واشنطن بوست: لماذا سحقت إيران التظاهرات بسرعة وعنف؟
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا
مُنتصف نوفمبر، خرج الإيرانيون إلى الشوارع مُحتجين بعدما تم خفض الدعم عن المشتقات البترولية بشكل مفاجئ. وكان رد فعل الحكومة الإيرانية سريعًا للغاية حيث قامت بقطع خدمات الإنترنت في أنحاء الجمهورية الإسلامية، وقمعت التظاهرات بوحشية كبيرة مما أدى لمقتل 143 شخص في غضون أسبوع، فتوقفت التظاهرات وأعلنت الحكومة أنتصارها.
فلماذا كان رد الفعل الإيراني القمعي سريعًا، وهائلًا، ومختلفًا عن تعامل الحكومة مع تظاهرات عامي 2017/2018؟ – هذا عائد لأن طهران صارت تشك في قدرة مواطنيها على تحمل العقوبات الإقتصادية الهائلة المفروضة عليهم، كما ينتابها القلق حول مكانتها الإقليمية نتيجة الإحتجاجات المستمرة في لبنان والعراق.
التوتر يسود المشهد
لسنوات عِدة قامت إيران ببناء نفوذها ومكانتها داخل لبنان والعراق، ليشكلا مرتكزين لأمنها القومي، ولهذا تؤثر التظاهرات داخل كلا البلدين إلى جانب التظاهرات الداخلية في إيران على إستقرار وأمن النظام في الجمهورية الإسلامية بشكل مباشر.
ففي نهاية شهر أكتوبر شهدت لبنان والعراق إندلاع تظاهرات مُناهضة للسياسات الحكومية الداخلية الفاسدة، ثم أتخذت التظاهرات طابع مُناهض للنفوذ الإيراني بإعتبارها داعمة لهذه الحكومات التي تضم العديد من الساسة الفاسدين.
وزادت حدة المشاعر المناهضة لإيران بعدما حاول أعضاء تابعين لحزب الله المدعوم من إيران فض التجمعات السلمية في لبنان، واشتبك أنصار حزب الله مع المتظاهرين ضد الحكومة، ما دعى الجيش وشرطة مكافحة الشغب لبناء حواجز تفصل بين الجانبين. كما لجأت الميليشيات المدعومة من إيران أيضًا لاستخدام العنف المُفرط ضد المتظاهرين في العراق. وردًا على هذا، أحرق المتظاهرون القنصلية الإيرانية بمدينة كربلاء العراقية في شهر نوفمبر، وفي النجف – مدينة المرجعية الشيعة – الأسبوع الماضي.
وتعود أهمية لبنان كونها بوابة إيران على البحر المتوسط، كما هي الدولة الحاضنة لحزب الله، الذي يعد الحليف المفضل لطهران، وعلاقتها الإستراتيجية مع الحزب غير مطروحة لنقاش، فحزب الله يشكل مركز قوى في المنطقة لصالح إيران.
وأما النفوذ الإيراني في العراق فلا يَخفى على أحد، فإيران لديها مصالح سياسية ودينية واقتصادية مشتركة مع العراق، بالإضافة إلى حدود مشتركة معرضة للإختراق تصل لـ 900 كم. وقد أظهرت المستجدات الطارئة على الساحة العراقية في أخر شهرين مدى عمق العلاقات بين البلدين.
لكن داخليًا صار النفوذ الإقليمي لإيران موضع جدل، ويصنع مُشكلة بسبب كلفته. فخلال التظاهرات الأخيرة ردد المتظاهرون شعارات مثل ” لا فسلطين، لا غزة، لا لبنان، الموت فقط في سبيل إيران”، أما الساسة في طهران لهم وجهة نظر آخرى مفادها أن إيران تُنفق الكثير لصالح البلدين “لبنان والعراق” لذا لا يمكنها بعد كل هذا أن تقف مكتوفة الأيدي. خصوصًا العراق التي لها الأولوية، فهي دولة جارة لإيران، وأخر خلاف جرى بين البلدين نتج عنه الحرب العراقية – الإيرانية المدمرة والتي أستمرت لمدة ثماني سنوات، وهذا ما لن تسمح به إيران ثانية.
أما لبنان وخصوصًا حزب الله فهو يشكل القوة الإقليمية الضاربة لإيران، ورمز لنفوذها وتفوقها في المنطقة. لكن رد الفعل العنيف مِن حلفاء إيران ضد الإحتجاجات الشعبية جعل الأمور تزداد سوءًا، مما أجج المشاعر المعادية لإيران، وهذا ما يجعل طهران متخوفة من إنتقال المشاعر العدائية لنظام الجمهورية الإسلامية من التظاهرات الخارجية إلى التظاهرات داخل حدودها.
على ماذا يحتج الإيرانيون؟
إعتاد النظام في الجمهورية الإسلامية على الإحتجاجات وخصوصًا في السنوات القليلة الماضية، وكانت التظاهرات في أغلبها عشوائية ولا تحظى بزخم كبير وتركز على مطالب إقتصادية وإجتماعية محددة. وبداية من ديسمبر 2017 إلى يناير 2018 أندلعت تظاهرات في جميع أنحاء إيران شملت أكثر من 80 مدينة رافعة مطالب إقتصادية سرعان ما تطورت مُطالبة بإسقاط الحكومة. ولم يتقنع المتظاهرون بحجة المؤامرة الأجنبية، بل اقتنعوا عندما أدرك الساسة في البلاد بما فيهم المرشد الأعلى لثورة لمطالبهم وتم شرعنتها وإعطاء وعود بالإصلاح.
فالإيرانيون لا يريدوا تكرار ما حدث في سوريا واليمن والعراق داخل بلادهم، هم يريدوا تغيرًا تدريجيًا وإصلاحًا للنظام، بحيث تسير خطوات التغيير بشكل أكثر قابلية لتنبؤ من ناحية ويتجنب السيناريوهات الثورية من ناحية أخرى، لكن التغيير لا يتم بسرعة التي ترضيهم.
الإيرانيون أمام إقتصاد عاصف
في عام 2015 كان مِن المتوقع أن يعيد الإتفاق النووي إنفتاح إيران على العالم، مما يمهد الطريق لتحسن الوضع الإقتصادي ويضع حجر الأساس للبدء في تنفيذ وعود الإدارة السياسية لرئيس حسن روحاني، لكن جاءت سياسة “الضغط الأقصى” على إيران التي أقرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتزيد الأمر سوءًا حيث أنخفضت صادرات النفط بنسبة 80%، كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن هذا العام سيشهد إنكماش للإقتصاد الإيراني بنسبة 9.5%، كما سيصل معدل التضخم السنوي لـ 35.7% وسيستمر تدهور العملة المحلية.
لكن في الواقع، الإقتصاد الإيراني قوي وضخم ومتنوع للغاية ويصعب إنهياره، لكنه يتعافى ببطء، حيث أرتفعت العملة 40% أمام الدولار، وهذا أدى لخفض معدلات التضخم ودعم قطاع الصناعات التحويلية، كما أرتفع معدل صادرات القطاع غير النفطي –تفرض العقوبات على مجال النفط ضرورة تنوع مصادر الدخل – وهذه ميزة للمستقبل.
ورغم هذا فالشعب الإيراني مُنهك، وخصوصًا الطبقة الوسطى –الأكثر نشاطًا سياسًا في العادة- تتعرض لمزيد من الأعباء نتيجة العقوبات الإقتصادية، ولهذا يعد ترامب عدو خارجي مفيد للغاية للحكومة في طهران، فعقوباته تساهم في توحيد النخب السياسية الحاكمة المُنقسمة عادة في الداخل، وعندما أندلعت الإحتجاجات شعرت الحكومة بتهديد صريح، لكنها كانت أكثر ثقة في قوتها وقدرتها على إتخاذ قرارات صارمة ضد الشعب المُنهك.
كما أن الدعم الذي توفره إدارة ترامب لمجاهدي خلق – مجموعة معارضة للنظام الإيراني سبق وأن أدرجتها أمريكا على لوائح الإرهاب ولا تحظى بدعم كبير داخل إيران – وتعبير الإدارة الامريكية عن سعادتها بالتظاهرات جاء بمثابة هدية لحكومة طهران لتُأكد أمام شعبها أن ما يحدث مؤامرة أجنبية لإسقاط النظام.
إستشراف المستقبل
على الرغم من أن التظاهرات الأخيرة في طهران كانت شبيهة بتظاهرات 2017/2018، إلا أن ردة فعل الحكومة هذه المرة كانت أكثر سرعة ووحشية وذلك لشعور الحكومة الإيرانية بتهديد حقيقي مِن أن تنتقل المشاعر المُعادية للنظام الإيراني من الخارج إلى الداخل في ظل الوضع المتردي للإقتصاد والشعب المُنهك من العقوبات، بالإضافة إلى ثقة الحكومة في قوتها للقضاء على التظاهرات وقدرتها الفعالة على تهدئة الشارع، لكن التعويل على الحِسبة من غير المرجح أن ينجح على المدى الطويل.
المصدر/ Dina Esfandiary – واشنطن بوست