عراقجي في الواشنطن بوست: أرشدنا واشنطن إلى الحل الدبلوماسي إن أرادته
في ما يلي ترجمة المقال كاملًا:
في الأسابيع الأخيرة، جرى تبادل سلسلة من الرسائل بين إيران والولايات المتحدة. وخلافًا لبعض التفسيرات، لم تكن هذه الاتصالات – على الأقل من جانبنا – رمزية ولا احتفالية، بل نعتبرها محاولة جادة لتوضيح المواقف وفتح آفاق جديدة للدبلوماسية.
في ما يتعلّق بتصريحات الرئيس دونالد ترامب يوم الاثنين، فإنّ إيران مستعدّة للانخراط بجدية بهدف إبرام اتفاق. سنلتقي في عُمان يوم السبت لإجراء مفاوضات غير مباشرة. إنها فرصة بقدر ما هي اختبار. نموذج الانخراط الذي نقترحه ليس جديدًا. الولايات المتحدة نفسها تتوسّط في محادثات غير مباشرة بين روسيا وأوكرانيا – وهو صراع أكثر حدة وتعقيدًا ينطوي على جوانب استراتيجية وإقليمية وعسكرية وأمنية واقتصادية.
لديّ شخصيًا أيضًا خبرة في قيادة محادثات غير مباشرة مع الولايات المتحدة. بوساطة الاتحاد الأوروبي في عام ٢٠٢١، أثبتت هذه العملية – على الرغم من أنها أكثر تعقيدًا وتطلبًا من الانخراط المباشر – أنها ممكنة ومثمرة.
مع أننا لم نصل إلى خط النهاية حينها، إلا أنّ ذلك يعود أساسًا إلى غياب عزيمة حقيقية من إدارة بايدن. إنّ السعي إلى مفاوضات غير مباشرة ليس تكتيكًا أو انعكاسًا لأيديولوجية، بل خيار استراتيجي متجذّرٌ في التجربة. نواجه جدارًا كبيرًا من انعدام الثقة، ولدينا شكوك جدية بشأن صدق النوايا، ويتفاقم هذا الوضع بإصرار الولايات المتحدة على استئناف سياسة “الضغط الأقصى” قبل أي تفاعل دبلوماسي.
للمضي قدمًا اليوم، علينا أوّلًا أن نتّفق على استحالة وجود “خيار عسكري”، ناهيك عن “حل عسكري”. أدرك الرئيس ترامب هذه الحقيقة بوضوح عندما دعا إلى وقف إطلاق النار كأول إجراء لإنهاء الصراع في أوكرانيا. إنّ إنفاق أموال دافعي الضرائب على تصعيد الوجود العسكري الأميركي في منطقتنا، مما قد يُعرّض الجنود الأميركيين للخطر بعيدًا عن الوطن، لا يُفضي إلى نتيجة دبلوماسية.
إنّ الأمة الإيرانية الفخورة، التي تعتمد حكومتي في ردعها الحقيقي على قوة تلك الأمة، لن تقبل أبدًا بالإكراه والفرض. لا يُمكننا تخيّل الرئيس ترامب راغبًا في أن يصبح رئيسًا أميركيًا آخر غارقًا في حرب كارثية في الشرق الأوسط – صراع سيمتد بسرعة عبر المنطقة ويكلّف أضعافًا مضاعفة من تريليونات دولارات دافعي الضرائب التي أهدرها أسلافه في أفغانستان والعراق.
بالنظر إلى المستقبل، ثمّة حقيقتان إضافيتان تستحقّان التأكيد. أوّلًا، قد لا يُعجَبُ الرئيس ترامب بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الموقع عام ٢٠١٥)، لكنها تتضمّن التزامًا جوهريًا واحدًا: “تؤكد إيران مجددًا أنها لن تسعى أبدًا، تحت أي ظرف من الظروف، إلى امتلاك أو تطوير أي أسلحة نووية”.
بعد عشر سنوات من إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة – وما يقرب من سبع سنوات من انسحاب الولايات المتحدة الأحادي منها – لا يوجد دليل على أنّ إيران انتهكت هذا الالتزام. وقد أكدت ذلك تقييماتُ الاستخبارات الأميركية مرارًا وتكرارًا.
أقرّت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي غابارد مؤخًّرا بأنّ “إيران لا تصنع سلاحًا نوويًا، وإنّ القائد الأعلى [آية الله علي] خامنئي لم يأذن ببرنامج الأسلحة النووية الذي علقه في عام 2003”.
لدينا اعتراضات على العديد من جوانب السياسة العالمية للولايات المتحدة، وخاصة على سياسات الغرب في منطقتنا، بما في ذلك معاييرها المزدوجة بشأن الانتشار. وبالمثل، قد تكون هناك مخاوف محتملة بشأن برنامجنا النووي. لقد أثبتنا استعدادنا لمعالجة تلك المخاوف عندما وافقنا على اتفاق عام 2015، بفضل الاحترام المتبادل والمساواة. ولكن حتى مع استمرار التزامنا بخطة العمل الشاملة المشتركة، فإنّ تجربتنا بشأن عدم رغبة أو عدم قدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الوفاء بالتزاماتهما بموجب الاتفاق النووي قد أقنعت الكثيرين في إيران بالإصرار على ضمانات للوفاء المتبادل بالالتزامات.
ثانيًا، هناك سوء فهم خطير يجب توضيحه. يصوّر الكثيرون في واشنطن إيران كدولة مغلقة اقتصاديًا. الحقيقة هي أننا منفتحون على فتح الباب للشركات من جميع أنحاء العالم. إنّ الإدارات الأميركية والعراقيل التي يفرضها الكونغرس، وليست إيران، هي التي حالت دون استفادة الشركات الأميركية من فرصة تريليون دولار التي يتيحها الوصول إلى اقتصادنا.
في الواقع، عندما وافقت الولايات المتحدة على ترخيص بيع طائرات الركاب كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة، تفاوضت إيران فورًا على عقد مع شركة بوينغ لشراء 80 طائرة.
القول إنّ مجال التجارة والاستثمار في إيران عظيم يضل أيضا أقل مما هو في الحقيقة. لا يزال اقتراحنا للمفاوضات غير المباشرة مطروحًا. نعتقد بأنه إذا توفّرت الإرادة الحقيقية، فهناك دائمًا سبيل للمضي قدمًا. وكما أثبت التاريخ الحديث، فقد نجح الحوار الدبلوماسي في الماضي، ولا يزال قادرًا على النجاح.
نحن على استعداد لتوضيح نيّتنا السلمية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتهدئة أي قلق محتمل. من جانبها، يمكن للولايات المتحدة أن تُظهر جديتها في الدبلوماسية من خلال إظهار التزامها بأي اتفاق تتوصل إليه. إذا تم إظهار الاحترام لنا، فسنبادل بالاحترام. أما الحشد العسكري، فيرسل إشارة معاكسة تمامًا.
تذكروا كلامي: إيران تُفضّل الدبلوماسية، لكنها تعرف كيف تدافع عن نفسها. لم نستسلم للتهديدات في الماضي، ولن نفعل ذلك لا الآن ولا في المستقبل. نسعى للسلام، لكننا لن نقبل الخضوع أبدًا.
الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة. إذا سعت إلى حل دبلوماسي حقيقي، فقد أرشدناها بالفعل لذلك. إذا سعت، بدلًا من ذلك، إلى فرض إرادتها بالضغط، فعليها أن تعلم بأنّ الشعب الإيراني يردّ بحزم على لغة القوة والتهديد، موحّدًا.
هناك فرصة للولايات المتحدة لكي تحظى أخيرًا برئيس سلام. اغتنام هذه الفرصة من عدمه هو خيار.