الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 يوليو 2021 07:28
للمشاركة:

موجة “سوداء” في سيستان وبلوشستان.. متحوّر “دلتا” يحاصر إيران

تصارع إيران هذه الأيام انتشار وباء كورونا في البلاد، وسط تحذيرات أطلقها الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني من موجة خامسة للفيروس. ورغم انطلاق حملة التطعيم في البلاد، إلا أن أعداد من تلقوا اللقاح لا يزال قليلًا، مقارنة بعدد السكان في "الجمهورية الإسلامية".

ملامح الموجة الجديدة من كورونا بدأت تظهر في جنوب شرق البلاد؛ حيث أعلن نائب وزير الصحة الإيراني، إيرج حريرتشي، الخميس 3 تموز/ يوليو 2021، إغلاق محافظة سيستان وبلوشستان بشكل كامل، على خلفية ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا في المحافظة.
وطالب حريرتشي، الذي وصل على رأس وفد من وزارة الصحة الإيرانية إلى المحافظة، بعد موجة انتقادات بسبب تجاهل الأوضاع الصحية هناك، أهالي المحافظة بـ “عدم الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى خلال الأسبوعين المقبلين، مع ضرورة الالتزام بارتداء الكمامة”.
كما أعلنت السلطات الإيرانية إغلاق جميع الحدود البرية الثلاثة مع باكستان بسبب تفشي كورونا.
وأعلنت وزارة الصحة، في ذات اليوم، عن تسجيل 1190 حالة إصابة بفيروس كورونا، و 14 حالة وفاة في محافظة سيستان وبلوشستان؛ وبذلك ارتفع عدد المصابين بالمحافظة إلى 57 ألفًا و 110 حالات، فيما ارتفع عدد الوفيات إلى 1609 أشخاص.

تحذير من موجة خامسة

على ضوء هذه التطورات في الحالة الوبائية، حذّر الرئيس حسن روحاني من احتمال دخول البلاد في “موجة خامسة” من الإصابات بفيروس كورونا المستجد، مع تفشي سلالة دلتا الجديدة شديدة العدوى.
وقال روحاني: “هناك مخاوف من أن البلاد بأكملها قد تدخل موجة خامسة، إذا لم يتم الاهتمام بشكل كاف باتباع البروتوكولات الصحية”.
وأضاف: “اليوم تشير التقارير إلى أن 69% فقط من الناس يلتزمون بالإجراءات الاحترازية”.
كما أوضح أن السلالة دلتا دخلت البلاد من الجنوب والجنوب الشرقي للبلاد، مشيرًا إلى أنه “كان يجب أن نكون حريصين على منع انتشارها في البلاد”.

خريطة إيران الوبائية

تظهر خريطة إيران الوبائية، دخول طهران، مع 91 مدينة أخرى، في مرحلة الخطر، وصبغها باللون الأحمر، وهو اللون المستخدم للدلالة على الانتشار الكثيف للفيروس في المدينة.
كما توضح الخريطة أن 183 مدينة أخرى باتت باللون البرتقالي، و173 باللون الأصفر، مع غياب تام للمدن الزرقاء (وهو اللون الذي يشار عبره إلى المدن “النظيفة” في التصنيف الوبائي). والجدير ذكره، أن هذه الخريطة الوبائية كانت خالية من المدن الحمراء قبل شهرين.

اشتداد الحالة الوبائية في سيستان وبلوشستان؛ زاد من منسوب الخطورة هناك، حيث أفاد صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية، أن “تفشي الفيروس التاجي في المحافظة وصل إلى مستويات مروعة، مع اجتياز معدّل 1000 حالة يوميًا، وهو رقم يشكك فيه السكان المحليون، ويعتبرون أنه أكثر من ذلك بكثير”.
في السياق، يوضح رئيس جامعة زاهدان للعلوم الطبية والخدمات الصحية سيد محمد هاشمي شهري، في حديث للصحيفة، أن “قلة التطعيم، ونقص أدوات اختبار الكورونا، ونقص مراكز الفحص والبنية التحتية الصحية، أوصل المنطقة الآن إلى هذه المرحلة”.

من جهته، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية حسين علي شهرياري: وطأ متحوّر دلتا من الفيروس منازل “أكثر المحافظات حرمانًا في إيران”.
ويضيف: نظرًا لأن لدينا حدودًا بطول 1200 كيلومتر مع أفغانستان وباكستان، طالبنا أكثر من مرة إغلاق الحدود لكي لا يصل المتحوّر الهندي، “لكن للأسف لم تستطع وزارة الداخلية فرض قيود جدية على سيستان وبلوشستان”.

سيستان وبلوشستان باللون “الأسود”

تفاقم الأزمة في سيستان وبلوشستان بلغ درجة جعلت المواطنين يبحثون عن قبور فارغة لموتاهم. ووفق صحيفة “همشهري” الصادرة عن بلدية طهران، فإن مدافن “محمد رسول الله” في زاهدان باتت مزدحمة للغاية، لدرجة أن بعض المواطنين توجهوا إلى مناطق أخرى لدفن موتاهم.
وتنقل الصحيفة عن المواطن “محمد”، ابن الـ 64 عامًا، الذي فقد العديد من أفراد أسرته نتيجة الوباء، قوله: “لم أرَ في حياتي مثل هذه الأيام؛ الموت حق، ولكن بهذا الشكل والصورة والسرعة يكون الأمر صعبًا ومكلفًا للغاية”.
ويتابع: يبدو الأمر كما لو أن “المدينة كلها أصبحت مقبرة وتثقل قلب الإنسان”.
أما سعيد، ابن الـ 32 عامًا، فيوضح أنه يعيش الآن في الحجر المنزلي مع أفراد أسرته بعد إصابته بالفيروس، وتسببه بمقتل والد زوجته.
ويصف تجربته بالحزينة، قائلًا: “لم أكن أرتدي القناع إلا في الأماكن الإلزامية، لكن للأسف كنت مخطئًا، وها هي أخبار الموت تأتي من كل مكان”.

ورغم هذا الواقع، تستمر البازارات المحلية في العمل رغم الأيام المظلمة لسيستان وبلوشستان. وبحسب “همشهري”، فإن “السوق المشتركة” هي إحدى هذه الأسواق المزدحمة بشكل خاص في المساء. ويمتلئ السوق بالباعة المتجولين الذين لا يرتدون أقنعة، ويعرضون أسعارهم بصوت عالٍ للمارة.

دور الانتخابات في انتشار الوباء

ترسم إذًا أنباء تفشي متحوّر دلتا من فيروس كورونا في إقليم سيستان وبلوشستان صورة مروعة يومًا بعد يوم. ويوضح نويد برهان زيهي، أحد سكان قرية إيرانشهر، في حديث إلى صحيفة “ايران” الحكومية، واقع الأزمة في المنطقة، ويقول: بالنظر إلى السفر غير القانوني إلى باكستان، “كان الوضع الحالي متوقعًا تمامًا”.
ويشير إلى أن محافظة سيستان وبلوشستان “غير قادرة على تحمّل الوضع”، فنصيب الفرد من أسرّة المستشفى هو نصف المعدل الوطني، كما أن 10 مدن في المحافظة ليس بها مستشفيات.

من جانبه، يؤكد مراد قاسمي، وهو أحد موظفي المركز الطبي في زاهدان، أن الارتباك يعم مستشفيات المدينة بسبب نقص معدات مواجهة الوباء.
وإذ يصف الواقع بـ “المعيب”، يلفت قاسمي إلى أنه في مستشفى الإمام علي في زاهدان، “لم يكن هناك قفازات مطاطية أو حقن للمرضى”.

بدورها، تنوه أخصائية طب الطوارئ فريبا فراهي إلى أن المواطنين في هذه المحافظات توجهوا إلى الطب التقليدي “بسبب الفقر”. موضحة أن الانتخابات لعبت دورًا في انتشار الوباء، لأن مجلس المدينة حسب قولها “كان مزدحمًا للغاية بسبب التجمعات الانتخابية، وكان الناس بلا أقنعة وكأنه لا يوجد كورونا”.

الوضع كان متوقعًا

يحمّل المواطنون تبعات هذه الأزمة إلى المسؤولين في المحافظة، متهمين إياهم بـ “التقصير في ممارسة مهامهم”.
ويرد محافظ سيستان وبلوشستان أحمد علي موهبتي على هذه الاتهامات، في حديث لصحيفة “ايران”، بالقول إن “هذا الوضع كان متوقعًا من قبل وحاولنا الاستعداد لما يحصل”.
ويشير موهبتي إلى أن ما يحدث اليوم في سيستان وبلوشستان يرجع إلى قربهما من الهند وباكستان، موضحًا “أننا تواصلنا مع المسؤولين الصحيين في البلاد لكن لم يجب أحد علينا”. وينفي موهبتي الأخبار حول فتح الحدود مع أفغانستان وباكستان، مؤكدًا رفض 2500 شخص يوميًا على الحدود.

في المحصلة، ورغم بدء إيران بإنتاج لقاحها المحلي لفيروس كورونا، تزامنًا مع استيراد اللقاحات من الصين وروسيا، إلا أن الوضع الوبائي لم يتحسّن في البلاد؛ بل على العكس، ففي كل مرّة خرجت فيها “الجمهورية الإسلامية” من موجة، فإنها تقبل على موجة جديدة من الفيروس التاجي لتفتك بالمواطنين. فهل تنجح السلطات البلاد الصحية في مواجهة الأزمة هذه المرة؟

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: