتجاجاً على التأخير في دفع رواتبه وعدم وضوح مصير عقد العمل، وقد تم نقله إلى مستشفى في مدينة شيراز لتلقي العلاج، لكنه توفي بعد يومين متأثراً بحروقه البالغة.
  • في 28 أيار/ مايو، قام شخص يعمل في مديرية الصناعة والتجارة بإحراق نفسه في غرفة رئيس القسم، ووفقاً لهذا الأخير، فإنّ الرجل كان يعمل كمصلح لأدوات البناء ولديه شكوى خاصة، وكان من المفترض إحالته إلى دائرة العقوبات الحكومية في المدينة لرفع دعوى. تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد إصابته بحروق بنسبة 45٪.
  • في 4 حزيران/ يونيو، أضرم عامل في ياسوج النار بنفسه بسبب عدم قدرته على سداد دين قدره 10 ملايين تومان، وهو متزوّج وأب لثلاثة أطفال، توفي لاحقاً متأثراً بحروق بالغة.
  • في 9 حزيران/ يونيو، قام عاملان في شركة فارابي ماهشهر للبتروكيماويات بحرق أنفسهم احتجاجاً على فصلهما من وظيفتيهما بعد ثلاث سنوات في الخدمة.
  • في 29 حزيران / يونيو، أضرم رجل يبلغ من العمر 30 عاماً النار في نفسه في حي هاني فان في إيلام بسبب مشاكل معيشته.
  • في 30 حزيران/ يونيو أضرم عامل في إدارة المياه والصرف الصحي في لاهيجان النار في نفسه أمام دائرة المياه والصرف الصحي في هذه المدينة بسبب تعليق عمله وعدم حصوله على إيضاحات معيّنة من رئيسه.

وبحسب الرئيس التنفيذي لهذه الدائرة، فإن هذا العامل كان جابياً أوقفه المقاول عن وظيفته منذ شهرين، ثم نُقلت جثة هذا العامل المحترقة إلى إحدى مستشفيات لاهيجان، ولكن بسبب شدة الحروق وتدهور حالته العامة، تم نقله إلى أحد مستشفيات مدينة رشت.

ارتفاع حالات الانتحار

ولفتت الصحيفة الإصلاحية إلى أنه في عام 2019، أعلن المسؤول عن برنامج الوقاية من الانتحار في وزارة الصحة أنه في عام 2018 تم تسجيل حوالي 100000 محاولة انتحار في البلاد. وبحسب هذا المسؤول، زاد معدل الانتحار بين 2015 و2018، حيث ارتفع من 94 حالة بين كل 100 ألف شخص إلى 125 حالة.

وتابعت “اعتماد”: “في منتصف شتاء 2020، أفاد مصدر مطلع في التنظيم الطبي القانوني بالدولة بأنّ عدد ضحايا الانتحار ارتفع بنسبة 4.2٪ في الأشهر الثمانية الأولى من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. في حين بلغ العدد الإجمالي لضحايا الانتحار في البلاد عام 2019، وفقاً لإحصائيات هذه المؤسسة القضائية، 5143 شخصاً، كما أعلن المجتمع العلمي لمنع الانتحار في إيران في آذار/مارس من العام الماضي ارتفاع متوسط الوفيات بسبب الانتحار خلال السنوات العشر الماضية 2011-2021 من 6 لكل 100000 شخص إلى 7.2 لكل 100000 شخص”.

وأكملت “اعتماد”: “بناءً على هذه الإحصائيات الرسمية، إذا افترضنا أنه حتى اليوم ظلت هذه الأرقام ثابتة ولا يوجد أي من العوامل التي تؤثر على تفاقم الاضطرابات النفسية، كالبطالة، انخفاض دخل الأسرة، انخفاض القوة الاقتصادية للأفراد، تقليل رأس المال الاجتماعي، تراجع ثقة الجمهور في الحكومات، التوترات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبقي نفس العدد القديم البالغ 23.4 ٪ من سكان البلاد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 عاماً، فإننا شهدنا العام الماضي، في كل في يوم من أيام السنة، محاولة انتحار288 رجلاً وامرأ. (105.200 في المجموع) وكل 16 يوماً، يموت شخص واحد منتحر (إجمالي 6048 وفاة). هذا رقم افتراضي لأن بعض طرق الانتحار لها تأثير فوري، كذلك فإنّ أكثر طرق الانتحار إيلاماً هو احراق النفس، والذي يشير إليه الأطباء النفسيون وخبراء علم النفس على أنه احتجاج اجتماعي، وهو من نتاج الحكومات وسببه اليأس المطلق للإنسان لجهة الانتقال لغد أفضل”.

وتساءلت عن الرسالة الحقيقية التي يحملها إضرام ثمانية عمال ذكور النار بأنفسهم خلال أقل من 70 يوماً، في هذه الأيام في ظل إعلان الحكومة مراراً وتكراراً شعار دعم الفئات الضعيفة، منع ارتفاع الأسعار، منع انكماش سفرة الأسرة، توزيع الإعانات الاقتصادية وتحسّن في الظروف المعيشية. معتبرة أن هذه الإحصائية تعد رسالة مقلقة مقارنة بأخبار وأسباب الانتحار في العقد الماضي2010-2020.

وأوضحت أنه منتصف ذلك العقد ، كان إحراق النفس عملاً شائعاً في بعض المناطق الإيرانية، بما في ذلك جنوب وغرب وشمال غرب البلاد، حيث أرادت النساء والفتيات، باختيار طريقة إحراق النفس هذه، التعبير عن احتجاجهن ضد التقاليد والثقافة السائدة. فكان الاعتراض على الزواج القسري، ومنع استمرار التعليم من قبل الوالدين أو الزوج، والقيود الثقافية والدينية والعرقية والقبلية، من أهم الأسباب التي دفعت النساء والفتيات في جنوب وشمال غرب وغرب إيران لاختيار الطريقة الأكثر إيلاماً لإنهاء حياتهم.

وبحسب ملاحظات مراسل “اعتماد” من قسم الحروق في مستشفى الإمام الخميني في كرمنشاه أواخر العقد 2000-2010 ، فقد سئمت الفتيات والشابات اللواتي أقدمن على الانتحار من المشاكل الأسرية والصراعات التي لا تنتهي مع أزواجهن أو عائلات أزواجهن، وكذلك بسبب المشاكل التعليمية، حيث لم يجدن أي طريقة أخرى للتعامل مع المشاكل. ورأت الصحيفة الإصلاحية أنّ الشيء المهم والمؤلم هو أن المجتمع المحيط، كسكان القرية أو المدينة التي يعيش فيها الضحايا، وحتى أفراد الأسرة، لم يتفاجأ كثيرًا بهذه الطريقة في الانتحار، لأن هذه المسألة اصبحت أمراً شائعاً يومياً في المناطق الغربية والشمالية الغربية والجنوبية من إيران.

حسين راغفر الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي قال في حديث لـ “اعتماد”: “إنّ تدمير الذات أو الانتحار ليس مسألة مباشرة أو عفوية، وإنما هي مسألة تراكمية، حيث تعمل مجموعة من العوامل على جعل الشخص يائساً لأنها تفرض عليه ضغوطاً واسعة النطاق، كما إنّ اضرام النار في النفس من أسوأ أشكال الانتحار، لأن هناك طرقاً أخرى للانتحار، لكن من يقوم بإحراق نفسه يريد التعبير عن احتجاجه، و يجب اعتبار الانتحار وخاصة إحراق النفس تمرّداً”. وأضاف الخبير الاقتصادي: “أنّ الإدمان، الدعارة، الانتحار، دخول عالم الجرائم، حتى الهجرة وهجرة الأدمغة، هي أشكال من التمرد على الفوضى أو النظام القائم الذي تجاهل ضحاياه، ولهذا السبب يحاولون الخروج من هذه الأزمة التي يواجهونها حيث يلجؤون إلى هذه الأدوات”. وعن اختيار الضحايا لطريقة الانتحار بإحراق النفس، لفت راغفر إلى أنّ هؤلاء الأشخاص لم يكن هدفهم تقديم عرض أو إثارة المشاعر في المجتمع، وإنما رسالتهم الرئيسية هي تحرير أنفسهم من الضغط النفسي الذي يواجههم.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: