الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة24 يوليو 2019 14:25
للمشاركة:

رواية “إرث من الرماد” لإنقلاب السي آي إيه على محمد مصدق- الجزء الثاني

يكمل الكاتب الأميركي تيم واينر قصة الانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق بكثير من التفاصيل التي اوردها في كتابه “إرث من الرماد”.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 1952، طار الجاسوس البريطاني مونتي وودهاوس إلى واشنطن للقاء والتر بيديل سميث وفرانك ويسنر من السي آي إي. وفي السادس والعشرين من هذا الشهر، ناقشوا كيفية “إزاحة مصدق”.
بحسب واينر، بدأت مؤامرة هؤلاء الرجال مع آخر أيام عملية انتقال الرئاسة إلى دوايت أيزنهاور. فمع تضاؤل سلطة ترومان، أخذت مخططات الانقلاب تنمو. وعلى ما قاله ويسنر نفسه عندما كان المخطط في أوجّه، “هناك أوقات تصنع السي آي إي فيها السياسة في ظل غياب البديل”. فسياسة الولايات المتحدة المعلنة قضت بدعم مصدّق القادم بطريقة ديمقراطية، لكنّ السي آي إي شرعت في العمل على إسقاطه من دون إجازة من البيت الأبيض.
وصل في 18 شباط/ فبراير 1953 رئيس الاستخبارات السرية البريطانية المعيّن حديثاً إلى واشنطن. والتقي جون سنكلير، وهو اسكتلندي عذب الكلام يعرف العامة بـ”ك” وأصدقاؤه بـ”سندباد”، مع ألن دالاس، مدير الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك، وطُرح كيم روزفلت (من السي آي إي) قائداً ميدانياً لعملية الانقلاب.
أعطى البريطانيون لخطتهم اسماً مبتذلاً، بحسب وصف الكاتب الأميركي، هو “عملية الجزمة”، وأعطاها روزفلت اسماً أكثر عظمة: “عملية أجاكس”، تيمنا ببطل حرب طروادة الأسطوري “أجاكس العظيم”.
أدار روزفلت العرض بفطنة. فهو يعمل منذ سنتين علي عمليات سياسية، دعائية وشبه عسكرية لدرء اجتياح سوفياتي يُخشى منه لإيران. وكان ضباط السي آي إي يمتلكون بالفعل ما يكفي من المال والسلاح المخبأ لدعم عشرة آلاف مقاتل قبلي لمدة ستة أشهر. وامتلك روزفلت أيضاً سلطة مهاجمة الحزب الشيوعي الإيراني المعروف ب “توده”، والمحظور في البلاد. وها إنه الآن يغيّر هدفه، واضعاً نصب عينيه تقويض الدعم لمصدق داخل الأحزاب السياسية والدينية الرئيسية في إيران.
شرح روزفلت في الترويج لحملة رشوة وفساد. استأجر ضباط الوكالة وعملاؤهم الإيرانيون ولاءات المحازبين السياسيين، وعلماء دين، والمجرمين السفاحين. اشتروا خدمات عصابات الشوارع الذين فرّقوا تجمّعات “توده” بقبضاتهم العارية، وخدمات موالين لهم نددوا بمصدّق من جوامعهم. لم يكن لدى السي آي إي الخبرة الممتدة لعقود والتي كانت تتمتع بها بريطانيا في إيران، ولا العدد ذاته من العملاء المجنّدين حتى من بعيد، إلا أنها امتلكت مالاً أكثر لتوزّعه: مليون دولار على الأقل في السنة، وهي ثروة هائلة في تلك الأيام في واحد من أفقر بلدان العالم.
أخذت السي آي إي إيعازاتها من شبكة لشراء النفوذ تسيطر عليها الاستخبارات البريطانية. كان يقودها الأخوة رشيديان، وهم ثلاثة أبناء لإيراني محب للإنكليز يسيطر على سفن ومصارف وعقارات. كان لآل رشيديان نفوذ على أعضاء في البرلمان الإيراني، وامتلكوا سيطرة على كبار تجار البازار، مشرّعي طهران غير المعترف بهم. رشوا علماء دين وضباطاً عسكريين كباراً ومحررين وناشرين وعصابات ومجرمين وعضوا واحد في فريق مصدّق على الأقلّ.
اشتروا المعلومات بعلب معندية ملأى بالنقوذ. بل إن حلقتهم ضمت أيضاً رئيس ديوان الشاه، وهو ما سيثبت لاحقاً أنه مادة محفزة للانقلاب.
دخل ألن دالاس إلى اجتماع مجلس الأمن القومي، في 4 آذار/ مارس 1953، حاملاً سبع صفحات من ملاحظات الإيجاز التي تركز على “عواقب الاستيلاء السوفياتي” على إيران. فالبلاد تواجهة “تركيبة ثورية آخذة في النضوج”، بحسب تعبير رجال دالاس، وإذا أصبحت شيوعية، فستؤدي إلى سقوط كل قطع الدومينو في الشرق الأوسط، وسيصبح إثر ذلك 60% من نفط العالم في أيدي موسكو.
وحذر دالاس من أن هذه الخسارة الكارثية ستؤدي إلى استنزاف خطير للاحتياطات الأميركية للحرب، وستضطر الولايات المتحدة إلى تقنين النفط والبنزين داخل أراضيها.
لكن، بحسب ما يرويه واينر، لم يأخذ أيزنهاور كلام دالاس على محمل الجد، واعتقد أنه ربما من الأفضل بداية أن يعرض على مصدّق قرضاً قيمته مئة مليون دولار من أجل تثبيت استقرار حكومته، بدلاً من العمل على الإطاحة به.
أوحى مونتي وودهاوس لنظرائه الأميركيين في السي آي إي بأنّ عليهم اعتماد مقاربة أخرى في عرض المشكلة على أيزنهاور. فليس في وسعهم الإصرار على أن مصدق شيوعي، إلا أنه في إمكانهم المحاججة بأنه كلما بقي في السلطة، كلما ازداد الخطر في أن يقوم السوفيات باجتياج إيران.
ودوزن كيم روزفلت كلامه ليتلاءم مع أذن الرئيس: إذا ترنّح مصدّق إلى اليسار، فستسقط إيران في أيدي السوفيات. لكن، إذا ما تم دفعه في اتجاه الطريق الصحيح، فيمكن للسي آي إي حينها أن تتأكد من سقوط الحكومة تحت السيطرة الأميركية.

الجزء الأول

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: