الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 يونيو 2025 10:31
للمشاركة:

الضربة التي هزّت طهران: من هم القادة العسكريون الذين فقدتهم إيران؟

في ضربة غير مسبوقة، استيقظت طهران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو 2025 على واحدة من أعنف الهجمات التي استهدفت عمق مؤسستها العسكرية، بعدما نفّذت إسرائيل عملية دقيقة ومباغتة طالت مقرات حساسة وشققًا سكنية، وأسفرت عن مقتل نخبة من كبار القادة العسكريين والأمنيين، إلى جانب عدد من علماء الطاقة الذرية المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني.

من قائد الحرس الثوري حسين سلامي، إلى رئيس الأركان محمد باقري وقائد القوة الجوفضائية للحرس الثوري أمير علي حاجي‌ زاده، لم يكن الهجوم مجرد سلسلة اغتيالات، بل ضربة نوعية أصابت قلب المنظومة العسكرية والأمنية الإيرانية، إذ يكشف سجل حياة القادة المستهدفين عن إرث استراتيجي وخبرة عميقة فقدتها طهران في اللحظة الأولى من هذه الحرب المستمرة مع إسرائيل لليوم الثاني على التوالي.  

حسين سلامي

منذ أن تولّى قيادة الحرس الثوري الإيراني عام 2019، كان اللواء حسين سلامي حاضرًا في صدارة المشهد العسكري الإيراني، بصفته أحد أكثر القادة تأثيرًا في رسم استراتيجية الجمهورية الإسلامية داخل حدودها وخارجها. تخرّج من جامعة الإمام الحسين العسكرية، وكان من أوائل المشاركين في جبهات الحرب العراقية–الإيرانية خلال الثمانينيات، حيث بدأ مسيرته القتالية التي امتدت لأربعة عقود.

شغل سلامي مواقع حساسة، أبرزها نائب قائد الحرس الثوري، وقائد كلية القيادة والأركان، واشتهر بخطابه المتشدد تجاه “التهديدات الخارجية”. في عهده، تمكّن الحرس من تعزيز قدراته في ميادين الحرب السيبرانية، الدفاع الجوي، والتكنولوجيا الصاروخية، فضلًا عن توسيع دعمه لمحور الحلفاء في الإقليم.

وبحسب ما أعلنت طهران، فقد قضى سلامي في إحدى المقرات القيادية التي استهدفتها الضربة الإسرائيلية، ليُطوى برحيله فصلٌ مهم من قيادة الحرس، وتفقد المؤسسة العسكرية أحد أبرز وجوهها في لحظة مفصلية من المواجهة.

محمد باقري

شغل اللواء محمد باقري منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية منذ عام 2016، واعتُبر أحد أبرز العقول الاستراتيجية في البنية العسكرية للجمهورية الإسلامية. جمع باقري بين التكوين الأكاديمي العميق والخبرة الميدانية الطويلة، ولعب دورًا محوريًا في إعادة هيكلة القوات المسلحة وتطوير قدراتها التخطيطية والتنظيمية.

تولى مسؤولية التنسيق بين فروع الجيش التقليدي والحرس الثوري، وأسهم بشكل مباشر في صياغة السياسات الدفاعية العليا للبلاد، كما كان عضوًا فاعلًا في المجلس الأعلى للأمن القومي، حيث تمتع بثقة واسعة داخل دوائر صنع القرار.

كان حضوره حاسمًا في متابعة التهديدات الخارجية ورسم استجابات دفاعية طويلة المدى، ما جعله من بين أكثر الشخصيات نفوذًا في المؤسسة العسكرية الإيرانية. ووفقًا للبيانات الرسمية، فقد اُغتيل خلال تواجده في مركز عسكري متقدّم استُهدف ضمن الضربة الإسرائيلية الأولى.

أمير علي حاجي‌ زاده

يُعدّ العميد أمير علي حاجي‌ زاده، قائد القوة الجو-فضائية في الحرس الثوري منذ عام 2009، أحد أبرز العقول الهندسية والعسكرية خلف البرنامج الصاروخي الإيراني. أشرف على تطوير منظومات صاروخية دقيقة وبعيدة المدى، وأسهم في توسيع قدرات إيران في مجال الطائرات المسيّرة والدفاعات الجوية، ما جعله لاعبًا أساسيًا في بناء منظومة الردع الإيرانية.

برز اسمه في مفاصل محورية من المواجهة الإقليمية، إذ شارك في وضع استراتيجيات التوازن الصاروخي في مواجهة إسرائيل والقوات الأميركية في المنطقة.

ورغم الجدل الذي أُثير حوله بعد حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير 2020، لم يتراجع موقعه داخل المؤسسة العسكرية، بل حافظ على نفوذه ومكانته بفضل أدواره المفصلية في تطوير القدرات الدفاعية الإيرانية.

وبحسب الإعلان الرسمي، فقد اغتيل أثناء وجوده في منشأة عسكرية متقدمة، استُهدفت في الهجمات الإسرائيلية لإيران خلال الساعات الأولى.

غلام علي رشيد

تولى اللواء غلام علي رشيد منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة وقائد مقر “خاتم الأنبياء” المركزي، الذي يُعدّ بمثابة العقل الاستراتيجي المسؤول عن تخطيط وإدارة العمليات الدفاعية الكبرى في إيران. عُرف كأحد القادة المخضرمين الذين خاضوا الحرب العراقية–الإيرانية، وأسهم منذ ذلك الحين في صياغة العقيدة الدفاعية للجمهورية الإسلامية.

ارتبط اسمه بتنسيق الجهود بين مختلف أفرع القوة العسكرية، بما في ذلك البرامج الصاروخية والدفاعات الجوية والبحرية، ولعب دورًا حيويًا في توحيد الرؤية العملياتية على المستوى الوطني.

كان رشيد من الشخصيات القليلة التي حافظت على حضور دائم في دوائر القرار العسكري العليا، ويتمتع بنفوذ واسع بحكم خبرته العميقة وموقعه الحساس. ووفق ما أعلن رسميًا، فقد تمكنت إسرائيل من اغتياله خلال إشرافه المباشر على العمليات في أحد المواقع التي طالتها الضربة الإسرائيلية الأخيرة.

مهدي رباني

شغل منصب نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة حتى اغتياله في الهجمات الإسرائيلية التي طالت إيران. انضم إلى الحرس الثوري منذ بداية الحرب العراقية– الإيرانية، وتدرّج في عدد من المواقع العسكرية، من بينها قيادة “مقر النجف الأشرف” في التسعينيات، و”مقر ثامن الأئمة” بين عامي 2001 و2004، إضافة إلى قيادته لـ”فرقة النصر الخامسة” وقيادة الحرس الثوري في محافظة خراسان.

تولّى لاحقًا منصب نائب قائد “مقر ثار الله” بين عامي 2005 و2012، ثم نائبًا لهيئة الأركان العامة للحرس الثوري حتى عام 2016، قبل أن يُعيَّن في منصب نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة. استُهدف أثناء وجوده في مقر القيادة بطهران.

وجوه أخرى في مرمى النيران

عطفًا على ما سبق، أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن استهداف عدد من الشخصيات العسكرية والأمنية التي تتولى مواقع حساسة داخل بنية القيادة العسكرية والأمنية الإيرانية. من بين هؤلاء، داوود شيخيان، قائد الدفاع الجوي في القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، والذي برز بدوره في تطوير مقترحات تقنية لتحسين قدرات الرصد ومواجهة التهديدات الجوية. كما شمل الهجوم غلام رضا محرابي، معاون الاستخبارات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والذي ارتبط اسمه بإدارة ملفات أمنية حساسة، خاصة في ما يتعلق بالاختراقات والتنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية، حيث أكدت التقارير اغتياله في الموقع المستهدف.

ومن بين المستهدفين أيضًا، العميد مسعود شانه‌ئي، مدير مكتب القائد العام للحرس الثوري، الذي كان يتولى مسؤولية التنسيق بين وحدات القيادة المركزية، وقد أكدت وكالة “تسنيم” نبأ اغتياله إثر القصف المباشر لأحد المقار العسكرية. وفي السياق نفسه، أُصيب علي شمخاني، المستشار الأمني للقائد الأعلى ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي سابقًا، بجروح خطيرة خلال الهجوم، ونُقل إلى مستشفى في طهران لتلقي العلاج، فيما أكدت مصادر إيرانية أنه لا يزال على قيد الحياة ويخضع للعناية المركزة.

دخل الصراع الإيراني–الإسرائيلي مرحلة الحرب المباشرة، متجاوزًا عقودًا من المواجهة غير المباشرة التي استمرت لأكثر من 46 عامًا. تشير الضربة الافتتاحية التي قامت بها إسرائيل ضد القيادات العسكرية والأمنية الرفيعة داخل العمق الإيراني، وما تلا ذلك من هجمات متبادلة، إلى أن المنطقة دخلت مرحلة ترسيم الشكل النهائي لها، بعد تجاوز معادلات الردع السابقة. على هذه الخلفية، تطرح أسئلة مفتوحة حول قدرة طهران على الاستجابة لمتطلبات حفظ موقعها ودورها في المرحلة اللاحقة، لا سيما بعد الخسارة التي لحقت بها جراء خروج قيادات عسكرية وأمنية بهذا المستوى من المشهد السياسي والأمني. كما أن فقدانها لهذه الأسماء قد يفتح الباب على تساؤولات حول حدود وطبيعة ما ستصبو إليه طهران لاحقًا.

مع “إيران… ٤٦ عامًا على المحك”. اضغط هنا لمتابعة تغطية “الجادة” لمجريات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: