عبر “فورين أفريز”.. ظريف لترامب: مستعدون لحوار يعود بالنفع على طهران وواشنطن
حمَل نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف الولايات المتحدة وأوروبا مسؤولية زيادة أعداد أجهزة الطرد المركزي في إيران، مذكَرًا في مقال بمجلة "فورين أفريز" الأميركية بأنه لولا انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي لما عاد تخصيب اليورانيوم في إيران ليرتفع. وأشار ظريف بين سطور المقال الذي ترجمته "الجادة" إلى أن حكومة الرئيس بزشكيان الحالية تتبنَى سياسة ومرنة وتتطلّع لتعزيز التعاون والازدهار مع دول الجوار، داعيًا الغرب للاقتناع بأنَ إيران لن تخضع للضغوط والعودة إلى الاتفاق النووي.
في 9 مرداد 1403 (30 تموز/ يوليو 2024)، أدى مسعود بزشکیان اليمين كرئيس جديد لإيران. بعد ساعات قليلة من هذا الحفل، تم اغتيال رئيس الوزراء السابق للسلطة الفلسطينية ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية من قبل إسرائيل في دار ضيافة قريب من مقر الرئاسة الإيرانية.
كان هنية قد دُعي لحضور مراسم التنصيب، وأدى مقتله على الأراضي الإيرانية إلى إلقاء ظلاله على هذا الحدث، كما سلّط هذا الأمر الضوء على التحديات التي سيواجهها بزشکیان في دفع أجندة السياسة الخارجية الخاصة به.
ومع ذلك، فإنّ بزشکیان لديه القدرة على مواجهة الصعوبات التي تنتظره في السنوات المقبلة، فهو يدرك أنّ العالم يمرّ بمرحلة انتقالية نحو عصر ما بعد القطب الواحد، حيث يمكن للفاعلين العالميين أن يتعاونوا ويتنافسوا في الوقت نفسه في مجالات مختلفة.
تبنّى بزشكيان سیاسة خارجية مرنة، يعطي فيها الأولوية للحوار البنّاء والعلاقات الدبلوماسية، مبتعدًا عن الأنماط التقليدية. رؤيته لأمن إيران شاملة، تشمل القدرات الدفاعية التقليدية وتعزيز الأمن البشري من خلال تحسين القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. بزشکیان مهتم أيضًا بالاستقرار والتنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، ويطمح إلى التعاون مع الدول العربية المجاورة وتعزيز العلاقات مع حلفاء إيران.
في الوقت ذاته، يُظهر الرئيس الإيراني رغبة في التفاعل البناء مع الغرب. حكومته مستعدّة لإدارة التوتّرات مع الولايات المتحدة، التي انتخبت مؤخرًا رئيسًا جديدًا أيضًا، كما أنّ بزشكيان مستعدٌّ للدخول في مفاوضات من موقع متساوٍ بشأن الاتفاق النووي، وربما بشأن قضايا أخرى إضافية. ومع ذلك، وكما أوضح بزشكيان، فإنّ إيران لن تستسلم للمطالب غير المعقولة. لطالما وقف هذا البلد في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، ولن يغضَّ الطرف عن الحفاظ على مصالحه الوطنية.
السياسة المحلية
هذه لحظة تاريخية لتحقيق الاستقرار يجب أن لا يغفلها العالم، وبالتأكيد، لن تغفلها طهران، فبعد أكثر من قرنين من الزمن اتسما بالهشاشة، أثبتت إيران — تحت قيادة القائد الأعلى — أخيرًا قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان خارجي. وللارتقاء بهذا الإنجاز إلى مستوى أعلى، تسعى إيران في ظلّ حكومتها الجديدة إلى تحسين علاقاتها مع الدول المجاورة، بهدف المساهمة في إنشاء نظام إقليمي يوفر الاستقرار، الازدهار والأمن. منطقتنا عانت طويلًا من التدخّلات الخارجية، الحروب، النزاعات الدينية، الإرهاب، تهريب المخدرات، نقص المياه، أزمة اللاجئين وتدمير البيئة. لمواجهة هذه التحديات، سنسعى نحو الاندماج الاقتصادي، أمن الطاقة، حرية الملاحة، حماية البيئة وتعزيز الحوار بين الأديان.
في النهاية، يمكن لهذه الجهود أن تؤدي إلى اتفاق إقليمي جديد يقلّل من اعتماد منطقة “الخليج الفارسي” على القوى الخارجية ويشجّع الأطراف المعنيّة على حل النزاعات باستخدام آليّات تسوية النزاعات. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن لدول المنطقة أن تسعى إلى توقيع معاهدات، إنشاء مؤسسات، اعتماد سياسات وتمرير قوانين ملائمة.
يمكن لإيران وجيرانها أن يبدأوا من خلال استلهام عملية هلسنكي، التي أسفرت عن تأسيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كما يمكنهم الاستفادة من التفويض الذي منحه مجلس الأمن للأمين العام للأمم المتحدة في القرار رقم 598 الصادر عام 1987، والذي أنهى الحرب بين إيران والعراق. وقد دعا القرار الأمين العام للتشاور مع إيران، العراق ودول المنطقة الأخرى، لدراسة الإجراءات اللازمة لتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة “الخليج الفارسي”. ترى حكومة بزشکیان أنّ هذا البند يمكن أن يكون أساسًا قانونيًا لمفاوضات إقليمية شاملة.
بالطبع، هناك عقبات يجب على إيران وجيرانها تجاوزها من أجل التطلع لنظام إقليمي متناغم وسلمي. بعض النزاعات مع الجيران لها جذور عميقة، متأثّرةً بتفسيرات تاريخية مختلفة. هناك أيضًا نزاعات أخرى ناجمة عن تصورات خاطئة، تنبع غالبًا من ضعف أو نقص في التواصل. بالإضافة إلى ذلك، هناك تصوّرات سياسية نشأت عن تدخل قوى أجنبية، مثل الادعاءات المتعلّقة بطبيعة وأهداف البرنامج النووي الإيراني.
ومع ذلك، يجب أن تتقدّم منطقة “الخليج الفارسي. تتماشى رؤية إيران مع مصالح الدول العربية أيضًا، حيث يسعى الجميع إلى منطقة أكثر استقرارًا وازدهارًا للأجيال القادمة.
لذلك، يجب أن تتمكَن إيران والعالم العربي من التعاون من خلال حلّ خلافاتهما. يمكن أن يساهم دعم إيران للمقاومة الفلسطينية في تمهيد الطريق لمثل هذا التعاون. في نهاية المطاف، يتّحد العالم العربي مع إيران في دعم استعادة حقوق الشعب الفلسطيني.
بداية جديدة
بعد أكثر من 20 عامًا من القيود الاقتصادية، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن يقبلوا بأن إيران لن تستسلم للضغوط. فإجراءاتهم المتزايدة قد أضرت بهم دائمًا. في ذروة آخر حملة ضغوط أمريكية—فقط بعد أيام قليلة من اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زاده—صادق البرلمان الإيراني على قانون يوجه الحكومة لتعجيل برنامجها النووي وتقليص الرقابة الدولية. وازدادت عدد أجهزة الطرد المركزي في إيران بشكل كبير منذ عام 1397 (2018)، عندما انسحب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، وارتفع مستوى التخصيب من 3.5٪ إلى أكثر من 60٪. من الصعب تخيل أن أيًا من هذه الأمور كان سيحدث لو لم يتخل الغرب عن نهج التعاون. في هذا السياق، يجب على ترامب، الذي سيعود إلى الرئاسة في يناير، وشركاء واشنطن في أوروبا، أن يعترفوا بأنهم وحدهم المسؤولون عن التقدم المستمر في البرنامج النووي الإيراني.
بدلًا من زيادة الضغط على إيران، يجب على الغرب البحث عن حلول إيجابية ومربحة. إنَ الاتفاق النووي هو مثال فريد، ويجب على الغرب السعي لإحيائه. ولكن للقيام بذلك، يجب اتخاذ خطوات محددة وعملية، تشمل إجراءات سياسية وقانونية واستثمارات مشتركة مربحة، لضمان أنّ إيران، كما وعدت، يمكن أن تستفيد اقتصاديًا من هذا الاتفاق. إذا قرّر ترامب اتخاذ هذه الخطوات، فإنّ إيران مستعدّة للحوار بما يعود بالنفع على طهران وواشنطن.
على نطاق أوسع، يجب على صانعي السياسة الغربيين أن يقبلوا بأنّ الاستراتيجيات التي تهدف إلى التصادم بين إيران والدول العربية من خلال دعم مبادرات مثل ما يسمى “اتفاقات إبراهيم” (التي طبّعت العلاقات بين دول عربية وإسرائيل) قد فشلت في الماضي ولن تنجح في المستقبل. يحتاج الغرب إلى نهج بنّاء أكثر — نهج يحترم الثقة التي اكتسبتها إيران، ويعترف بها كجزء لا يتجزّأ من استقرار المنطقة، ويبحث عن حلول مشتركة للتحديات المشتركة. يمكن لمثل هذه التحديات المشتركة أن تحفز طهران وواشنطن على إدارة النزاعات بدلًا من تصعيدها. جميع الدول، بما في ذلك إيران والولايات المتحدة، لديها مصالح مشتركة في معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار في المنطقة.
بعبارة أخرى، يتحمّل جميع الدول في النهاية مسؤولية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. يجب أن يدركوا أنّ المقاومة ستستمر ما دام الاحتلال مستمرًا. قد يعتقد الاحتلال الإسرائيلي بأنه يمكنه الانتصار على الفلسطينيين بشكل دائم، لكنه لن يستطيع؛ فالشعوب التي ليس لديها ما تخسره لا يمكن هزيمتها. حركات مثل حزب الله و”حماس” هي حركات تَحرُّرٍ نشأت ردًا على الاحتلال، وستستمر في أداء دورها المهم طالما استمرّت الظروف الحالية — أي طالما لم يتم الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. بصورة مرحلية يمكن القيام ببعض الخطوات بما في ذلك وقف إطلاق النار الفوري في لبنان وغزة.
يمكن لإيران أن تستمر في دورها البنّاء لإنهاء الوضع الكارثي الحالي في غزة، والتعاون مع المجتمع الدولي للوصول إلى حل مستدام وديمقراطي لهذا النزاع. تقبل إيران أي حل يقبله الفلسطينيون، لكنّ حكومتنا تؤمن بأن أفضل حل للخروج من هذه الأزمة الممتدة منذ مئة عام هو إجراء استفتاء يُمكّن جميع من يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط — من مسلمين ومسيحيين ويهود — والمُهَجَّرين الفلسطينيين في القرن العشرين (مع أجيالهم اللاحقة) من تحديد نظام حكومي معقول. هذا الأمر يتماشى مع القوانين الدولية ويستند إلى نجاح تجربة جنوب أفريقيا، حيث تحوّل نظام الفصل العنصري إلى حكومة ديمقراطية ناجحة.
يمكن للتفاعل البنّاء مع إيران والالتزام بالدبلوماسية متعدّدة الأطراف أن يساعد في خلق إطار للأمن والاستقرار العالمي في “الخليج الفارسي”. يمكن أن يساهم ذلك في تقليل التوتّرات وتوفير الرفاهية والتنمية المستدامة على المدى الطويل. إنّ هذا التغيير ضروري لتجاوز الصراعات العميقة الجذور. على الرغم من أنّ إيران اليوم واثقة من قدرتها على الدفاع عن نفسها، إلا أنها تسعى للسلام ومصمّمة على بناء مستقبل أفضل. يمكن لإيران أن تكون شريكًا قويًا وجاهزًا، بشرط أن تقوم شراكاتها على أساس الاحترام.