حرب أوكرانيا تدفع روسيا للمضاربة على صادرات إيران.. هل تتجه طهران نحو اتفاق مع الغرب؟
"الأسواق فوضوية وقد نخسر الكثير من مصالحنا"؛ هكذا وصف رئیس اتحاد مصدري النفط والغاز الإیراني حمید حسیني موقع بلاده في الأسواق الدولیة للطاقة، في ظل تقاریر تشیر إلی نجاح روسیا في كسب العدید من العملاء التقلیدیین للصادرات الإیرانیة.
وکشف الحساب التابع لشرکة “تانكر تراکز” علی تویتر، بأن صادرات النفط الإیراني قد انكشمت في ظل المحاولات الروسیة للحصول علی الأسواق الآسیویة. وجاء في تغریدة الحساب: أبلغنا عملاؤنا منذ 5 أیام بأن الصادرات الإیرانیة لیست قادرة علی منافسة التخفیضات الهائلة التي تستخدمها روسیا.
وتهدف موسكو من ذلك تعویض خسائرها الناجمة عن العقوبات الغربیة بعد اندلاع الحرب في أوکرانیا. وحسب ما جاء في تقریر رویترز منتصف نيسان/ أبريل الماضي، فقد تراجع مستوی مبیعات النفط الإیراني إلی الصین لأكثر من 30% في ظل رغبة المصافي الخاصة لشراء النفط الروسي بسعر أرخص.
أزمة التصدير إلى دول الجوار
وأکد رئیس اتحاد مصدري الطاقة الإیرانیة حمید حسیني هذه المعلومات في حوار مع موقع انتخاب، قائلًا: تقدم روسیا تخفیضًا بنحو 30% علی کل برمیل نفط، وبالتالي یمكن للمصافي الصینیة الخاصة أن تحصل علی الطاقة بسعر أرخص بكثیر من جارها الشمالی.
وبحسب تصریحات حسیني، استولت روسیا أیضًا علی سوق الزیت المخصص للصناعة والذي یشكل جزءًا مهمًا من صادرات إیران غیر النفطیة إلی الإمارات. وأشار إلى “أننا کنا نصدر الزیت الذي یستعمل في صناعة السیارات بسعر 1130 دولارًا إلی میناء جبل علي الإماراتي، لكن الآن نجح الروس في الاستیلاء علی السوق من خلال بیع الزیت نفسه بسعر 800 دولار.
وکما یبدو، تواجه إیران مشاکل جدیدة في التوجه نحو أسواقها الشرقیة، حیث کانت تبيع الغاز المسال الطبیعي إلی أفغانستان وباکستان بسعر 600 إلی 700 دولار، لكن روسیا تدخلت هنا أیضًا من خلال طرح أسعار جدیدة تصل إلی 450 دولارًا، ما دفع کابل وإسلام آباد إلی مطالبة إیران ببیع طاقتها بسعر أرخص.
وتابع حسیني: بیدو أن روسیا تحاول أن تسیطر علی أسواقنا التقلیدیة، حتی في دول الجوار عبر تخفیضات هائلة جدًا، ونحن لا نستطیع أن نقوم بشيء یذکر تجاه ذلك في الظروف الراهنة.
بدوره، أشار المحلل السیاسي محمد سعید نادري إلی الأزمه في صادرات الطاقة الإیرانیة نحو الشرق، في حوار مع صحيفة “دنیاي اقتصاد”، قائلًا: باتت ناقلات إیرانیة عدة ترسو في البحر بالقرب من سنغافورة، لتجد عملاء یشترون نفطها بدلًا من أن ترسو في الموانئ الصینیة.
منافسة في الصادرات الصناعية
ورغم أن التنافس بين موسكو وطهران بات ظاهرًا في سوق الطاقة، إلا أن المعطيات تشير إلى تنافس روسي في مجال الصادرات الصناعية أيضًا. وکشف عضو هیئة إدارة نقابة منتجي الصلب في إیران رضا شهرستاني، أن “روسیا بدأت تأخذ حصة إیران من صادرات الصلب في أکبر دول کانت تتعامل معنا منذ سنوات”.
وتابع شهرستاني في حوار مع صحيفة “شرق” الإصلاحية: تنجح روسیا تدریجیًا في أخذ حصتنا من أسواق أفغانستان، تایلند، کوریا الجنوبیة وحتی الصین عبر تخفیضات تتأرجح بین 15 إلی 20%. وفي نداء إلی المسؤولین، قال شهرستاني: صادرات الصلب قد جلبت لإیران 6 ملیارات دولار خلال العام الماضي، لكن الآن توقفت صادراتنا تقریبًا أمام الزحف الروسي المستمر نحو أسواقنا التقلیدیة الكبری.
وأكد شهرستانی أن سوق الصلب الإیراني یمر بظروف کارثیة. وحسب ما جاء في صحيفة “شرق”، قد تواجه إیران مشكله جدیدة بسبب سیاسات روسیا الاقتصادیة بعد اندلاع الحرب في أوکرانیا.
وجاء في تقریر الصحيفة: بینما کانت بعض وسائل الإعلام المقربة من الحكومة الإیرانیة تزعم بأن حرب أوکرانیا توفر فرص جیوسیاسیة کبیرة لإیران، تبیّن لاحقًا أنها ستلحق أضرارًا جدیدة باقتصاد یعاني من العقوبات خلال السنوات الماضیة.
وردًا علی سؤال حول الحل لتجاوز الأزمه، أشار عدد من النشطاء والخبراء بإحیاء الاتفاق النووي کمفتاح أساسي یعطي طهران فرصة للتنفس وترتیب أوراقها من جدید.
مواجهة مع روسيا
ونقل موقع انتخاب عن حمید حسیني قوله: علی إیران أن تستعید توازن الأسواق من خلال صادرات النفط والغاز إلی أوروبا علی نطاق واسع. وأكد حسیني أن القرار السیاسي لإحیاء الاتفاق النووي سیوفر الأرضیة اللازمة لخروج إیران من المأزق واستعادة دورها التنافسي أمام روسیا في الأسواق.
بدوره، رأی حشمت الله فلاحتبیشه، النائب الإیرانی السابق، فی حوار مع موقع “دبلماسي ایراني”، أن الحرب في أوكرانيا هي فرصة تاریخیة للحد من النفوذ الروسي فی الأسواق الإقلیمیة وتقلیص دورها فی المفاوضات النوویة، وکل ذلك سیحصل عبر حوار إیراني -أميركي-أوروبي، یضمن من خلالها أمن الطاقه أمام مصالح إیران الاقتصادیة.
لكن بالمقابل، تعتبر المواقع والصحف المحافظة، ومنها صحيفة “کیهان”، أن أي خطوة إیرانیة لمساعده الغرب لتجاوز أزمه الطاقة، ستضر بالعلاقات الإیرانیة الروسیة، والتي وصلت إلی مستوی إستراتیجي خلال السنوات الماضیة.
ولا یمكن تجاهل تأثیر هذه التدخلات الروسیة في الأسواق علی الرأي العام الإيراني، الذي تابع التقارير حول المطالب الروسية خلال الجولة الأخيرة من مفاوضات فيينا، حيث طالبت أميركا بضمانات خاصة في ظل العقوبات الغربية عليها كي تحفظ مصالحها في الاتفاق، وهو ما حصلت عليه وفق تصريحات خرجت من العواصم الثلاثة واشنطن، موسكو وطهران.
فهل یدفع کل ذلك طهران نحو إعادة إحیاء اتفاق سیسمح لها بالعودة إلی الأسواق والحفاظ علی مصالحها الاقتصادیة أمام المنافسین خلال المرحلة المقبلة، أم أنها ستبقی علی موقفها الحالي لأخذ المزید من الامتیازات من الطرف الأميركي، والذي تری إیران أنه بحاجة للاتفاق أكثر من أي جهة أخری؟