إيران والولايات المتحدة في مسقط: هل يمكن إحياء معادلة “رابح-رابح”؟
في وقت يبدو فيه أن الشرق الأوسط على وشك أن يخضع لتحولات استراتيجية عميقة، أعادت الوساطة العمانية تفعيل الملف النووي الإيراني الذي بقي يراوح مكانه منذ خريف 2022. وعلى الرغم من التناقض المعلن عن شكل المفاوضات، ما بين المباشر وغير المباشر، إلا أن تأكيد طهران بأن الحوار سيبقى غير مباشر، لا يُخفي الإشارات الواقعية لاحتمال وجود تفاهم أولي، لا سيما في ظل إدراك الجانبين أن أي مفاوضات ستظل مقيدة بحدود الملف النووي.
من وجهة نظر طهران، أي اقتراح أميركي يهدف إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني أو إيقافه بشكل دائم يُعد خطًا أحمر. فإيران تعتبر برنامجها النووي أحد أعمدة أمنها القومي، واستثمارًا استراتيجيًا—سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وبالتالي، فإن أي مطالب تُفسّر في طهران على أنها تهديد وجودي قد تؤدي إلى نسف أي جهد دبلوماسي.
مع ذلك، لا يبدو أن واشنطن تسعى لإزالة البرنامج النووي بالكامل، بل تركّز على فرض ضوابط صارمة تحول دون تحوله إلى برنامج عسكري، مع إبقاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) كطرف مركزي في الرقابة والتحقق. هذا الترتيب، رغم كونه لا يُرضي الحد الأقصى من طموحات الطرفين، إلا أنه قد يشكّل مدخلًا إلى اتفاق لاحق أكثر شمولًا واستقرارًا.
الصيغة المحتملة قد تشمل اتفاقًا مؤقتًا، تُوافق فيه إيران على تقليص أنشطة نووية معينة مقابل حوافز اقتصادية أميركية، مثل الإفراج عن أموال إيرانية مجمّدة في بنوك إقليمية ودولية، كالبنوك الموجودة في عمان وقطر وكوريا الجنوبية والعراق. وقد تُشدد شروط الإفراج عن هذه الأموال لتُستخدم في شراء سلع أميركية، مما يمنح إدارة الرئيس الأميركي فرصة لتسويق الاتفاق محليًا على أنه يضخ الأموال الإيرانية في الاقتصاد الأميركي.
في المقابل، تحصل إيران على تخفيف ملموس في القيود الاقتصادية وتُقلص جزئيًا من عزلتها المالية، دون التخلي عن احتياطاتها الاستراتيجية. من اللافت أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان كشف مؤخرًا عن مناقشته مع القائد الأعلى آية الله علي خامنئي لإمكانية السماح باستثمارات أميركية في إيران، مشيرًا إلى أن خامنئي لم يعارض الفكرة. هذه الإشارة تمثل تحولًا لافتًا قد يمهّد الطريق لمفاوضات أوسع تتجاوز العقوبات نحو تفاعل اقتصادي تدريجي.
في هذا الإطار، من المفيد التذكير بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد برر انسحاب بلاده من الاتفاق النووي في عام 2018 بالقول إن “الولايات المتحدة لم تربح شيئًا منه، بينما جنَت أوروبا المنافع الاقتصادية.” أما الآن، فقد يكون البيت الأبيض أمام فرصة لصياغة اتفاق يُقنع الداخل الأميركي بأن واشنطن تجني فوائد اقتصادية مباشرة، وهو تحول مهم في منطق التفاوض الأميركي.
أما إسرائيليًا، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يبدو اليوم شبه مشلول تجاه هذا الملف، خاصة بعد التحذير المبطن الذي وجّهه إليه ترامب خلال اللقاء بينهما في البيت الأبيض بالإعلان عن المفاوضات. بدأ ترامب وكأنه يحذر لنتنياهو من القيام بأي عمل من شأنه تقويض المسار الجديد القديم.
يبقى السؤال: ما هو مصير إطار 5+1؟ هل ستبقى الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى جانب روسيا والصين على طاولة التفاوض، أم أن المفاوضات الثنائية المباشرة بين واشنطن وطهران ستصبح القاعدة بعد التفاهم الأولي؟ الإجابة عن هذا السؤال قد تحدد مسار المرحلة المقبلة، سواء بالعودة إلى هيكل التفاوض المتعدد الأطراف أو الدخول في مسار عملي ثنائي توجهه المصالح لا الإيديولوجيات.
وفي خضم كل ذلك، تعود سلطنة عمان لتلعب دور الوسيط الصامت، الحامل لجسور الثقة في لحظة بالغة الحساسية من المناورات الإقليمية والدولية. فهل تنجح “الدبلوماسية الصامتة” مجددًا في إنتاج اتفاق جديد، ولو مؤقت؟