كتاب “إيران وحماس”: تحالف السياسة والمقاومة بين الأيدولوجيا والبراغماتية
على الرغم من العلاقة القوية التي تعمقت بين حركة حماس الفلسطينية و الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أن العديد من التساؤولات حول تلك العلاقة لا تزال تطرح في الأوساط الأكاديمية كما الشعبية. الأسئلة التي تظهر من قبيل: كيف تلتقي إيران الشيعية مع حماس السنية في معادلة المقاومة؟ هل هي علاقة تحالف استراتيجي أم مجرد زواج مصلحة؟ وكيف أثرت الأحداث الكبرى، من الثورة الإسلامية إلى الحرب في غزة، على هذا التقارب غير المتوقع من وجهة نظر الكثيرين؟
في كتابها “إيران وحماس” الصادر عن مركز “الجزيرة” للدراسات، تقدم الباحثة الأردنية فاطمة الصمادي تحليلًا معمقًا لأحد أكثر التحالفات تعقيدًا في الشرق الأوسط. بأسلوب شيق ومنهجي، تسلط الضوء على القصة الكاملة للعلاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحركة حماس، من الجذور التاريخية إلى الأزمات المتكررة التي كادت تفككها.
بداية العلاقة: كيف اقترب الطرفان رغم الاختلاف؟
في أواخر الثمانينات، حين كانت حماس مجرد حركة ناشئة، لم يكن من المتصور أن تجد دعمها الأكبر من إيران الشيعية. لكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن المصلحة السياسية والعسكرية يمكن أن تتجاوز الخلافات المذهبية.
إيران، بعد ثورتها الإسلامية عام 1979، رفعت شعار “الموت لإسرائيل” وجعلت القضية الفلسطينية جزءًا من استراتيجيتها الإقليمية. وعندما ظهرت حماس في 1987 كحركة مقاومة فلسطينية، وجدت في إيران حليفًا مستعدًا لدعمها بالمال والسلاح والتدريب العسكري، خاصة بعد أن تخلت بعض الدول العربية عن دعمها أو فرضت عليها قيودًا.
حماس وإيران: تحالف الضرورة أم شراكة استراتيجية؟
الكتاب يوضح أن العلاقة بين إيران وحماس ليست مجرد علاقة راعٍ ووكيل، كما يروج البعض. بل هي علاقة تحالف له أبعاد متعددة، منها:
1. العقيدة والمقاومة: رغم الفوارق المذهبية، فإن الطرفين يشتركان في خطاب معادٍ لإسرائيل ومؤمن بأن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين.
2. المصلحة السياسية: إيران ترى في دعم حماس وسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمي، بينما تستفيد حماس من الدعم الإيراني لتعزيز قوتها العسكرية أمام الاحتلال الإسرائيلي.
3. التكتيك العسكري: عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قدمت إيران تدريبًا عسكريًا وتقنيات تصنيع الصواريخ لكتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، ما عزز قدراتها الهجومية ضد إسرائيل.
الاختبار الأصعب: هل انهارت العلاقة بسبب سوريا؟
لم تكن العلاقة دائمًا وردية، بل مرت بأزمات كادت تمزق هذا التحالف. أبرز هذه الأزمات كان موقف حماس من الثورة السورية في 2011، حيث وقفت إلى جانب المعارضة ضد نظام الأسد، حليف إيران الأساسي.
هذا القرار تسبب في أكبر شرخ بين الطرفين، وأدى إلى تجميد الدعم المالي والعسكري الإيراني لحماس لعدة سنوات. لكن في النهاية، وبعد أن خذلتها بعض الدول العربية، اضطرت حماس إلى إعادة العلاقات تدريجيًا مع طهران، خاصة بعد الحروب المتكررة مع إسرائيل، والتي أظهرت حاجتها الماسة للسلاح والدعم المالي.
“طوفان الأقصى”: هل عاد التحالف إلى سابق عهده؟
يختم الكتاب بتحليل الأحداث الأخيرة، وخاصة معركة “طوفان الأقصى” عام 2023، والتي كانت أكبر مواجهة بين حماس وإسرائيل منذ سنوات. إيران لم تكن طرفًا مباشرًا في الحرب، لكنها وفرت دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا عبر حزب الله وفصائل أخرى، مما أعاد تثبيت موقعها كأهم داعم خارجي لحماس. وهنا يطرح الكتاب سؤالًا مهمًا: هل ستظل حماس جزءًا من محور المقاومة بقيادة إيران، أم أنها ستبحث عن خيارات أخرى تضمن لها استقلالية أكبر؟
لماذا يستحق هذا الكتاب القراءة؟
يحظى الكتاب بالعديد من المميزات التي تجعله جديرًا بالقراءة. من جانب ينطوي على سرد مشوق ومبني على أدلة، حيث أنه لا يقتصر على تحليل سياسي، بل هو رحلة عبر الأحداث الكبرى التي شكلت العلاقة بين إيران وحماس، مدعومة بشهادات ووثائق ومصادر موثوقة. من جانب أخر، يفكك كتاب الصمادي الأساطير حول علاقة الطرفين، إذ يدحض الفكرة القائلة إن حماس مجرد وكيل لإيران. في هذا الإطار، يكشف مضمون الكتاب أن العلاقة أكثر تعقيدًا وتوازنًا مما يعتقده الكثيرون.
عطفًا على ما سبق، تسلط الكاتبة الضوء على شكل التأثير الذي تلعبه المصالحة الإقليمية على عمل المقاومة الفلسطينية. لذلك يستطيع الكتاب أن يقدم لقارءه فهم أوسع لكيفية إدارة التحالفات في المنطقة.
الخلاصة: هل العلاقة بين إيران وحماس باقية أم زائلة؟
يقدم الكتاب تحليلًا رصينًا بعيدًا عن العواطف، ويؤكد أن العلاقة بين إيران وحماس ليست علاقة أبدية ولا مؤقتة، بل هي علاقة متغيرة تخضع لمصالح الطرفين.
إيران ستظل داعمة لحماس طالما أن ذلك يخدم استراتيجيتها الإقليمية، وحماس ستظل تحافظ على علاقاتها مع طهران طالما أنها تحتاج إلى دعم عسكري وسياسي. لكن في النهاية، هذا التحالف ليس تحالفًا أيديولوجيًا خالصًا، بل تحالف براغماتي يتغير حسب الظروف.