مفاوضات إيران وأميركا في مسقط: كيف تُحسب خطوات تل أبيب؟
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة "تل أبيب" ورقة بحثية سلطت الضوء على التحديات والفرص التي تواجها إسرائيل جراء المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران.
انطلاقًا من رؤية إسرائيل تجاه إيران أوصت الدراسة المطولة بصياغة هدف استراتيجي متكامل جديد مضمونه أن “استخدام القوة العسكرية – سواءً كتهديد أو من خلال القوة الفعلية – يهدف إلى إجبار إيران على توقيع اتفاق يحرمها من القدرة على تطوير أسلحة نووية، مع الحفاظ على قدرة المجتمع الدولي وإسرائيل على مواصلة حملة عسكرية وسياسية واقتصادية شاملة ضد إيران، بهدف إضعاف النظام الإسلامي، والحد من أنشطته الإقليمية الضارّة، وكبح قدراته الصاروخية.”
الورقة البحثية أعدها كلًا من تامير هيمان الذي يشغل المدير التنفيذي للمعهد، بعد أن خدم سابقًا في منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، وراز زيمّيت الذي يرأس برنامج “إيران والمحور الشيعي” في المعهد نفسه. لتحقيق الهدف المذكور الذي يصفّه معدو الدراسة بـ “المعقد”، تشير رؤيتهما إلى وجود ثلاثة مسارات عمل محتلمه يجمع كل منها بين عناصر الدبلوماسية والقوة العسكرية والضغط على النظام. هما: مسار يركز على تسوية سياسية، مسار عمل يركّز على خيار عسكري (إما عملية إسرائيلية أو بقيادة أميركية)، و مسار مشترك: ضربة تحذيرية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق. ويستطرد الباحثان في شرح تفاصيل ما يحمله كل مسار من فرص وعقبات، ليخلصوا إلى أن عملًا مشتركًا بين واشنطن وتل أبيب يشكل ضمانة أساسية لتحقيق الأهداف الإسرائيلية سواءً أفضت الظروف مع إيران إلى ترتيب سياسي أو إلى مواجهة عسكرية.
في ما يلي ترجمة كاملة للدراسة تقدمها “الجادة” لقراءها:
إنّ المحادثات التي بدأت في نيسان/ أبريل 2025 بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي والمبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف – بوساطة عُمانية – تُقرّب إيران والولايات المتحدة وإسرائيل من لحظات حرجة في ما يتعلّق بمستقبل البرنامج النووي الإيراني.
وستُحدّد نتائج المفاوضات إلى حد كبير ما إذا كان الاتجاه سيكون نحو تسوية سياسية دبلوماسية للقضية النووية أو نحو ضربة عسكرية (إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة) ضد المنشآت النووية الإيرانية.
في هذه المرحلة، من الواضح أنّ كلاً من القيادة الإيرانية، برئاسة القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، والإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تُفضّلان الحل الدبلوماسي على المواجهة العسكرية التي يصعب التنبؤ بنتائجها وعواقبها.
مع أنّ الرئيس ترامب لا يستبعد إمكانية توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، إلا أنه أكد في مناسبات عديدة تفضيله مواصلة النهج الدبلوماسي والتوصل إلى حل سياسي مع طهران، شريطة عدم السماح لها بتطوير أسلحة نووية. علاوة على ذلك، يشير استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن، والتقدّم المُعلن عنه في الجولات الأولى من المحادثات، إلى استعداد الطرفين بشكل أساسي لإبداء مرونة في مواقفهما.
اضطرّ خامنئي إلى التراجع عن موقفه الذي أعلنه في الأشهر الأخيرة: “لا حرب ولا مفاوضات”. ويُعزى هذا التغيير في موقف خامنئي – الذي كان حتى وقت قريب يعارض المفاوضات مع الولايات المتحدة ويؤكد على عبثية المحادثات – في المقام الأول إلى التهديد العسكري الحقيقي الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية.
أدرك خامنئي أنّ إيران معرضة لهجوم عسكري، وأنّ فرص وقوع مثل هذه العملية، التي كانت تُعتبر ضئيلة للغاية سابقًا، قد ازدادت بشكل ملحوظ بسبب تقلّبات الرئيس ترامب، ولأنّ القيود الأميركية على التحرّكات الإسرائيلية أصبحت موضع تساؤل. وقد عززت التهديدات المتصاعدة من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، بمن فيهم الرئيس ترامب، بشأن الخيار العسكري ضد إيران، والحشد العسكري الكبير للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، ونقل الأسلحة إلى إسرائيل، والتدريبات العسكرية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، والحملة العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتحييد قدرات حزب الله – الذي بُني كذراع إيراني رادعة وانتقامية ضد إسرائيل – مخاوف طهران من هجوم عسكري متزايد الاحتمال.
يحدث هذا في الوقت الذي تواجه فيه إيران تحدّيات أمنية جسيمة عقب الضربة الإسرائيلية في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، والتي ألحقت أضرارًا جسيمة بأنظمة الدفاع الجوي الإيرانية وقدراتها على إنتاج الصواريخ الباليستية.
إضافةً إلى ذلك، أدى الضعف غير المسبوق للمحور الموالي لإيران في المنطقة – نتيجةً للضربات التي تلقاها وكلاء إيران وحلفاؤها في لبنان والساحة الفلسطينية واليمن – وانهيار نظام الأسد في سوريا، إلى تفاقم نقاط الضعف الاستراتيجية لإيران.
في غضون ذلك، تعكس بعض تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم ويتكوف، والتقدّم المحرز في المفاوضات، استعداد إدارة ترامب للاعتراف بحق إيران في الحفاظ على قدرات تخصيب اليورانيوم ومواصلة تخصيبه إلى مستوى منخفض يبلغ 3.67٪ (كما هو مسموح به بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، خطة العمل الشاملة المشتركة [JCPOA])، مع الاكتفاء بقيود كبيرة على البرنامج النووي من شأنها أن تمنع إيران من إنتاج أسلحة نووية – حتى من دون تفكيك كامل للبنية التحتية النووية (النموذج الليبي). علاوة على ذلك، تركّز معظم التصريحات الأميركية على البرنامج النووي الإيراني وليس على التحديات الأخرى التي تشكلها إيران، مثل دعمها للإرهاب، أو وكلائها الإقليميين، أو برنامجها الصاروخي – وهي قضايا ترفض طهران بشدة التفاوض بشأنها.
على الرغم من التفضيل الأساسي في كل من طهران وواشنطن للتسوية الدبلوماسية على الخيار العسكري، إلا أنّ المفاوضات قد تنتهي بالفشل في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيًا بسبب انعدام الثقة العميق بين الجانبين، والنافذة المحدودة للتوصل إلى اتفاق، والفجوات الكبيرة التي يجب سدّها في مختلف القضايا الخلافية – سواء في ما يتعلّق بالبرنامج النووي أو نظام العقوبات ضد إيران.
ينبع الجدول الزمني القصير من قيود رئيسية: أوّلًا، إنذار الستين يومًا الذي حدده الرئيس ترامب لاختتام المفاوضات. حتى لو بدأ العد التنازلي مع الاجتماع الأول بين الممثلين الإيرانيين والأميركيين في عُمان (في 12 نيسان/ أبريل 2025)، وحتى لو يستطيع ترامب تأجيل الموعد النهائي، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت الإدارة الأميركية ستوافق على إطالة المفاوضات بشكل كبير، خاصة في ضوء التقدّم النووي الإيراني المستمر.
علاوة على ذلك، من المتوقّع أن تنشر الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الفصلي عن وضع البرنامج النووي الإيراني في حزيران/ يونيو 2025، والذي من المتوقّع أن يكون شاملًا وينتقد إيران بشدّة، نظرًا لانتهاكاتها المستمرة للاتفاق النووي لعام 2015 وترسيخها المتزايد للعتبة النووية.
وخلال زيارته لطهران في منتصف نيسان/ أبريل 2025، حذّر المدير العام للوكالة رفاييل غروسي من أنّ إيران ليست بعيدة عن تطوير أسلحة نووية.
بالإضافة إلى ذلك، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، سينتهي العمل بآليّة “سناب باك” – التي تسمح بإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231.
يتطلّب تفعيل هذه الآلية، التي لا تتطلّب موافقة روسيا أو الصين، استعداد الدول الموقّعة قبل ثلاثة أشهر تقريبًا، أي بحلول تموز/ يوليو 2025 على أبعد تقدير. قد يدفع تفعيل “سناب باك” وإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، ويؤدي إلى مزيد من التصعيد. يتطلّب تأجيل انتهاء صلاحية “سناب باك” قرارًا جديدًا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي سيعتمد، على أقل تقدير، على إحراز تقدّمٍ كبير في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
في ظل هذه الظروف، ستُحدّد نتائج محادثات طهران وواشنطن خلال الأسابيع المقبلة – ما إذا كانت تنطوي على إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي (اتفاق نووي جديد أو على الأقل اتفاق مؤقت) أو تصعيد نحو مواجهة عسكرية مع إيران.
الهدف الاستراتيجي
لطالما كان منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ولا يزال، الهدف المحوري للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي وتعزيزه. لا يمكن لإسرائيل قبول وجود سلاح نووي في أيدي نظام متطرّف يسعى إلى تدميرها.
الخيارات المتاحة لإسرائيل لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية هي اتفاق نووي، ضربة عسكرية أو تغيير النظام. ولتعظيم الفوائد ومعالجة المخاطر الكامنة في الخيارات الثلاثة (كما سيُفصّل لاحقًا)، لا بد من وجود هدف استراتيجي متكامل جديد، يمكن صياغته على النحو التالي: يهدف استخدام القوة العسكرية – سواءً كتهديد أو من خلال القوة الفعلية – إلى إجبار إيران على توقيع اتفاق يحرمها من القدرة على تطوير أسلحة نووية، مع الحفاظ على قدرة المجتمع الدولي وإسرائيل على مواصلة حملة عسكرية وسياسية واقتصادية شاملة ضد إيران، بهدف إضعاف النظام الإسلامي، والحد من أنشطته الإقليمية الضارّة، وكبح قدراته الصاروخية.
لتحقيق هذا الهدف المعقّد، يمكن اتباع ثلاثة مسارات عمل محتملة، يجمع كل منها بين عناصر الدبلوماسية والقوة العسكرية والضغط على النظام:
- مسار يركز على تسوية سياسية.
- مسار عمل يركّز على خيار عسكري (إما عملية إسرائيلية أو بقيادة أميركية).
- مسار مشترك: ضربة تحذيرية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق.
سيناريو التسوية السياسية
يتطلّب اتفاق نووي أفضل من اتفاق عام 2015 توقيع قائد إيران في ظل شروط أكثر صرامة، وبإدارة أميركية يقودها رئيس انسحب من الاتفاق الأصلي وأعاد فرض العقوبات. ولإجبار إيران على قبول اتفاق مُحسَّن، لا بد من تهديد عسكري موثوق – تهديد يُقنع القيادة ليس فقط بأنّ برنامجها النووي مُهدَّد، بل أيضًا بقاء نظامها.
وبالنظر إلى الفرصة السانحة حاليًا (دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، ضعف موقف إيران وإمكانية توجيه ضربة من دون خوف كبير من تصعيد حرب إقليمية – خاصة بعد زوال تهديد حزب الله الانتقامي)، يُمكن اللجوء إلى تهديد عسكري موثوق.
وقد يُسهم اختلاف النهجين بين إسرائيل (المصمّمة على ضرب إيران) والولايات المتحدة (المصمّمة على تحقيق تسوية دبلوماسية) في تحقيق الهدف الاستراتيجي، من خلال زيادة دافع إيران لتقديم تنازلات، إذ تُدرك قيادتها أنّ انهيار المفاوضات سيُتيح لإسرائيل فرصة تنفيذ نواياها.
ومع ذلك، فإنّ أي محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية ضمن المفاوضات الحالية يجب أن تأخذ في الاعتبار “الخطوط الحمراء” لطهران، وخاصة رفضها القاطع تفكيك بنيتها التحتية النووية بالكامل. في ظل هذه الظروف – والتقدّم الملحوظ الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم والبحث والتطوير النووي – لن يكون من الممكن استعادة “مدة الاختراق” البالغة عامًا واحدًا والتي تم تحقيقها بموجب اتفاق عام 2015.
حتى لو تراجعت إيران عن معظم أنشطة التخصيب، وحتى لو فُرضت قيود كبيرة (مثل قيود على إنتاج أجهزة الطرد المركزي، عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة، أنواع أجهزة الطرد المركزي المثبتة في منشآت التخصيب وكمية المواد الانشطارية المسموح لإيران بتجميعها)، فإنّ المعرفة والخبرة التي اكتسبتها إيران ستمكّنها من “الاختراق” إلى سلاح نووي أسرع بكثير من ذي قبل.
وبحسب الخبير النووي ديفيد ألبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، فحتى لو احتفظت إيران بأقل من 5% من مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب، فإنها لن تحتاج من دون تدمير (وليس مجرد تفكيك) أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة إلا لمدة 25 يومًا لتجميع ما يكفي من اليورانيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة لصنع قنبلة واحدة، وشهرين لتجميع ما يكفي لصنع أربع قنابل.
بالإضافة إلى ذلك، قد تُعزز التسوية السياسية، على المدى القصير على الأقل، النظام الإيراني، ويعود ذلك أساسًا إلى المزايا الاقتصادية الكبيرة التي ستجنيها طهران بموجب أي اتفاق مستقبلي. ستعزز هذه المزايا إيران اقتصاديًا وتفتح أبوابها للعالم، بما في ذلك الدول الغربية. يمكن لإيران استغلال هذه الموارد الاقتصادية لتعزيز قدراتها العسكرية، وتوسيع أنشطتها الإقليمية الخبيثة، وإعادة تشكيل المحور الموالي لإيران (مع أنّ التطورات الإقليمية خلال الأشهر الأخيرة أعاقت بشكل كبير جهود إنعاشه).
علاوة على ذلك، كلّما زادت التنازلات والضمانات المطلوبة من إيران بموجب الاتفاق، زاد احتمال سعيها للحصول على ضمانات متبادلة مهمة، تدابير تخفيف وحوافز اقتصادية، مثل رفع العقوبات الأميركية الرئيسية، وليس فقط العقوبات الثانوية. لا يُستبعد، على عكس الرؤساء الأميركيين السابقين، أن يكون الرئيس ترامب – الذي يُولي أهمية كبيرة لنهج مُوجه نحو الأعمال في العلاقات الدولية والدبلوماسية – على استعداد للنظر في هذا الأمر بعين الرضا.
في حين أنّ تعزيز النظام الإيراني يُشكّل مخاطر جسيمة، فإنه يُؤكد أيضًا على ضرورة استراتيجية أوسع نطاقًا: ضرورة التغيير الجذري داخل إيران نفسها. يُعدُّ تغيير النظام في إيران هدفًا جديرًا بالاهتمام، ليس فقط لإسرائيل والمنطقة والغرب، بل أيضًا للشعب الإيراني نفسه. من المنطقي الاستنتاج بأنه لا سبيل لتغيير سياسات النظام الإيراني المُدمرة جذريًا من دون استبداله، إذ من غير المرجّحِ أن يتخلّى النظام الحالي عن التزاماته الأيديولوجية، وعدائه لإسرائيل والولايات المتحدة، أو طموحاته في ترسيخ نفوذه الإقليمي وامتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك، يعتمد تغيير النظام إلى حد كبير على عوامل خارجة عن سيطرة إسرائيل، وعلى آليّات لا يُمكن التنبّؤ بتوقيتها أو تفعيلها.
سيناريو الضربة العسكرية
لضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية مزايا محتملة عدة لإسرائيل (بافتراض نجاح العملية):
أوّلًا، ستسمح بتحييد القدرات النووية الإيرانية جزئيًا أو كليًا، لاسيما في مجال تخصيب اليورانيوم (بما في ذلك البنية التحتية)، وربما أيضًا في مجال التسلّح – وهي إنجازات يصعب تحقيقها من خلال تسوية دبلوماسية. بالإضافة إلى ذلك، قد تتيح لإسرائيل فرصة لضرب برنامج الصواريخ أيضًا، وهو أمر من غير المرجح معالجته في إطار تسوية مستقبلية.
ثانيًا، قد تستغل ضربة عسكرية في هذا الوقت نقاط ضعف إيران الفريدة والمتدهورة: ضعف قدرات الدفاع الجوي وإنتاج الصواريخ الإيرانية (التي تضرّرت في الضربة الإسرائيلية أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2024)، وضعف المحور الموالي لإيران، وخاصة حزب الله، الذي فقد حتى الآن قدرته على الرد بفعالية على أي ضربة إسرائيلية على إيران.
في الوقت الحالي، يبدو من غير المرجح أن تتمكّن إيران ووكلاؤها، بقيادة حزب الله، من إعادة بناء قدراتهم العسكرية في المستقبل المنظور بطريقة تسمح بالرد بشكل فعّال على أي ضربة إسرائيلية.
في المقابل، قد تعيد إيران بناء وتحديث منظومات الدفاع الجوي ومكوّنات إنتاج الصواريخ تدريجيًا. تشير التقارير في الأشهر الأخيرة إلى جهود إيرانية كبيرة لإعادة تأهيل هذه الأنظمة وتحسينها، بمساعدة جزئية من الصين وروسيا. في شباط/ فبراير 2025، كشفت مصادر استخباراتية غربية عن رسوّ سفينة إمداد صينية تحمل 1000 طن من بيركلورات الصوديوم – وهو مكوّن كيميائي رئيسي في إنتاج وقود الصواريخ الصلب – في ميناء بندر عباس الإيراني.
في أواخر آذار/ مارس 2025، تحدثت تقارير عن الاشتباه في نقل سفينة شحن إيرانية مكوّنات صواريخ من الصين إلى بندر عباس. وفي موازاة ذلك، جاء في تقارير إضافية أنّ إيران – بمساعدة روسية – تعمل على إعادة بناء أنظمة دفاعها الجوي التي تضرّرت جراء الغارة الإسرائيلية.
ثالثًا، حتى لو لم تقضِ الضربة العسكرية على البرنامج النووي الإيراني (كما سيُفصَّل لاحقًا)، فإنها قد تُمهِّد الطريق لاستئناف المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي بشروطٍ أكثر ملاءمةً لإسرائيل والولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، يُمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي استغلال أي تأخيرٍ كبيرٍ (لأشهرٍ أو حتى سنواتٍ) في البرنامج النووي الإيراني لصياغة ترتيباتٍ سياسيةٍ إقليميةٍ وآليّات أمنيةٍ تُساعد في المواجهات المستقبلية مع إيران، بما في ذلك على الصعيد النووي.
رابعًا، قد تُتيح ضربة عسكرية فرصةً للتغيير السياسي الداخلي في إيران، أو على الأقل حتى وفاة خامنئي (86 عامًا)، مما قد يُتيح فرصةً أخرى لإحداث تحوّلات سياسية جوهرية داخل الجمهورية الإسلامية. إضافةً إلى ذلك، قد تُقوّض ضربة عسكرية كبرى – لاسيّما تلك التي تُلحق الضرر بالبنية التحتية الوطنية والاقتصادية الحيوية – استقرار النظام.
مع ذلك، يصعب التنبّؤ بتأثير ضربة عسكرية على استقرار النظام. يجادل البعض، بمن فيهم أشدّ منتقدي النظام، إنّ ضربةً إسرائيليةً على إيران قد تُلَفّ الشعب الإيراني حول النظام وتُعزّز التماسك الداخلي. مع ذلك، فإنّ أزمة الشرعية التي يواجهها النظام الإيراني وضعف الهوية الإيرانية الجماعية تُلقي بظلال من الشك على قدرته على حشد الدعم الشعبي الكامل، حتى في حالات الطوارئ الوطنية أو التهديدات الخارجية.
في الوقت نفسه، لا ينبغي الاستهانة بالوطنية الإيرانية، التي قد تُحفّز، في حال وقوع ضربة عسكرية، الدعم الشعبي للنظام وتُعزّزه مؤقتًا.
حدود الخيار العسكري
إلى جانب المزايا المحتملة للضربة العسكرية، يجب أخذ اعتبارات رئيسية عدة في الاعتبار، مما قد يثير الشكوك بشأن فعاليّة الخيار العسكري وفوائده المحتملة:
أوّلًا، إنّ القول المأثور إنّ “الحرب عالمٌ من عدم اليقين” صحيح. فإسرائيل قادرة على ضرب إيران، والتحرّك بمفردها – مع أنها ستحتاج إلى تنسيق هذا العمل مع الولايات المتحدة – ومن المرجّح أن تحقّق العديد من الأهداف التكتيكية بنجاح كبير. ومن الدروس المستفادة من حملة إسرائيل ضد حزب الله في صيف عام 2024 ضرورة تجنّب الاستهانة بالقدرات العملياتية لجيش الدفاع الإسرائيلي والمبالغة في تقدير قدرات الخصم – دفاعيًا وهجوميًا. ومع ذلك، من المهم إدراك حدود القوة وعدم الاستدلال من نجاحات إسرائيل العملياتية ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان على تحديات العملية العسكرية في إيران، وهي أبعد بكثير وأكبر من لبنان بأكثر من 150 مرة. ومن المرجح جدًا أن يؤدي العمل العسكري إلى تصعيد إقليمي، مع عواقب يصعب التنبّؤ بها على إسرائيل والولايات المتحدة والمنطقة. وعلاوة على ذلك، فإنّ الضربة غير الناجحة ــ بسبب فجوات استخباراتية، أو إخفاقات تشغيلية، أو أعطال فنية ــ قد تترك لإيران قدرات نووية كبيرة، بل وربما تؤدي إلى نتائج وخيمة، بما في ذلك أسر جنود إسرائيليين.
ثانيًا، إنّ نجاح أي ضربة عسكرية – سواءً إسرائيلية أو أميركية أو مشتركة – في عرقلة سعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية ليس مضمونًا. فمن الصعب تقييم الضرر الذي سيلحق بالبرنامج النووي الإيراني من دون معرفة تفصيلية بالقدرات التشغيلية، أنواع الأسلحة المتاحة والأساليب المستخدمة.
ومع ذلك، من الواضح أنّ هذه المهمة ستكون بالغة الصعوبة نظرًا لخصائص البرنامج النووي الإيراني (المرونة، التشتت، التكرار، التحصين وربما السرية) وحالته المتقدّمة الحالية (العتبة النووية). على أي حال، لا يمكن تدمير المعرفة والتكنولوجيا التي يمتلكها العلماء الإيرانيون، وستسمح لإيران بمحاولة إعادة بناء برنامجها بعد ضربة عسكرية. حتى بضع مئات من أجهزة الطرد المركزي، وكمية محدودة من المواد الانشطارية، ومرافق إنتاج صغيرة الحجم – بعضها قد ينجو من الضربة أو يُخفى مسبقًا – ستمكّن إيران من استخدام القدرات المتبقية سرًّا وتحقيق اختراق نووي سريع نسبيًا.
ستشكّل عملية تقودها الولايات المتحدة التهديد النهائي لإيران وقد تزعزع استقرار النظام. ومع ذلك، ستكون هذه الحملة مكلفة وقد تنتهي بتصعيد غير مرغوب فيه، وخاصة من المنظور الأميركي، حيث يتركّز اهتمام الولايات المتحدة وتركيزها على قضايا أخرى، لاسيّما الشؤون الداخلية والتنافس مع الصين. وبالتالي، إذا تردّدت الولايات المتحدة في قيادة تحرك عسكري ضد إيران، فقد تضطر إسرائيل إلى التصرّف بشكل مستقل (حتى لو تم التنسيق معها والاعتماد على المساعدة الأميركية للدفاع ضد الانتقام الإيراني).
ومن المرجّح أن تؤدي مثل هذه الضربة الإسرائيلية المنفردة إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لفترة محدودة فقط. وقد قدر تقرير استخباراتي أميركي حديث (يمكن مناقشة استنتاجاته بالطبع) أنّ الضربة الإسرائيلية ستؤخّر البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط على الأكثر.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في نيسان/ أبريل 2025 عن محادثات بين الإدارة الأميركية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن ضربات محتملة على المواقع النووية الإيرانية، تهدف الخطط الإسرائيلية التي وُضعت مؤخرًا إلى تأخير قدرة إيران النووية لمدة عام أو أكثر. ومع ذلك، أكد التقرير أيضًا أنّ جميع هذه الخطط الإسرائيلية تقريبًا تتطلّب دعمًا أميركيًا – ليس فقط للدفاع ضد الانتقام الإيراني ولكن أيضًا لتقديم المساعدة العسكرية أثناء الضربة نفسها.
وأشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنه نظرًا لعدم القدرة على دمج القوّات الخاصة في العملية في الأشهر المقبلة، اقترحت إسرائيل قصف المنشآت النووية الإيرانية – بمساعدة أميركية – على مدار أسبوع كامل، مع الدفاع في الوقت نفسه ضد هجوم صاروخي ضخم، من أجل تأخير قدرة إيران على تحقيق اختراق نووي لأكثر من عام.
علاوة على ذلك، من المرجّح أن تتجاوز الضربة العسكرية الهادفة إلى وقف المشروع النووي الإيراني استهداف المنشآت النووية، مما يستلزم حملة ضربات أوسع نطاقًا ضد قدرات وأهداف عسكرية إضافية، بما في ذلك مواقع إنتاج وإطلاق الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي. وعلى عكس إسرائيل، تتمتّع الولايات المتحدة بقدرات أكبر بكثير للعمل بعيدًا عن حدودها بشكل مستدام ومتواصل. إضافةً إلى ذلك، فإنّ استهداف الأصول العسكرية المتعلّقة ببرنامج الصواريخ، والأهم من ذلك، البنية التحتية الوطنية الإيرانية (مثل منشآت النفط والطاقة) في محاولة لإلحاق الضرر الاقتصادي وردع الانتقام، يتطلّب بشكل خاص تدخّلًا أميركيًا، وربما حتى مشاركة إقليمية، نظرًا لحجم وتعقيد مثل هذه العملية.
ومع ذلك، حتى بالنسبة للولايات المتحدة، فإنّ مثل هذه الحملة تنطوي على مخاطر عالية من التصعيد الخطير، مما قد يحوّل تركيز الولايات المتحدة ومواردها بعيدًا عن ساحات أخرى ذات أولوية، وخاصة الصين، ويعيدها إلى الشرق الأوسط، مما يجرّها إلى صراع أوسع نطاقًا ذي نتائج غير مؤكدة.
ثالثًا، من شبه المؤكد أنّ ضربة عسكرية ضد إيران ستؤدي إلى رد إيراني انتقامي ضد إسرائيل، على غرار ما شهدناه خلال هجومي إيران على إسرائيل في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر 2024، وإن كان أشدّ وطأة. ورغم إمكانية تخفيف حدة التهديد جزئيًا خلال العملية نفسها من خلال استهداف قوات الصواريخ الباليستية الإيرانية، إلا أنه من المشكوك فيه أن تتمكّن إسرائيل – لا سيما في سيناريو ضربة مستقلّة مم دون دعم أميركي – من تحييد التهديد الصاروخي تمامًا، نظرًا لمساحة إيران الشاسعة ومشروع الأنفاق الواسع المستخدم لتخزين الصواريخ في جميع أنحاء البلاد.
رابعًا، قد تدفع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية القيادة الإيرانية إلى استنتاج أنّ امتلاك الأسلحة النووية وحده كفيل بتوفير ردع فعّال لها في المستقبل، مما يشجّع على التوجه نحو التسلّح النووي أو يكون ذريعة للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وفي مثل هذه الحالة، من المرجّح أن تعمل إيران بسرعة على إعادة بناء برنامجها النووي، وتوزيع أصولها وإخفائها في مواقع بديلة تحت الأرض وداخل البنية الأساسية المدنية ــ ومن المرجح أن يتم كل ذلك من دون إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأنّ إيران من المرجح أن تمنع مفتّشي الوكالة من الوصول إلى أراضيها.
في ظلّ هذه الظروف، وبينما قد يكون توجيه ضربة للمنشآت النووية أمرًا مرغوبًا فيه، إلا أنه من المرجح أن لا يشكّل سوى المرحلة الافتتاحية لحملة مطوّلة ضد إيران، تتطلّب في نهاية المطاف تسوية سياسية لتعزيز أي مكاسب عسكرية.
وفي غياب مثل هذا الاتفاق، ستكون هناك حاجة إلى حملة شاملة ومستدامة ومتعدّدة الأبعاد – تجمع بين الضربات الحركية وعمليّات التخريب السرية – لمنع إيران من الوصول إلى مرحلة الاختراق النووي. وستتطلّب هذه الحملة معلومات استخباراتية عالية الجودة لتحديد وضرب مخزونات اليورانيوم المخصب والأصول النووية المخفية، إلى جانب النشر المستدام للقدرات العملياتية. كما سيتطلّب ذلك تنسيقًا كاملًا ومستمرًّا مع الولايات المتحدة – وهو أمر لا يمكن ضمانه بمرور الوقت نظرًا للتغيّرات السياسية المحتملة في واشنطن أو تغيّر الأولويات الاستراتيجية الأميركية، مثل تصعيد كبير مع الصين، مما قد يضعف قدرتها أو رغبتها في مساعدة إسرائيل.
قد يكون من الممكن ردع إيران عن السعي لاستعادة برنامجها النووي بعد أي ضربة، وذلك بتوضيح أنّ ذلك سيؤدي حتمًا إلى مزيد من الهجمات على البنية التحتية الحيوية والأهداف العسكرية ورموز النظام، مما يهدّد استقرار النظام الإيراني، إلا أنّ قرار طهران سيتأثّر بعوامل مختلفة، منها تقييمها الخاص لمدى قدرتها على إعادة بناء البرنامج من دون أن يُكتشف، وتصميم إسرائيل والولايات المتحدة على مواصلة الضغط العسكري طويل الأمد.
وهناك خيار بديل يتمثّل في شن عملية عسكرية محدودة (من قِبل إسرائيل أو الولايات المتحدة) كجزء من عملية التفاوض، إما بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود أو فشلها كليًا.
وتهدف هذه العملية إلى إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات من خلال ضغط عسكري محدود، على سبيل المثال، بتدمير موقع نووي واحد وتدمير قدراته الدفاعية الجوية. بعد هذه الضربة، ستواجه إيران خيارين: إما العودة إلى المفاوضات أو التصعيد بشكل كبير، مما قد يهدّد بقاء النظام نفسه. يمكن لهذا النوع من الضربات المحدودة أن يقلّل من خطر التصعيد الواسع، وبالتالي يوفّر درجة من إدارة المخاطر. ولكن يظل من المشكوك فيه ما إذا كان مثل هذا الإجراء سيقنع إيران بالفعل بالعودة إلى المفاوضات، لأنه قد ينظر إليه من قبل القيادة الإيرانية باعتباره علامة خطيرة على الضعف.
بين الضربة العسكرية والترتيب: التوصيات ومسارات العمل الممكنة
كان منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، ولا يزال، الهدف الأساسي للحفاظ على الأمن القومي لدولة إسرائيل وتعزيزه. وقد برهنت أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على أنه لا ينبغي السماح لنظام ذي توجهات ثورية وإسلامية، يسعى إلى تدمير إسرائيل، بامتلاك قدرات تُشكّل تهديدًا لها – لا سيما تهديدًا وجوديًا محتملًا من خلال أسلحة الدمار الشامل. لا يمكن لإسرائيل قبول وجود أسلحة نووية في أيدي الجمهورية الإسلامية التي تسعى إلى إبادتها.
التفكيك الكامل للبرنامج النووي: حل مثالي لإسرائيل لكنه بعيد المنال عبر المفاوضات
إنّ التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني (“النموذج الليبي”) هو الحل الأمثل لإسرائيل، لاسيّما في ظل مساعي إيران السابقة لتطوير أسلحة نووية. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق هذا الهدف في ظل الواقع الراهن من خلال المفاوضات والتوصل إلى تسوية سياسية مع إيران، التي تعتبر تفكيك بنيتها التحتية النووية “خطًا أحمر”. لم يتراجع خامنئي قط عن موقفه القائل إنّ البرنامج النووي مجرّد ذريعة يستخدمها الغرب للضغط على إيران وعزلها وإضعافها، تمهيدًا لتحقيق الهدف الاستراتيجي الرئيسي: تغيير النظام الإسلامي. وقد قدّم خامنئي موافقة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي على تفكيك البرنامج النووي لبلاده عام 2003 – والتي لم تمنع في النهاية من الإطاحة به من قبل الدول الغربية – كدليل على صواب نهج إيران، التي ترفض الانصياع للمطالب الغربية مقابل المنافع الغربية.
وعلاوة على ذلك، فإنّ التفسيرات التي نشرت في الأشهر الأخيرة في إيران قد تعكس تصوّرًا متزايدًا بين صنّاع القرار في طهران بأن الضربة العسكرية ــ وخاصة ضربة إسرائيلية محدودة على المنشآت النووية، والتي لا تهدّد بقاء النظام ــ قد تكون أفضل من الاستسلام للإملاءات الأميركية، وفي مقدّمتها التفكيك الكامل لقدراته النووية.
الخيار: ممكن وذو قيمة عالية، ولكن فقط ضمن حملة شاملة
الضربة العسكرية ممكنة وذات قيمة عالية، لكنها مهمة كعنصر ضمن إطار أوسع من شأنه أن يُمكّن من إبرام اتفاق نووي ممتاز (يصل إلى تفكيك البرنامج النووي أو على الأقل المنع المطلق لقدرة إيران على تطوير أسلحة نووية في المستقبل)، بل وحتى إضعاف النظام، تدمير قدراته العسكرية وتقويض شبكة وكلاء إيران.
تُثبت التجارب السابقة (مثل جنوب أفريقيا وليبيا) أنّ الطريقة الأكثر موثوقية للقضاء على التهديد النووي هي من خلال التخلّي الطوعي للدولة عن قدراتها النووية – إما بسبب ضغط خارجي أو عمليات تغيير داخلية. ولتحقيق هذا الهدف، يجب دفع إيران في هذا الاتجاه.
خطر ضربة عسكرية من دون تنسيق أميركي
مع ذلك، حتى الضربة العسكرية – وخاصةً إذا نُفِّذت من دون مشاركة أمريكية فعّالة – ستكون محدودة، ومن المرجح أن تنجح في تأخير حصول إيران على أسلحة نووية (ما يُعرف بـ”فترة الاختراق”) لمدة عام تقريبًا. لا تضمن النجاحات العملياتية التي حققتها إسرائيل خلال العام الماضي بالضرورة نجاحًا مماثلًا ضد إيران. قد تُسرّع ضربة إسرائيلية محدودة المشروع النووي الإيراني، وإذا لم تُنسَّق مع الولايات المتحدة، فقد تُعطِّل حتى الجهود الإسرائيلية – الأميركية المُنسَّقة لتحقيق الهدف نفسه. علاوة على ذلك، فإنّ الحاجة إلى التنسيق الكامل مع الولايات المتحدة أمرٌ بالغ الأهمية، لا سيما وأنّ ضربة إسرائيلية قد تُؤدي إلى حرب مباشرة مع إيران، الأمر الذي يتطلّب دعمًا أميركيًا.
الترتيب السياسي: عدم المعارضة التلقائية ولكن ليس بأي ثمن
لا ينبغي أن تكون هناك معارضة تلقائية لأي ترتيب سياسي، شريطة أن يقطع فعليًا طريق إيران نحو الأسلحة النووية. إنّ معارضة إسرائيل التلقائية للاتفاق النووي غير مجدية، وتؤدي إلى تجاهل موقفها المهني خلال المفاوضات.
ينبغي توجيه الرغبة الأميركية في التوصل إلى ترتيب سياسي نحو تحقيق أفضل اتفاق ممكن لإسرائيل من خلال التعمّق في التفاصيل ودمج القيود والضمانات في الاتفاق، بما يضمن عدم امتلاك إيران للأسلحة النووية. وينبغي أن يتم ذلك في إطار حوار إسرائيلي – أميركي يضمن أنّ أي ترتيب سياسي – إن تم التوصل إليه – سيعالج على النحو الأمثل المصالح الأمنية الحيوية لإسرائيل. على أي حال، حتى في سيناريو أي ترتيب، يجب على إسرائيل مواصلة الحفاظ على قدراتها العسكرية وتعزيزها ضد إيران لضمان احتفاظها بالقدرة على القيام بعمل عسكري فعّال عند الضرورة.
المبادئ التوجيهية لترتيب محتمل
كيف يمكن قطع طريق إيران نحو الأسلحة النووية؟
مع أنه من غير المتوقّع التوصّل إلى اتفاق يُفضي إلى التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني، إلا أنه من الممكن عرقلة سعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية حتى من دون التخلّي الكامل عن جميع قدراتها النووية. وبما أنّ المدّة اللازمة لامتلاك أسلحة نووية ستكون أقصر مقارنةً بعام 2015، فإنّ هناك حاجة إلى قيود وضمانات كبيرة في مجالات تخصيب اليورانيوم، التسليح، المراقبة والصواريخ.
علاوة على ذلك، ينبغي بذل الجهود لإلغاء بنود الانقضاء المنصوص عليها في الاتفاق النووي الأصلي، أو على الأقل تأخيرها بشكل كبير أو استبدالها بآليّة تسمح بتمديد القيود المفروضة بموجب الاتفاق على البرنامج النووي بشكل متجدد.
في مجال تخصيب اليورانيوم
نظرًا للتقدّم الكبير الذي أحرزته إيران في تخصيب اليورانيوم خلال السنوات الأخيرة، سيكون من المستحيل إعادته إلى وضعه السابق كما كان في عام 2015. ركّز الاتفاق النووي آنذاك على الحد من قدرات التخصيب (عدد أجهزة الطرد المركزي، نوعها وتراكم المواد الانشطارية)، ويجب تجديد هذه القيود وتشديدها – على سبيل المثال، في ما يتعلّق بعدد أجهزة الطرد المركزي أو كميات المواد الانشطارية – ولكن هذا لن يكون كافيًا. وبالتالي، سيحتاج أي اتفاق نووي مستقبلي إلى فرض وتطبيق قيود أكثر جوهرية لا تقتصر على قدرات التخصيب فحسب.
في مجال التسليح
هناك حاجة إلى تعزيز الإنفاذ والرقابة على عناصر التسليح المحتملة المدرجة في القسم “ت” من الاتفاق النووي، بما في ذلك الأنشطة المحدّدة المتعلّقة بتطوير الرؤوس الحربية النووية، مثل حظر إنتاج اليورانيوم المعدني، وهو عنصر أساسي في بناء نواة السلاح النووي؛ والأنشطة المتعلّقة بتطوير واستخدام النماذج الحاسوبية التي يمكن أن تُستخدم في أبحاث وتطوير الأسلحة النووية؛ والتجارب على مُبادرات النيوترون – وهي عنصر أساسي يُستخدم كمُفجر في القنبلة النووية.
في مجال الرقابة
نظرًا للتطوّرات التي شهدها البرنامج النووي الإيراني في السنوات الأخيرة، يُصبح توسيع صلاحيّات نظام التحقّق والرقابة التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمرًا بالغ الأهمية في إطار الجهود المبذولة لمنع أي محاولة إيرانية مستقبلية لامتلاك أسلحة نووية.
في هذا المجال، ينبغي اتخاذ سلسلة من التدابير لتعزيز نظام التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما يتعلّق بتنفيذ أي اتفاق نووي جديد، بما في ذلك إلزام إيران بالتصديق على البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي، مما يسمح للوكالة بممارسة حقوقها التفتيشية الواسعة بموجب هذا البروتوكول، بما في ذلك عمليّات التفتيش في المواقع غير المعلنة والتفتيش المفاجئ.
وسيسمح توسيع صلاحيّات الوكالة بإجراء عمليّات تفتيش متكررة للمنشآت المشتبه في قيامها بأنشطة تتعلق بتطوير الأسلحة النووية، كما كشف الأرشيف النووي الذي حصلت عليه إسرائيل في أوائل عام 2018.
يجب حلّ الغموض في الاتفاق النووي لعام 2015 بشأن البنود المتعلّقة بالإشراف على المواقع العسكرية المشتبه بها. وقد انعكس المطلب الأصلي للقوى العالمية بإلزام إيران بالموافقة على عمليّات التفتيش “في أي وقت وفي أي مكان” عند الاشتباه في وجود نشاط نووي محظور، في بنود معقّدة وغامضة في الاتفاق، تسمح لإيران، على أقل تقدير، بتأجيل عمليّات التفتيش هذه. علاوة على ذلك، ينبغي تفعيل المراقبة المستمرّة للتقنيّات والأنشطة المتعلّقة بالتسليح (وليس تخصيب اليورانيوم فقط)، وتوسيع نطاق استخدام مفتّشي الوكالة للمراقبة التكنولوجية عبر الإنترنت (نظام مراقبة التخصيب عبر الإنترنت، أو OLEM).
في مجال الصواريخ
خلال المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي في صيف 2015، أصرّت إيران على استبعاد الصواريخ من المحادثات النووية. وحتى اليوم، تعارض إيران بشدة أي نقاش حول هذه القضية. علاوة على ذلك، تُولي إيران حاليًا أهميةً أكبر لترسانتها الصاروخية نظرًا لضعف المحور الموالي لها، والذي كان يُعتبر لسنواتٍ عنصرًا أساسيًا (إلى جانب قواتها الاستراتيجية من الصواريخ والطائرات المسيّرة) في استراتيجيتها الردعية. مع ذلك، فإنّ أي جهدٍ لمنع إيران من امتلاك قدرة نووية عسكرية يجب أن يتناول أيضًا الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
في هذا السياق، لا ينبغي التركيز فقط على مدى الصواريخ – إذ تكفي الصواريخ متوسطة المدى لتغطية أراضي إسرائيل – بل أيضًا على الصواريخ ذات الصلة – سواءً الباليستية أو كروز، متوسّطة وطويلة المدى – القادرة على حمل رؤوس نووية.
من المناسب دمج المعيار الذي وضعه نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ (MTCR) في المفاوضات مع إيران، والذي يُعرّف أي صاروخ يزيد مداه عن 300 كلم وقادر على حمل رأس حربي يزيد وزنه عن 500 كلغ بأنه “صاروخ خطير”، ومطالبة إيران بالانضمام إلى هذا الإطار الدولي، حتى وإن كان طوعيًا.
التداعيات على إسرائيل
نظرًا للتهديد الخطير والمباشر الذي يشكّله استمرار ترسيخ إيران لتواجدها على العتبة النووية، والدعوات الإيرانية المتزايدة لإعادة النظر في العقيدة النووية والتفكير في تجاوز مرحلة امتلاك الأسلحة النووية، من المناسب التركيز على صد هذا التهديد. لا تقتصر التحديات التي تواجهها إسرائيل من إيران على البرنامج النووي فحسب. وعلاوة على ذلك، هناك علاقة بين عناصر التهديد المختلفة (وخاصة القدرات النووية، والحشد العسكري في الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، والتخريب الإقليمي ودعم الإرهاب، والحرب السيبرانية).
مع ذلك، يُفضَّلُ تناول كل من هذه العناصر على حدة وبوسائل مختلفة. إنّ أي اتفاق شامل يسعى إلى معالجة جميع جوانب التحدّي الإيراني متعدّد الأبعاد هو اتفاق غير قابل للتوصل إليه واقعيًا، ولا يخدم بالضرورة مصالح إسرائيل، بل قد يُبعدها عن تحقيق هدفها الأساسي: منع وصول الأسلحة النووية إلى أيدي الإيرانيين.
هذا التقييم، الذي كان صحيحًا في الماضي، أصبح أكثر أهمية اليوم لأنّ التطوّرات في المنطقة خلال العام الماضي – وأبرزها إضعاف المحور الموالي لإيران – تُتيح لإسرائيل والولايات المتحدة أدوات أفضل وأكثر فعالية لمواجهة مساعي إيران لإعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي وإعادة بناء قدرات هذا المحور.
في ظل غياب القدرة على التوصل إلى اتفاق يقطع الطريق على إيران في طريقها نحو الأسلحة النووية، وفي حال اتخاذ قرار باللجوء إلى الخيار العسكري، يجب على إسرائيل تنسيق هذا الأمر مع الولايات المتحدة (حتى لو لم يضمن ذلك مشاركة أميركية فعّالة في الضربة).
إنّ التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة ضروري للدفاع ضد الرد الإيراني، والحفاظ على الإنجازات بعد الضربة، ودعم الجهود الرامية إلى منع إعادة تأهيل البرنامج النووي (سواء من خلال الوسائل العسكرية الحركية، أو الوسائل السرية، أو الجهود الدبلوماسية).
على أي حال، من المهم التأكيد على ضرورة شن حملة شاملة ضد إيران، وليس فقط ضد برنامجها النووي. قد تُمثل ضربة أمريكية – إسرائيلية حلاً مثاليًا للتحدي، شريطة أن تكون جزءاً من حملة أوسع ضد الجمهورية الإسلامية، لا تقتصر على مواقع نووية متعدّدة، وأن يتم التخطيط لها وفقًا لذلك. في ختام هذه الحملة، لا بد من قيادة تحرّك دبلوماسي مُكمّل، يضمن تحقيق جميع الأهداف الاستراتيجية المتعلّقة بإيران، بما في ذلك تفكيك القدرات النووية، تفكيك المحور الموالي لإيران وفرض قيود على مشروع الصواريخ.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الجادة وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

