التسريب الصوتي لظريف: بين انتقاداته ومنتقديه.. كلام غير مألوف
تسريب قناة "إيران انترناشونال" مقطعا صوتيا لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، فتح باب الأسئلة والتفاعلات والردود واسعا. أولاها جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زادة الذي قال "إن التسريب الصوتي مشوه ومقتطع من حوار مدته سبع ساعات، ولا يعكس بأي حال احترام وزارة الخارجية لقاسم سليماني، وأنه ليس خافيا على أحد العلاقة العميقة التي كانت تجمع ظريف وسليماني". سعيد زاده أوضح أن المقابلة التي تم الاقتطاع منها لم تكن للنشر، ومن غير الواضح ومن قبل من وبأي أهداف ونوايا تم نشر التسريب بشكل انتقائي في الفضاء الإلكتروني.
وقد كان لافتا تجنب ظريف التعليق على التسريب، وتجلى ذلك في نشره تغريدة عن زيارته إلى قطر ولقائه بأميرها.
أسئلة كثيرطرحت نفسها وفتحت باب التأويل، وبرز ذلك بوضوح على منصات التواصل الاجتماعي عبر تعليقات كثيرة منها:
يقول محسن رحماني: من المؤسف نشر حوارك وهو ضد مصالح الوطن في وسائل إعلام أجنبية.
بينما كتب سوسيال دموكرات: هل هذا تسريب معلومات أم خطاب انتخابي؟؟
كذلك انتشر وسم على تويتر يحمل عنوان ” #ظریفغلطکرد ” ومعناه أن “اخطاء ظريف تكررت، وأن كلامه لا يحمل سوى معنى واحد وهو “رمي كل شيء على عاتق قاسم سليماني”.
هنا كتب قلم طلا: سيد ظريف لن تأكل قمح الاتفاق النووي أو رئاسة الجمهورية لأن هناك من هم أكثر حذاقة منك ومن حسن روحاني.
وعلق محمود فروزان نجاد: أتمنى أن يكون ظريف مرشحا للانتخابات وأن يحظى بموافقة مجلس صيانة الدستور، لذا سيكون مجبرا أثناء المناظرات بالرد على كل ما صنعت يداه و…
وكتب رمضان رسولي: ظريف مستاء من أن قاسم سليماني لم يدع عشاق التفاوض أن يسلموا البلاد لأميركا.
التسريب الصوتي بحسب ما نشرته “ايران انترنشونال” هو كالتالي:
تسجيل صوتي تحصل عليه “إيران إنترناشيونال” يكشف فيه ظريف عن سيطرة القائد الأعلى وسليماني على الخارجية الإيرانية.
حصلت “إيران إنترناشيونال” على ملف صوتي لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في مقابلة كان من المقرر نشرها بعد انتهاء الحكومة الحالية، أشار فيها إلى تدخلات قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، مضيفًا أنه ضحى بالدبلوماسية من أجل العمليات الميدانية للحرس الثوري.
وفي هذه المقابلة التي استمرت أكثر من 3 ساعات مع الاقتصادي الموالي للحكومة سعيد ليلاز، والتي أجريت في مارس (آذار) من العام الماضي، أجاب ظريف على أسئلة حول سياسات وزارة الخارجية خلال فترة ولايته.
وبخصوص فرض سياسات الحرس الثوري على وزارة الخارجية، وصف ظريف استراتيجية النظام الإيراني بـ”الحرب الباردة”، قائلاً: “ضحيت بالدبلوماسية لصالح ساحة المعركة أكثر مما ضحيت بساحة المعركة لصالح الدبلوماسية”.
يشار إلى أن ما يقصده ظريف بساحة المعركة هو العمليات العسكرية وتدخل قوات الأمن في الاستراتيجية الدبلوماسية للبلاد.
التضحية بالدبلوماسية
وردا على سؤال حول سبب هذا التدخل العسكري في قرارات الحكومة، وجه خطابه إلى مؤيدي النظام، قائلا: يحدث هذا عندما يكون الوسط العسكري هو من يقرر. يحدث ذلك عندما يريد الميدان [العسكري] الهيمنة على استراتيجية البلاد، وبإمكانهم اللعب معنا”.
واستشهد في هذا الصدد، بمثال معاملة الحكومة الروسية مع إيران خلال قضية الاتفاق النووي.
وعندما سأله سعيد ليلاز عما إذا كانت هذه القرارات والتدخلات تستحق العناء، وفي المقابل هل تم الحصول على شيء للدبلوماسية أم لا؟ رد ظريف: “ما الذي حصلنا عليه؟ قولوا أنتم”.
سليماني لم يكن يأخذ بكلامي
وفي جزء من هذه المقابلة، أشار الوزير الإيراني إلى علاقته بقاسم سليماني، قائلاً: “لم أتمكن أبدا في مسيرتي المهنية من القول لقائد [ساحة المعركة- سليماني وغيره] أن يفعل شيئًا معينا لكي أستغله في الدبلوماسية”.
وأضاف: “في كل مرة، تقريبًا، أذهب فيها للتفاوض كان سليماني هو الذي يقول إنني أريدك أن تأخذ هذه الصفة أو النقطة بعين الاعتبار. كنت أتفاوض من أجل نجاح ساحة المعركة”.
وقد استشهد ظريف بمثال مشاركة الحرس الثوري في محادثات وزارة الخارجية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قائلاً إن سليماني أعطاه قائمة بالنقاط التي كان يجب أخذها في الاعتبار.
وقال ظريف: “لم أتفق مع قاسم سليماني في كل شيء. كان سليماني يفرض شروطه عند ذهابي لأي تفاوض مع الآخرين بشأن سوريا، وأنا لم أتمكن من إقناعه بطلباتي. مثلا طلبت منه عدم استخدام الطيران المدني في سوريا ورفض”.
وفي هذا الجزء من المقابلة، طلب ظريف من ليلاز “أن لا ينشر هذا الجزء من المقابلة أبدًا”.
ساحة المعركة هي الأولوية للنظام
وبشأن الاختلاف بين الجيش والدبلوماسية في إيران، وضرورة ترك الأمور للدبلوماسيين، قال وزير الخارجية الإيراني: “لقد كانت ساحة المعركة هي الأولوية بالنسبة للنظام”.
وأشار إلى العلاقة بين الحرب والدبلوماسية في سياسات النظام الإيراني، قائلاً: “لقد أنفقنا الكثير من المال، بعد الاتفاق النووي، حتى نتمكن من المضي قدماً في عملياتنا [عمليات الحرب] الميدانية”.
ووصف ظريف، مرة أخرى، دوره في السياسة الخارجية للبلاد بـ”الصفر”، قائلاً: “يجب أن تكون سياسة ساحة المعركة أيضًا إحدى وظائف استراتيجية الدولة، لكن هذا ليس هو الحال، فسياسة ساحة الحرب هي التي تحدد ماهية سياسة البلاد”.
بضغط من سليماني، زادت الرحلات إلى سوريا 6 أضعاف
وفي حديثه عن نفوذ سليماني، أشار ظريف أيضًا إلى أنه لأول مرة منذ رفع العقوبات الأميركية عن شركة الطيران الوطنية الإيرانية (هما)، حذره وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، في يونيو (حزيران) 2016 من أن الرحلات الجوية من إيران إلى سوريا زادت 6 أضعاف.
وأشار إلى أنه عندما تابعت وزارة الطرق، والوزير آنذاك عباس أخوندي، الأمر، أكد رئيس الخطوط الجوية الإيرانية أن “ضغوط الحاج قاسم” تسببت في تسيير رحلات “هما” بالإضافة إلى خطوط “ماهان”.
كما لفت ظريف إلى أنه عندما طلب من سليماني، في اجتماعه التالي معه، السفر على “ماهان” بدلاً من “هما”، أجاب سليماني: “هما أكثر أمانًا”، مشيرا إلى إصرار سليماني على استخدام رحلات شركة “هما”، وقال ظريف إنه [سليماني] “يقول: لأن الساحة [المجال العسكري] هي الأصل، فإذا كانت (هما) أكثر أمانًا بنسبة 2 في المائة من (ماهان)، فيجب استخدام هما، حتى لو ألحق ذلك أضرارا بنسبة 200 في المائة على الدبلوماسية”.
رحلة سليماني إلى موسكو كانت تهدف للقضاء على إنجازنا
وقال ظريف إنه بعد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي، في يوليو (تموز) 2015 وحتى يوم تنفيذ الاتفاق في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، وقعت أحداث ضد الاتفاق النووي، كان آخرها الهجوم على السفارة السعودية في ديسمبر من ذلك العام، مضيفا: “في هذه الأشهر الستة، كان الحدث الأول هو زيارة قاسم سليماني إلى موسكو”.
وأشار الوزير الإيراني إلى أن الزيارة تمت بإرادة روسية، ومن دون سيطرة وزارة الخارجية الإيرانية، وكانت تهدف إلى “تدمير إنجاز وزارة الخارجية” بإرادة روسية.
روسيا حاولت منع نجاح الاتفاق النووي
وأوضح ظريف أن روسيا، وعلى الرغم من طلب سليماني زيارة موسكو واللقاء مع بوتين، وافقت على القيام بهذه الزيارة في الأسبوع الأخير من توقيع الاتفاق النووي. كما أشار إلى محاولات أخرى لروسيا للطعن بالاتفاق النووي في الأسابيع الأخيرة من توقيعه، خاصة في مجال وقود محطة بوشهر النووية.
لقد شتمت لافروف في المفاوضات
وأشار ظريف إلى أنه أهان الوزير الروسي سيرغي لافروف خلال المفاوضات النووية بسبب خلاف في الآراء نشب بينهما. وقال ظريف إنه في مرحلة من المفاوضات عندما لم يتم التوصل إلى اتفاق، وسأله لافروف هل لديه تعليمات أم لا؟ قال له ظريف: “هذا ليس شأنك”.
وأضاف ظريف أنه إضافة إلى هذا التعبير، استخدم أيضا عبارة “مهينة وغير دبلوماسية” ضد لافروف. ومع ذلك، أكد ظريف أنه من المؤيدين الجادين لعلاقات بلاده مع الصين وروسيا.
علاقاتنا مع أميركا لا تصب في مصلحة روسيا
وفي جزء آخر من المقابلة، أشار ظريف إلى عدم تغيير سلوك الحكومة الأميركية خلال فترة رئاسة بايدن، موضحا: أكثر من 10 مليارات دولار من أصولنا تم تجميدها في الخارج، ولم نر أي تغيير منذ تسلم بايدن السلطة.
وبشأن توترات إيران على الصعيد العالمي، قال ظريف إننا نتوقع أن الصين وروسيا تواجه أميركا، ولكن الصين ترى منافستها مع أميركا في المجال التكنولوجي. وأشار ظريف أيضًا إلى أنه ليس من مصلحة روسيا أن تطبّع طهران علاقاتها مع الغرب.
الصراع السياسي الداخلي
وتحدث جواد ظريف أيضا عن الخلاف السياسي في الداخل الإيراني، قائلا: “هناك من يعرقلون الحكومة ظنا منهم أنهم سيأتون بعدنا ويفخرون بحل المشاكل، لكنهم لم ينتبهوا أن العالم سيتغير بعد 6 أشهر، وهذه الشهور المتبقية مهمة للغاية للنظام”.
وهو المعنى نفسه الذي أشار إليه موقع “رويداد 24” الإخباري نقلا عن مصدر مطلع من أن ظريف طالب، في رسالة إلى خامنئي، بوقف الضغط السياسي الداخلي على فريق التفاوض الإيراني في فيينا. وبحسب التقرير، فإن ظريف وعد خامنئي في هذه الرسالة بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران.
لكن اللافت في حديث ظريف أنه طلب من مهاجميه والمشككين في “ثوريته” طالبهم بسؤال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، قائلا: “من يهاجمونني في الداخل عليهم أن يسألوا عني حسن نصر الله هل أنا خائن أم ثوري؟”.
وأضاف ظريف في التسجيل الصوتي: “سعيت كثيرا لكي يشارك الناس في الانتخابات البرلمانية لكن لم يحدث، وقرر الشعب عدم التصويت، وبذلك سيطر الأصوليون على البرلمان”.
معظم هيكل وزارة الخارجية شأن أمني
وردا على سؤال حول تدخل القوات الأمنية في السياسة الخارجية والطبيعة الأمنية لمعظم سفراء إيران في المنطقة، قال ظريف: “إن معظم هيكل وزراة خارجيتنا شأن أمني”.
وحول النظرة الأمنية لقضايا الجمهورية الإسلامية فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، أكد ظريف: “هناك جماعة في بلادنا لها مصلحة في جعل كل شيء أمنيا، لأن دورهم سيبرز”، مشيرا إلى أن “هذه الجماعة أقلية يتمتعون بالقدرة على تأجيج الأوضاع، إضافة إلى قدرتهم على خلق موجة هائلة”.
علاقة ظريف بالقائد الأعلى
وفي جانب من المقابلة أشار جواد ظريف إلى أن القائد الأعلى عاتبه “بشدة” بعد تصريح له “تم تحريفه من قناة ناطقة بالفارسية في الخارج، حول الاتفاق النووي. وقال لي حينها: عليك أن تكون مع مواقف النظام. اضطررت أن أشرح له عدة ساعات وأكتب توضيحًا على تويتر لشرح الموقف”.
ثم عاد ظريف وأشار إلى توزيع الأدوار بين أركان النظام الإيراني، قائلا: “كلنا ثوريون مثل القائد الأعلى، لكن تم تقسيم المهام؛ أحدنا يكون دبلوماسيًا والآخر عسكريًا أو اقتصاديًا، قوة إيران في ثوريتها”.
روحاني وظريف.. “آخر من يعلم”
وردا على سؤال حول سبب سماح الحكومة لسليماني بالتدخل، قال ظريف إن مسؤولي الطيران ووزير الطرق ورئيس الجمهورية لم يكونوا على علم بذلك.
وذكر ظريف أنه سمع من كيري أن إسرائيل هاجمتنا 200 مرة في سوريا، قائلا: “أخبرني كيري أن إسرائيل هاجمتنا 200 مرة في سوريا”، مؤكدًا جهله بالعديد من القضايا الإقليمية التي قام بها الحرس الثوري.
وأضاف: “هل تعلمون أن أميركا علمت بالهجوم على قاعدة عين الأسد قبل أن أسمع به أنا؟”، مضيفا أنه سمع بالهجوم على هذه القاعدة الأميركية بعد ساعتين من إبلاغ رئيس الوزراء العراقي آنذاك بالهجوم.
وحول جهله بزيارة الرئيس السوري، بشار الأسد إلى إيران قبل 4 أعوام، والتي أدت إلى تقديم ظريف استقالته، قال الأخير: “نسقنا للزيارة أنا وسليماني، ولكن عندما أحضروه لم أكن على علم بذلك، فقد شاهدت الخبر على شاشة التلفزيون”.
وفيما يتعلق باستهداف الحرس الثوري الإيراني الطائرة الأوكرانية بالقرب من طهران، قال وزير الخارجية الإيراني إن المسؤولين العسكريين والأمنيين كانوا على علم باستهداف الطائرة بعد ظهر الأربعاء أو صباح الخميس.
وأكد ظريف أنه تم التعامل معه بشدة من قبل الحاضرين في اجتماع الأمانة العامة التابعة لمجلس الأمن القومي، بعد طرحه سؤالا حول إطلاق الصاروخ، مشيرا إلى أن الاجتماع حضره رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، وسكرتير مجلس الأمن القومي ووزير الطرق.
وقال ظريف إنه عندما سألهم في اجتماع يوم الجمعة، أي بعد نحو 3 أيام من استهداف الطائرة، قال إنه إذا تم إطلاق الصاروخ، ينبغي أن يخبروه بالأمر أيضًا، ولكن الحاضرين نفوا الأمر وطلبوا منه نفيه على حسابه في “تويتر”.
وأضاف ظريف أنه قال خلال الاجتماع المذكور: “انظروا، أنا وزير الخارجية، ومن المفترض أن أبرر ذلك، ولكن لا أحد يلتفت لي.”