إيران والاستراتيجية الكبرى.. ما هي مقومات النجاح؟
تحدث الأستاذ الجامعي الإيراني آرش رئيسي نجاد عن المتطلبات التي يجب أن تكون متوفرة في الاستراتيجية الإيرانية الكبرى، مؤكدًا في مقاله بصحيفة "آرمان امروز" الإصلاحية أن وجود فهم متسق لتاريخ وجغرافيا إيران يوفر المادة الخام للفكر في هذا الإطار.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن ممارسة السياسة اليومية لا تنتج استراتيجية كبرى، رابطًا في هذا المقال الذي تترجمه “الجادة” بين الهوية والإيرانية من جهة والتنمية والمصالح الوطنية من جهة أخرى. إليكم ترجمة كاملة للمقال المنشور بتاريخ 22 شباط/ فبراير 2025:
يُقال بحق إن الدول ليس لها أصدقاء أو أعداء دائمون، بل مصالح دائمة. ولكن النزاع يبدأ هنا: ما هي تلك المصالح؟ بلا شك، يمكن لكل مجموعة أن تتصور مصالح باسم أمتها ودولتها. في ظل تنوع المصالح وتضادها، يصبح من المستحيل تحقيق إجماع بين النخب في المجتمع على تعريف المصالح الوطنية.
لكن تعريف وتشخيص المصالح الوطنية أمر غير ممكن بدون فهم واضح لهوية البلد. فإذا لم يكن لدى أي بلد فهم لهويته، فلن يستطيع تحديد مكانته في العالم أو مصالحه الوطنية. بدون تعريف واضح ومتسق للمصالح الوطنية، فإن الحديث عن الأصدقاء والأعداء يصبح بلا جدوى.
لذلك، يجب أن تكمن الاستراتيجية الكبرى، التي تغير مصير الأمة، في تقديم فهم متسق لهوية البلد. ومن هنا، لا يمكن الحديث عن المصالح الوطنية أو حتى التنمية والأمن دون فهم هوية إيران.
يجب البحث عن مصدر هذا الفهم في تاريخ إيران وجغرافيتها. رغم أن النظريات تقدم تحليلاً سببيًا، إلا أن التاريخ والجغرافيا يوفران المادة الخام للفكر. لذا، فإن الحديث عن الاستراتيجية الكبرى بدون معرفة كاملة بالتاريخ والجغرافيا هو جهد عبثي.
إذا تحدث توماس هوبز عن “الليفياثان”* منذ أربعة قرون، فإن إيران هي “سيمرغ”** قديم يمكن الوصول إليه من خلال فهم متسق لتاريخ وجغرافيا إيران، فهم يظهر أن إيران، بغض النظر عن الأنظمة الحاكمة، لها سمات دائمة ومستمرة.
السعي لتحقيق هذا الفهم لـ”سيمرغ”، لا يكتمل إلا بالاعتماد على مبدأ حاكم: “الأصل هو إيران والإيرانيون”. مبدأ يوضح أن لا شيء يسمو على السعي لرفاهية الإيرانيين وسعادتهم وكرامتهم؛ الإيرانيون الذين نهضوا دائمًا من رماد الموت.
يجب أن ندرك أنه عندما يتبع القادة الفكرة النقية المنبثقة من عمق التاريخ والجغرافيا، وليس السياسة اليومية، تولد الاستراتيجية الكبرى. ظهور الاستراتيجية الكبرى هو بداية طرح والإجابة على سؤال “من نحن؟” و”إلى أين يجب أن نذهب؟” وتظهر دائمًا في أحلك لحظات الأمة.
*يشير إلى كتاب الفيلسوف البريطاني توماس هوبز (1588-1679) “اللفياثان” أو “التنين” الذي شرح فيه نظريته عن الدولة والعقد الاجتماعي.
**”السيمرغ” كائن أسطوري في الأساطير الفارسية، ويعادل تقريبًا “العنقاء” في الثقافة العربية.