لماذا تشهد إيران انخفاضًا في نسبة الإقبال على التعليم الجامعي؟
الإحصاءات التي تنشرها المنظمة المعروفة بـ "مديرية التقييم" في إيران تشير إلى انخفاض كبير في تسجيل الطلاب في الجامعات. ومديرية التقييم هي منظمة حكومية تشرف على تقييم الطلاب للقبول في الجامعات الإيرانية. حيث يجري في إيران سنويا اختبار للقبول في الجامعات يشتهر باسم "كُنكور".
يتضمن الاختبار جميع مواد مرحلة الثانوية أي مواد السنوات الثلاث الأخيرة من منهج المدارس الإيرانية. فبحسب آخر إحصائية لمديرية التقييم الإيرانية فإن إجمالي الطلاب الذين شاركوا بامتحان كُنكور لعام ٢٠٢١ الذي أجري في تموز/ يوليو العام الجاري، مليون و١١٢ ألف طالب. وتقول مديرية التقييم إن عدد المقاعد في الجامعات الإيرانية – الحكومية والأهلية منها – مليون مقعد تقريبا. إذ أن الطلاب الذين لن يتمكنوا من دخول الجامعة في إيران ١١٢ ألف طالب فقط. لكن هذا لا يعني أن جميع الطلاب في إيران يسلكون طريقا سهلا للوصول إلى الجامعة. فالجامعات الإيرانية تنقسم إلى حكومية وأهلية. والنجاح في الجامعة الحكومية يتطلب جهدا كبيرا. وأكبر بكثير مما يتطلبه القبول في الجامعات الأهلية، التي تقبل كثير من الطلاب بدون اختبار أيضا. وتتواجد الجامعات الأهلية بأغلب المدن ولكن الجامعات الحكومية لا توجد إلا في المدن الكبرى وبعض المدن المهمة.
في السؤال عن الأسباب التي ساهمت في انخفاض رغبة الطلاب الإيرانيين تجاه التسجيل في الجامعات إلى أكثر من النصف في ٢٠٢١ قالت المتحدثة باسم مديرية التقييم الإيرانية فاطمة زرين آميزي إن الأمر يعود لعدم الحصول على الدرجة التي يطمح لها كثير من الطلاب الممتحنين ضمن فئة العلوم التجربية. والجدير ذكره، العلوم التجربية تؤهل الطلاب لتخصصات الطب والفروع المماثلة. ولكن لا يمكن تقليل الأسباب إلى هذا الحد. فالسبب التي أتت به المتحدثة باسم مديرية التقييم كان موجودا في السنوات الماضية. ما يدفع للسؤال عن الأسباب الحقيقية لوجود الانحدار الظاهر في الرسم البياني لنسبة تسجيل الطلاب الممتحنين بالجامعات الإيرانية؟، وذلك بالرغم من أن أبواب الجامعات -الأهلية غالبا والحكومية نادرا- مفتوحة أمام الطلاب.
الرسوم الدراسية
تؤثر الأوضاع الاقتصادية الراهنة في إيران على الطلاب وأهاليهم. لذا يتجنب الكثير من الطلاب التسجيل في الجامعات الأهلية التي تعادل الرسوم فيها للفصل الدراسي الواحد ١٠٠ دولار تقريبا، حسب ما أعلنت إدارة الجامعة “الحرة” (بالفارسية: دانشگاه آزاد اسلامی) في إيران وهي أكبر جامعة أهلية في البلاد. هذا الرقم مخصص للعام الجاري أي ٢٠٢١ ويرتفع سنويا أكثر من ٢٠%. إضافة إلى الرسوم الخاصة بالسكن والجوانب الأخرى من الدراسة الجامعية. ويشير إلى ذلك الكاتب كامران محمدخاني صاحب كتاب “مجال قيادة التعليم العالي” حيث يقول “إن الطلاب الذين يدرسون في الجامعات الحكومية يشكلون نسبة قليلة جدا من إجمالي طلاب الجامعات في إيران”. لافتًا إلى أن “الأوضاع الاقتصادية الغير مواتية لتأمين الرسوم المطلوبة في الجامعات الأهلية تقود الطلاب إلى الامتناع عن التعليم الجامعي”.
الهجرة أو العمل
تشير الأبحاث الميدانية إلى أن الطلاب الذين يرغبون بالدراسة يفضلون التخصصات التي توفر لهم فرص عمل بعد التخرج، حيث يعتبر الكثير من الطلاب أن عدد كبير من التخصصات الجامعية غير تطبيقي ولا نفع منه في مجال العمل. وعليه، تزايد عدد الطلاب الذين يسعون للدراسة في خارج البلاد، فبحسب الإحصاءات غير الرسمية فإن طلاب البكالوريوس الذين يطلبون “توصية” علمية من الكليات وأساتذة الجامعة ليستخدموها للقبول في جامعات أجنبية، ارتفع عددهم بشكل مشهود في السنوات الأخيرة، خاصة في السنتين الأخيرتين أي منذ تفشي جائحة كورونا.
في هذا السياق، يعتقد محمدخاني، أن “الطلاب الذين يتمكنون من تأمين الرسوم الدراسية يفضلون الهجرة على البقاء في البلاد. لذلك نجد الكثير من الطلاب الذين ينتمون لطبقة اقتصادية متوسطة أو عالية لا يدرسون في إيران”. أما الطلاب الذين لا يتمكنون من دفع الرسوم الدراسية يلجؤون وفق خاني إلى العمل أو البحث عن العمل.
حاملو الشهادات العاطلين عن العمل
لا يتوقف امتناع خريجي الثانوية العامة في إيران عن التعليم الجامعي على عدم تناسب كثير من التخصصات مع فرص العمل المتوفرة في البلاد، إذ أن فرص العمل للتخصصات المطلوبة في السوق قليلة أيضًا، وازدادت الندرة في ذلك مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران. في هذا الصدد، تذكر الباحثة في الإدارة التعليمية بَريفَش جعفري أن “الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عدد الخريجين العاطلين عن العمل أكثر من العاطلين عن العمل الذين لم يحملوا شهادة جامعية”. ووفق الإحصائية الرسمية لعام ٢٠٢٠ لـ”مركز الإحصاءات الرسمية في إيران” فإن معدل بطالة الشباب في إيران يعادل ٩.٦%، بينما نسبة معدل بطالة خريجي الجامعات ٣٨.٩%.
وبحسب الباحثة جعفري فإن “بعض خريجي الثانوية يخضعون لامتحان “كنكور” طاعة لرغبة والديهم وعندما يُجازون لاختيار التخصص والجامعة يمتنعون عن ذلك ويفضلون البحث عن العمل”. وتتابع جعفري أن “مجتمعنا اليوم يشهد عدد كبير من حاملي شهادات الدكتوراه العاطلين عن العمل”. من هنا تستنتج جعفري أن “انخفاض المكانة الاقتصادية لخريجي الجامعات لها دور كبير في امتناع الطلاب عن الدراسة الجامعية”.
اليأس والجامعات الأهلية
يظهر أخر استطلاع رأي نشره مركز “ايسبا” الإيراني في أغسطس/ آب 2021، أن 60% من المواطنين الإيرانيين لا يحملون أملًا تجاه تحسن الأوضاع في البلد، ٢٠٢١. وفي التعليق على أثار هذه الإحصائية، يقول عالِم الاجتماع الإيراني امان الله قرايي مقدم إن “فقدان الأمل تجاه المستقبل يحدث عدم رغبة في الاستمرار بالدراسة”.
كما يعتقد بعض الخبراء أن المجتمع الإيراني يعاني من “كسل علمي” وذلك بسبب عدد المقاعد القليل جدا في الجامعات الحكومية والصعوبة الكبرى في الحصول على أحدهم، وكذلك انعدام التنافس لعدد كبير من المقاعد في الجامعات الأهلية التي تصنف علميا بمستوى منخفض. فبحسب الدستور الإيراني تعتبر شهادات الجامعات الأهلية “نصف معتبرة” رسميا، بينما شهادات الجامعات الحكومية تصنف بشهادات “معتبرة” رسميا.