قائد الجيش رئيسًا للجمهورية.. لبنان إلى أين؟
على نار حامية جدًا ميدانيًا وسياسيًا، انتخب مجلس النواب اللبناني بأكثرية تفوق الثلثين من أعضائه قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، بعد سنتين من الفراغ الرئاسي إثر خروج الرئيس ميشال عون من القصر الجمهوري من دون الاتفاق على خليفة له.
وحتى الساعات القليلة الأخيرة، كان الجدل على وسائل الإعلام اللبنانية سيّد الموقف، والتساؤلات مستمرّة عما ستؤول إليه الأمور، لتثمر الجهود الطويلة أول رئيس من جنوب لبنان، فهو من بلدة *العيشية* في منطقة جزين.
الاستقرار في الجنوب، الذي ضربته الحرب لأكثر من سنة، سيشكل تحديًا أساسيًا لعون وهو يصعد إلى القصر الجمهوري في بعبدا. بداية من متابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي صاغه المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين، إلى التثبت من انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى الحدودية التي لا يزال يحتلّها وانتشار الجيش اللبناني فيها بأسرع وقت، مرورًا بإعادة الإعمار وطَوْيِ صفحة الحرب.
وكان واضحًا حجم الدعم الدولي والعربي الذي حظي به قائد الجيش اللبناني لحثّ نوّاب البرلمان على انتخابه، وقد سرّب الإعلام المحلّي بأنّ المسؤول عن الملف اللبناني في الخارجية السعودية الأمير يزيد بن فرحان ربط عودة بلاده إلى الحضور بقوة في لبنان بانتخاب عون، كما نُقل عن الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان أنه لا خيارات بديلة عن عون، حيث رفض مناقشة طرح أسماء أخرى.
من هنا يأتي تفاؤل كبير بعودة الدعم المالي للبنان خلال عهد عون، من خلال عودة الاستثمار العربي والدولي بشرط الشفافية في الإنفاق، بعد سنوات عجاف شهدت تدنَي العملية الوطنية إلى مستويات خيالية، إفلاس المصارف وضياع جزء كبير من أموال المودعين.
عُيِّن عون قائدًا للجيش عام 2017 بمسيرة عسكرية حافلة شهدت تعرّضه لإصابات عدة في معارك قاسية، وبدأ يلمع نجمه أكثر في العملية التي شارك فيها الجيش اللبناني في منطقة الجرود في سلسلة الجبال الشرقية في التاسع من آب/ أغسطس من العام نفسه.
وتمكّن عون من البقاء على مسافة واحدة في منصبه من جميع القوى السياسية تقريبًا، خاصة من خلال السلوك المتوازن الذي اتبعه بعد انطلاق التحرك الشعبي في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عندما أصدر أوامر واضحة بعدم التعرّض للمدنيين من جهة، والإصرار على فتح الطرقات من دون إراقة دماء أمام المواطنين من جهة أخرى.
لم يصطدم حزب الله بعون أبدًا، بل حافظ معه على التنسيق في الجنوب، وكان دور قائد الجيش أساسيًا بضمان الاتفاق الذي أنهى الحرب الواسعة التي شهدها اللبنانيون لأكثر من شهرين. كما عُرف بتواصله الدائم مع الولايات المتحدة لتأمين الدعم للجيش الذي عانى الأمرّين من الأزمة الاقتصادية الخانقة خلال السنوات السابقة.
يأتي جوزيف عون إلى الحكم في لبنان اليوم وأمامه مشهد مغاير للمشهد الذي كان أمام أسلافه. فللمرة الأولى سيدخل القصر الجمهوري رئيس في ظل التغيير في سورية وسقوط نظام آل الأسد، كما تغيب شخصيّتان أساسيًتان عن الساحة السياسية اللبنانية. الأول أمين عام حزب الله الراحل السيد حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في ايلول/ سبتمبر الماضي، والثاني رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.
ومع سلسلة التغيّرات والمستجدات التي ضربت النظام اللبناني بقوة منذ عام 2019، هل يكون عهد جوزيف عون استكمالًا لتغيير المشهد، أم تكريس للنظام الذي خطّه اتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية وعبّر اللبنانيون مرارًا عن سأمهم منه؟