الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة22 سبتمبر 2020 06:25
للمشاركة:

أخطاء طهران في الاتفاق النووي.. دروس للمفاوضات المقبلة مع أميركا

نشرت صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية مقالاً في 21 أيلول/سبتمبر2020 للباحث الإيراني - الأميركي ولي نصر، اعتبر فيه أن اعتماد واشنطن على العقوبات والضغوط القصوى تجاه إيران سيجعل من الصعب إبرام اتفاق جديد يقيد طموحات طهران النووية. الكاتب تطرّق في مقاله، الذي ترجمته "جادة إيران"، للأخطاء التي رافقت إبرام الإتفاق النووي السابق، لافتاً إلى أن المهمة الصعبة الآن بالنسبة لأميركا هي إعادة بناء الثقة مع طهران للوصول إلى إتفاق جديد.

إن اعتماد واشنطن على العقوبات والضغوط القصوى تجاه إيران سيجعل من الصعب إبرام اتفاق جديد يقيد طموحات طهران النووية. بعد ما حصل الشهر الماضي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عندما أيّدت جمهورية الدومينيكان فقط قرارًا أميركيًا لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران إلى أجل غير مسمى، أصبح من الواضح الآن أن استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران قد فشلت في تحقيق هدفها.

أدى قرار ترامب بالإنسحاب من الاتفاق النووي واعتماد استراتيجية “الضغط الأقصى” إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني، لكنه ترك الاتفاق قائماً، وكلما ضغطت الإدارة بشدة لإلغائه، وجدت نفسها معزولة أكثر. هناك فرصة ضئيلة لتحقيق إنفراج قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. تريد طهران أن تعود الإدارة الأميركية الجديدة إلى اتفاق 2015. ومع ذلك، حتى بايدن، الذي قال أنه سيفعل ذلك، سيعمل على ايجاد اتفاق نووي أكثر شمولاً.

على مدى السنوات الأربع الماضية، استخدم ترامب العقوبات الاقتصادية ضد إيران بشراسة غير مسبوقة. في يوم واحد من عام 2018، فرضت إدارته نحو 700 عقوبة جديدة على البلاد، أدت إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى حد كبير، وعزل إيران عن المؤسسات المالية الدولية، وأغرق الإقتصاد الإيراني في أعماق البطالة والتضخم، ومنع وصولها إلى الإمدادات الطبية لمكافحة وباء كورونا في البلاد. أوضح ترامب للعالم قدرة واشنطن التي لا تضاهى على إلحاق الأذى الاقتصادي. لكن هذا العرض الاستثنائي للقوة لم يعطِ أي نتيجة.

لقد أصبح استخدام ترامب المفرط للعقوبات تجاوزًا للسياسة، ما أثار قلق كل من حلفاء الولايات المتحدة وخصومها، وأدى ليس فقط إلى مقاومة دبلوماسية منسقة، ولكن أيضًا إلى الاستثمارات في الإجراءات الاقتصادية المضادة التي تهدف إلى التحايل على تفوق الدولار الأميركي في النظام المالي العالمي. على سبيل المثال، شجعت بكين الشهر الماضي البنوك الصينية على تقليل اعتمادها على شبكة SWIFT التي يشيع استخدامها لإجراء المعاملات، والتي تكون عرضة للضغط الأميركي. من الواضح أن الصين تتطلع إلى تقليص قدرة الولايات المتحدة على الضغط على الخصوم من خلال حرمانهم من الوصول إلى الشبكات المالية الدولية. تصاعد المقاومة للعقوبات الأميركية جعل من الصعب على واشنطن حشد الدعم الدولي للضغط على إيران. سيتطلب ذلك تقليل العقوبات الأميركية.

استخدمت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما العقوبات الاقتصادية لإجبار إيران على التفاوض على اتفاق نووي. توقع ترامب إعادة إنشاء هذه الصيغة بسرعة. لكن هذه المرة، أعطت الضغوط إيران حافزًا للمقاومة. على الرغم من الضغوط الإقتصادية الأكبر، شجع ترامب إيران على مضاعفة إستثماراتها في برنامجها النووي. لقد تراجعت بالفعل عن عدد من التزاماتها بموجب الإتفاق النووي واستأنفت أنشطة التخصيب.

أصبح الرأي العام في إيران يرى أن طهران أخطأت في التقدير المرة الماضية، فقد دخلت في مفاوضات مع الولايات المتحدة باكراً وبقليل من النفوذ. لهذا السبب تمكّن مسؤولي إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي ولا يرون أي مشكلة في فرض أقصى ضغط على البلاد.

الدرس الذي تعلمته طهران هو أن الاتفاق النووي لن ينجح إلا إذا كان لدى إيران نفوذ كافٍ لإجبار الولايات المتحدة على رفع المزيد من العقوبات وأن تظل ملتزمة باتفاق. من الواضح أن عشرين ألف جهاز طرد مركزي وبضع مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% لم تكن كافية. في حال كان هناك مرة قادمة، فستهدف إيران إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بأكثر من ذلك بكثير.

يعتقد الإيرانيون أنهم أوفوا بالتزاماتهم بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. وهم يشيرون إلى عشرات التقارير الإيجابية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. يعتقدون أنه حتى قبل الانسحاب من الاتفاق، كانت الولايات المتحدة تتباطأ في تنفيذ واجباتها من الصفقة. من الواضح أن المفاوضين الإيرانيين فشلوا في تقدير التعقيدات القانونية العديدة لنظام العقوبات الأميركي ولم يؤمنوا ضمانات تخفيف العقوبات في الصفقة.

لكن الدرس الأكبر هو أن إيران تخلت في الصفقة عن الكثير من الإنتاجات المادية الملموسة التي بنتها بمرور الوقت وبتكلفة باهظة، في حين وافقت الولايات المتحدة فقط على إلغاء القوانين التي يمكن أن تعود إلى حيز التنفيذ يومًا ما. لتغيير هذه الحسابات، قاومت إيران ضغوط العقوبات، وطالبت مؤخرًا الحكومة الأميركية بدفع تعويضات للتخلي عن الصفقة وإلحاق الضرر الاقتصادي بإيران.

بالنسبة إلى المرشد الأعلى لإيران السيد علي خامنئي، ليبيا كانت درساً. عندما وافق معمر القذافي على التخلي عن برنامجه النووي، أخبر المرشد الأعلى مستشاريه أن هذا كان خطأ فادحًا من شأنه أن يقضي على الزعيم الليبي. إن لعب الغرب دوراً في إسقاط نظامه، أثبت لآية الله أن التخلي عن الطموحات النووية لن يؤدي إلا إلى تغيير النظام.

أصبح قادة إيران ينظرون إلى تغيير النظام باعتباره الهدف النهائي للضغط الأقصى. لقد ألقوا باللوم على الاحتجاجات الشعبية التي هزت البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية على التدخل الخارجي – بافتراض أن استراتيجية واشنطن هي ضغط السكان في الاضطرابات ثم استخدام عملائها لإشعال فتيل الانتفاضة الجماهيرية. هل كانت الولايات المتحدة ستتبع مثل هذه الاستراتيجية لو لم تتخلَّ إيران عن برنامجها النووي؟ لا يعتقد مسؤولو الجمهورية الإسلامية ذلك. ستبقى حتمية بقاء النظام عائقاً أمام التنازلات السهلة في المحادثات النووية، ما لم يهدأ الخوف من تغيير النظام في طهران.

لقد علّمت إدارة ترامب إيران – وجميع الطامحين للانضمام إلى النادي النووي – دروسًا خاطئة: يجب أن يكون لديهم برنامج نووي أكبر قبل التحدث، والتفاوض بشكل تدريجي، والتخلي عن الأصول النووية ببطئ خشية عودة العقوبات.

بالنسبة للولايات المتحدة ، ليس هناك طريق سهل لإبرام صفقة نووية أكبر مع إيران. سيتعين عليها أن تبدأ من خلال استعادة الاتفاق النووي لعام 2015 بالكامل، ثم العمل مع أوروبا والصين وروسيا للتخطيط للمهمة الصعبة المتمثلة في إعادة بناء الثقة للوصول إلى اتفاق جديد ولإدارة الطريق الطويل بعد ذلك.

المصدر/ فورين بوليسي

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: