أزمات في التصدير وسعر الصرف.. هكذا سيؤثر حكم طالبان على الاقتصاد الإيراني
تناول مركز "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" البحثي، في مقال لـ"أسفنديار باتمانغليدج"، موضوع العلاقات الاقتصادية بين "الجمهورية الإسلامية" وأفغانستان، عقب سيطرة حركة طالبان على نظام الحكم في كابل. حيث أكد الكاتب، أنه في الوقت الذي يحتفل بعض القادة الإيرانيين بانسحاب القوات الأميركية من كابل، فإن صعود طالبان، "يعمل على تعميق العزلة الاقتصادية لإيران".
حافظ الإيرانيون، خلال العام الماضي، على خطوط الاتصال مع حركة طالبان، متوقعين الانسحاب الأميركي الوشيك من أفغانستان. واليوم، ومع سيطرة الحركة على البلاد، تبحث طهران عن نوع من التسوية مع طالبان، لتقليل احتمال أي اضطراب على أراضي الجارة الشرقية لها.
في الوقت الحالي، لا تزال الخطوط العريضة لأي اتفاق سياسي بين طهران وطالبان غير واضحة تمامًا، على الرغم من أنه من المرجح أن تركز الجمهورية الإسلامية على منع تدفق اللاجئين الجدد وإيقاف تهريب الأسلحة والمخدرات.
ما هو مؤكد هو أن العواقب الاقتصادية لاستيلاء طالبان على السلطة ستكون كبيرة بالنسبة لإيران. فالبلدان تربطهما علاقات اقتصادية كبيرة، خصوصًا بعد عزل إيران نتيجة العقوبات الأميركية.
ويشير الدور الذي تلعبه أفغانستان في أسواق العملات الإيرانية، ووضع أفغانستان كوجهة رئيسية للصادرات الإيرانية غير النفطية، إلى أن إيران مستعدة للانفتاح على طالبان لتقليل الأثمان الاقتصادية للتغير في أفغانستان.
5 ملايين دولار يوميًا
المسألة الرئيسية الأولى التي تواجه طهران في هذا الصدد، هي أن التحركات الدولية الأخيرة للحد من وصول طالبان إلى العملة الصعبة ستؤثر على أسعار الصرف في إيران. ففي السنوات الأخيرة، كانت أفغانستان مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة لإيران، التي ظلت احتياطياتها الأجنبية مجمدة بسبب العقوبات الأميركية.
وتشير التقارير إلى أن تجارة البلدين بالعملة الصعبة بلغت 5 ملايين دولار، تم تحويلها إلى إيران يوميًا من أفغانستان. كما كانت التدفقات الخارجة نحو الجمهورية الإسلامية كبيرة، لدرجة أن البنك المركزي الأفغاني أعرب عن مخاوفه من أن هذا كان له تأثير مادي على سعر الصرف الأفغاني.
لكن وزارة الخزانة الأميركية أوقفت الأسبوع الماضي شحنات الدولار إلى أفغانستان قبل استيلاء طالبان على كابل، وأوضحت إدارة الرئيس جو بايدن أن طالبان لن تتمكن من الوصول إلى الاحتياطيات التي تحتفظ بها أفغانستان في الولايات المتحدة.
ستواجه إيران إذًا صعوبة أكبر في تلبية الطلب على الدولار الأميركي في الداخل عن طريق الحصول على تلك الدولارات من أفغانستان، وهي حقيقة من المرجح أن تضيف ضغوطًا تصاعدية على أسعار الصرف في إيران، وبالتالي زيادة الضغط التضخمي.
تقليل استيراد السلع الإيرانية
ثانيًا، سيؤدي انتهاء تسليم الدولار إلى خلق بيئة تضخمية في أفغانستان. فمع ارتفاع الأسعار، ستحتاج الشركات والأسر الأفغانية إلى تقليص الطلب، بما في ذلك على السلع الإيرانية.
ففي السنوات الأخيرة، برزت أفغانستان كواحدة من أكبر الوجهات للصادرات الإيرانية غير النفطية، حيث بلغ إجمالي الصادرات حوالي ملياري دولار سنويًا. وجعلت المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران، والتي أدت إلى انخفاض قيمة الريال بشكل كبير، البضائع الإيرانية في متناول المشترين الأفغان.
وكان المصدرون الإيرانيون يستهدفون بشكل متزايد أفغانستان، التي يبلغ عدد سكانها 38 مليون نسمة، كسوق ذات أولوية. ولكن الاضطرابات في أفغانستان كان لها تأثير على التجارة، والتي سوف تتفاقم مع انخفاض الطلب بين المستهلكين الأفغان.
في هذا السياق، لاحظ أجمل أحمدي، الذي كان حتى وقت قريب محافظ البنك المركزي الأفغاني، في تغريدة له على تويتر، أن “قضيته الأساسية” تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم في أفغانستان.
في رأيه، فإن التحرك لمنع طالبان من الوصول إلى احتياطيات النقد الأجنبي لأفغانستان، المقدرة بحوالي 9 مليارات دولار والمودعة في الغالب لدى الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ستؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الأفغانية. وسيؤدي هذا بدوره إلى زيادة التضخم ويضر باستهلاك الأسر الأفغانية، خاصةً تلك الأقل دخلًا.
أرباح طالبان من التجارة مع إيران
ثالثًا، يبدو أن العلاقة الاقتصادية بين إيران وأفغانستان ستتعرض لمزيد من الضربات مع تجفيف المساعدات الدولية، مما يؤثر على الرفاهية الاقتصادية للأفغان العاديين.
يعتمد التوظيف في أفغانستان على الزراعة، التي تساهم بدخل 60% من الأسر، وعلى ما يصفه البنك الدولي بأنه “قطاع الخدمات المزدهر الذي يحركه المعونات”. حيث أنفقت الولايات المتحدة 24 مليار دولار على التنمية الاقتصادية خلال الحرب.
كما قدمت المساعدات الدولية، إن لم يكن الاستثمار الدولي، مساهمة ذات مغزى في اقتصاد أفغانستان: فقد زاد الناتج المحلي الإجمالي للفرد بأكثر من الضعف منذ عام 2002، حيث ارتفع من حوالي 900 دولار إلى حوالي 2100 دولار في العام الماضي. لكن النمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ظل راكدًا نسبيًا منذ أن بدأت تدفقات المعونة في التناقص.
عام 2009، كانت تدفقات المعونة تعادل 100% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن بحلول عام 2020، انخفضت تدفقات المعونة إلى 42% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو انخفاض مقلق في بلد يتم فيه توفير حوالي ثلاثة أرباع الإنفاق العام من خلال المنح، وحيث يضم قطاع خاص محدود للغاية.
هذا الواقع لا يبشر بالخير بالنسبة للصادرات الإيرانية غير النفطية إلى البلاد، والتي تتألف إلى حد كبير من السلع الاستهلاكية والزراعية. قد يؤثر انخفاض التجارة الثنائية أيضًا على أرباح طالبان. فقد توصلت دراسة حديثة أجراها جرايم سميث وديفيد مانسفيلد إلى أن طالبان كسبت 84 مليون دولار عام 2020 من خلال فرض رسوم على التجارة عبر الحدود مع إيران.
أجندة إقليمية
أخيرًا، ستكون الآفاق طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية لإيران باهتة، طالما أن التوقعات السياسية والاقتصادية في أفغانستان لا تزال غير مؤكدة. ويبدو أن الدفعة الأخيرة بين الحكومات في المنطقة للترويج لأجندة مشتركة للاتصال أصبحت الآن موضع شك.
فقد تركز دور إيران في هذه الأجندة على ميناء تشابهار، الذي كان يُنظر إليه على أنه وسيلة لربط الهند بفرص تجارية جديدة، بشكل أساسي من خلال توفير ممر تجاري إلى آسيا الوسطى وأفغانستان يلتف على باكستان.
لن يقتصر الأمر على معاناة التجارة الثنائية بين الهند وأفغانستان في حالة انخفاض الطلب في أفغانستان، ولكن من غير المرجح أن تكتمل التحسينات اللازمة للبنية التحتية للنقل المطلوبة لتحقيق الممر المتصور بشكل كامل، مثل الروابط الإضافية بين أنظمة السكك الحديدية الأفغانية والإيرانية.
وبصرف النظر عن المخاوف الأمنية العامة التي ستمنع إنشاء بنية تحتية جديدة، فمن غير المرجح أن تقرض بنوك التنمية المتعددة الأطراف، التي توفر التمويل الحاسم للعديد من مشاريع النقل والطاقة، في ظل سيطرة طالبان.
إيران، التي لم تستطع الاستفادة من تمويل التنمية بسبب العقوبات الأميركية، استفادت بشكل غير مباشر من تحديث البنية التحتية الأفغانية، خاصة عندما تم الانتهاء من تلك البنية التحتية بهدف الربط الإقليمي.
تكافح إيران منذ فترة طويلة لمقاومة العزلة الاقتصادية. وبينما يحتفل بعض القادة الإيرانيين بانسحاب القوات الأميركية من كابل، فإن صعود طالبان، يعمل على تعميق العزلة الاقتصادية لإيران.
وستجد إيران نفسها محرومة من القرب المناسب من الحكومات الأجنبية والمنظمات الدولية التي كان لها وجود ضخم في أفغانستان، ومن التدفقات المالية الكبيرة التي عززت الاقتصاد الأفغاني.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا
المصدر/ مركز “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” البحثي
ترجمة/ هادي فولادكار