الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة24 يناير 2025 15:30
للمشاركة:

بعد المبعوثين الخاصين.. لماذا يتجه ترامب لتكليف مبعوث الشرق الأوسط بملف إيران؟

كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية الخميس عن رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باختبار السبل الدبلوماسية مع إيران لحلّ قضية ملفّها النووي قبل اللجوء إلى ممارسة المزيد من الضغوط في هذا الإطار، وهو ما عكسه وفق الصحيفة قرار ترامب بتكليف مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف بهذا الملف.

ومما يلفت الأنظار في هذا القرار هو عدم إيكال ترامب ملفّ إيران لشخصية ينحصر تركيزها عليه كما جرت العادة من قبل، بل إضافته إلى سلسلة من الاهتمامات الشرق الأوسطية التي يُعنى بها ويتكوف، مما قد يدلّ على درجة اهتمام أقلً يوليها ترامب لإيران مقارنةً بأسلافه، أو ربما أنّ الرئيس الأميركي الجديد على عجلة من أمره لبلوغ شيء ما في هذا المضمار والتخلّص من هذا العبء.

وكان من اللافت أيضًا استبعاد ترامب لمبعوثه الخاص السابق إلى إيران خلال ولايته الرئاسية الأولى برايان هوك، كما ألغى الرئيس الأميركي بنفسه قرار الحماية الأمنيّة لهوك ولوزير الخارجية السابق مايك بومبيو الذي تتّهمه إيران بالشراكة في قرار اغتيال لوائها الكبير قائد قوة القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني. وقد يُستشفُّ من قرار الإلغاء هذا اعتقاد ترامب بأنّ تهديد إيران لم يعد جدّيًا أو قد عفى عليه الزمن.

ونقلت “فايننشال تايمز” عن أشخاص مطلعين أنه من المتوقًع أن يقود ويتكوف – وهو مستثمر في مجال العقارات لعب دورًا محوريًا في التوصل لوقف إطلاق النار في غزة – الجهود المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني ضمن إطار أوسع لسياسة ترامب الرامية إلى وقف الصراع في المنطقة، على حد تعبير الصحيفة، وهو ما يتناغم مع تصريحات أطلقها ترامب مؤخّرًا عن رغبته بأن تكون ولايته الرئاسية الثانية عنوانها تعزيز السلام في العالم.

وإلى جانب ويتكوف ستكون مساعدته مورغان أورتاغوس كنائبة له، وهي متحدثة سابقة باسم الخارجية الأميركية خلال رئاسة ترامب الأولى، وتتمتّع بخبرة واسعة في الشرق الأوسط.

ولا يُعتبر ويتكوف شخصًا معروفًا لدى الدوائر الأميركية المهتمة بالشرق الأوسط، لكنّ مراقبين وضعوا تعيينه في خانة اهتمام ترامب بالولاء الشخصي لمساعديه، حيث أنّ الرجل يُعتبر من أكثر المقرّبين شخصيًا من ترامب، ومعروف بلعب الغولف مع الرئيس الأميركي في منتجعه جنوب فلوريدا.

وفي ما يتعلّق بمنصب المبعوث الرئاسي الخاص للشؤون الإيرانية، ظلّ هذا المكان شاغرًا في الإدارة الأميركية منذ منتصف 2023 تقريبًا وذلك بعد عزل روبرت مالي عن هذه المسؤولية نتيجة تحقيق فدرالي بدأ على خلفية اتهام بإساءة استخدام معلومات سرية متعلّقة بإيران.

وكان ترامب قد أطلق تصريحات عدة خلال السنوات الماضية يعبّر فيها عن مدى ثقته بقدرته على التوصل لاتفاق جديد مع إيران في غضون مدة زمنية قصيرة، كما تحدث الإعلام الغربي عن لقاء سري جمع المندوب الدائم لإيران في الأمم المتحدة أمير سعيد ايرواني برجل الأعمال الأميركي الشهير إيلون ماسك، وذلك بعد مدّة قصيرة من انتخاب ترامب رئيسًا وقبل تنصيبه. لكن إيران من جهتها نفت جملة وإطلاقًا حدوث مثل هكذا لقاء.

ولا شكّ أنّ نجاح ويتكوف بالدفع إلى وقف الحرب في غزة وإنجاز صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية شجّعت على ضمّ الملف الإيراني إلى نطاق مسؤولياته، علّ النجاحات تتوالى، مع أنّ الفرق يبقى واضحًا بين ملفٍّ ساخن كالحرب في غزة وما رافقها من ضغوط متنوّعة على الولايات المتحدة وإسرائيل، وبين إيران وقضايا الصراع معها التي تمتدّ زمنيًا على مدى عشرات السنين.

ولفتت “فايننشال تايمز” نقلًا عن مصادرها إلى أنّ الخطوط العريضة الكاملة لنهج ترامب تجاه طهران ومهمة ويتكوف لا تزال بحال تغيّر مستمر، وهو ما يدلّ على عدم استقرار النظرة للطريقة الأفضل للتعامل مع هذه القضية لدى الإدارة الأميركية الجديدة، حيث أنّ سياسة الضغوط القصوى لم تُجْدِ نفعًا سابقًا ولم تُجبر المسؤولين الإيرانيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، في حين أنّ ترامب لن يستطيع العودة إلى نفس الاتفاق الذي مزّقه سابقًا بعد أن نعته بمختلف النعوت السلبية، كل ذلك محكومٌ بالرغبة الأميركية – الإيرانية المتبادلة بعدم تطوّر الأمور إلى حرب تدمّر الشرق الأوسط وترفع أسعار النفط في العالم وتهدّد ممرّات مائية تجارية أساسية للعالم.

جانب من الصورة التي ترسمها “فايننشال تايمز” عكسه ترامب نفسه بعد ساعات من التقرير بتصريحه أن “حل المشكلات المتعلقة بإيران بدون إقدام إسرائيل على ضرب منشآت عسكرية إيرانية سيكون أمرًا جيدًا”. في الآن نفسه، كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن مسؤولين بإدارة ترامب أبلغوا مسؤولين إسرائيليين تطلع هذا الأخير للتريث بالتحرك العسكري ضد إيران. أما الشق المتعلق بمدى قناعة ترامب بفشل سياسة “الضغوط القصوى” فلا يوجد مؤشرات تدل عليه حتى الآن، كما أن المسؤولين الأميركيين حسب معلومات القناة 12 الإسرائيلية أبلغوا نظرائهم الإسرائيليين أن ترامب يؤيد زيادة الضغط على إيران في سياق تحقيق رغبته بالوصول لاتفاق صارم معها.

على المقلب الإيراني، يبدو أن الباب مفتوح هناك في حال صح الافتراض بأن الرئيس الأميركي لا يستطيع العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، حيث أفاد موقع “أكسيوس” الأميركي أن “الإيرانيين أوضحوا في محادثاتهم الأخيرة مع الترويكا الأوروبية أنهم يريدون استئناف المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد يختلف عن السابق”. وذكر الموقع في حديثه نقلًا عن دبلوماسيين أوربيين أن “الإيرانيين طلبوا من الأوروبيين نقل هذه الرسالة إلى واشنطن وأكدوا أنهم ينتظرون خطة أو اقتراحًا أميركيًا”. في المقابل، كان الرد الأوروبي أن “الأمر متروك لطهران كي تضع اقتراح على الطاولة يتضمن المزيد من التنازلات بشأن المسألة النووية”.

ما تقدم يوضح أن الطرفين غير معنيين بالتصعيد، كما أن صمت المدافع في المنطقة يساعد بصورة أساسية في تهيئة الأجواء لطاولة مفاوضات لا يتردد الطرفان في إبداء الرغبة كذلك في الجلوس إليها. لكن ما هو غامض حتى الآن الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لهذا المسار، لا سيما في ظل هدوء هش في منطقة الشرق الأوسط رسمت معالمه على خطوط نار لم تكن تلك التي تفضلها طهران قبل أشهر ليست ببعيدة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: