الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 يوليو 2022 07:26
للمشاركة:

المفاوضات النووية تتعثر في الدوحة.. أصوات المنتقدین تتعالی في إیران

"كونوا شجعانًا وأعلنوا وفاة الاتفاق النووي"؛ هكذا عبّرت الصحافية الإصلاحیة الناشطة في مجال السیاسة الخارجیة فاطمة كلانتري، عن رأیها تجاه ما تعتبره الأوساط السیاسیة فشل المحادثات غیر المباشرة في الدوحة بین إیران وأميركا لإحیاء اتفاق 2015 النووي.

ولم تكن كلانتري الوحيدة في معارضة مسار المفاوضات، بل یمكن ملاحظة أن أصوات المعارضین لتوجهات حكومة إبراهیم رئیسي الخارجیة، بالتحدید تجاه الملف النووي، تتعالی لأول مرة منذ العام الماضي، حیث تعتبر أن التأخیر في استخدام فرصة الاتفاق مع إدارة الرئيس الديمقراطي جو بایدن بعد سنوات من تحمل الضغوط القصوی، أكبر خطأ إستراتیجي یؤدي إلی حرمان طهران من النافذة الذهبیة التي فتحت في أسواق الطاقة بعد اندلاع الحرب في أوكرانیا.

وقد سبقت انطلاق المحادثات في العاصمة القطریة الدوحة أجواء متفائلة جدًا في إیران، توقعت رفع العراقیل أمام إحیاء الاتفاق عبر حوار شبه مباشر بین طهران وواشنطن. وانعكست الأجواء هذه إيجابًا علی سوق سعر الصرف حیث تراجع الدولار إلی أقل من 30 ألف تومان یوم الخمیس الماضي. لكن، ومع تغیّر الأجواء وتسریب تقاریر سلبیة عن تفاصیل المحادثات في الدوحة عبر وكالة تسنیم للأنباء المحسوبة علی الحرس الثوري، انقلب المشهد لیعود الدولار إلی ما فوق الـ32 ألف تومان خلال یومین.

ویجري كل ذلك بینما تشیر آخر الإحصائیات التي أصدرها مركز “أستاتیس” لدراسة الرأی العام، أن نسبة الإیرانیین الذین یرون أن التفاهم مع الغرب وإحیاء الاتفاق النووي سینقذ اقتصاد البلاد بلغت 55%. كما أن نسبة شعبیة الرئیس الإیراني إبراهیم رئیسي بقيت تحت الـ28%، رغم الحملات الإعلامیة الواسعة لتغطیة إنجازاته حسب الإحصائیة.

ويشكل ارتفاع سعر الدولار عاملًا أساسیًا في تحدید أسعار السلع والخدمات في الأسواق الإیرانیة، وانتقد الكثیر من المعارضین مزاعم الحكومة حول عدم ربط الاقتصاد ومعيشة الناس بالمفاوضات مع الغرب. وفي هذا السیاق، كتب الخبیر الاقتصادي سیامك قاسمي في تغریدة له: لن تنحل عقدة المفاوضات والاقتصاد ومائدة الناس عبر الكلام الفارغ.

“فخ أميركي في الدوحة”

وزادت التسریبات في وسائل الإعلام الغربیة عن أسباب تعثر المفاوضات في الدوحة من النظرة المتشائمة تجاه وفد إیران التفاوضي بین المنتقدین، حیث نقل موقع أكسیوس عن مصادر أوروبیة قولها إن الوفد الإیراني أعاد طرح مطالبه السابقة علی الطاولة في محادثات الدوحة، ما حال دون وصول الطرفين إلی الاتفاق.

ورد الخبیر السیاسي والعضو السابق في مركز الدراسات الإستراتیجیة للرئاسة الإیرانیة دیاكو حسیني علی هذه التقاریر بالقول: القواعد السائدة في العلاقات الدولیة لا تشبه صفقات العقارات، ولا يوجد نموذج من “الضمانات” في الاتفاقات الدولیة.

في المقابل، رحبت الجهات المحافظة أو المتشددة في النظام الإیراني بأداء الوفد التفاوضي، معتبرة أن ما جری في الدوحة لعبة أميركیة للحصول علی ما لم تحصل علیه في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عبر الدبلوماسیة الناعمة. وفي سیاق متصل، دعم خطیب الجمعة في مدینة مشهد ومندوب القائد الأعلى فیها، وهو أیضًا والد زوجة الرئیس الإیراني، آیة الله علم الهدی، موقف الحكومة من المفاوضات، قائلاً: “إن قطر كانت فخًا أميركیًا بامتیاز. دخلت هذه الدولة الخلیجیة باعتبارها سمسارًا للمصالح الأميركیة في المنطقة علی خط المفاوضات للتلاعب مع المصالح الإیرانیة، لكن الوفد التفاوضي الذي یرأسه شاب متدین یؤدي صلاة اللیل وقف أمامهم بشجاعة”.

كما اعتبرت صحیفة “كیهان” الأصولية أن محادثات الدوحة التي توقفت خلال أقل من یومین هي إنجاز دبلوماسي أثبت مدی جدیة الطرف الإیراني أمام الغرب. بدوره رفض مستشار الوفد الإیراني محمد مرندي ما يتم تناوله في وسائل الإعلام بشأن مطالب إیران غیر المنطقیة في المفاوضات، مؤكدًا أن ما تم طرحه من جهة طهران یندرج ضمن صلاحیات إدارة بایدن.

خلاف بين عبد اللهيان وباقري كني؟

بالتزامن مع هذا، زعم عدد من المصادر غیر الرسمیة في إیران، أن وزیر الخارجیة حسین أمیر عبد اللهیان وجه رسالة لرئيسي طالب من خلالها باستبدال رئیس الوفد التفاوضي باقري كني بدبلوماسیین بارزین یجیدون فن التفاوض، نظراً لتعثر المحادثات بعد أشهر من انطلاقها مجدداً. ولیست هذه أول مرة تفید تقاریر غیر رسمیة بوجود خلاف بین وزیر الخارجیة ورئیس الوفد التفاضي الذي علی ما یبدو یعمل بإشراف المجلس الأعلی للأمن القومي برئاسة اللواء علي شمخاني، ولیس وزارة الخارجیة.

لكن وردًا علی ذلك، أعلن عبد اللهیان عبر تغریدة يوم الجمعة، أن باقري كني یعمل بالتنسیق معه بشکل منطقي ومعقول بهدف رفع العقوبات عن الاقتصاد الإیراني، وهكذا نفی الشائعات المتداولة. ورغم اتخاذ هذا الموقف الصریح بشأن رئیس الوفد التفاوضي، لا یمكن تجاهل التوجهات المختلفة بین الرجلین في عدد من الملفات كونهما منتمیان لمعسكرین مختلفین في الجناح الأصولي.

من جهة أخری، أثارت زیارة باقري كني إلی العاصمة الروسیة دون إعلان مسبق، موجة أخری من الانتقادات في أوساط المعارضة الإصلاحیة، التي تنظر إلی الدور الروسي في المفاوضات نظرة سلبیة. واعتبرت هذه الجهات أن الزیارة تأتي في إطار تقدیم التقریر عما جری في الدوحة من المستجدات التفاوضیة بغیاب الوفد الروسي.

وكتب المحلل والناشط المنتمي إلی التیار الإصلاحي إحسان سلطاني في تغریدة له: “بعد أشهر من المفاوضات غیر الشفافة ودون إعطاء أي تفاصیل للشعب الإیراني، یذهب رئیس الوفد التفاوضي إلی موسكو لمشاركتهم المعلومات، واللافت أننا نعلم بالزیارة عبر حساب الخارجیة الروسیة ولیس عبر مصدر إیراني”.

ومن بین الحملات المعارضة والمؤیدة لأداء الوفد التفاوضي، یبقی مستقبل مسار التفاوض علی أحد أهم الملفات الدولیة مجهولًا في ظل عجز الطرفین عن تقریب مواقفهما بشأن إحياء الاتفاق.

ویری المحلل الإیراني وأستاذ العلاقات الدولیة رحمان قهرمانبور أن المشاكل الداخلیة في كلا البلدین تمثل العقبة الأساسیة للذهاب نحو الاتفاق. وكتب قهرمانبور عبر تغریدة: حكومة رئیسي مضطرة إلی التوصل لاتفاق یشمل إنجازات أكثر بالنسبة لاتفاق 2015، من أجل الحفاظ علی قاعدته السیاسیة والاجتماعیة، بینما تعجز إدارة بایدن عن إعطاء تلك الإنجازات في ظل الظروف الداخلیة قبیل الانتخابات التشریعیة التي تنتظرها.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: