كيف أصبحت إيران مركز حركة النقل للدول المجاورة؟
ذَكّرَ الكاتب الصحافي بورزو دراغاهي أنه منذ أكثر من ستة أشهر بقليل، شقت شاحنتان من إمارة رأس الخيمة الواقعة في أقصى شمال الإمارات العربية المتحدة طريقهما جنوباً إلى ميناء الشارقة، ثم تم نقل الحمولة من خلال عبارة متخصصة عبرت المياه الخليجية إلى ميناء بندر عباس الإيراني، حيث أُنزلت في محطة شهيد باهنار واتجهت بخط مباشر في طريق سريع متعدد المسارات الجيدة نسبياً في إيران.
بعدها، بحسب مقال الكاتب على موقع “أتلانتيك كاونسل”، تم التوجه شمالاً على امتداد الأراضي الإيرانية إلى الحدود الجبلية مع تركيا، وعبور حدود بازارجان – كوربولاك، ثم إلى جنوب الغرب باتجاه ميناء مرسين التركي على البحر الأبيض المتوسط.
هكذا، كما يروي دراغاهي، تم إنشاء طريق تجاري جديد، طريق تقفز عليه الجهات الفاعلة الإقليمية ويمكن أن يبني نوعاً من العلاقات التجارية التي تشجع العلاقات السلمية.
دراغاهي يجد أنّ هذا الطريق منطقي للغاية، على حد تعبيره، حيث استغرق نقل الحمولة من شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأبيض المتوسط ستة أيام فقط، وفقاً للمنظمة العالمية للنقل البري (IRU) – اللوبي الدولي للشاحنات والنقل – مستنتجاً أنَ هذه المدة هي جزء بسيط من مدة تصل إلى 21 يوماً أو نحو ذلك لو تم نقل الشحنة من الخليج إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس حتى البحر الأبيض المتوسط.
ومن هذا المنطلق، يعلّق مات أورسمان الشريك في شركة المحاماة الدولية المتخصصة في العقوبات الدولية والقانون التجاري “بيلسبري” بالقول: “”أكبر شذوذ تاريخي هو غياب إيران عن نظام التجارة العالمي”.
ولفت دراغاهي إلى أنه منذ فتح هذا الطريق الإيراني، قامت قرابة ألف شاحنة بالرحلة بين تركيا والإمارات، معظمها تحمل بضائع من الغرب إلى الشرق، بحسب أرقام قدمها المكتب التجاري للرئاسة التركية.
وتشمل المنتجات المحمّلة على هذه الشاحنات – التي تبلغ قيمتها الإجمالية الملايين – السلع الاستهلاكية، المواد الغذائية، مستحضرات التجميل، الآلات، قطع الغيار والممتلكات الشخصية للمغتربين الذين يتنقلون ذهاباً وإياباً.
إضافة إلى ذلك، أشار دراغاهي إلى أنه يتم تسهيل الرحلات من خلال مجموعة واحدة من وثائق العبور كلفتها 30 دولاراً، صادرة عن منظمة النقل البري الدولي وتصلح في عشرات الدول الأوروبية والآسيوية.
ووفق الكاتب، تستفيد باكستان أيضاً من الطريق البري الإيراني الذي تم إطلاقه حديثاً إلى تركيا، والذي يختصر أوقات السفر للبضائع بين جنوب آسيا وأوروبا من أربعين يوماً عن طريق البحر إلى أقل من أسبوع.
بالإضافة إلى ذلك، تشعر دول آسيا الوسطى بالقلق من الاختناقات في موانئ بحر قزوين التي تسببت بتأخير لأسابيع – بالإضافة إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا التي أعاقت حركة المرور في أوراسيا – وهي تتطلع إلى إيران لتحريك البضائع ذهاباً وإياباً، كما أورد دراغاهي.
وتابع: “من الناحية التجارية، فإنّ استخدام إيران كطريق بري أمر منطقي أيضاً. أدى النقص العالمي في الحاويات إلى زيادة تكلفة الشحن البحري، كما أدى خطر القرصنة أو الإرهاب في البحر إلى ارتفاع أسعار التأمين. هذا الخيار البري هو مثيل تقريباً لطريق الحرير القديم الذي يربط آسيا بأوروبا ويقلل من أوقات العبور، كما يقلل من تكاليف التأمين والتبريد، ويخفف من اختناقات النقل الأخرى، ويمكن أن يخفف من النقص في سلسلة التوريد، مما يفيد الشركات والمستهلكين في جميع أنحاء العالم”.
وبرأي دراغاهي، الخيارات البرية الأخرى أقل جدوى، حيث أنّ العراق يحظر حالياً النقل العابر لحدوده، كما لا تزال مناطق شاسعة من سوريا غير مستقرة وفي حالة نزاع مسلّح، مما يترك إيران كخيار أفضل.
وأكمل الكاتب: “أخبرني المسؤولون الأتراك إنه تم تنفيذ 300 رحلة لشاحنة فردية على طول الطريق في الأشهر القليلة الماضية من عام 2021، وتجاوز العدد 700 رحلة خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام”.
ورجّح دراغاهي أن يؤدي المزيد من التكامل الاقتصادي مع إيران، كنعمة كبيرة للأعمال والتجارة، إلى تقويض المحاولات المستمرة من قبل الولايات المتحدة لإبقائها معزولة، في حين لا تزال أجزاء من ميناء بندر عباس خاضعة للعقوبات الأميركية على وجه التحديد.
ومع ذلك، كما يستدل الكاتب، هناك دليل على أن دول المنطقة – على الأقل في هذه الحالة – تختار تجاهل ما يفضله الأميركيون.
إلا أنّ بعض مكامن الخلل تحتاج إلى التسوية في هذا الطريق الجديد، كما يذكر دراغاهي. على سبيل المثال، تأتي عطلات نهاية الأسبوع في إيران يومي الخميس بعد الظهر والجمعة، بينما تكون عطلات نهاية الأسبوع في تركيا يومي السبت والأحد، مما يتسبب أحياناً بفترات انتظار طويلة عند معبر بازركان الحدودي، كما تعني القيود المفروضة على الوقود في المحطات الإيرانية أنه يجب على السائقين التوقف لملء خزاناتهم كل بضع ساعات.
ومع ذلك، ينقل الكاتب عن اثنين من المطلعين على الأمر أنّ طريق التجارة الإيراني يثبت أنه جذاب للغاية لدرجة أنه من بين القوى الدافعة وراء الدبلوماسية الإقليمية الأخيرة، فبعد وقت قصير من إنشاء ممر النقل، جاء حاكم الإمارات محمد بن زايد إلى تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث وضع الزعيمان جانباً سنوات من الخلافات بشأن ليبيا وسوريا والرؤى الأيديولوجية المتضاربة للشرق الأوسط لمناقشة الصفقات التجارية والاستثمارية.
وفي هذا الإطار، قال الخبير الاقتصادي سليم كورو إن الطريق الإيراني كان من بين العوامل التي شجعت أردوغان على تنحية الماضي جانباً والاقتراب من القيادة السعودية – بمن في ذلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وأضافت مصادر عدة أنّ هذا الطريق كان من بين العوامل التي دفعت المحادثات التي استضافتها بغداد مؤخراً بين السعودية وإيران.
وإدراكاً لإمكانية تطوّر النقل البري في المنطقة، تدرس الحكومة العراقية فتح أراضيها أمام مركبات الترانزيت، كما جاء في مقال دراغاهي، الذي نوّه إلى أنه بعد أن طغت الحرب في أوكرانيا على المشهد العالمي، نظرت الحكومة الأميركية إلى الإشارات التي تدل على اندماج إيران في المنطقة. وعلّق الكاتب: “ربما هذا هو الأفضل”.
واستطرد دراغاهي: “في الغرب، تخلّى المنظرون السياسيون منذ فترة طويلة عن النظرية التي كانت شائعة في السابق بأنّ زيادة التجارة والازدهار من شأنه أن يمكّن الطبقات الوسطى في الدول الاستبدادية من قيادة دولهم إلى الديمقراطية الليبرالية. في الواقع، مع ازدياد ثرائهم، أصبحت البرازيل والصين والهند وروسيا أكثر قمعية وأقل ليبرالية وأكثر عدوانية على المستوى الدولي. في إيران وتركيا ودول الخليج، فشل الازدهار الاقتصادي في إحداث تغيير ديمقراطي”.
لكن على أقل تقدير، برأي دراغاهي، يمكن أن تؤسس طرق التجارة والاعتماد الاقتصادي المتبادل مقياساً للعقلانية والكفاءة، وربما تخلق حوافز للسلام بين الخصوم القدامى، تماماً كما أدى دمج صناعات الصلب الفرنسية والألمانية بعد الحرب العالمية الثانية إلى استحالة نشوب صراع مسلّح آخر بين الدولتين.