“القتل بألف طعنة”.. ماذا وراء الوفاة الغامضة للمهندس الإيراني أيوب انتظاري؟
حلقة جدیدة من مسلسل الاغتيالات أو الموت الغامض في إيران قد تتحول إلى وقود لحرائق کبرى علی امتداد الشرق الأوسط، فبعد أيام من اغتیال الضابط الرفیع في فيلق القدس الإيراني العقید حسن صیاد خدايي عبر اطلاق النار عليه أمام منزله في العاصمة طهران، والسقوط المشبوه لزمیله العقید إسماعيل زادة من علی شرفة منزله في مدینة کرج قرب العاصمة، تتناقل وسائل الإعلام الإيرانية معلومات عن وفاة عالم الفضاء أيوب انتظاري في ظروف غامضة.
وذكر بیان عائلة انتظاري عن مراسم التشييع أنه توفی في 22 أيار/ مايو الماضي في ظل صمت مريب لوسائل الإعلام المحلية لم يدم طويلاً، حیث عبر عدد من أصدقاء الرجل وزملائه – معظمهم من جامعة “صنعتي شريف” التكنولوجية (أهم جامعة صناعیة في إيران) – عن حزنهم واستیائهم لخساره عالم إيراني کبیر، وذلك عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
وقد تم تداول منشور كتبه أحدهم علی حسابه على “انستغرام”: “للأسف الشدید توفی أحد النخب الإيرانية في مجال الفضاء بشکل مریب للغایة. لقد أعلنوا التسمم کسبب للوفاة، بینما لم یصب أي من أقاربه بهذا الأمر، کما أنه کان بحالة طبیعیة قبل یوم من وفاته حسب جمیع التقاریر”.
جاء في الجزء الأخير من المنشور: “لقد تلقی الدکتور المتوفی تهدیدات متکررة عبر بریده الاکتروني”.
الروایة الرسمیة المنتشرة لدى وسائل الإعلام الإيرانية، بما فيها وكالة “ارنا” الحكومية، اكتفت بوصف “عالم في مجال الصناعة والطیران” لأيوب انتظاري. لكن بحسب المعلومات التي حصلت علیها “جادة إیران” فإنّ الرجل کان رقماً صعباً في مجالات يمكن وصفها بالحساسة للأمن الإيراني. فهو أستاذ رئیسي في التصمیم الإنشائي لتوربینات صناعة الطیران، بما في ذلك المحرّكات النفاثة من الجیل الرابع التي تم الکشف عنها لأول مرة من قبل وزارة الدفاع الإيرانية في آب/ أغسطس 2020، وتم وصفها بأنها اختراق في الصناعات العسکریة البحرية والصواریخ والمرکبات الجویة من دون طیار.
وکان انتظاري متخصصاً أيضاً في تجارب الصدمة الحراریة للشرفات والأقراض، وهي حالة تنکسر فیها المادة أو تتشقق بسبب التسخین أو التبرید بسرعه کبیرة.
يتم إجراء اختبارات الصدمات الحراریة لتحدید قدرة العبوة أو أجزاء الطائرة أو المعدّات العسکریة أو الأجهزة الالكترونية، مثل أجهزة الطرد المرکزي الغازیة، علی تحمّل التغيّرات الشدیدة.
بدورها تتحدث مصادر أخرى عن الخدمات الکبرى التي قدمها العالم البالغ عمره 35 عاماً “لمجمع یزد الصناعي والتقني”.
ورغم أنّ مشاریع الرجل کانت مرتبطة بالمجال الجو فضائي والعسکري، لکنه عمل أيضاً تحت غطاء “مجمع غدیر لصناعة التوربینات OTC”، وذلك ضمن إجراءات اعتیادیة للحفاظ علی معلومات العلماء المرتبطین بالمجالات الأمنية الخطيرة.
وتشیر مواقع المعارضة الإيرانية إلى أنّ انتظاري لعب دوراً هاماً في تطویر الصناعات المرتبطة بالمسيّرات والصواریخ، من خلال التعاون مع الحرس الثوري ووزارة الدفاع الإيرانية.
وعلی ما یبدو، سافر العالم المتوفی إلى إيطاليا لبضعة أشهر لاستكمال دراسته خلال مرحلة ما بعد الدکتوراة في فترة زمنية لم يتم تحديدها بها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ رئیس المجمع التقني لمدینة یزد والذي کان يعمل فيه انتظاري لم ینفِ احتمالیة اغتیاله حسب منشور “انستغرام” الوارد أعلاه. في المقال أعلنت السلطة القضائية في مدينة “يزد” في وقت لاحق، أن “الأخبار التي نٌشرت في بعض الصفحات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي عن وفاقة انتظاري، لم تكن صحيحة”، مؤكدة أن الشخص المذكور والذي يعد أحد النخب الإيراني هو موظف عادي في شركة صناعية وووفاته كانت بسبب المرض. وأضافت أن “أحد أقاربه من أجل تقديم نفسه في الأجواء الإلكترونية نشر هذه الإشاعات على حسابه في “انستغرام” وتسبب في إعادة نشرها على نطاق واسع”، ذاكرة أنها ستتعامل مع هذا الشخص.
وكان موقع “أكسيوس” قد ذكر في فترة سابقة أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قدم للرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في آب/ أغسطس العام الماضي خطة بعنوان “القتل بألف طعنة”.
وكشف مسؤولون إسرائيليون آنذاك للموقع أنّ الاستراتيجية التي قدمها بينيت إلى بايدن تتضمن مواجهة إيران من خلال مجموعة من الإجراءات الصغيرة عبر عدة جبهات – عسكرية ودبلوماسية – بدلاً من توجيه ضربة واحدة دراماتيكية.
وقارن بينيت المواجهة بين إسرائيل وإيران اليوم بالمواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. وأضاف أحد المسؤولين الإسرائيليين المطلعين: “رئيس الوزراء قال إنّ إسرائيل هي الولايات المتحدة في المنطقة وإيران هي الاتحاد السوفياتي بنظامه الفاسد والمنحل”.
ودعا بينيت في لقائه مع الرئيس الأميركي إلى وضع العدوان الإقليمي الإيراني “مرة أخرى في الصندوق” ، بالإضافة إلى البرنامج الإيراني النووي.
ویجري کل ذلك بینما تعرّض عدد من مواقع المراکز الحساسة في إيران لهجمات سیبرانیة ناجحة، منها اختراق الموقع الرئیسي لبلدیة طهران (الذی یشمل شبکة واسعة من المعلومات وکامیرات المراقبة علی امتداد العاصمة) یوم الخمیس الماضي، وقرصنه النظام الداخلي لمطار الإمام الخمیني، والذي أدى إلى إغلاق مؤقت لقسم جوازات السفر.
وبین عملیات اختراق هنا واغتیالات تشمل العسکریین والعلماء هناك یبرز السؤال: من الذي یقف وراء کل ذلك؟ وإذا صحّت التوقعات عن مسؤولية الموساد الإسرائيلي في تنفیذ هذه العملیات کلها، فما الذي تريده تل أبيب من خلال خطة شاملة من الاغتيالات والضربات الأمنية؟ وکیف سیکون الرد الإيراني علیها؟