الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة3 سبتمبر 2020 15:03
للمشاركة:

هل تستطيع “اينستكس” إنقاذ الاتفاق النووي من الموت؟

نشر موقع Bourse & Bazaar المتخصص في الشؤون الإقتصادية الإيرانية، مقالاً يشرح إمكانية المحافظة على الإتفاق النووي مع إيران، خصوصاً من قبل الدول الأوروبية الموقعة على الإتفاق: فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، وذلك عبر الحفاظ على آلية دعم التبادل التجاري INSTEX التي أسستها هذه الدول مع طهران. وتروي كاتبة المقال الفنلندية تيتي ايراستو، وهي باحثة في برنامج SIPRI لنزع السلاح النووي ومنع انتشاره، مسار الأحداث في ما يتعلّق بـinstex وكيف حاولت الدول الأوروبية المحافظة على استقلالية قرارها بعيداً عن الضغوظ الأميركية للحفاظ على هذه القناة التجارية، وأهمية بقائه للمحافظة على الإتفاق النووي. جاده إيران تقدم إليكم ترجمة كاملة للمقال.

مع بدء سريان القيود المفروضة على أنشطة إيران النووية بموجب الإتفاق النووي عام 2015 أو ما يُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة بين إيران ودول الـ5+1 (روسيا وأميركا والصين وثلاث دول أوروبية هي فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، كان متوقّعاً أن تُرفع العقوبات عن طهران. إلا أنه في أيار من العام 2018، قررت الولايات المتحدة الخروج من هذا الإتفاق، ووضعت بعض القرارات التي تمنع بموجبها الشركات الخاصة من التعامل مع “الجمهورية الإسلامية”، كما أنها منعت الأطراف الأخرى من الإستمرار في العمل وفق الإتفاق الموضوع.

بالإضافة إلى الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الموجودة في إيران، أدت هذه العقوبات الجديدة إلى منع الشعب الإيراني من الوصول إلى السلع الإنسانية الأساسية، إضافة لدفع طهران لتقليل إلتزاماتها النووية تجاه الدول المشاركة في خطة العمل المشتركة. من هنا، حاولت الدول الأوروبية الثلاث المشاركة حماية الإتفاق، وقدّمت درساً حول إمكانية الدول الأوروبية المحافظة على استقلالها الذاتي في ظل اقتصاد عالمي يهيمن عليه الدولار.

عندما انسحبت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خطة العمل المشتركة، شدد الاتحاد الأوروبي على التزامه بضمان استمرار رفع العقوبات وأعلن تمسكه بالاتفاق. وقد تم التعبير عن هذا التصميم أيضًا في إجراءات عملية، حيث منعت هذه الدول الشركات الخاصة فيها من الإمتثال إلى لائحة العقوبات. وفي أيلول/ سبتمبر 2018، أعلن الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث أنهما سيطوران أداة تجارية خاصة لتسهيل التجارة الأوروبية الإيرانية، بما في ذلك النفط، والذي كان من المقرر أن تستهدفه العقوبات الأميركية.

رغم ذلك، كان للقرار الأميركي أولوية بالنسبة للشركات في القطاع الخاص، وذلك بسبب إدراك هذا القطاع لافتقار أوروبا إلى النفوذ السياسي والاقتصادي مقارنة بأميركا. وفي كانون الثاني/ يناير من العام 2019، خفّضت الدول الأوروبية توقّعاتها بالنسبة لمهمة الأداة التجارية التي سمّيت آنذاك INSTEX وبات هدفها التجارة في السلع الإنسانية.

ورغم تركيز هذه الأداة على القطاع الإنساني، فقد واجهت مشكلة جديدة وهي العقوبات الأميركية على قطاع المصارف، ما أدى إلى نقص الأدوية في “الجمهورية الإسلامية”. سعت INSTEX إلى تمكين تبادل السلع الإنسانية بين أوروبا وإيران دون تحويل العملة للالتفاف على العقوبات الأميركية. وبالتالي يقوم المصدّرون الأوروبيون بالحصول على قيمة صادراتهم إلى إيران عبر أموال موجودة في دول الإتحاد أو عبر تبادل تجاري دون الحاجة إلى تحويل الاموال.

تمكّنت INSTEX من طمأنة المصارف والشركات الخاصة عبر مشاركة فرنسا وبريطانيا وألمانيا معها، وأربع دول أوروبية أخرى هي بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج ، بالإضافة إلى فنلندا والسويد والتي من المتوقع انضمامها قريبًا إلى الأداة التجارية.

اليوم، تواجه INSTEX عقبات رئيسية تمنعها من العمل وفق التوقعات المنشودة. أبرز هذه العقبات يتمثّل في أن قيمة الصادرات الأوروبية إلى إيران تتجاوز قيمة الصادرات الإيرانية إلى أوروبا. وتشمل الحلول المحتملة للمشكلة الدفع للمصدرين الأوروبيين باستخدام عائدات إيران المجمدة حاليًا في البنوك الأجنبية، أو تقديم قرض لإيران لشراء سلع إنسانية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تسعى لمنع هذه الخيارات.

يمكن أيضًا لـINSTEX زيادة فرص تحقيق ميزان تجاري فعال، وذلك عبر توسيع نطاق عملها ليشمل دولاً غير أوروبية وتوسيع نطاق العمل إلى التجارة في السلع غير الإنسانية والتي لا تستهدفها أميركا، لكن يبقى الخوف أن تقوم واشنطن بإصدار عقوبات جديدة ضد هذه السلع. ورغم محاولة هذه الأداة التجارية عدم التصادم مع الولايات المتحدة، قد تحاول أوروبا اتخاذ قرارات تحمي الإستقلالية الإقتصادية الأوروبية من الإستهداف من قبل الولايات المتحدة.

في الوقت الحالي، من الواضح أن الواقع السياسي يسيطر على INSTEX، خصوصاً انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. وقد يفتح فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الباب أمام عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ما يجعل هذه الأداة أقل أهمية. ومع ذلك، فإن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة أو التوصل إلى أي اتفاقيات جديدة مع إيران تعتمد على رفع العقوبات. لكن القطاع الخاص سيبقى متخوّفا من الدخول في تجارة مع إيران نظراً لخيبة الأمل الموجودة لديه بعد تأكيدات إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حول سلامة التعامل التجاري مع طهران. من هنا يمكن أن تساعد INSTEX في معالجة هذه المشكلة من خلال توفير ضمانات إضافية للبنوك والشركات التي لا تريد المخاطرة خوفاً من التحوّل المقبل في السياسة الأميركية تجاه إيران.

من جهة أخرى، قد تؤدي إمكانية إعادة انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة أو عودة عقوبات مجلس الأمن الدولي ضد إيران إلى انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة. وبالتالي يُتوقّع في هذه الحالة أن تنخفض إلتزامات الدول الأوروبية تجاه INSTEX، لكن يجب متابعة مهمتها الإنسانية باعتبارها مسألة ضرورة أخلاقية حتى بدون خطة العمل الشاملة المشتركة.

من الواضح أن INSTEX وحدها لا تستطيع إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة، التي يعتمد مستقبلها بشكل أساسي على العلاقات الأميركية الإيرانية. لكن الأكيد أن هذه الأداة التجارية يمكنها الحفاظ على الاتفاق النووي حتى إيجاد حلول دبلوماسية. وإضافة إلى كون مهمة هذه الأداة الحفاظ على الإتفاق النووي والإلتزام بالمبادئ الإنسانية الأساسي، يمكن لـINSTEX أن تكون اختباراً لقدرة السياسة الخارجية الأوروبية في أن تكون أكثر استقلالية.

المصدر/ Bourse & Bazaar

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: