الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة20 فبراير 2020 15:30
للمشاركة:

أبرز محطات البرلمان الإيراني منذ انتصار الثورة الإيرانية

يعتبر مجلس الشورى الإسلامي في إيران (البرلمان) من أقدم مؤسسات الحكم التشريعية في إيران، إذ يعود تاريخ العمل البرلماني في إيران إلى العام 1906 بعد الثورة الدستورية.
بقي البرلمان أو المجلس كما يسمى في إيران حاضرا بقوة وكان دوره محوريًا في محطات عديدة على مدى القرن الماضي، رغم تعرضه في السنوات الأخيرة من الحكم الملكي للتهميش.
مع انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 تحول البرلمان إلى ساحة مواجهة سياسية بين الأطراف التي حاولت من خلاله سن قوانين وتشريعات تحت سقف الجمهورية الإسلامية، وهو ما انعكس على المجلس مراحل قوة وضعف وخلافات داخلية نُجمل أبرزها حسب الدورات الانتخابية التي تُعقد كل أربع سنوات.

البرلمان الأول:(وليد الجمهورية الإسلامية في إيران)

عُقدت أول انتخابات تشريعية بعد انتصار الثورة الإيرانية في مارس/ آذار 1980، بمشاركة جميع التيارات السياسية متنافسين على 270 مقعداً. عرف المجلس “بالمجلس الثوري” لضمه الجيل الأول من الثورة الإيرانية برئاسة آية الله هاشمي رفسنجاني. لم تمر أول انتخابات دون تبادل الاتهامات بالتلاعب في نتائجها، بحسب ما أعلنته منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة، وأكد ذلك الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر.
هبَّت العواصف السياسية في وجه البرلمان، كالحرب العراقية- الإيرانية، والمواجه المسلحة مع منظمة “محاهدي خلق”، كما قام هذا المجلس بعزل أبو الحسن بني صدر من رئاسة الجمهورية في حينه، كذلك اعتمد نوابه بشكل مؤقت اسم مجلس الشورى الإسلامي، بدلاً من مجلس الشورى الوطني، وكان جدول أعماله مزدحماً لإعادة صياغة وتشريع القوانين التي تتناسب مع خط الحكم في الجمهورية الإسلامية.

البرلمان الثاني (بداية الانشقاقات السياسية)

جرت الانتخابات البرلمانية لأول مرة تحت إشراف مجلس صيانة الدستور في ابريل/نيسان 1984، وكانت نتيجة ذلك أن استبعدت الأحزاب المعارضة كمنظمة خلق والحزب القومي.
هذه الإجراءات أدت لاستحواذ الجماعات الدينية على معظم مقاعد البرلمان ك “جمعية علماء الدين المجاهدين” و “الحزب الجمهوري الإسلامي” بقيادة رفسنجاني. لم يدم هذا الانسجام طويلاً حتى نشبت الاختلافات الفكرية داخل الأحزاب بين الجناحين “اليمين واليسار”، ما أدى لحل الحزب الجمهوري، إلى جانب انشقاق “مجمع علماء الدين المجاهدين” عن “جمعية علماء الدين المجاهدين” الأمر الذي مهد لإنشاء التيار الإصلاحي لاحقاً.
تابع المجلس تشريع القوانين التي تتناسب مع تلك الفترة و على رأسها دعم القوات المسلحة في حربها مع القوات العراقية، كما قام بسن قوانين أخرى تدعم الاقتصاد الإيراني لمواجهة العقوبات الأميركية والأوروبية التي بدأت بإنهاك الاقتصاد الإيراني، على خلفية اقتحام السفارة الأميركية في طهران.

البرلمان الثالث.. “مجلس الشورى الإسلامي “رسمياً

أقيمت انتخابات البرلمان الإيراني بدورته الثالثة في أبريل/نيسان 1988، حيث فازت كل من “جمعية علماء الدين المجاهدين” و ” مجمع علماء الدين المجاهدين” بمعظم مقاعد المجلس، إضافة لتصنيفات سياسية أخرى “كدفتر تحكيم وحدت”، “بيت العمال” ، “الاتحاد الإسلامي للمعلمين”، “الاتحاد الإسلامي للجمعيات والمؤسسات الحكومية، الاتحاد الإسلامي للأساتذة الجامعيين. اُنتخب هاشمي رفسنجاني رئيساً للمجلس، لكنه استقال بعد عام، بعد انتخابه رئيسا للبلاد خلفاً للرئيس علي خامنئي الذي انتخب لاحقاً مرشداً للبلاد، وتم تعيين مهدي كروبي رئيساً للبرلمان.
رحيل قائد الثورة الإيرانية روح الله خميني وانتهاء الحرب الإيراني العراقية كانت أهم الأحداث التي رافقت سنوات المجلس الأربع. وتم اعتماد اسم مجلس الشورى الإسلامي رسمياً في الدستور الإيراني بدلاً من مجلس الشورى الوطني.

البرلمان الرابع (تقليل التوتر)

بعد رحيل قائد الثورة الإيرانية روح الله خميني، ظهرت أحزاب سياسية جديدة أهمها حزب كوادر البناء او “كارغزاران سازندغي” الذي أسسه هاشمي رفسنجاني، وانقسمت الساحة السياسية إلى يمين ويسار بشكل واضح، الأمر الذي ألقى بظلاله على المشهد الانتخابي في أبريل/نيسان 1992.
و نشأ جدل واسع بين الأحزاب السياسية على خلفية عدم منح مجلس صيانة الدستور أهلية لمرشحي “مجمع علماء الدين المجاهدين”، وقد انتهى الجدل المذكور بعد تشكيل البرلمان برئاسة علي أكبر ناطق نوري، المحسوب على التيار الأصولي.
المجلس الرابع تشكل في أجواء اقتصادية ضاغطة، فنسبة التضخم وصلت آنذاك إلى 50 بالمائة. هذا دفع البرلمان لتقديم خطة تنمية اقتصادية، تحدُّ من أعباء المعيشة على المواطن الإيراني. أما على المستوى السياسي فدعم البرلمان آذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليم نغورنو قره باغ، إضافة لإدانة صربيا جراء المجازر التي ارتكبتها بحق مسلمي البوسنة.
داخلياً كان قانون إنشاء محافظة أردبيل أهم قرار يتخذه المجلس.

البرلمان الخامس (البرلمان المتوازن)

حظيت الأحزاب السياسية على توزيع عادل للمقاعد البرلمانية خلال انتخابات مارس/آذار 1996، حيث نال التيار الأصولي واليمين 140 مقعد أما اليسار وحزب “كارغزاران سازندغي” والأحزاب العمالية حصلت على 110 مقعد، وبالنسبة للمستقلين حصلوا على باقي المقاعد، حيث انتخب علي أكبر ناطق نوري رئيساَ للمجلس مرة جديدة.
واجه البرلمان العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية وحاول نفي الادعاءات التي أطلقها الغرب ضد طهران بدعمها للإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، فوجه جهوده بتوسيع علاقته مع البرلمانات الإسلامية والأوروبية، من خلال مشاركته بعدة مؤتمرات دولية وشكّل اتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي مقرها في طهران.
داخلياً كان أكثر حزماً على عمل حكومة الرئيس سيد محمد خاتمي، فحجب الثقة عن وزير داخليته عبد الله نوري واستجوب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي.

البرلمان السادس (إصلاحي بامتياز)

اتسعت رقعة المنافسة الانتخابية في فبراير/شباط 2000 بعد زيادة عدد مقاعد البرلمان إلى 290 مقعد، حيث اكتسح التيار الإصلاحي معظم مقاعد البرلمان بنسبة 74 بالمائة، أما الأصوليون فحصلوا على 19 بالمائة والمستقلين 7 بالمائة، برئاسة مهدي كروبي.
مع اقتراب انتهاء فترة صلاحية البرلمان قدّم 109 نائب استقالتهم على خلفية عدم منح مجلس صيانة الدستور أهلية 2300 مرشح إصلاحي في انتخابات البرلمان المقبل من بينهم 80 نائبا إصلاحي حالي، حسب ما صرح به رئيس البرلمان لوكالة رويترز، وكانت أهم قرارات المجلس تعديل قانون الصحافة. للمرة الأولى اعتصم نواب المجلس فيه للضغط على المؤسسة الحاكمة، لكن تدخل المرشد من خلال قرار تنفيذي أنهى ما وصف بالتمرد البرلماني.
عاش البرلمان أحداث دولية هامة كهجمات 11 أيلول/ سبتمبر التي طالت أبراج التجارة العالمية في نيويورك، وغزو أميركا لأفغانستان والعراق والإعلان عن أول مفاعل نووي بمدينة بوشهر الإيرانية.

البرلمان السابع (قلعة المحافظين)

قبل بدء الانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط 2004 انتقل المجلس من مبنى “سنا” إلى “بهارستان”، كمان أن شكل هذا البرلمان حُسم قبل الانتخابات لصالح التيار الأصولي، بسبب إقصاء معظم المرشحين الإصلاحيين، وتولى الرئاسة في هذه الدورة غلام رضا حداد عادل.
عادت الأزمة النووية الإيرانية إلى الواجهة بعد تخصيب اليورانيوم في مجمع أصفهان وكانت أولى قرارات المجلس بالشأن النووي هي إلزام حكومة الرئيس أحمدي نجاد بإلغاء كافة الخطوات التطوعية بالشأن النووي مع منظمة الطاقة الذرية وإعادة النظر في التعاون معها. كما صوّت البرلمان بوضع قيود صارمة على الاستثمار التركي في إيران نظراً لعلاقة تركيا بإسرائيل آنذاك. أما اقتصادياً، منع هذا البرلمان الحكومة عن رفع أسعار السلع المدعومة كالمحروقات والسلع العامة.

البرلمان الثامن (البرلمان الحازم)

حافظ الأصوليون على سيطرتهم على البرلمان خلال انتخابات مارس/آذار 2008، التي قادت لانتخاب علي لاريجاني رئيساً لمجلس الشورى الإيراني.
لم يكن البرلمان الثامن على وفاق مع حكومة الرئيس أحمدي نجاد، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في عهده، كما شهدّت هذه الدورة قيام مجلس الأمن الدولي بتشدّيد العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية والعسكرية على إيران من خلال أربعة حزم من العقوبات عرفت بالأقسى آنذاك. كما تأزمت في تلك الفترة العلاقات الدولية مع طهران بسبب ملفها النووي.
حجب البرلمان الثقة عن وزير الداخلية الإيراني علي كوردان بسبب حمله شهادة مزورة من جامعة اكسفورد، فكانت ضربة موجعة للرئيس أحمدي نجاد الذي واجه استحقاق الانتخابات الرئاسية في العام التالي 2009، حيث اعترض التيار الإصلاحي على نتائج الانتخابات التي جاءت لصالح الرئيس، ما أدى لموجة احتجاجات شعبية صُنفت بالأكبر منذ الثورة الإيرانية.

البرلمان التاسع (انفراجٌ اقتصادي)

جرت الانتخابات البرلمانية في مارس 2012 في ظل مقاطعة الإصلاحيين بعد حملة الاحتجاجات على خلفية الانتخابات الرئاسية عام 2009، فتقدم التيار الأصولي المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي على حساب أنصار الرئيس أحمدي نجاد، فحصلوا على نسبة 75 بالمائة من أصوات الناخبين.
وقّعت حكومة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني الاتفاق النووي مع مجموعة الدول 5+1 في 2015، وشهد الاقتصاد الإيراني انفراجاً مؤقتا، بعد رفع العقوبات عنها.
استدعى البرلمان الرئيس السابق أحمدي نجاد لاستجوابه بسبب سوء إدارته للبلاد، ليكون أول رئيس يستجوبه البرلمان الإيراني، وحجب الثقة عن وزير العلوم (التعليم العالي).
في هذه الفترة تأزمت العلاقات الإيرانيةـ السعودية على خلفية إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر، تلاها اقتحام متظاهرون السفارة السعودية في طهران.

البرلمان العاشر (البرلمان الهش)

عاد الإصلاحيون مرة أخرى للمشاركة في الانتخابات البرلمانية فحظوا على 120مقعداً من أصل 290 مقعداً، حيث اعتبروا هذه النتيجة انتصاراً واضحاً لتيارهم بعد اتحادهم مع مرشحي التيار المعتدل. بينما احتل المحافظون 115 مقعداً، في الوقت الذي ربح فيه المرشحون المستقلون 49 مقعداً، فضلاً عن وجود خمسة مقاعد للأقليات الدينية. حظي البرلمان على أكبر نسبة مشاركة نسائية مقارنة بالدورات السابقة وصلت إلى 17 نائبة.
تعرض مبنى البرلمان صيف 2017 إلى هجوم إرهابي مسلح تباه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي أودى بحياة 4 مدنيين وجرح 25 آخرين.
عادت الأزمة الاقتصادية إلى البلاد من جديد بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وفرض حزمة عقوبات وصفت بالأعنف في تاريخ البلاد. أدرج البرلمان الإيراني الكونغرس والقوات الأميركية في منطقة غرب آسيا على قائمة الإرهاب، وذلك رداً على إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب.
وصف خبراء إيرانيون البرلمان بدورته العاشرة بأنه برلمان ضعيف ولا يملك أعضاءه الخبرة الكافية لإدارة البلاد، فرفعت الحكومة أسعار المحروقات دون العودة للبرلمان وفشل بإلغاء رفع الأسعار. وشهد البرلمان العاشر عدة احتجاجات شعبية لم يحرك لها ساكن مما أضعف ثقة الشعب بالبرلمان بحل مشاكله.

إضغط لمتابعة الملف كاملاً/ الانتخابات الإيرانية.. ظلال الأزمات

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: