الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 ديسمبر 2018 16:00
للمشاركة:

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين

جاده ايران- شيرين سمارة

أحمد كسروي، مؤرخ ولغوي وباحث إيراني ولد في التاسع من أيلول/ سبتمبر 1890، لأب متديّن وأم أميّة، لكنّها كانت تحمل فكراً منفتحاً، وسريعاً ما ابتعد كسروي عن حياة التدين الأسرية، وتوجّه نحو التجارة.
توفي والده وهو في الثانية عشرة من عمره، فاضطر لترك الدراسة واستلام مهام أبيه في معمل صناعة السجاد، وبعد ثلاث سنوات من تركه للدراسة التحق بإحدى أكبر المدارس الدينية في تبريز فتعرّف هناك على أستاذه الشيخ محمد خياباني.

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين 1

كسروي ومهنة القضاء
كان كسروي مفتوناً بالحركة الدستورية الإيرانية التي حدثت بين عامي ١٩٠٥ و١٩٠٧، إلا أن ثورته ضد الجو الديني الطاغي على عائلته لم تنجح، فعاد إلى كنف العائلة التي أجبرته على أداء المراسم الدينية، كالصلاة وما إلى ذلك، ثم خرج لأوّل مرّة بلباس الشيوخ المتدينين في العام 1910، وخلال هذه الفترة حفظ كسروي القرآن الكريم.

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين 2

لم يَمض وقتٌ طويلٌ حتى شرع كسروي في عام 1912 بانتقاد وتكفير بعض الشيوخ والمحافظين المتشددين، وذلك دفاعاً عن الثورة الدستورية. وعلى أثر ذلك ترك هذا الشاب التديّن وخلع لباس عالم الدين، وعمل في مصنع لصناعة الجوارب.
عام ١٩١٦، توجه كسروي إلى “باكو” بسبب الضغوطات التي تعرض لها، والكلام المسيء بحقه، وخلال هذه الرحلة تعلّم اللغة الروسية، وفي عام 1917 انضم إلى “الحزب الديمقراطي”، الذي كان يترأسه الشيخ “محمد خياباني”، لكنّه سرعان ما انفصل من الحزب بعد سنتين بسبب خلافه مع رئيسه، والتفت إلى تعلّم الفقه، وباقتراح من رئيس دائرة الاستئناف في أذربيجان، صار كسروي موظفاً في وزارة العدل.
تنقل الرجل ذهاباً وإياباً بين طهران وتبريز بسبب أعمال شغب أثارها الحزب الديمقراطي في هذه الأخيرة، ثم استقرَّ به الأمر في طهران عام ١٩٢٢ وتسلّم رئاسة دائرة الاستئناف في محافظتَيْ “مازندران” و”دماوند”، كما شارك في الامتحان القضائي وحصل على درجة ممتاز أهلته لمنصب قاضي العدل.
راح كسروي بعدها يتنقّل بين محافظات عدة، حيث ترأس مناصب مختلفة في القضاء في كل من محافظتي زنجان وخوزستان، وخلال تواجده في خوزستان بدأ بكتابة كتابه المعروف “15 سنة من تاريخ خوزستان”، وتم تلخيص الكتاب ونشره في مجلة “آينده”، كما أنه نشر مقالات عدة في المجلّة ذاتها حول التصوّف.
مع بداية حكم “رضا شاه” كان كسروي يشغل منصب مفتش ورئيس إحدى المحاكم العسكرية التي كانت قد تأسست للتو، وكان حينها “على أكبر داور” وزيراً للعدل، وعندما تم حلّ وزارة العدل بعد مدة بقي كسروي بلا عمل، إلا أنه استغلَّ هذه الفرصة ليتفرّع للمزيد من البحوث والتحقيقات، فنشر مقالات من قبيل “السيف والشمس” في مجلة “آينده”، وبتوصية من وزير البلاط الملكي “تيمور باش” أصبح كسروي المدعي العام لمحافظة طهران، ولكنّه سرعان ما ترك هذا المنصب وحصل على رخصة محاماة.
راح كسروي يتعلّم اللغة الأرمينية القديمة والحديثة، وترجم “سيرة حياة اردشير بابكان” من البهلوية إلى الفارسية، وفي عام 1928 دُعي للعمل في المحكمة الجنائية، وبعد أشهر عدة تسلّم رئاسة المحاكم الابتدائية، ثم قرّر في عام 1932 الاستقالة نهائياً من وزارة العدل وامتهن المحاماة.
راسل كسروي في إحدى المرات “رضا شاه” وكتب له يشتكي من طريقة عمل القاضي وزملائه في الوزارة، فأدى هذا الأمر إلى تخفيض رتبته مهنياً، في حين أن هذا الحكم لم يكن يطبق من قبل أبداً، وهكذا حان وقت تقاعد كسروي.
عام 1944، وكردّة فعل عما حصل معه، ألّف كسروي كتيّباً صغيراً تحت عنوان “لماذا خرجت من وزارة العدل”، تطرّق فيه إلى الأسباب التي دفعته لترك الوزارة، منها الرشوة والفساد والمحسوبيات والتملّق، الذي كان يجوب القضاء من الباب إلى المحراب.

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين 3

من مؤرخ إلى مصلح
كتب يحيى ارين بور وهو كاتب سيرة حياة كسروي، أنه منذ العام 1933 حصل تغيير جذري ومفاجئ في رؤية وأفكار كسروي، حيث أن الأخير لم يعد مؤرخاً أو باحثاً أو عالماً، بل أصبح داعياً لإصلاح المجتمع، وخلال هذه السنة قام بطباعة مجلّدين من كتاب “آئين” والتي تعني “القوانين”، ومع انتشار هذا الكتاب حصل كسروي على شهرة كبيرة وظهر له أتباعٌ في كلّ من طهران وبعض المدن الأخرى.
خلال هذه الفترة أسس مجلّة شهرية باسم “بيمان”، نشر فيها أفكاره، وتمحورت مقالاته حول الدين وعلم الاجتماع، لكن بعد عام 1941 توقفت هذه المجلّة، ثم بدأ بنشر صحيفة باسم “برجم”، والتي كانت من أهم الصحف السياسية في ذلك الوقت، وبعد مدة قصيرة تحوّلت إلى نشرة شهرية انتقد كسروي من خلالها علماء الدين الدين وأُسس الشيعة والصوفية، كما أنه تحدّث في مقالاته عن عنف المتدينيين المتشددين، فأكسبه هذا النقد عداوة البعض وهُدد بالقتل مرات عدة.

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين 4

محاولات اغتيال كسروي
تعرّض أحمد كسروي لحوادث اغتيال عدة من جماعات مختلفة، لكثرة ما اجتمع حوله أعداء بسبب نقده اللاذع لعلماء الدين وحتى الدين نفسه.
إحدى هذه المحاولات كانت في عام 1945، حين تم إطلاق النار عليه، ولكن طلقات المسدس لم تصب الهدف وتم اعتقال الفاعلين وسجنهم، من دون أن يطول سجنهم لأكثر من ثلاثة أسابيع بسبب مخاطبة أحد مراجع الدين الكبار آية الله حسين قمي لرئيس الوزراء أحمد قوام، مطالبا إياه بإخلاء سبيل الفاعلين في أسرع وقت ممكن.
محاولة الاغتيال الثانية التي تعرّض لها كسروي كانت من قبل جماعة “فدائيان اسلام” بقيادة نواب صفوي وبتحريض من الأخير، لأنه كان يعتبر كسروي كافراً، خاصة بعد تعرّضه في كتبه لأئمة الشيعة، لكنّ هذه المحاولة باءت بالفشل كذلك.
لكن هذه الجماعة لم تكل أو تمل من العمل على تحقيق هدفها، فعادت مرة أخرى للتخطيط لاغتيال كسروي وقامت برصد تحرّكاته في إحدى المحاكم في طهران، ليقوم أحد عناصرها بطعنه هو وسكرتيره السيد محمد تقي حداد بور.

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين 5

أقوال في احمد كسروي
-عباس ميلاني، مؤرخ أميركي – إيراني
وصف عباس ميلاني، كسروي بشهيد إيران الحديثة في طريق العقلانية، كما قال عنه “كسروي عاش كمؤرخ ورحل عن الدنيا كنبي”. وادّعى ميلاني أيضاً أنَّ الإمام روح الله الخميني كان بصدد إصدار فتوى لقتل كسروي بتهمة الإفساد في الأرض قبل أشهر عدة من اغتياله.

-عرفاني ثابتي باحث في علم اجتماع الدين
كتب ثابتي على موقع بي بي سي عن كسروي قائلاً إنه يحمل ثلاثة وجوه، فهو مؤرخ ولغوي ومؤسس قوانين الدين.
وأضاف ثابتي أنَّ كسروي لقي استحساناً وقدراً كبيرين، وكان في القمة، لكنه فقيه بقي في الظل وبعيداً عن الأنظار، يمكن البحث عن سبب ذلك في طريقة قتله من قبل مجموعة “فدائيان اسلام”، بحسب رأيه، معتبراً أنه في نظر الكثيرين كان كالقديس الشهيد الذي لم يرتكب أي خطأ في مجاله.

-فلاديمير مينورسكي مستشرق روسي متخصص في الدراسات الفارسية والكردية
قال مينورسكي إن كسروي يمتلك روح المؤرخ الحقيقي، وإنه دقيق في التفاصيل وشفاف في العرض.

أعمال ومؤلفات أحمد كسروي
كتب كسروي الكثير من الكتب حول التاريخ والدين، ويعتبر كتاب “تاريخ الحركة الدستورية الإيرانية” من أهم أعماله الذي تطرق من خلاله إلى أدق التفاصيل التي حدثت في تلك الفترة، والتي شملت شخصيات وأحداثا وتبعات، وترك خلفه الكثير من الكتب التاريخية، منها “البهائية”، “اقرؤا عن التشيع واحكمو عليه”، “١٥ عاماً من تاريخ خوزستان”، و”18 عاماً من تاريخ اذربيجان”، وغيرها من مئات الكتب والمقالات.

شخصيات إيرانية: أحمد كسروي.. قاضي التاريخ والدين 6

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: