الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة7 مايو 2025 10:48
للمشاركة:

دبلوماسية الظل: كيف ساهمت عُمان وإيران في إنضاج تفاهم حوثي- أميركي؟

كان ذلك صباحًا غير عادي في واشنطن. في المكتب البيضاوي، جلس الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني. وبينما كانت الكاميرات تلتقط الصور، باغت ترامب الصحفيين بإعلان لم يكن متوقعًا: “قالوا لنا، لا تقصفونا بعد الآن، ولن نهاجم سفنكم. وأنا سأقبل كلمتهم”.

بهذه الكلمات البسيطة، كشف ترامب عن ما يمكن اعتباره أول اختراق حقيقي لخفض التوتر في البحر الأحمر منذ شهور. لكن خلف هذا التصريح العابر، كانت هناك رواية دبلوماسية أدارت فصولها جبال مسقط، حيث أخفت خلفها صمتًا ثقيلًا يُخفي محادثات مصيرية حول موضوعين مفصليين في المنطقة: أمن البحر الأحمر، والبرنامج النووي الإيراني.

في العاصمة العمانية، بعيدًا عن الأضواء، اجتمع فريق التفاوض العماني مع مبعوث الرئيس ترامب الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. الرجل الذي بات اسمه يتردد في الكواليس الدبلوماسية باعتباره مهندس التفاهم مع أنصار الله (الحوثيين). ومن خلف الستار، أكدت مصادر دبلوماسية وإيرانية لـ”الجادة” أن طهران لعبت دورًا إيجابيًا وبنّاءً في التمهيد للتفاهم، من خلال دفع الحوثيين نحو التهدئة في البحر الأحمر، دون المساس بمواقفهم تجاه إسرائيل.

ففي وقت كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تقصف مطار صنعاء وميناء الحديدة، كانت مسقط ترتب لتفاهم يقضي بوقف الهجمات الحوثية على السفن التجارية، مقابل وقف الضربات الجوية الأميركية على اليمن. اتفاق يبدو مباشرًا، لكن أثره يتجاوز ساحة البحر.

جاء إعلان ترامب بشكل مفاجئ حتى لبعض الحلفاء. ففي ظل استمرار إسرائيل في عملياتها العسكرية ضد الحوثيين، اختارت واشنطن خفض التصعيد. فهل يعكس ذلك تباينًا في الرؤية بين واشنطن وتل أبيب؟ أم هو مجرد إعادة ترتيب للملفات، حيث تفصل الولايات المتحدة بين الساحات دون المساس بالتزاماتها تجاه إسرائيل؟

بالنظر إلى تصريحات ترامب السابقة خلال استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين أعلن عن بدء مفاوضات نووية مع إيران، يمكن القول إن واشنطن تمارس نوعًا من الازدواج الاستراتيجي: تسعى للتهدئة في ملفات ساخنة، لكنها لا تتراجع عن تحالفاتها الجوهرية.

في السياق الإيراني، فإن تهدئة البحر الأحمر تتقاطع مع أهداف أوسع. فطهران الواقعة تحت ضغط العقوبات، تدرك أن فتح نافذة استقرار، ولو مؤقتة، قد يساعد في تخفيف الضغوط وفتح قنوات دبلوماسية.

وجاء ذلك عقب زيارة نادرة لوزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران، ناقلاً رسالة من الملك سلمان إلى القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تناولت أربعة ملفات، من بينها اليمن. ووفق معلومات حصلت عليها “الجادة”، فإن الطلب السعودي الصريح تمثل في استخدام إيران نفوذها للضغط على أنصار الله من أجل خفض التوتر في البحر الأحمر.

تتجاوز آثار التفاهم الأطراف المباشرة. فمصر، التي تكبّدت خسائر فادحة بسبب انحراف حركة السفن عن قناة السويس نتيجة هجمات الحوثيين، باتت اليوم تتنفس الصعداء. ويتوقع أن تستعيد مليارات الدولارات من عائدات المرور مع استقرار الملاحة. ومعها، دول الخليج وشركاء التجارة العالميون، من الصين إلى أوروبا، يترقبون العودة إلى المشهد البحري الطبيعي.

صنعاء – تل أبيب: خط النار قائم

على الرغم من التفاهم، لم تُطو صفحة المواجهة بالكامل. فقد أكّد القيادي الحوثي محمد علي الحوثي أن الاتفاق مع واشنطن لا يشمل وقف العمليات ضد إسرائيل، واصفًا ما حدث بأنه “نصر يقطع الدعم الأميركي عن الكيان المؤقت”، وداعيًا نتنياهو إلى الاستقالة. فيما حدد المتحدث باسم جماعة “أنصار الله” ورئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام سقف استمرار استهداف السفن الإسرائيلية حتى إدخال المساعدات لغزة. وذلك بعد أن كان هدف وقف الحرب على غزة يتصدر أجندة الجماعة خلال أشهر المواجهة الماضية.

وقبل أيام من الاتفاق، أعلنت الجماعة عن “حصار جوي” على إسرائيل، متوعدة باستهداف مطاراتها، وعلى رأسها مطار بن غوريون. وسقط بالفعل صاروخ قرب المطار، ما أثار ذعرًا بين المدنيين.

هذا ما تسميه طهران “توازن الساحات”: التهدئة مع واشنطن لا تعني المهادنة مع إسرائيل، خصوصًا في ظل استمرار الحرب على غزة.

بين طهران وواشنطن ومسقط وصنعاء، تشكلت خيوط التفاهم… لكن:

  • هل نحن أمام مقدمة لاتفاق نووي أوسع؟
  • هل تسعى واشنطن لفصل الساحات والتهدئة مع حلفاء طهران دون تمكينهم سياسيًا؟
  • وهل تكون مسقط منصة لاتفاق إقليمي جديد بصيغة “تهدئة بلا تسوية”؟

حتى الآن، يحمل ترامب في جيبه ورقة تهدئة قد تُسوّق كـ”نصر دبلوماسي”، بينما تراقب إسرائيل بحذر. وكما علّق المحلل الإسرائيلي عاميت سيغال: “اضربوا إسرائيل، لكن لا تقتربوا من الأميركيين”، في إشارة إلى ما اعتبره انفصالًا في الأولويات.

في منطقة تموج بالصراعات، يعود “السَّمْت العُماني” إلى الواجهة، تلك المدرسة الصامتة في إدارة النزاعات، التي تتوارى خلف العناوين، لكنها تصنع التفاهمات الحاسمة.

لم يكن ذلك صدفة، بل امتدادًا لدور تبنّته عُمان: أن تكون وسيطًا لا يقف في المنتصف فحسب، بل يُعيد تشكيل الأطراف من دون أن يُغيّر موقعه.

وما إذا كانت هذه الخيوط ستصمد في وجه التصعيد المقبل، أم ستتلاشى في زوابع السياسة… فذلك ما ستكشفه الأيام.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: