العلاقات الإيرانية الطاجيكية.. قراءة في احتمالات التقدم أو الجمود
بلاد غير مجاورة حدوديا لإيران، ولكنها لا تقل أهمية عن جيران الحدود، بسبب الاتصال الثقافي والتاريخي واللغوي بين البلدين. طاجيكستان، الشقيقة الفارسية لإيران.
بعد استقلال دول آسيا الوسطى، كانت إيران دائمًا مهتمة بتعزيز مكانتها في المنطقة، معتبرة هذه المنطقة من الاتجاهات الرئيسية لكسر الحصار الجيوسياسي والاقتصادي خلال سنوات من المواجهة المستمرة مع الغرب. من وجهة النظر هذه، كانت طاجيكستان تقليديا أحد الاهتمامات الرئيسية للدبلوماسية الإيرانية بسبب قربها اللغوي والثقافي من إيران.
في المقابل، تكتسب العلاقات مع إيران أهمية خاصة لطاجيكستان، إذ لا تقتصر فقط على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية.
فالحقيقة هي أن الطاجيك والإيرانيين يجمعهما تاريخ طويل معًا. مساحة حضارية وتاريخية ولغوية ربطت بين البلدين لقرون. ومع ذلك، فإن هذه اللغة ذات الجذور الآسيوية لها أيضًا تأثير خاص على الجغرافيا السياسية. يتعين على الحكومات والسياسيين في كلا البلدين مراعاة هذه العوامل عند التواصل مع بعضهم البعض.
في الوقت نفسه، على الرغم من التقارب التاريخي والثقافي والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية، شهدت العلاقات الإيرانية الطاجيكية في العقد الأخير صعودا وهبوطا. وكانت العلاقات بين البلدين دائمًا معقدة وغامضة. والسؤال هو كيف ستتشكل العلاقات بين البلدين في ظل الأحداث الأخيرة في المنطقة، وخصوصا التطورات الأفغانية، حيث تعد أفغانستان القاسم المشترك بين البلدين، فهي الجار الشرقي لإيران والجنوبي لطاجيكستان؟ العين على بنجشير الافغانية، حيث يعتقد عدد من الخبراء بأنها ستجمع المصالح الإيرانية والطاجيكية على نحو ضمني.
وبالنظر إلى الاتجاه العام للعلاقات بين البلدين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، يمكن ملاحظة أن مستواها كان دائمًا بعيدًا عن الإمكانات الحالية، وهو ما ظهر بشكل خاص في السنوات الأخيرة.
أسباب التوتر بين البلدين
من العوامل التي ساهمت في التوتر بين البلدين دعوة إيران إلى محيي الدين كبيري، زعيم حزب النهضة الإسلامية في طاجيكستان، لحضور مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران، حيث أن الحكومة الطاجيكية أعلنت في عام 2015 حزب الحركة الإسلامية منظمة إرهابية.
كما أصدرت الحكومة الطاجيكية أمرًا بوقف أنشطة لجنة إغاثة الإمام الخميني في عاصمتها دوشنبه في عام 2016، وكذلك دور طاجيكستان في قضية بابك زنجاني والغموض حولها، إضافة إلى رفض طاجيكستان الالتزام بتعهداتها المالية في قضية السد و مشروع محطة توليد الكهرباء “سنغ توده”، التي تعد من أهم أسباب التوترات في العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة.
إحياء العلاقات
لم تخل السنوات الأخيرة من المحاولات المتبادلة لترميم العلاقات، حيث زار وزير الخارجية الطاجيكي طهران، قبل أن يزور
الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني العاصمة الطاجيكية دوشنبه عام ٢٠١٩، ثم تلى ذلك في ٢٠٢١ زيارة لوزير الخارجية الإيراني آنذاك محمد جواد ظريف إلى طاجيكستان وبعدها زار وزير الداخلية الطاجيكي إيران. لكن بالرغم من هذه المحاولات والعقود التعاونية ما بين البلدين، لم تعد العلاقات إلى ما كانت عليه، لأن الفجوة في ما بينهما كانت شاسعة.
الآن بعد تغيير الحكومة في إيران هنأ الرئيس الطاجيكي امام علي رحمان إبراهيم رئيسي بانتخابه رئيسا للجمهورية في إيران. وبعث مؤخرا وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان في رسالة لنظيره الطاجيكي سراج الدين مهر الدين بحلول الذكرى الثلاثين لاستقلال طاجيكستان قائلا: “نتطلع إلى توسيع العلاقات والتعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين”. ويمكن القول إن هذا الأمر يعود إلى أن الحكومة الجديدة مهتمة بالعلاقات الدبلوماسية مع العالم وخاصة بلدان الإقليم كي لا تتعلق السياسة الخارجية للبلد بالاتفاق النووي فقط، وهكذا تكون التزمت بوعودها بهذا الشأن. ومن الواضح أن السياسة الجديدة في إيران، سياسة اقليمية آسيوية المحور.
وما يعزز التوجه الإيراني هو دعم طاجيكستان دخول إيران لمنظمة شنغهاي. وأصبح من المؤكد بعد تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أن رحلة الرئيس الإيراني إبراهيم الخارجية الأولى ستكون إلى طاجيكستان لحضور قمة شنغهاي المقرر انعقادها في 16 و17 أيلول/ سبتمبر الحالي.
جوانب التعاون بين البلدين
يرى الخبراء أنه يمكن البلدين تعزيز السياسة الخارجية مع بعضهما البعض بناءً على عوامل التقارب في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. هناك فرص ومجالات نفوذ وتعاون للبلدين في مجالات الطاقة والأمن الغذائي وتحرير طاجيكستان من مأزق التواصل المائي مع العالم، واستخدام تلك الدولة لموانئ البحرية الإيرانية.
يشير مستوى التفاعل الاقتصادي بين البلدين إلى موقف إيران السلبي تجاه الشركاء التجاريين لطاجيكستان، والذي له عدة أسباب، خصوصا أنها تأثرت أيضًا بأزمة كورونا في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، في هذا الصدد، يمكن التأكيد على أن طاجيكستان تقدم تسهيلات خاصة للمستثمرين في هذا البلد، خصوصا في المجالات الاقتصادية ذات الإعفاءات الضريبية، والتي يمكن أن تؤثر على مستوى التجارة بين البلدين،وهنا تأتي إيران بعد الصين.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى طاجيكستان، بصفتها دولة غير ساحلية، إلى الوصول إلى ميناء تشابهار بهدف تصدير القطن والألمنيوم، ما قد يؤدي أيضًا إلى زيادة التجارة مع إيران، على الرغم من أن هذا يتطلب أيضًا تعاون تركمانستان في الإذن لعبور الشاحنات. هكذا، تبدو العلاقات الايرانية الطاجيكية محكومة بنوع من التعاون والتقدم بين البلدين، غير أن النوايا لا تكفي لتحقيق هذا التقدم، الذي يبدو بدوره محتاجا لسياق إقليمي يدعمه بحكم الجغرافيا، وليس فقط لإرادة مشتركة من طهران ودوشنبه.