الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة2 مايو 2025 08:59
للمشاركة:

استقرار الخليج مرهون بالتكامل الإقليمي: رؤية إيرانية لمستقبل المنطقة

 وتناول المتحدثون فيه رؤى الجمهورية الإسلامية تجاه قضايا أمن الخليج وتنميته على ضوء المستجدّات الإقليمية والدولي، مع التركيز على أهمية التنمية الاقتصادية في تحقيق الاستقرار.

كمال خرازي: ضرورة إجراء حوارات جدية بين إيران ودول الخليج

من جهته شجّع رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية ووزير الخارجية الأسبق كمال خرازي على إجراء حوارات جادة ومنتظمة بين إيران والدول العربية المطلة على الخليج، مؤكدًا أنّ العقلانية والنضج السياسي الذي وصلت إليه دول المنطقة يُشكّلان أرضية مناسبة لذلك، وأنّ إيران لطالما كانت من دعاة هذا الحوار.

وأضاف خرازي أنّ العلاقات بين إيران ودول الخليج مرّت بتاريخ معقًد، ففي العهد الملكي، ساد الخوف نتيجة دور الشرطي الذي أداه الشاه لصالح الغرب، ومع الثورة الإسلامية، ظهرت مخاوف جديدة مرتبطة بتأثير الثورة على الدول المجاورة، مما ساهم باندلاع الحرب العراقية الإيرانية، حيث اعتبر صدّام نفسه ممثّلًا للعرب، فخاض الحرب مستغلًّا الدعم العربي والدولي.

وأشاد خرازي بصمود إيران وانتصارها في الحرب بفضل تضحيات الشعب والجيش، ملاحظًا أنّ مرحلة ما بعد الحرب شهدت محاولات لتحسين العلاقات، خصوصًا في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني، الذي بدأ جهود المصالحة بلقاء مع الملك عبد الله في إسلام آباد، للتواصل هذه الجهود في عهد خاتمي، بما في ذلك التنسيق الإيراني – السعودي في سوق النفط، مما ساعد على رفع الأسعار وخدم مصالح المنتجين.

وأوضح خرازي إنّ قوة الجمهورية الإسلامية نابعة من الشعب وليس من الاعتماد على الخارج، وإنّ هذا الاستقلال مكّن إيران من أن تصبح دولة مقتدرة تصعب مهاجمتها، مشدّدًا على ضرورة اقتران القوة العسكرية بـ”القوة الناعمة” من خلال الحوار الثقافي والتعاون الإقليمي، خصوصًا في ظل المتغيّرات الجيوسياسية بالمنطقة.

وعبّر خرازي عن قلقه من التوسعية الإسرائيلية، معتبرًا أنّ سلوك إسرائيل في غزة هو امتداد لسياسة “من النيل إلى الفرات”، وأنّ الرد على ذلك يجب أن يكون بتعزيز التعاون العربي –الإيراني.

ونوّه خرازي إلى أهمية مبادرات إيرانية سابقة للحوار، مثل “خطة هرمز” و”خطة المودّة”، داعيًا إلى تفعيل القرار الأممي 598 الذي ينص على تشكيل تجمع إقليمي يضم إيران، العراق، ودول الخليج، كما أعلن عن قرب انعقاد اجتماع للحوار العربي – الإيراني في طهران، يجمع باحثين ومسؤولين من الطرفين.

وفي ختام حديثه، شدّد خرازي على أهمية الدبلوماسية الفاعلة واستخدام أدوات القوة الناعمة كالثقافة والفن والأدب الإيراني، داعيًا إلى الاستثمار في مراكز الفكر والخبرات التحليلية لبناء سياسات مستقبلية تقوم على الواقعية والتخطيط، بعيدًا عن التبعية أو الانفعال.

ظريف: ضرورة تغيير النظرة التهديدية في السياسة الخارجية والداخلية

بدوره ذكّر وزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف بأنّ إيران حافظت على وحدة أراضيها ولم تفقد شبرًا واحدًا من ترابها أو مياهها، بخلاف ما حصل في العهود السابقة مثل القاجارية والبهلوية، ملاحظًا أنّ إيران – رغم حيادها في الحربين العالميتين – تعرّضت للاحتلال، أما اليوم فلا يمكن التعامل معها كما كان سابقًا، وذلك بفضل استقلالها واستنادها إلى شعبها.

وفي مستهل كلمته، عبّر ظريف عن تعازيه لضحايا حادثة ميناء “الشهيد رجائي”، مشيدًا بتضامن الشعب الإيراني وتحويله الاحتفالات إلى حداد عام، مشدّدًا على ضرورة الانتقال من “الرؤية التهديدية” إلى “الرؤية الفرصية” في السياسة الداخلية والخارجية.

واستعرض ظريف نظرة تاريخية لسياسات الحكومات الإيرانية المختلفة، مؤكدًا أن هدف الجميع، من القاجار إلى الجمهورية الإسلامية، كان تحقيق الأمن الوطني. وبيّن أنّ الاختلاف يكمن في الوسائل، حيث أنّ الحكومات السابقة اعتمدت على التحالفات أو التبعية، بينما سعت الجمهورية الإسلامية إلى تحقيق الأمن من الداخل من خلال الشعب.

واستشهد ظريف في كلمته بحرب العراق – إيران ليُبرز كيف قاومت إيران بدعم شعبي واسع، رغم أنّ أغلب دول العالم كانت ضدها، وتابع: “حتى في هذه الظروف، لم نخسر شبرًا من أراضينا، بل واجهنا العالم بأكمله متكئين على الشعب الإيراني”.

وقال ظريف إنّ الحقبة التي كانت فيها إيران هدفًا سهلاً قد انتهت، مشيرًا إلى أنّ الهجمات على إسرائيل، أو إسقاط الطائرة الأميركية، هي أحداث تظهر أنّ إيران اليوم ليست دولة يمكن مهاجمتها من دون ردّ، ناقلًا عن القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قوله: “زمن اضرب واهرب مع إيران قد ولى”.

ودعا ظريف إلى بناء المستقبل على أساس الإنجازات الحالية لا على اجترار أخطاء الماضي، منبّهًا من تغيّر النظام الدولي، وانتهاء زمن التحالفات الثابتة، وحلول تحالفات مصلحية مؤقتة مكانها، خاصة أنّ دول الخليج فهمت هذه التحولات وعلمت بأنه لا يمكنها الاعتماد على القوى الغربية، خاصة بعد تجربة حرب أوكرانيا وأزمة أرامكو.

ورأى ظريف أنّ إيران اليوم تُشكّل عامل توازن استراتيجيًا في مواجهة طموحات إسرائيل، مما جعل بعض الدول العربية تعيد النظر في علاقاتها مع إيران.

وختم ظريف بدعوة صريحة إلى المصالحة مع الماضي من دون الانحباس فيه، والانتقال إلى بناء مستقبلٍ يُصنع بالإرادة الوطنية لا بردود الأفعال، معتبرًا أنّ الشعب هو أعظم رأس مال وأنّ مراكز الفكر الإيرانية يجب أن تنخرط في صناعة المستقبل لا في تأريخ الماضي.

القوة الاقتصادية تؤدي إلى أمن داخلي مستدام

أكد الدبلوماسي الإيراني السابق محمد حسين عادلي أنّ الأمن الداخلي والمستدام يتحقّق من خلال بناء القوة الاقتصادية، معتبرًا أنّ الاعتماد على الأيديولوجيا والتاريخ الثقافي وحدهما لا يكفيان لتحقيق الأمن، خاصةً أنّ الاقتصاد كان من القضايا التي تم تجاهلها في استراتيجيات إيران السابقة.

وقال عادلي إنّ دول الخليج الست، التي يبلغ عدد سكانها 57 مليون نسمة، تمتلك 30% من احتياطيات النفط و20% من احتياطيات الغاز في العالم، وتنتج نحو 15 مليون برميل من النفط يوميًا،  كما بلغ الناتج المحلّي الإجمالي لهذه الدول 2,090 مليار دولار، بما يمثل 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فضلًا عن مساهمتها بـ8% من التجارة العالمية.

وأضاف عادلي أنّ هذه الدول شهدت نموًّا اقتصاديًا متفاوتًا خلال ثلاث فترات تاريخية، على الشكل التالي:

1. أثناء الحرب الإيرانية العراقية، انخفض الناتج المحلّي الإجمالي لهذه الدول بنسبة 32%.

2. في فترة 1990-2005، شهدت نموًّا بنسبة 64% حتى عام 2000 و290% حتى عام 2005.

3. في فترة العقوبات على إيران من عام 2007 حتى الآن، بلغ النمو 200%.

وبحسب عادلي، فإنّ هذه الدول تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي لا توفّر التمويل فحسب، بل تجلب أيضًا التكنولوجيا والإدارة، ففي عام 2023، جذبت هذه الدول 60 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكانت السعودية والإمارات في الصدارة.

واستخلص عادلي رسالة واضحة من هذه الأرقام مفادها بأنّ ازدهار دول الخليج كان أعلى عندما كانت إيران قوية اقتصاديًا، بينما تراجع نسبيًا عندما كانت إيران تحت الضغط، ملاحظًا أنّ نموّ اقتصادات الخليج اعتمد أساسًا على النفط والغاز باستثناء بعض التنوًع في الإمارات (تركيزها على السياحة والتجارة) وقطر (التي انطلق نموّها بعد عام 2000 بفضل استثمارات خارجية في استخراج الغاز).

وأوضح عادلي إنّ تحوّل موازين القوى الاقتصادية عالميًا يرتبط مباشرةً بسياسات هذه الدول الخليجية التي “تتمتّع بوضع جيد جدًا خلافًا لبعض التصوّرات”، فهذه الدول تصدّر نفطًا وغازًا بقيمة 600 مليار دولار سنويًا، لكنّ صادراتها الإجمالية تعادل ضعف ذلك (حوالي 1.2 تريليون دولار) في ظل تنويعها التجاري، وتستورد ما قيمته 700 مليار دولار سنويًا. ونظرًا لفوائضها التجارية الضخمة، فقد تمكّنت من إنشاء صناديق ثروة سيادية ضخمة (5 تريليون$).

وأكد الدبلوماسي السابق أنّ دول الخليج اتجهت بشكل متزايد نحو الأسواق الآسيوية في علاقاتها التجارية والاستثمارية، حيث يتم استيراد قرابة 63% من احتياجاتها من آسيا، كما يُصدَّر نحو 70% من غازها الطبيعي إلى آسيا (20% إلى الصين، 15% إلى الهند، 15% إلى اليابان و10% إلى كوريا الجنوبية)، مما يعكس قيام شراكات استراتيجية مع الشرق.

وعلى صعيد الطاقة، بيّن عادلي أنّ دول الخليج واعية لتحوّلات مراكز القوى عالميًا، وقد اعتمدت استراتيجيات مستقبلية مزدوجة تجمع بين مواصلة التركيز على النفط والغاز من جهة، والتوسّع في مصادر الطاقة المتجددة وتنويع الاقتصاد من جهة أخرى، فهي تسعى لتطوير حقولها النفطية والغازية بالتوازي مع إطلاق مبادرات للطاقة النظيفة. على سبيل المثال، تستهدف السعودية توليد 30% من طاقتها من المصادر المتجدّدة، وتنتج حاليًا 5200 ميغاواط من الطاقة الشمسية، مع خطة لرفعها إلى 42 ألف ميغاواط بحلول 2030.

في المقابل، انتقد عادلي وضع إيران الحالي، حيث أنّ البلاد برأيه ترفع شعار تنويع الاقتصاد في إيران لكنّها تهمل قطاع النفط وإنتاجه، محذّرًا من أكبر خطر يهدّد نفط إيران، وهو انخفاض الضغط والإنتاج إلى النصف في حقل بارس الجنوبي (حقل الغاز الأكبر الذي يؤمن 70% من إنتاج الغاز الإيراني).

وختم عادلي كلمته بدعوته للسعي من أجل تحقيق أمنها الداخلي، كما يتوجّب عليها تعزيز القوة الاقتصادية والاعتماد على نفسها، لافتًا إلى أنّ النموذج هو الذي تتبعه جميع الدول.

وعكس ملتقى “الخليج الفارسي في ضوء التطورات الإقليمية والدولية” مواقف متّسقة ومترابطة بين النخب السياسية والفكرية الإيرانية بشأن سبل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وجزم المتحدثون الثلاثة – عادلي، ظريف، وخرازي – بأنّ إيران لا تسعى إلى الهيمنة بقدر ما تؤمن بأنّ استقرار الخليج مرهون بالتكامل الإقليمي، والاعتماد على مقوّمات داخلية حقيقية كالقوة الاقتصادية، التلاحم الشعبي والحوار البناء.

وفي الوقت الذي طرح فيه عادلي ضرورة تقوية الاقتصاد باعتباره الأساس لأي أمن داخلي، دعا ظريف للتخلّي عن “الرؤية التهديدية” واعتماد منطق الفرص وصناعة المستقبل، بينما ركّز خرازي على ضرورة تعزيز الحوار بين إيران ودول الخليج، مستندًا إلى تجارب الماضي وإمكانات الحاضر، ومركّزًا على التوجه نحو حلول إقليمية نابعة من إرادة الشعوب لا من تدخّلات خارجية.

وتتقاطع هذه المواقف في إيمانها بأن القوة الناعمة والحوار والاعتماد على الذات هي الركائز التي ينبغي أن تقوم عليها سياسة إيران في الخليج، مع التأكيد على أنّ ما تحقّق من استقرار جغرافي وسياسي ينبغي أن يكون منطلقًا نحو بناء منظومة إقليمية قائمة على المصالح المشتركة، بعيدًا عن التبعية أو الصراع.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: