الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 مايو 2022 06:32
للمشاركة:

هكذا جعلت سدود تركيا وأفغانستان من إيران بلداً جافاً؟

في مشهد صادم وغیر مألوف لملایین من الإيرانيين، اجتاحت العواصف الرملیة مدناً کانت تتمیز بطقسها الجیّد، كما سبب التوقيت صدمة أيضاً، خلال شهر "أرديبهشت"، الشهر الثاني في التقویم الهجري الشمسي، والذي یعتبر أفضل الشهور خلال العام من حیث المناخ ویعرفه الإيرانيون كشهر مناسب للسفر.

وفي سابقة خطيرة للبیئة الإيرانية، تشهد مدن لا تقع في الجنوب وحسب، بل في الغرب أيضاً، وحتی المدن الشمالية الثلاث ظاهرة الغبار والعواصف الرملیة التي تغطي المنطقة بأكملها لدقائق عديدة، مما يجعل الرؤية متعذرة علی مساحة بضعة أمتار.

لكنّ هذا الأمر ليس وليد اللحظة، فالمحافظات الشرقیة والجنوبیة (تحدیدا سیستان وخوزستان) تواجهان منذ زمن أزمة الجفاف وتبعاتها الواسعة من العواصف الرملیة إلى تدمیر الزراعة، وأخيراً الهجرة نحو مناطق أخرى بحثاً عن حیاة أفضل.

لکن علی ما یبدو، لا صوت یعلو فوق صوت المرکز. وبالتالي، عندما وصلت تبعات الأزمة بعد سنوات إلى المدن المرکزیة ذات الثقل الأكبر في الأوساط السیاسیة والاقتصادیة، أولت أخيراً وسائل الإعلام اهتماماً لهذه القضية وبدأ الخبراء والمسؤولون یتحدثون عنها بوصفها أزمة ستعرّض مستقبل الحیاة في إيران لخطر کبیر.

وفي أول رد رسمي علی الموضوع، استدعى البرلمان الإيراني وزیر الخارجیة حسین أمير عبد اللهيان یوم الأثنین 10 أيار/ مايو 2022، لتقدیم الإيضاحات بشأن ما يجري في دول الجوار من بناء السدود ووقف مشروع إقليمي بادرت به طهران منذ سنوات لزراعة الصحاري في المنطقة.

بدوره صرّح عبد اللهيان خلال جلسة الاستدعاء: “لقد طالبت ثلاث مرات وزیر خارجیة ترکیا بوقف مشروع بناء السدود علی أنهار آرس – دجلة – الفرات وإكماله بعد التنسیق الشامل مع إيران بحيث یضمن مصالحنا المائیة والبیئیة، ولم یتم الرد علی طلباتي حتى الآن”.

وفي إجابة علی سؤال آخر بشأن عدم الجدية الإيرانية في رفع دعوى دولية ضد ترکیا، اعتبر وزير الخارجية الإيراني أنه لا یمکن مقاضاة ترکیا بهذا الشکل لأنها لم توقع اتفاقیة 1997 في نیویورك التي تضمن المصالح المائیة للدول، مؤكداً أنّ الطريق الوحيد أمام بلاده هو إنشاء لجان مشترکة فيها خبراء من البلدين، وهو ما عملت به الخارجیة الإيرانية حتی الآن بكل جدية وستواصل ذلك، على حد تعبيره.
وینظر الکثیرون في إيران إلى عملیة بناء السدود الترکیة علی أنهار آرس – دجلة – الفرات بوصفها مخططاً استراتیجياً یهدف إلى جعل ترکیا قوة مائیة تتحكم في المصادر وتستخدمها لاحقاً للضغط علی دول الجوار.

وفي هذا السیاق، رأت صحيفة “جوان” التابعة للحرس الثوري أنّ تركيا تحوّل مصادر المیاه إلى سلاح ستستهدف به الأمن الغذائي والمائي للعراق، سوریا وایران مستقبلاً.

وتزداد وتتعزز النظرة الأمنية إلى المیاه وأزمة الجفاف في إيران یوماً بعد یوم، كما یشير رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قالیباف، الذي اعتبر مؤخرًا قضية المياه جزء متعلق بالأمن القومي للبلاد.

ولم تقتصر أسئلة النواب الإيرانيين لوزیر الخارجیة على ما يحصل في تركيا، بل وجهوا انتقادات لعدم اهتمام الحکومة بتأمين حقوق البلاد من میاه نهر هیرمند الواقع في أفغانستان.

ولقد أدى قرار الحکومة السابقة في کابل بتخفيض أو وقف صادرات المیاه لإيران إلى جفاف بحیرة هامون التي تعتبر أهم مصدر للمياه لمحافطة سیستان.

عبد اللهيان أكد خلال تصریحاته أمام النواب أنّ “القرارات الخاطئة لحکومة أفغانستان السابقة أدت إلى حدوث مشاکل کبیرة” في المحافظات الإيرانية الشرقية، لافتاً إلى أنه يتم حاليا مناقشة هذه القضية مع حكومة “طالبان”، كما أمل أن تتغیّر الظروف رغم عدم تغيير الحكومة الأفغانية الجديدة السياسة المتبعة.

وتابع: “إنّ قضیة المیاه تشکل محوراً أساسياً لتنظیم العلاقات بین إيران وأفغانستان، ونحن سنضطر للّجوء إلى الخیارات القانونیة والدولیة إذا لم تلتزم حکومة طالبان بتعهداتها تجاه الأمن المائي في بلدنا”.

ووفق الدراسلت ذات الصلة، یتعلق الجزء الأكبر من أزمة الجفاف وتبعاتها في إيران ببناء السدود في ترکیا وأفغانستان.

ویقول رئیس منظمة البیئة الإيرانية علی سلاجقه إنّ 70% من أسباب اجتیاح العواصف الرملیة سماء المدن الإيرانية يعود لتراجع إيرادات المياه بعد بناء السدود في دول الجوار.

وفي ظل تعمیق الأزمة البیئیة، ترتفع الأصوات المنتقدة للسياسة الخارجية الإيرانية والتی تدعو الی توجيه البوصلة نحو مشاکل إيران الحقیقیة. في هذا المجال، یقول أستاذ العلوم السیاسیة في جامعة طهران صادق زیباکلام: “انظروا إلى میزانية منظمة البیئة الإيرانية. إنها أقل من میزانیة المنظمات السیاسیة والمذهبیة التی يتم إنشاؤها بهدف توسیع النفوذ الإيراني في المنطقة بعشرات الأضعاف، بینما تعاني طهران من استنزاف البنی التحتیه وعدم القدرة علی إنشاء بنی تحتیة جدیدة للطاقات المتجددة وغیرها علی نطاق واسع بسبب العقوبات”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: