“فورين أفيرز”: الثوار في دمشق.. تجربة إدلب لا تصلح لحكم سوريا
يحذّر الباحث المهتم بشؤون لبنان وسوريا سام هيلر من تحوَل سوريا إلى الفوضى بعد سقوط نظام بشار الأسد، مذكّرًا بأنّ حكم هيئة تحرير الشام لمحافظة إدلب خلال السنوات الماضية شهد الكثير من القمع حتى تمكّنت الهيئة من فرض سيطرتها هناك.
وفي مقال مطوّل في مجلَة “فورين أفيرز” الأميركية، يشير هيلر إلى أنّ الهيئة لا تمتلك سوى 30 ألف مقاتل، مؤكدًا في المقال الذي ترجمته “الجادة” أنّ حكم إدلب سيختلف كثيرًا عن حكم سوريا الأكثر تنوّعًا. كما يفند الباحث المسؤوليات المناطة بكل من السوريين والدول الداعمة حتى لا تصل الأمور إلى واقع تصبح فيه “دكتاتورية الأسد مبرّرة”.
حتى فرار بشار الأسد من سوريا، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الدول التي أعجبت بالأسد أو وافقت على الطريقة الوحشية التي حكم بها سوريا، بل كانت الدول خائفة مما قد يحلَ محله: حكم المسلّحين المتطرّفين، سفك الدماء الطائفية والفوضى التي يمكن أن تجتاح ليس فقط سوريا، بل جزءًا كبيرًا من الشرق الأوسط.
في هذه الرؤية المخيفة كانت هناك لحكومة الأسد حجتها أيضًا، بأنّ استمرار بقائها أدى إلى إبعاد الفوضى والمذابح – والعديد من الناس، بما في ذلك الأجانب وصنًاع القرار السياسي، كانوا مقتنعين بذلك.
في عام 2015، عندما اقترب مسلّحو المعارضة
من الإطاحة بالأسد، نظر المسؤولون الأميركيون إلى إمكانية تحقيق النصر التام للمتمرّدين وانهيار النظام على أنه “نجاح كارثي”.
الآن ذهب الأسد. السوريون يحتفلون في شوارع دمشق. الفصائل المعارضة تحاول تنظيم عملية انتقال سياسي، والعالم على وشك معرفة ماذا سيحدث بعد السقوط.
وظلّ الأسد قاسيًا ومتصلّبًا حتى النهاية، حتى أثناء رئاسته على دولة فقيرة ومختلّة بشكل متزايد.
هو يترك بلدًا محطمًا خلفه، وأي حكومة جديدة، ناهيك عن ائتلاف مسلّحين منقسمين إلى جماعات معارضة – ستكافح في هذه الظروف.
لكنّ السجلّ السوري سيئ في هذا المجال، كما أنّ الجماعات المتمرّدة، عندما تحكم مساحات كبيرة من الأراضي، تجعل من الصعب أن نكون متفائلين.
ومع ذلك، من مصلحة الجميع أن تنجح سوريا. السوريون لا يريدون أن يتحمّلوا المزيد من الصراع والدمار، والمجتمع الدولي لا يستطيع أن يرى سوريا تتفكّك.
ويتعيّن على البلدان المهتمة الآن أن تفعل كل ما في وسعها، بما في ذلك تشجيع الانتقال السلمي والشامل وتوفير المساعدات الإنسانية والاقتصادية الكافية، لضمان عدم حدوث أسوأ المخاوف بشأن سوريا ما بعد الأسد.
في عام 2011، حاولت حكومة الأسد سحق حركة احتجاجية على مستوى البلاد. وتحولت تلك الاحتجاجات إلى تمرّد مسلّح، واجهه الأسد بشراسة وتصعيد وعنف. وفي مراحل عدة من الحرب التي تلت ذلك، كان حكومة الأسد في خطر حقيقي بإسقاطها من قبل مسلّحي المعارضة.
تدخلات حلفاء سوريا، إيران وروسيا، أدت إلى إلى استقرار الوضع العسكري للحكومة ومكّنتها من استعادة الأرض.
بين عامي 2015 و2020، قصف الأسد الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء سوريا واستعاد معظم البلاد.
ثم دخلت الحرب في طريق مسدود طويل. حصلت تركيا على العديد من القوات المتبقّية في الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سوريا، في حين دعمت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية التي سيطرت على شرق سوريا، وهي المنطقة التي تُعتبر المصدر الزراعي والنفطي الأكبر في البلاد.
ومع التأثير الجزئي للعقوبات الأميركية الجديدة والانهيار الاقتصادي للبنان المجاور، دخلت سوريا – في ظل سيطرة الحكومة في دمشق على معظم المناطق فيها – في أزمة اقتصادية عميقة.
ضَعُفت مؤسسات الدولة والجيش تدريجيًا، وأثبتت الحكومة افتقارها إلى الموارد بدرجة تمنعها من تحقيق الاستقرار وإعادة بناء المناطق التي استعادتها من المعارضة.
لكن هذا العام، مع تورّط إيران وروسيا في صراعات أخرى، ما تبقى من المعارضة السورية المسلّحة انتهز الفرصة.
هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة الأخرى، كانت تنظّم نفسها منذ سنوات في معقل محميٍّ من قبل تركيا في سوريا هو محافظة إدلب شمال غرب البلاد.
في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، شنّت هذه المجموعات حملة واسعة النطاق على مدينة حلب الشمالية. عندما كسروا دفاعات الجيش السوري وسيطروا على المدينة، أطلقوا الانهيار المتتالي للجيش الحكومي.
وتقدّمت القوات التي تقودها هيئة تحرير الشام جنوبًا من حلب باتجاه العاصمة، حيث انتفضت مناطق عدة وسط وجنوب البلاد كانت تسيطر عليها المعارضة سابقًا.
في 8 كانون الثاني/ ديسمبر، اقتربت فصائل المعارضة من دمشق من الشمال والجنوب، وانتقل الأسد إلى روسيا.
والآن، في دمشق ما بعد الأسد، تولّت هيئة تحرير الشام زمام الأمور في محاولة إدارة عملية انتقال سياسي منظم.
عيّنت هيئة تحرير الشام حكومة الإنقاذ السورية المؤقتة التي كانت قد أنشأتها في إدلب كسلطة وطنية انتقالية.
وقد نشرت أيضًا قوات الأمن في العاصمة، وأقامت نقاط تفتيش على نقاط النقل الرئيسية في جميع أنحاء البلاد، وحذّرت مرارًا مقاتلي المعارضة المنتصرة من إساءة معاملة المدنيين والنهب.
الثوار في السلطة
من الواضح أنّ العديد من وسائل الإعلام والدوائر السياسية الغربية يفترضون الآن أنّ هيئة تحرير الشام ستحكم سوريا. ومع ذلك، هناك أسباب للشك بأنّ الأمور ستكون بهذه البساطة. فحتى أسابيع قليلة مضت، كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على ثلثي محافظة تقع على أطراف الريف السوري. وسوف يشكل حكم سوريا بأكملها تحديًا مختلفًا.
هيئة تحرير الشام هي أحدث تجسيد لجبهة النصرة، التي كانت في الأصل الطليعة السورية لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق ثم فرع القاعدة في سوريا. وقد قطعت المجموعة علاقاتها علنًا بتنظيم القاعدة والجهادية العابرة للحدود الوطنية في عام 2016، على الرغم من أنها لا تزال تضم بعض المقاتلين المخضرمين والمقاتلين الأجانب في صفوفها. وقد تم تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والولايات المتحدة وحكومات وطنية أخرى.
في السنوات الأخيرة، عملت هيئة تحرير الشام بإصرار على إعادة تأهيل صورتها وتأمين إزالتها من قوائم الإرهاب الدولية. وبينما كانت قوّات المعارضة تتقدّم نحو دمشق، حاولت هيئة تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني إظهار صورة تتّسم بالجدية والاعتدال.
وأصدرت الهيئة بيانات طمأنت فيها المكوّنات العرقية والطائفية المتنوّعة في سوريا والجهات المعنية الدولية المختلفة، في حين أجرى الجولاني مقابلات مع وسائل الإعلام الغربية أكد فيها على تاريخ سوريا في التعايش والالتزام بالحكم المؤسساتي.
ومع تقدم هيئة تحرير الشام نحو دمشق، يبدو أنّ مقاتليها ظلّوا منضبطين نسبيًا.
كانت التقارير عن عمليّات الإعدام بإجراءات سريعة والانتقام الطائفي محدودة، وربما يرجع ذلك جزئيًا إلى الطريقة التي تنازل بها جزء كبير من الجيش السوري عن الأراضي من دون قتال. ومن المؤكد أنّ البعض أطلقوا حملة انتقامية ضد أعدائهم السابقين أو ضد المجتمعات المرتبطة على نطاق واسع بالنظام القديم.
المجتمع الدولي لا يستطيع رؤية سوريا تتفكّك
لكن من المؤسف أن سجِلَّ هيئة تحرير الشام على المستوى المحلي لا يبشّرُ بالخير لبناء حكومة وطنية تستوعب التنوّع الديني والعرقي والسياسي في سوريا.
وفي حكمها لإدلب، لم تُظهر الهيئة أي التزام حقيقي بالتعددية السياسية. وقد أقدمت أنذاك على بعض الخطوات لتوفير المشروعية لحكومة الإنقاذ في إدلب، بما في ذلك مؤتمر دستوري شامل ظاهريًا. ومع ذلك، لم تكن هذه العمليّة ديمقراطية مفتوحة وتشاركية أبدًا.
وكان الجولاني دائمًا في السلطة، على الرغم من أنه لم يكن يشغل منصبًا حكوميًا رسميًا؛ بل كان يُنظر إليه على أنه رئيس إدلب. وقبل أشهر فقط، قمعت أجهزة الأمن التابعة لهيئة تحرير الشام بعنف الاحتجاجات في إدلب التي طالبت بالإفراج عن المعتقلين الذين تحتجزهم الهيئة وإنهاء حكم الجولاني.
لقد نجحت هيئة تحرير الشام بإرساء النظام والاستقرار النسبي في إدلب. ومع ذلك، يبدو من غير المرجح أن تتمكّن هيئة تحرير الشام من إعادة إنتاج سيطرتها على إدلب في جميع أنحاء سوريا. لقد كان توطيد سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب عملية طويلة الأمد، وكثيرًا ما كانت عنيفة، حيث سحقت فصائل المعارضة المنافسة وقضت على المنشقّين عن صفوفها.
ويبدو من المعقول أن تكون هيئة تحرير الشام قد وسّعت أجهزتها الإدارية والأمنية من إدلب إلى حلب القريبة بعد استيلائها على المدينة. ومع ذلك، يبدو توسيع نطاق هذا النموذج لتغطية سوريا بأكملها مستحيلًا، فسوريا أكبر بكثير من الناحية الجغرافية، ويبلغ عدد سكانها نحو عشرة أضعاف عدد سكان إدلب، وهي أكثر تنوّعًا، وتعجّ بالرجال المسلّحين خارج السيطرة الفعلية لهيئة تحرير الشام.
وعلى الرغم من أنّ الهيئة ربما عززت ثقافة قوية من الانضباط الداخلي، فإنّ هذه الجماعة، وفقًا لإحدى الإحصاءات الأخيرة، لا تضم سوى 30 ألف رجل، ويبدو أنها غير قادرة على حكم سوريا، أو السيطرة على المسلّحين الكثيرين في المجموعات التي تسبح ضمن هيئة تحرير الشام.
إنّ هيئة تحرير الشام لا تمثّل مجموع المعارضة المسلّحة في سوريا، بل إنها لم تمثل حتى المعارضة المسلّحة في إدلب بأكملها، حيث حشدت الهيئة فصائل متحالفة تعمل كقوّات مساعدة لها، وهي لا تستطيع السيطرة على كل الجماعات المسلّحة النشطة الآن في مختلف أنحاء البلاد.
وعندما استولت جماعات المعارضة السورية في السابق على أجزاء أخرى من البلاد ــ بما في ذلك جنوب سوريا، والريف المحيط بدمشق، وأجزاء من شمال سوريا استولت عليها جماعات مدعومة من تركيا ــ كانت النتيجة عادة حكم ميليشيات تعسّفي واقتتال بين الأشقّاء. وفشلت محاولات توحيد الفصائل المحلية وبناء مؤسسات موحّدة مرارًا وتكرارًا.
ولم تنجح هيئة تحرير الشام في إدلب إلا بعد الكثير من الوقت والمثابرة والإكراه المميت. والآن يتطلع كثيرون إلى تركيا لاستخدام نفوذها على هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المعارضة للمساعدة بتوجيه عملية الانتقال في سوريا. ولكن على الرغم من أنّ تركيا تتمتّع ببعض النفوذ على الهيئة، إلا أنها لا يبدو أنها تسيطر على الجماعة، التي أزعجت الحكومة التركية في السابق على سبيل المثال بالاستيلاء على الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا في حلب.
ومن بين الفصائل المعارضة في شمال سوريا التي تملكها تركيا بالكامل – الموجودة على كشوف رواتب تركيا وتعمل في المناطق التي تحتلّها تركيا وتديرها مؤسسات مرتبطة بها – لم تُظهر أنقرة أي قدرة على فرض الانضباط أو الحد من الانتهاكات.
لقد أطلقت تركيا للتو هذه الفصائل على قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد، والتي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة مسلّحة كردية محظورة.
وحتى بعد سقوط الأسد، استمرّت الفصائل المدعومة من تركيا بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا.
هناك أسباب للشك في صدق التحوّل المعتدل لهيئة تحرير الشام، ولكنّ الخطر الأكثر إلحاحًا الذي يهدّد سوريا ليس التطرّف الإسلامي، بل الفوضى التي قد يطلقها انتصار المعارضة. وهناك خطر حقيقي يتمثّل بأن يخرج الوضع في سوريا ما بعد الأسد عن السيطرة وأن تنحدر البلاد ليس فقط إلى صراع مفتوح بين الجماعات المسلّحة، ولكن أيضًا إلى عدد لا يُحصى من الأعمال الفردية الانتقامية وتصفية الحسابات الدموية.
تم إعداده للفشل
أيًا كان النظام الذي سيحلّ محل الأسد، فإنّ هذه الحكومة الجديدة لن تواجه ظروفًا مواتية للاستقرار والتعافي. ويبدو أنّ الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الساحقة التي تعيشها سوريا بالفعل من المرجّح أن تتعمّق أكثر. ووفقًا للأمم المتحدة، فإنّ 16.7 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في عام 2024، وهو ما يزيد عن 70% من سكان البلاد، وهو أعلى رقم منذ بداية الحرب في سوريا. ويُعتقد بأنّ نحو 12.9 مليون سوري يعيشون حياتهم اليومية ويحصلون على الخدمات العامة مثل التعليم والمياه. وتتمتّع هيئة تحرير الشام بموارد محدودة خاصة بها. وكانت المجموعة قادرة على الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في إدلب بفضل المساعدات الإنسانية المدعومة دوليًا والتي تم تسليمها عبر تركيا.
وتظلّ هيئة تحرير الشام منظّمة إرهابية مصنّفة – وقد تتولى الآن السلطة في سوريا المدمّرة اقتصاديًا والتي كانت بالفعل خاضعة لعقوبات واسعة النطاق. وليس من الواضح كيف ستعمل أجهزة الدولة السورية والاقتصاد الخاضع لأنظمة عقوبات متداخلة عديدة، أو ما إذا كان الدعم الضروري من المانحين سيتحقّق.
وليس من المتوقّع من حلفاء الأسد القدامى أن يتركوا سوريا تعوم بفردها؛ فقد أوقفت إيران بالفعل شحنات النفط التي كانت ضرورية لتوليد الطاقة. وأفادت وكالات الإغاثة الإنسانية بوجود نقص في السلع الأساسية وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد.
ورأى بعض المراقبين أنّ سقوط حكومة الأسد قد يمهّد الطريق لعودة اللاجئين السوريين، ولكن النتيجة قد تكون عكس ذلك: تدفقات جديدة من الهجرة إلى خارج سوريا. وكان من قبيل التبسيط المفرط دائمًا أن نزعم إنّ اللاجئين الذين غادروا سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011 كانوا جميعًا يعانون من اضطهاد حكومة الأسد؛ وكان العديد منهم كذلك، ولكن كثيرين آخرين كانوا يحاولون الهروب من انعدام الأمن العام والعنف، والتجنيد العسكري السوري، أو الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. ولكي يتمكن اللاجئون من العودة بطريقة مجدية ومستدامة، يتعيّن على سوريا أن تكون مكانًا يمكن للناس أن يعيشوا فيه بالفعل ــ مكان آمن، مع خدمات عامة ووظائف موثوقة.
حتى اللاجئون السوريون الذين غمرتهم فرحة سقوط الأسد لن يتمكّنوا من العودة إلى ديارهم إذا انهار القانون والنظام، أو إذا لم يتمكّنوا من إيجاد سبل لدعم أسرهم.
وقد يشجع الحرمان الاقتصادي على المزيد من المنافسة العنيفة بين الجماعات المسلّحة السورية على الأراضي والإيرادات. بعد أكثر من عقد من الحرب، طوّرت هذه الجماعات مصالحها واحتياجاتها المستقلّة.
ولن تختفي الأسواق السوداء لاقتصاد الحرب في سوريا الآن بعد رحيل الأسد. على سبيل المثال، كانت الجهات المرتبطة بالأسد – بما في ذلك الجماعات التي عارضته ذات يوم – تجني مئات الملايين من الدولارات من تهريب المواد غير المشروعة. وقد تؤدي السيطرة على هذه التجارة الآن إلى تأجيج العنف بين الفصائل المتنافسة.
لقد حافظت تركيا على توجه صارم في الموقف بشأن قوات سوريا الديمقراطية، أو”الإرهابيين الانفصاليين” في سوريا، وشجعت الهجمات المستمرة من قبل وكلائها المحليين على القوات التي يقودها الكرد، كما قصفت إسرائيل ودمرت منشآت عسكرية سورية في جميع أنحاء البلاد واستولت على أراضٍ إضافية على طول مرتفعات الجولان.
ومن المرجح أن تشعر بعض الدول في المنطقة، بما في ذلك مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، بالقلق إزاء احتمال تولّي جماعة إسلامية متشدّدة السلطة في دمشق.
وهناك خطر حقيقي الآن يتمثّل بأنّ الدول الإقليمية قد تجنّد فصائل محلية لتأمين حصصها في سوريا، ربما من خلال الاستيلاء على الأراضي على طول الحدود السورية. ومن غير المرجح أن تكون كل هذه الظروف مواتية لانتقال سياسي ناجح.
تجنّب الكارثة
لن نفتقد الأسد. ففي عهد الأسد ووالده حافظ، ارتكبت الحكومة السورية أفعالًا شنيعة للحفاظ على السلطة، فعاملت الشعب السوري بوحشية وبؤس. ويتجلّى ارتياح معظم السوريين لرحيل الأسد بوضوح من الاحتفالات التي ملأت شوارع دمشق وغيرها من المدن ومن تدفّق المشاعر عند افتتاح شبكة السجون الحكومية وتحرير المعتقلين.
والآن يتعيّن على جميع الأطراف أن تضمن عدم تحقق أشد التوقّعات قتامة بشأن سقوط الأسد، وأنّ ما سيحل محل الأسد ليس مجرَد فوضى وعنف. ولا شك أنّ السوريين أنفسهم سيلعبون الدور القيادي في تقرير مستقبل البلاد. ومع ذلك، يمكن للدول الخارجية أن تساعد أيضًا من خلال تشجيع هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات السورية على متابعة انتقال سياسي سلمي وشامل إلى أقصى حد.
وبالتوازي مع ذلك، ينبغي للدول المانحة أن تعمل على تقديم برنامج كبير من المساعدات الإنسانية والاقتصادية لسوريا، بما في ذلك المساعدات للسوريين الضعفاء ودعم الخدمات الأساسية على مستوى البلاد. وينبغي لها توفير الإغاثة الفورية من العقوبات المفروضة على حكومة الأسد السابقة، بما في ذلك الإعفاءات أو التراخيص التي تحيد العقوبات المفروضة على مؤسسات الدولة، مثل البنك المركزي السوري، وعلى القطاعات الاقتصادية بأكملها. وينبغي للجهات الخارجية أن تعمل بقوة على وقف أي صراع فصائلي جديد ومقاومة إغراء تعزيز مصالحها الخاصة من خلال دعم مجموعة على أخرى.
إنّ تفكّك سوريا سيكون الأسوأ بالنسبة للسوريين وللمنطقة. وإذا غرقت سوريا في الفوضى، فلن يكون ذلك مجرّد كارثة إنسانية ــ بل سيعني أنّ قضية دكتاتورية الأسد أصبحت مبرّرة.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الجادة وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا