سقوط بشار الأسد: البعد عن الوقائع خلق دهشة في طهران
في السابع من كانون الأول/ ینایر الماضي، انتشر ملف صوتي مدته 57 دقيقة لخطاب ألقاه العميد في الحرس الثوري الإيراني بهروز إثباتي الملقب بـ (أبو أمير)، وهو رئيس مقرّ الفضاء الالكتروني للأركان العامة للقوّات المسلّحة الإيرانية، مما أثار الجدل على نطاق واسع.
لم يُذكر المكان الدقيق لهذا الخطاب الذي كان موقع “تابناك” المقرب من قائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي أول من سربه، لكن وسائل إعلام محلية أخرى قالت إن “أبو أمير القاه في أحد مساجد العاصمة طهران”.
حتى كتابة هذا التقرير، لم ينفِ مضمونَ الخطاب أي مسؤول عسكري إيراني، باستثناء رد فعل اثنين من الموظّفين الحكوميين خلال رئاسة إبراهيم رئيسي بشأن الجزء المتعلّق برحلة قام بها رئيسي إلى دمشق.
ونال بعض أجزاء خطاب إثباتي تفاعلًا أوسع في الأوساط الإيرانية، مثل حديثه عن المعاملة غير الجيدة التي لقيها الإيرانيون من النظام السوري، الانقطاعات المتكرّرة للتيّار الكهربائي في المدن السورية، وصل الكهرباء الخاصة بثكنات الجيش إلى منازل قادة حزب البعث وابتزاز الضباط السوريين للشعب السوري.
في ما يلي النص الكامل لأبرز تصريحات إثباتي عن سوريا والتي تم تحريرها من الناحية الأدبية مع الحفاظ على مضمون خطابه في هذا الشأن:
أهنّئ جميع الأخوات والإخوة بمناسبة أسبوع المقاومة. لنستذكر شهداء الثورة الإسلامية وشهداء الدفاع المقدّس وشهداء المقاومة، وخصوصًا الشهيد العظيم الحاج قاسم سليماني، الشهيد السيد حسن نصر الله، الشهيد السيد هاشم صفي الدين، الشهيد السيد رضی، الشهيد أبو مهدي المهندس، الشهيد زاهدي وغيرهم من الإخوة والأصدقاء الذين حالفنا الحظ لرؤية وجوههم المباركة والمضيئة خلال هذه السنوات. لقد وصلوا إلى هدفهم، وهو الشهادة، بينما نحن بقينا من المتأخّرين والعاجزين.
لأجل فتح باب النقاش، أودّ طرح نقطتين للإخوة والأخوات الأعزاء:
أولًا، في الليلة التي توصّلنا فيها إلى قناعة أننا لن نتمكّن من الحفاظ على سوريا، كان ذلك مساء يوم الجمعة (6 كانون الثاني/ دیسمبر 2024). كنتُ ضمن آخر رحلة جوية عسكرية غادرت من هناك، وكانت نحو الساعة الثانية أو الثالثة فجرًا بتوقيت طهران. عدتُ برفقة مجموعة من الأعزاء وقوات لواء الفاطميين وآخر المجموعات من إخوتنا في اللواء، بالإضافة إلى عدد من زملائي وقوات الحرس الثوري إلى طهران. كنت أظن أنني بمجرّد وصولي إلى طهران سأطفئ هاتفي لمدة شهر على الأقل لأحصل على قسط من الراحة.
في الصباح الباكر، اتصلت برئيسي الجنرال شكارجي لإبلاغه بوصولنا إلى طهران، إذ كنتُ أعلم بأنه كان قلقًا بشأن سلامتي. أخبرته إنني وصلت إلى إيران بخير. لكنه قال لي: “تعال إلى هنا”. أجبته إنني أودّ الحصول على قسط من الراحة أولًا، لكنه أصر قائلًا: “تعال وفسّر لي ما الذي يجري”.
منذ ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى الجنرال شكارجي وحتى الآن، حظيت بفرصة التواجد في خدمة العديد من الأعزاء وفي اجتماعات كثيرة.
- ملاحظتي الأولى:
في أول اجتماع حضرته بعد عودتي، شعرت بشيء غريب. نحن الذين كنا في الميدان وشهدنا الأحداث عن قرب وكنا جزءًا من الوقائع، أدركنا أنّ كلمة “اليأس” لا تنطبق على التطوّرات في سوريا. لم نكن ولا نزال غير يائسين مما يحدث. لكنّ ما أثار دهشتي هو كيف أنّ هناك جوًا من التشاؤم في إيران بخصوص الوضع في سوريا. تساءلت: ما الذي حدث؟ خلال 20 يومًا شهدت فيها الأحداث في سوريا، بالنسبة لنا نحن الذين كنّا في الميدان، لم يكن انهيار نظام البعث أمرًا مفاجئًا.
- ملاحظتي الثانية:
الواقع أننا بذلنا جهودًا كبيرة لإقناع أركان نظام البعث، قادة الجيش والرئيس بشار الأسد نفسه بأنّ البلاد على وشك الانهيار. قلنا إنه إذا لم يتم الشروع فورًا في الإصلاحات وتغيير السلوك الإداري، فإن سوريا ستتفكّك.
مع ذلك، وبعد الانتصارات العسكرية وهزيمة وهروب داعش والجماعات المسلّحة، بالإضافة إلى الأحداث التي وقعت في كردستان سوريا والمناطق الأخرى، حدث إهمال استراتيجي شامل داخل أركان الحكومة السورية.
عملتُ شخصيًا مع أربعة أو خمسة وزراء سوريين بشكل مستمر. كانت لديهم هياكل تنظيمية ثقافية كبيرة نتيجة للنشاط الحزبي، لكنها كانت غير فعّالة. حاولنا إقناعهم بأنّ الوضع في سوريا خلال العامين الماضيين تدهور بشكل كبير، لكنهم لم يكونوا مستعدّين للاعتراف بخطورة الموقف.
مثال على الأوضاع الصعبة
في معظم المدن السورية، كان التيار الكهربائي متوفّرًا لمدة ساعة واحدة فقط خلال 24 ساعة. في دمشق، كانت الكهرباء تنقطع أربع ساعات وتأتي ساعتين فقط. في حلب، كانت تنقطع ست ساعات وتأتي ساعتين، وفي ريف دمشق الذي زرناه كثيرًا، كانت الكهرباء متوفّرة لمدة 25 دقيقة يوميًا فقط.
هذه المناطق كانت مهمة جدًا، لكنها ظلّت مهدّدة باستمرار، حيث كانت ثلاث إلى أربع مناطق فيها تُعتبر من المناطق الخطرة، وما زالت الجماعات المسلّحة تسيطر عليها. المدهش أنّ هذه الجماعات المسلّحة كانت قد تصالحت مع الحكومة، لكنها احتفظت بتنظيمها العسكري واستغلّت الأحداث لاحقًا للتحرّك والسيطرة على دمشق.
الواقع المرير
في ذلك الوقت، قام نظام البعث السوري بإنشاء شبكة كهرباء تُعرف باسم “الكهرباء العسكرية”، والتي كان من المفترض أن تُخصّص للمعسكرات والقواعد العسكرية. ولكن في الحقيقة، كانت هذه الشبكة تُستخدم لتزويد منازل قيادات حزب البعث، الوزراء والضباط السوريين بالكهرباء، بدلًا من القواعد العسكرية.
حياة الناس اليومية
تخيّلوا لو كنتم مكان الشعب السوري، وترون أطفالكم وعائلاتكم يعانون في الصيف من شدة الحرارة، ماذا كنتم ستفعلون؟
أحد زملائي العسكريين السوريين جاءني يومًا وهو في حالة من الضيق. سألته: “لماذا أنت منزعج”؟ فأجاب: “طفلي مريض”. فقلت له: “مريض؟ ولماذا مريض”؟ (وكان الطقس حينها حارًا جدًا). فقال لي: “المنزل شديد الحرارة لدرجة أنني أضطرّ للخروج لجلب الماء وأرشه على الأرض، حتى يخلع أطفالي قمصانهم ويناموا على الأرض ليحصلوا على بعض البرودة”.
هذا كان حالهم في الصيف، أما في الشتاء فكانت الأوضاع أكثر سوءًا. قلت لزميل آخر لي يُدعى محمد: “يعطونكم ولكل عائلة ٥٥٠ لترًا من المازوت شهريًا (حيث كانوا يستخدمون مدافئ تُعرف باسم صوبيا، تستهلك خمسة لترات من المازوت في الليلة). فهل تكفي هذه الكمية للشتاء”؟ فأجابني: “نعم، في الشتاء نتجمّع خمس أو ست عائلات في غرفة واحدة. الأطفال ينامون على الأرض، ونقوم بتقسيم المازوت فيما بيننا. نشغّل المدفأة لساعتين فقط في بداية الليل، ثم بعد صلاة الفجر نشغّلها ساعتين إضافيتين حتى لا يتجمد الأطفال من البرد”.
نحن والناس
رغم كل هذه الظروف الصعبة، كنّا نحاول أن نعيش مثل عامة الشعب السوري. وأحد الأسباب التي جعلت الشعب السوري، خاصة المواطنين العاديين، يُكِنّون احترامًا خاصًا للإيرانيين، هو أننا كنا نعيش مثلهم ونشاركهم نفس الظروف.
بعد هذه الأحداث، تواصلت مع صديق لي كان يعمل مع نحو ٥٠٠ إلى ٦٠٠ شخص، وسألته: “بعد حضور المسلّحين، كيف يرى الناس الإيرانيين؟” فأجابني: “والله، نظرتهم لكم جيّدة جدًا. وهذا فقط بسبب نمط حياتكم الذي يشبه حياة الناس العاديين”.
هذه الروايات ليست سوى أمثلة قليلة على الوضع الصعب الذي كان يعيشه الشعب السوري في ذلك الوقت. الأزمة المعيشية، التمييز والظروف القاسية التي مرّوا بها تُظهر جزءًا صغيرًا من الواقع المرير. كنّا نحاول أن نكون قريبين من الناس ونعيش مثلهم، وهذا هو ما أكسبنا ثقتهم واحترامهم.
واقعية المعاناة
ربما سمعتم عن أحد المواقع التي تعرّضت لقصف شديد من قِبل إسرائيل، وهو موقع عقربا، والذي كان يُعتبر أكبر قاعدة هليكوبتر تابعة للجيش السوري. قبل وقوع هذه الأحداث، زرتُ قيادة هذا الموقع. كنت أزور الجنود والضباط هناك، وأتواصل معهم. وفي بعض الأحيان، كنت أُحضر معي بعض المعلّبات والمواد الغذائية، لأنهم كانوا يحبّون المعلّبات الإيرانية كثيرًا.
قمت بتوزيع هذه المواد عليهم وتحدثت معهم بأسلوب ودي. سألتهم عن أحوالهم وعن عائلاتهم، فقالوا: “لا نعرف شيئًا عن عائلاتنا”. شعرت بالدهشة وقلت: “ماذا تعنون بأنه ليس لديكم أي أخبار عن عائلاتكم”؟ فأجابوا: “عائلاتنا في منطقة هسيا، وهي تبعد نحو ٤٠ كلم عن مدينة حمص، و٨٠ كلم عن هذا الموقع. الجيش يدفع لنا رواتب بالكاد تكفي لتغطية تكاليف المواصلات لزيارة عائلاتنا مرة واحدة في الأسبوع. الآن، منذ ثلاثة أشهر، لم نعد نستخدم هذه الأموال للمواصلات، بل نرسلها لعائلاتنا كي لا يموتوا جوعًا”.
وفي الوقت نفسه، كانوا ينظرون إلى نمط حياة قادتهم الميدانيين وقادة الجيش، ويرون أنّ الجنرال المسؤول عنهم لديه كهرباء على مدار الساعة، سيارة بوقود إيراني وراتب أعلى بكثير.
السجن أو 100 مليون ليرة
الشهيد كیومرث بورهاشمي (حاج هاشم)، أحد قادة الحرس الثوري في سوريا، كان صديقًا مقرّبًا لنا. قبل استشهاده بثلاثة أيام، ذهبتُ إلى مدينة حلب للقاءه. طلبت منه أن يشرح لي تطوّرات الوضع في المنطقة وفي حلب تحديدًا.
جلس الشهيد أمام الخريطة العسكرية وشرح لي الأوضاع: قدرات العدو كانت مرتفعة، أما وضع قوّاتنا فكان ضعيفًا. قال لي نفس الأمور التي تعرفونها الآن. فقلت له: “بهذا الترتيب والوضع، لا يمكنكم فعل شيء”. فرد قائلًا: “نعم، في حالة الهجوم العسكري، ستسقط حلب”. ثم قال لي جملة مهمة للغاية: “هناك جنرال يقود الخطوط الأمامية. قوّاته وأفراد جيشه مطالبون بجمع ١٠٠ مليون ليرة شهريًا من خلال الابتزاز وأخذ الأموال من الناس بالقوّة، وإلا سيقوم بإرسالهم إلى الأمن العسكري”. ثم سأل: “كيف يمكن لمؤسسة عسكرية بهذا الوضع أن تقاتل العدو؟ وهل يبقى هناك معنى لوجود الجنود في مثل هذا الجيش”؟
فساد الجيش
كنت أعمل مع نحو 700 عنصر سوري بشكل مباشر، وفي الدوائر الأخرى كان هناك بين 10 إلى 15 ألف شخص يعملون ضمن نطاق مسؤوليّتي. قمت بتوفير مبلغ من المال وقدّمته إلى أحد مسؤولي الجيش السوري الذي كان مسؤولًا عن الأمور المالية للتنظيم العسكري، وطلبت منه توزيع هذا المبلغ بين العناصر بحيث يحصل كل شخص على 500 ألف ليرة سورية.
كان لدي عدة معسكرات، وكان الطبّاخون في هذه المعسكرات من النساء. كنت أصرُّ على تقليل تردّد الرجال في هذه الأماكن، وإذا كان لا بد من ذلك، يُسمح للمراهقين بالدخول عند الضرورة، لأنّ الفتيات والنساء كنّ يترددن كثيرًا إلى هناك. كنت أحاول أن أجعل الطاقم المسؤول عن المطبخ والإدارة من النساء السوريّات.
بعد يومين من توزيع الأموال، جاءني أحد الزملاء وقال إن هناك سيدتين، فلانة وفلانة، يرغبان في مقابلتك. قلت له: “دعهما يدخلان”. وعندما دخلتا، سألتا: “أبو أمير؟” قلت: “تفضلا”. قالتا: “كم وزّعت من المال”؟ قلت: “على ماذا حصلتما”؟ قالتا: “أعطونا 200 ألف ليرة فقط”.
فهمت أنّ المسؤول المالي الذي أعطيته المبلغ سرق جزءًا من الأموال. قمت باعتقاله وسلّمته إلى جهاز الحماية الخاص بنا، والذي بدوره قام بمعاقبته بشدّة واسترداد الأموال منه.
ومن كل هذا الحديث على أهميته، هناك نقطة أريد توضيحها. قلت إنه يجب نقل هذا الشخص (المسؤول المالي) إلى خط “صالحية”، وهي منطقة تتعرّض غالبًا لهجمات داعش. وأكدت أنّ عليه الذهاب والعمل هناك ضمن الجيش. وافق قائد منطقة صالحية وأكد تنفيذ القرار، وكذلك أقرّ نظام الحماية الخاص بنا هذه الخطوة.
بعد أسبوعين، خطر ببالي أن أتحقّق من زملائي في الجيش السوري عن انتقال هذا الشخص إلى منطقة صالحية. سألتهم: “أين سليمان الآن؟” رأيتهم يبتسمون بدلًا من الرد. قلت: “هل أنا أمزح معكم؟ أخبروني، هل ذهب سليمان إلى خط صالحية أم لا”؟ فابتسموا مرة أخرى. قلت: “هل يمكنكم شرح الأمر”؟ فقالوا: “في اللحظة التي أصدرت فيها هذا القرار، قام الضابط المسؤول عن نقله بأخذ المال من سليمان، وبدلًا من إرساله إلى الخط العسكري في صالحية، أرسله إلى مدينته الساحلية اللاذقية، الواقعة على البحر المتوسط. الآن، سليمان مستقر في منزله هناك، ويدفع شهريًا مبلغًا من المال لقائده”. وأضافوا: “رأينا أن هذه الممارسات أصبحت تقليدًا بين القادة العسكريين الفاسدين”.
أول خط انهار خلال الهجوم على حلب كان خط الدفاع التابع للجيش السوري. كان من المفترض أن يضم هذا الخط، وهو وحدة مدرّعات، 400 عنصر استعدادًا للمواجهة العسكرية. زرت هذا الخط مع الحاج هاشم لتفقّد الوضع. هل تعرف كم كان العدد الفعلي للعناصر هناك؟ فقط 40 عنصرًا، بينما قام 360 عنصرًا بدفع الرشاوى للتهرّب من الخدمة والعودة إلى منازلهم.
كنا نرى هذه الحالات ونبلّغ القادة في الجيش السوري، لكن للأسف، وصلت الأمور إلى نقطة لم يعد بالإمكان إصلاحها، وفي يوم الجمعة حدث ما كان من المفترض أن لا يحدث.
كنت قد ذهبت يوم الأربعاء من نفس الأسبوع لزيارة مقام حجر بن عدي في تلك المنطقة. كنا عائدين من منطقة زمير، وكنا عادة نقول “نحن أصدقاء” لكي نتمكّن من العبور بسهولة. عندما كانوا يرون سيارتنا، كانوا يدركون أننا إيرانيون.
عندما وصلنا إلى نقطة التفتيش (أو كما يسمونها “حاجز زمير”)، لاحظنا أنّ المسؤول عن الحاجز يتعمّد التأخير ويتلكّأ في السماح لنا بالمرور. كان سائق سيارتنا أحد زملائنا من الكادر وكان رجل دين، لكنه لم يكن يرتدي لباس رجال الدين.
قال لي السائق: “أبو أمير، هذا الشخص يحاول ابتزازنا ويريد رشوة من الإيرانيين”. استمرّ هذا المسؤول في اختلاق الأعذار والتلكّؤ حتى قال في النهاية: “لا يمكنكم المرور من هنا. عليكم الذهاب إلى رئيس المقر للحصول على الإذن”.
قام هذا المسؤول بإبلاغ رئيس المقر عبر اللاسلكي وقال له: “هناك سيارة في طريقها إليك، عليك التعامل معها”. لأننا لم ندفع له رشوة، ذهبنا إلى رئيس المقر. عندما رآنا رئيس المقر، أدرك فورًا أننا إيرانيون، وتغيّر لون وجهه وقال معتذرًا: “أعتذر جدًا. لم يخبروني إنكم إيرانيون. قالوا لي فقط إن هناك سيارتين تحاولان المرور”.
كان هذا مثالًا واضحًا على الفساد في النظام العسكري، حيث وصل الأمر إلى درجة أنه لا يمكن لأحد المرور إلا إذا دفع رشوة.
كانت حافلات العراقيين التي تتّجه نحو السيدة زينب (للزيارة في سوريا) تواجه أول حاجز تفتيش عند مدخل السيدة زينب، والذي كان تابعًا للفرقة الرابعة. قائد الفرقة الرابعة كان الملعون ماهر الأسد، وكان أكثر من يجمع الأموال. كان سائقو الحافلات العراقية الذين يرغبون في زيارة السيدة زينب مكلّفين بوضع 100 دولار في أيديهم وإخراجها من نافذة الحافلة حتى يسمح لهم بالمرور من دون توقّف للتفتيش.
في إحدى المرّات مررتُ بهذا الحاجز ورأيت أنهم أجبروا جميع الركاب العراقيين على النزول من الحافلة. تحدثتُ إلى مسؤول الفرقة الرابعة هناك وقلت له بالعربية: “ماذا تفعلون”؟ فأجاب: “لم يدفعوا الرشوة، لو أعطونا 100 دولار، لكنا سمحنا لهم بالمرور”.
كانت هذه الأمور والأزمات مما نشهده بأعيننا. أردتُ فقط التحدث عن الجوانب الاجتماعية. أما النقاشات العسكرية حول هذا الموضوع، للأسف لا يمكنني ذكرها هنا. الخيانات التي حدثت داخل الجيش السوري كنا نراها ونبلّغ المسؤولين السوريين بها. كنّا ندرك أنه لا توجد أي قوة معارضة حقيقية تقف في وجه بشار الأسد، وكل ما كان يحدث هو بسبب هذه الفساد الكبير. ومع ذلك، لم يكن بشار الأسد يصدّق ذلك.
هذا أحد الأسباب الكبيرة التي جعلتنا نقول دائمًا إنه لم تكن هناك هزيمة عسكرية، ولم تكن هناك حرب نخسر فيها، بل كان الشعب هو الذي انتفض وأسقط نظامًا فاسدًا وظالمًا. هذه هي حقيقة المشهد، وللأسف الحديث عن هذا الموضوع يتطلّب وقتًا أطول.
بشار والفهم الناقص للمقاومة
أما بالنسبة لشبهة الأصدقاء عن مستقبل المقاومة، فلا أريد التوقّف كثيرًا عند هذه القضايا الاجتماعية في سوريا. الآن يسألني الكثيرون: هل كان بشار الأسد خائنًا؟ هل كان يفعل ذلك عن عمد؟ لا، السيد بشار الأسد كان مؤمنًا بالمقاومة، ولكنّ تعريفه للمقاومة كان مختلفًا تمامًا عن تعريفنا. كان هو يحدد دور سوريا في المقاومة بشكل محدود جدًا. عندما بدأت عملية “طوفان الأقصى”، أعلنّا في ذلك الوقت، عبر السفير، ومن خلال قياداتنا العسكرية، وحتى عبر الوزراء الذين كانوا يزورون المنطقة، قائلين: “الآن جاء الوقت، ويمكن لسوريا أن تهاجم إسرائيل وتستعيد جزءًا من الأراضي التي احتلّتها إسرائيل الملعونة. نحن سندعم ذلك. حزب الله نشط، والفلسطينيون نشطون، والكيان الصهيوني في أقصى درجات الضعف، لكنّ بشار الأسد كان يقول لا، أنا في المقاومة سأكون فقط منصة دعم لكم. إذا كنتم تريدون أن تأتي طائراتكم وتُحضروا الأسلحة وتذهبوا وتقاتلوا، فهذا أمر لكم، ولكنني لن أدخل في حرب مع إسرائيل”.
كان لديه تعريف ناقص للمقاومة في نظامه السياسي والعسكري. كنّا مضطرين لتوضيح ذلك. كثير من السوريين بعد عمليّتَيْ “الوعد الصادق 1 و 2” كانوا يسألون لماذا أنتم الإيرانيون، من آلاف الكيلومترات بعيدًا، ترسلون صواريخ إلى إسرائيل بينما بلادنا، رغم أنّ لديها الكثير من الإمكانيّات، لا تطلق صواريخ بمسافة 200 كلم نحو إسرائيل؟ كان هناك تساؤلات من الشعب السوري. الشعب السوري شعب مقاوم ضد الاستكبار بشكل عجيب.
السيد بشار الأسد كان تعريفه للمقاومة تعريفًا ناقصًا وغير مكتمل ومن دون ابتكار. نفس الدور الذي لعبوه في حرب الـ33 يومًا عام 2006 (حرب تموز/ يوليو)، حيث أعلن نفس السياسة، وقال إنني سأقوم بنفس الدور في حرب الـ33 يومًا، بينما كانت جميع العلاقات الإقليمية قد تغيّرت تمامًا.
روسيا طليعة المخادعين
ثلاث جهات خدعته، وكان من بينها الروس. الروس كانوا أحد العوامل التي ساهمت في انهيار سوريا. بعد “طوفان الأقصى”، كان الروس يعملون بشكل كامل لصالح الكيان الصهيوني في هذا الملف، وكل ما حدث في منطقة الشام بعد “طوفان الأقصى” كان يخدم مصلحة الكيان الصهيوني. كلّما كان من المقرّر أن يضربوا مقرّاتنا الكبرى، على سبيل المثال عندما ضربوا مقرّ الاستخبارات الذي كان الشهيد الحاج صادق (العميد حجت الله أميدوار) في داخله، كان الروس يُطفئون جميع أنظمة الرادار ليتمكّن الإسرائيليون من ضرب مقر الشهيد صادق.
في ذلك الوقت، كنتُ أنا نفسي في جلسة مع الحاج صادق، ولكن كان الساعة نحو 10:10 صباحًا، وكان لدي ضيف ولم أتمكّن من الحضور في تلك الجلسة. وقع الانفجار على بعد 500 أو 600 متر من مقرّنا في منطقة المزة، وكان من المفترض أن يكون لدينا اجتماع مع الشهيد صادق، ولكن جاء الضيف وأجّلنا قليلًا، وعندما تأخّرنا فجأة انفجر الصوت، فذهبنا لرؤية ثمانية من قواتنا، منهم ثلاثة من أصدقائي المقرّبين، قد تم تمزيقهم إلى أشلاء.
نفس الخيانة من الروس كانت في موضوع استشهاد الشهيد سيد رضى، وكانت أكبر خيانة للروس في استشهاد قياداتنا، الشهيد زاهدي والشهيد رحيمي، حيث كان الروس يعملون بالضبط لصالح الكيان الإسرائيلي. هذا التيار كان دائمًا يحاول إخراج إيران من دائرة علاقتها بسوريا. عندما قدمنا خطة دفاعية للدفاع ضد هجمات “تحرير الشام” للسيد بشار الأسد، قدّم الروس أيضًا خطة.
الخطة التي قدمناها كانت تعتمد على القوات البرية والقوة البشرية، ولكنّ الخطة الروسية كانت تعتمد على الطائرات، وقالوا إننا من خلال العمليّات الجوية الاستباقية سنقضي على كامل إدلب وسنقضي على قدرة المسلّحين. الروس قدّموا لبشار الأسد تقديرًا خاطئًا، وبدلًا من أن يقبل بشار الأسد خططنا التي كانت مبنيّة على الدفاع البري، قبل خطط الروس.
قام الروس بثلاث عمليّات جوية. شنّوا ثلاث هجمات ثقيلة خلال نحو 20 يومًا، وقاموا بقصف مكثّفٍ جدًا. لكن أين ضربوا؟ اليوم، تحرير الشام تقول إنّ القوات الجوية الروسية قصفت أساسًا الصحارى والمنازل. الروس كانوا يقدّمون لنا تقارير خاطئة عن تدمير معظم قوات تحرير الشام، ولكن بعد ذلك كانت قوّاتنا الاستخباراتية تخبرنا إنّ هذه القوات (تحرير الشام) لم تتأثّر على الإطلاق. لكن لم يكن هناك أحد يهتم. الروس كان لهم دور حاسم.
أسماء الأسد ضد إيران
العامل الثاني كان السعودية والإمارات ومصر، تلك الجماعات التي كان آخر عمل لها هو إعادة بشار الأسد إلى الجامعة العربية. كانوا يعملون بشكل كبير ويشجّعون بشدة على أن تدخل دولة البعث السورية معهم في هذا العمل.
عندما جاء السيد الشهيد إبراهيم رئيسي إلى سوريا، قمنا بعقد اجتماع تنسيقي. وأعلنت وزارتهم وقالوا إن لدينا نظامًا دعائيًا سياسيًا، ومن المطار إلى القصر الجمهوري سنقوم بتعليق الأعلام، واطمئنّوا، كل شيء سيكون جاهزًا. في الساعة الثالثة أو الرابعة مساءً من نفس اليوم، قلت لأحد زملائي أن يذهب ليرى ماذا فعلوا. ذهب زميلي وألقى نظرة ثم عاد وقال إنه لا يوجد شيء (من الأعلام أو الدعاية). اتصلنا بمسؤول التشريفات في الحكومة السورية، وكان كل واحد يقول إنّ الوزير فعل ذلك، وآخر يقول لا أعرف. وفي النهاية، فهمنا أنه لم يكن هناك أي استقبال لائق للسيد إبراهيم رئيسي. فورًا شكّلت قوات الحرس الثوري الإيراني مركزًا تنسيقيًا. أصبحتُ مسؤولًا عن الدعم الثقافي والاتصالات، وبدأنا العمل خلال نحو خمس أو ستّ ساعات، يعني بدأنا العمل في الساعة السادسة مساءً، وحتى الساعة الثانية صباحًا كنا قد زيّنا كامل الطريق من المطار بالأعلام الخاصة بالبلدين، وأعددنا كل شيء. لقد غيّرنا المدينة، وقد وفقنا الله كثيرًا في هذا الأمر.
لكن بعد ذلك بفترة، وجدنا أنّ الحكومة السورية قد ملأت الطريق بين المطار وقصر الرئاسة بأعلام الإمارات. اعترضنا بشدّة وقالنا: من الذي سيصل؟ قالوا: وزير خارجية الإمارات يصل صباحًا ويعود ظهرًا. كانت حماسة الحكومة السورية لزيارة وزير الخارجية الإماراتي غريبة جدًا، وفي هذا الوضع، لماذا يجب أن تبقى الحكومة؟ في الواقع، في حزب البعث السوري، كان لدينا انقسام حقيقي خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
إنّ الوضع الذي كان يعيشه بشار الأسد والأزمة التي مرّ بها الحزب البعث السوري كانت تعكس عمق الأزمة الداخلية في سوريا. هذه الانقسامات لم تؤثّر فقط على الوضع الداخلي، بل أيضًا على علاقات سوريا مع الدول الأخرى، خصوصًا مع إيران والدول العربية.
أحد النقاط المهمة في هذه القصة هو الدور النشط الذي لعبته أسماء الأسد، زوجة بشار. محاولاتها لتقليص النفوذ الإيراني وتعزيز العلاقات مع الدول العربية، بما في ذلك الإمارات، كانت تعكس رغبتها في إعادة بناء علاقات سوريا مع الدول العربية والخروج من دائرة النفوذ الإيراني في المنطقة. في هذا السياق، وقع العديد من الأحداث المؤسفة للإيرانيين؛ مثل طرد 80 عائلة إيرانية من منازلهم والضغط عليهم، مما أدى إلى نوم البعض منهم في سياراتهم. هذا كان دليلًا على عمق التوتّرات والتحوّلات في السياسة الداخلية لسوريا.
ماذا قال الأسد للضباط الإيرانيين؟
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك التيّار الروسي الذي، كما تم الإشارة إليه، كان منسّقًا في بعض القضايا مع إسرائيل. لعب الروس دورًا سلبيًا للغاية في هذا السياق. الروس ليس فقط لم يقدّموا نصائح صحيحة لبشار الأسد، بل في بعض الأحيان كانت إجراءاتهم تُضعف الاستراتيجيات الدفاعية السورية.
علاوة على ذلك، عندما كان الإيرانيون يحاولون إشراك قوات الحشد الشعبي في عمليّات مختلفة، كان الروس يُصرّون على خططهم التي كانت تعتمد على القصف الجوي، في حين أنّ هذه الخطط لم تحقّق النتائج المرجوّة ولم تكن لصالح القوات المعارضة.
كل هذه الأحداث كانت تعكس الوضع المعقّد الذي كان يعيشه بشار الأسد وحكومته. المشاكل على مستوى القيادة والجيش جعلت حتى بعض القادة الكبار الذين التقوا ببشار يعبّرون عن قلقهم من التغييرات والضعف الذي كان يعتري قيادته. هذا الارتباك والضعف في اتخاذ القرارات كان يجعل بشار غير قادر على الاستفادة من الإمكانيّات المتاحة له، مثل قوات الحشد الشعبي.
في النهاية، كان بشار الأسد يواجه وضعًا سياسيًا وعسكريًا معقدًا جدًا يبدو أنه لم يكن قادرًا على معالجته. التغيّرات داخل الحزب البعث والضغوط الخارجية، خاصة من جانب الروس والدول العربية، جعلت السياسات الداخلية السورية تتأثّر بشكل كبير بتلك الأزمات، مما جعل الأسد غير قادر على التعامل معها بشكل فعّال.
الأسد كان يريد القيام بعمل مهم، لكنه لم يعد يمتلك الإرادة، ولا التنظيم، ولا حزب البعث كان معه، ولا جيش تحت تصرّفه، وهذا ما أوصله إلى هذا الحال. الأصدقاء والقادة العسكريون الذين التقوا ببشار الأسد خلال الأيام الثمانية التي تلت سقوط حلب، ومن بين هؤلاء القادة الكبار الذين جاؤوا إلى دمشق والتقوا بالأسد سرًا، سألتُهم: ما الأخبار؟ أخبرونا عن هذه اللقاءات. فكانوا يجيبون إنّ الأسد يبدو مصابًا بحالة من الذهول الكامل.
هؤلاء القادة قالوا إنهم أخبروا الأسد عن جهوزية قوات الحشد الشعبي العراقية واتخاذها تشكيلات دفاعية للهجوم على الخط الدفاعي للمسلّحين، لكنّ الأسد كان يقول لهم: “تواصلوا أنتم مع الروس بأنفسكم”. كنّا نعلم بأنّ قوات الحشد الشعبي تحتاج إلى دعم جوي، وإذا لم يكن هناك دعم جوي، فإنّ الطائرات الإسرائيلية والأميركية ستقوم بإبادة جميع هذه القوات، ولذلك كان لابد من وجود غطاء جوي. من ناحية أخرى، كما شرحت سابقًا، كان الروس لديهم دور محدّد وكانوا يقومون بأعمالهم وفقًا لذلك.
كان هؤلاء القادة يقولون: “لقد تحدثنا مع بشار لمدة نصف ساعة، وفي النهاية قال لنا: لا، أنا لا أتحدث مع الروس، عليكم أن تتّصلوا بالروس بأنفسكم”. كانت هذه هي حال بشار الأسد. لا أنسى عندما كان شبابنا في مدينة حماة قد اتخذوا وضعًا عسكريًا، لأننا قلنا إننا سنحمي حماة وحمص. طلبنا من الجيش الروسي أن يمدّنا بالأسلحة. الله شاهد، كنت هناك بنفسي. كان مسؤول الإمدادات لدينا في هذه المناطق يقول: “لدينا هذا العدد من القوات، دعوني لا أذكر العدد، جلبنا هذا العدد من الجنود”، والله شاهد، كنا نبحث عن 1000 بندقية كلاشينكوف من الجيش الروسي لكي نذهب ونحمي خط مصياف. كان الأمر مضحكًا حقًا. كنا نطلب فقط 1000 بندقية كلاشينكوف و30,000 رصاصة من أجل الحفاظ على خط دفاعي، فهل يمكن حقًا أن تكون 30,000 رصاصة كلاشينكوف كافية لحماية خط دفاعي؟ بعد متابعة مكثّفة، لم يعطونا تلك الذخيرة، وسقطت حمص في الحصار. وصلت طائرة إمدادات (إيرانية) عبرت من العراق إلى حدود سوريا، ولكن لم يسمحوا لها بالهبوط لإيصال الأسلحة لنا، ولذلك اضطرّت للعودة.
لدينا العديد من القضايا لنرويها، ولكن مهما كان الشكل الذي تفكر فيه، لم نبخل بأي شيء، وإيران لم تقصّر في شيء. لكن لم يكن من المفترض أن نقاتل بدلًا منهم. عندما لا يريد أي من أركان النظام القتال، لا الحزب يريد، لا الدولة، لا الشعب، لا الجيش ولا الأجهزة الأمنية، فما الذي كان بوسعنا فعله؟ لم يكن من المفترض أن نقاتل بدلًا منهم. عندما علمنا بأنه في ليلة سقوط حلب تم إعطاء إجازة لجميع أعضاء جهاز الأمن لمدة 50 يومًا، وطلبوا من الجميع الذهاب إلى منازلهم، فهذا يظهر إلى أي مدى كانت الأجهزة الأمنية والجيش مخترقين، وكانت الحالة على هذا النحو، وفي النهاية انهار النظام، وجمعنا قواتنا وعدنا إلى إيران.
من قتل أخر القادة الإيرانيين في سوريا؟
تم سؤالي عما إذا كان صحيحًا أن أحد العسكريين السوريين قد قتل الشهيد سردار كيومرث هاشمي في حلب؟
نعم، ولكن كان القاتلان شخصين. كان لدينا في المنطقة قبيلة تُدعى قبيلة البقارة، وكانوا من حلفائنا في سوريا، ولكن للأسف، بسبب حادثة معيّنة، تم سجن زعيم قبيلة البقارة أبو خالد حسين. وفي السجن، تواصل مع جماعة جولاني وقال لهم إنه مستعد للبيعة معهم. قبلوا ذلك، ولكن وضعوا شرطًا عليه، وهو أن يقتل أحد قادة الحرس الثوري. تم تكليف اثنين من ضباط الأمن، اللذين كانا في جهاز الأمن السوري وعضوين في قبيلة البقارة، بتنفيذ عمليّة الاغتيال.
وفي اجتماع اللجنة الأمنية الذي عقده الشهيد كيومرث هاشمي في صباح يوم تحرّكِ العدو نحو حلب، دخلا الاجتماع. لقد زوّروا ورقة مرور ومرّوا عبر نظام الحماية، وفتحوا الباب ودخلوا. في هذا الاجتماع، كان يوجد، إلى جانب الشهيد هاشمي، ضابطان روسيان وثلاثة من سوريا، واثنان من حزب الله. وكان من المقرّر أن يحضر الحاج سلمان (من زملائنا في الحرس الثوري) الاجتماع، لكنه وصل متأخّرًا. قال لي الأخ الحاج سلمان إنه عندما وصل، كان القاتلان المسؤولان عن الاغتيال قد أطلقوا النار على جميع الحاضرين. وصل الحاج سلمان بعد دقائق عدة. الضابطان الروسيان، وفقًا للبروتوكول العسكري، كانا يرتديان سترات واقية من الرصاص ولم يتأثّرا، لكن اثنين من أفراد حزب الله، أحدهما كان قائد حزب الله في المنطقة وكان من أصدقائنا، استشهدا، كما استشهد ثلاثة ضباط سوريين، وأصيب الحاج هاشمي بجروح خطيرة. تم نقل الشهيد هاشمي إلى مستشفى قريب من مكان الحادث، وكان الحاج سلمان يقول إنه استشهد بالقرب من المستشفى.
- إلى هنا ينتهي كلام إثباتي.
بدوره علّق مدير عام العلاقات العامة في رئاسة الجمهورية سابقًا محمد مهدي رحيمي على تصريحات إثباتي عن زيارة رئيسي إلى دمشق وكتب: “في زيارة الدكتور رئيسي إلى سوريا، تم الاتفاق في ثلاث جلسات مع المستشار الإعلامي للرئيس السوري كامل صقر على تركيب الصور على الجسور بين المطار والقصر، وتم تنفيذ ذلك. كما كان متوقّعًا استقبال جماهيري في الزينبية (السيدة زينب) حيث اصطف حشد كبير ومتحمس من مدخل المنطقة حتى مقام السيدة زينب، وهو ما تم نقله في تقرير يوسف سلامي، مراسل التلفزيون الإيراني”.
من جهة أخرى، كتب مراسل وكالة تسنيم للأنباء حسين باك في تعليق على تصريحات إثباتي عبر منصة “إكس”: “في الوقت الذي كنت فيه في خدمة السفارة الإيرانية في دمشق، كانت واحدة من أصعب المهام هي تنسيق زيارة الرئيس الشهيد إلى سوريا. في هذا السياق، كنت حاضرًا تقريبًا في جميع جلسات تنسيق الزيارة، وما يُروى هذه الأيام عن عدم اهتمام الحكومة السورية بالاستقبال غير صحيح. أشهد أمام الله أنّ الحكومة والشخص الرئيس السابق لسوريا بذلوا جهدًا أكبر بكثير مما هو معتاد في البروتوكولات، وتم عقد العديد من الجلسات بهذا الخصوص بمشاركة عالية من قبل المضيف. ما حدث في زيارة رئيسنا الشهيد إلى سوريا كان ضيافة نادرة؛ لقد حرصوا على الانتباه إلى جميع التفاصيل ورضا وفد التنسيق الإيراني، كما قاموا بأعمال دعاية في المدينة بما يتناسب مع ما يسمح به البروتوكول وأكثر. السوريون معروفون بكرم الضيافة في الاستقبالات الرسمية بين العرب؛ بشار الأسد في هذه الزيارة حاول أن يستقبلنا كأخ، ونحن جميعًا فوجئنا بحجم اهتمامه. كان وجوده في المطار لتوديع الشهيد أيضًا مثالًا للوفاء، حيث انتظر نحو ساعة ونصف في المطار حتى وصول الرئيس رئيسي. ملاحظة: الأخلاق الإسلامية تقتضي بأنه عندما يغادر الشخص السلطة يجب ألا ننسى الجميل. رغم أنّ الحكومة السورية أحيانًا كانت مقصّرة في التعاون معنا، إلا أنّ الأسد لم يتخلَّ عنّا أبدًا وكان حليفًا وفيًا”.