الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة13 نوفمبر 2024 10:10
للمشاركة:

“فورين أفيرز”: عمليّات القتل المستهدِف لن تدمّر حزب الله

في تقرير موسّع يرى الكاتبان سارة باركنسون وجوناه شولهوفروول أنّ عمليّات القتل المستهدف لن تؤدّي إلى تدمير حرب الله كما لم تؤدِّ إلى القضاء على منظّمات مسلّحة أخرى على مر التاريخ.

ويضيف الكاتبان أنه في حال حصول إضعاف لأي منظمة عبر الاغتيالات، فإنّ ذلك سيؤدي إلى صعود منظّمات أخرى تملأ الفراغ، مما يؤدي إلى زيادة وتيرة العنف واستمراره.

  • في ما يلي ترجمة كاملة للتقرير على موقع مجلّة “فورين أفيرز”:

في 27 أيلول/ سبتمبر، اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بإسقاط ما بين 60 إلى 80 قنبلة خارقة للتحصينات على حي مكتظٍّ بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأسفرت الغارة عن مقتل عدد من قادة حزب الله الآخرين، وجنرال في الحرس الثوري الإسلامي، وما لا يقل عن 33 مدنيًا، وأصيب 195 آخرون.

يمثّل هذا الهجوم وغيره من الهجمات التي تلته، والغزو البري الإسرائيلي للبنان، تصعيدًا مستمرًّا منذ عام ضد قيادة حزب الله. وفي هذا الإطار الزمني، قتل الجيش الإسرائيلي مئات المسلّحين وآلاف المدنيين. ومن بين هؤلاء ما لا يقل عن عشرين من القادة العسكريين والمسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك خليفة نصر الله المتوقع، هاشم صفي الدين. وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنّ الحملة كانت ناجحة. وقال: “لقد قضينا على آلاف الإرهابيين، بمن فيهم نصر الله نفسه، وبديل نصر الله، وبديل بديله”.

ووفقًا لمنطقه – ومنطق المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين الآخرين – فإنّ هذه الاغتيالات ستساعد في تدمير حزب الله بشكل دائم، لكنّ الحقيقة هي أنه من غير المرجح أن ينجحوا في ذلك. حزب الله منظمة عمرها 40 عامًا تتمتّع بقاعدة اجتماعية كبيرة، وحزب سياسي مُمَثَّلٌ في البرلمان والحكومة اللبنانيين، وتدعمه الدولة الإيرانية. إنها منظمة قابلةٌ للتكيّف ومرنة، وقد تنجح إسرائيل بتفتيت الجماعة مؤقّتًا، لكن من المرجح أن يعيد حزب الله توحيد صفوفه. ومن المرجح أن ينتقم القادة الجدد في الحزب من إسرائيل لإثبات مؤهّلاتهم وإظهار أهمية المنظمة.

وحتى لو أدّت حملة الاغتيالات الإسرائيلية إلى إضعاف حزب الله بشكل دائم، فمن المحتمل أن تقوم مجموعة أخرى لملء الفراغ.

على مرّ التاريخ، عندما تسبّبت عمليّات القتل المستهدف بإلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالمنظّمات المسلّحة، عادة ما تجمّعت منظمات أخرى لتحلّ محلها. ويعود ذلك جزئيًا إلى أنّ الاغتيالات هي تكتيك وليست حلاً سياسيًا، ولا تفعل شيئًا لحل المشكلات الأساسية التي تؤدي إلى الصراع.

وسواء كان ذلك عن طريق الخطأ أو كأضرار جانبية، فإنّ عمليّات القتل المستهدف تقتل وتشوّه المدنيين بشكل روتيني، بينما تدمّر البنية التحتية، فهي تعمل على تضخيم المظالم الشعبية، وتدفع إلى تجنيد المتشددين، وتعطّل المفاوضات. وبعبارة أخرى، تؤدي عمليّات القتل المستهدف إلى إطالة أمد العنف بدلًا من إنهائه.

لأكثر من 50 عامًا، اغتالت إسرائيل قادة المتشددين في لبنان باستخدام غارات الكوماندوز، والسيارات المفخّخة، والغارات الجوية. وقد ركزت هذه الهجمات الانتباه على ما يسميه بعض الباحثين والاستراتيجيين العسكريين “قطع رأس القيادة”: قتل أو اعتقال قادة الجماعات المسلّحة غير الحكومية على أمل إضعاف قدراتهم وتحفيز الانهيار التنظيمي.

لا يعتبر “القتل المستهدف” ولا “قطع رأس القيادة” مصطلحًا رسميًا في القانون الدولي. ويرى العديد من الخبراء أنّ كليهما مجرّد تعبير ملطف عن عمليّات الإعدام خارج نطاق القضاء، والتي تحظرها قوانين النزاعات المسلّحة. ويؤكد أنصار هذه التكتيكات، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، أنها وسيلة فعّالة عسكريا ومبرّرة أخلاقيًا لإضعاف وهزيمة الجماعات المسلّحة المنظمة.

يقول أصحاب هذا المنطق إنّ مثل هذه الضربات يمكن أن تقضي على أفراد أساسيين في عمل منظمة مسلّحة مع تقليل الضرر على المدنيين. ولكن حتى في ظل التفسيرات الأميركية والإسرائيلية، فإنّ عمليّات القتل المستهدف يجب أن تحترم مبدأ التناسب، مما يعني أنّ المكسب العسكري للعملية يجب أن يبرّر الخسائر في صفوف المدنيين الناتجة. كتب قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية أهارون باراك في رأي صدر عام 2006: “خذ الحالة المعتادة المتمثّلة في قيام مقاتل أو قناص إرهابي بإطلاق النار على جنود أو مدنيين من شرفة منزله. إنّ إطلاق النار عليه متناسب حتى لو أدى ذلك إلى إصابة جار أو أحد المارة المدنيين الأبرياء. وليس هذا هو الحال إذا تم قصف المبنى من الجو وتضرر العشرات من سكانه والمارّة”.

وبموجب معظم تفسيرات قوانين النزاعات المسلّحة، بما في ذلك تفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإنّ العديد من الأشخاص الذين تقتلهم إسرائيل يتمتعون بوضع الحماية. ومن خلال هذه القراءات، يُعتبر الأشخاص العاملون أو المتطوّعون في الخدمات الاجتماعية والأجنحة السياسية لحزب الله غير مقاتلين، إلا إذا كانوا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية. لكنّ إسرائيل والولايات المتحدة لديهما تفسير أكثر تساهلًا بكثير لما يُشكِّلُ مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية. ففي ضربة بتاريخ 16 تشرين الأول/ أكتوبر على مبنى بلدي في مدينة النبطية اللبنانية، على سبيل المثال، قتلت إسرائيل رئيس البلدية المنتخب – الذي خاض الانتخابات ضمن قائمة مرشحين مشتركة لحزب الله وحركة أمل – ومسؤولين في لجنة الأزمات التابعة لخدمات الطوارئ في المدينة.

وحتى لو أدت الضربات الإسرائيلية إلى مقتل مقاتلين فقط، فإنّ عمليّات القتل المستهدف تنطوي على مشكلة أخرى؛ فهي تأتي بنتائج عكسية. وعلى الرغم من أنّ الأبحاث عن هذا التكتيك قد أسفرت عن قدر كبير من النتائج المتناقضة ظاهريًا، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى مقاييس النجاح المختلفة، إلا أنها تشير عمومًا إلى أنّ مثل هذه الهجمات تفشل في تحقيق أهدافها طويلة المدى، على سبيل المثال، لم تنجح هذه الأهداف خلال الحملات الأميركية في أفغانستان، العراق، باكستان، الصومال سوريا واليمن. وتقدّم أفغانستان نوعًا من الأمثلة على ذلك.

وفقًا الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز ديبالي موخوبادهياي – وهو خبير بارز في حرب الولايات المتحدة في أفغانستان – فقد وقعت الولايات المتحدة في فخ يرمز إلى حملات القتل المستهدف: فقد ركّزت على الانتقام والمكاسب السياسية قصيرة المدى بدلًا من التركيز على إيجاد حلول دائمة.

يقول أنصار عمليّات القتل المستهدف إنّ الهجمات ضد الأفراد المشاركين بنشاط في تخطيط وتنفيذ أعمال العنف تقلّل من قدرة المنظمة وتؤدي إلى انهيار الروح المعنوية. وتدعي الحكومة الإسرائيلية إنّ عمليّاتها الحالية في لبنان تحقّق هذه الأهداف بالضبط. ومع ذلك، أثبت حزب الله قدرته على الصمود في مواجهة تلك التهديدات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنّ الحزب ذات طابع مؤسسي وبيروقراطي كبير. وقد وضعت هذه المنظمة إجراءات وخطط خلافة عندما تتم ترقية قادتها أو وفاتهم أو ترك مناصبهم. يتم تدريب الوحدات الشبيهة بالخليّة على العمل بشكل مستقلّ، بحيث أنّ قتل القيادة العليا للجماعة قد لا يؤثر بشكل دائم على قدرتها.

في أعقاب عمليّة اغتيال كبرى مباشرة، من المؤكد أنّ المجموعات يمكن أن تعاني من انقطاع الاتصالات، والارتباك، والحزن، والبارانويا. ومع ذلك، حتى لو قُتل قائد متوسّطُ ​​المستوى، أو قائد عسكري كبير، أو قائد كبير، فإنّ نوّابه ينتظرون في الأجنحة ويمكن للمقاتلين مواصلة الهجمات. منذ وفاة نصر الله، على سبيل المثال، أطلق حزب الله مئات الصواريخ والقذائف والطائرات من دون طيّار على القواعد العسكرية الإسرائيلية، والمدن الكبرى مثل حيفا، ومقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي الواقع، فإنّ المجموعة التي فقدت شخصيّاتها الرئيسية علنًا قد تكون أكثر تصميمًا على إثبات قدراتها وإعادة بناء قوتها. ضُرِبَ حزب الله لأوّل مرّة عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية في أعقاب جنازة الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي، الذي اغتالته قوات الدفاع الإسرائيلية في عام 1992. دفع مقتل الموسوي قادة حزب الله إلى الانتقام، وأتاح للمتطرفين في المنظمة نشر عمليّات متطوّرة بشكل متزايد ضد الجيش الإسرائيلي المحتلّ لجنوب لبنان.

وربط رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية من عام 1991 إلى عام 1995، أوري ساجي، بشكل مباشر بين اغتيال الموسوي وتصعيد حزب الله، بما في ذلك تفجير الجماعة للسفارة الإسرائيلية والمركز الثقافي اليهودي في الأرجنتين في عامي 1992 و1994. وبعد مرور ما يقرب من عقد من الزمن على وفاة الموسوي، كان حزب الله فقط أقوى وأكثر قدرة. وأدّت سنوات من الجمود الدموي في جنوب لبنان إلى انسحاب إسرائيل في نهاية المطاف في عام 2000. وواصلت إسرائيل تنفيذ عمليّات قتل مستهدفة ضد حزب الله في السنوات التي تلت ذلك، لكنّ نفوذ الجماعة استمرّ في النمو. وفي 12 تموز/ يوليو 2006، شنّ الحزب هجومًا عبر الحدود وقتل واختطف جنودًا إسرائيليين. وكانت النتيجة حرب تموز/ يوليو 2006.

يمكن للاغتيالات أيضًا أن ترفع مستوى القادة الأكثر تطرّفًا أو الأكثر فعالية. وأدى اغتيال الموسوي إلى صعود نصر الله الأكثر جاذبية. بصفته الأمين العام، كان لنصر الله – إلى جانب كبير الاستراتيجيين العسكريين في حزب الله عماد مغنية – الفضل على نطاق واسع في تحويل الجماعة من جماعة مسلّحة محلية إلى جيش غير حكومي أقوى من القوات المسلّحة اللبنانية. وبالمثل، يمكن للاغتيالات أن تدعو الجهات الفاعلة الخارجية إلى تقديم المساعدة المالية والدعم الفني. وعندما قتلت إسرائيل مغنية في عام 2008، أصبح مستشارو الحرس الثوري الإيراني أكثر انخراطًا في العمليّات اليومية لحزب الله. وبالمثل، في غزة، مهّد اغتيال زعيم حركة “حماس” الشيخ أحمد ياسين في عام 2004 الطريق أمام انخراطٍ إيراني أعمق مع الحركة – وهو ما كان يعارضه ياسين.

وحتى عندما تنجح عمليّات القتل المستهدف في إضعاف الهياكل القيادية للمنظّمات بشكل مؤقّت، فإنها يمكن أن تؤدي إلى المزيد من العنف. في المجموعات التي تستخدم التقسيم والهياكل الخلوية، يمكن أن تظهر فصائل ذات مصالح وأجندات مستقلّة، ثم يستخدم القادة الصاعدون العنف للتنافس على الاهتمام والموارد والمكانة، وهي ممارسة يسمّيها علماء السياسة “المزايدة”. والنتيجة هي أنّ هجمات المجموعة المستهدفة غالبًا ما تصبح أقل قابلية للتنبؤ بها وأكثر إثارة.

وقد تم بالفعل تنفيذ هذه العملية في لبنان. في عام 1982، غزت إسرائيل لبنان بهدف استئصال منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المسلحة، التي كانت تطلق الصواريخ وتشنّ غارات عسكرية من جنوب لبنان على شمال إسرائيل. وقتلت إسرائيل أو سجنت قادة فلسطينيين، إلى جانب آلاف المدنيين، تاركة وحدات العمليات الفلسطينية بلا قيادة ولا تنسيق. ومع احتلال إسرائيل لجنوب لبنان حتى مدينة صيدا الساحلية، ظهرت جماعات مسلّحة فلسطينية محلّية غير مرتبطة بهياكل القيادة والسيطرة التقليدية. وعملت هذه الجماعات، التي تعمل بتعاون فضفاض مع لبنانيين، على تدمير القوات الإسرائيلية والمتعاونين معها.

ونتيجة لذلك، انسحبت إسرائيل في عام 1985 إلى المنطقة الحدودية، التي احتلّتها حتى عام 2000، ولكنّ لبنان لا يزال يعيش مع إرث الحرب. أحد القادة الفلسطينيين الذين استهدفتهم إسرائيل في غارة جوية في تشرين الأول/ أكتوبر على مخيّم عين الحلوة في صيدا، برز على الساحة في ظل فراغ السلطة في الثمانينيات.

وتوضح تداعيات الغزو الإسرائيلي عام 1982 حقيقة صارخة أخرى، وهي أنّ إضعاف منظمة ما أو حتى هزيمتها بشكل دائم يمكن أن يؤدي إلى ظهور منظّمات جديدة. وكانت هزيمة الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي سببان لوجود حزب الله. في آب/ أغسطس 1982، غادر 14,398 مقاتلًا فلسطينيًا بيروت بعد وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة. وقد ترك نفي القادة السياسيين الفلسطينيين إلى دمشق وتونس فراغًا جاء حزب الله ليملأه.

أحد المبرّرات الأساسية لعمليّات القتل المستهدف هو الادعاء إنها تقلّل من عدد الوفيَات بين المدنيين. ومع ذلك، فإنّ العمليَات التي تستهدف الأفراد قد أحدثت دمارًا وخسائر فادحة في صفوف المدنيين. أدت الغارة الجوية التي قتلت نصر الله إلى تسوية مبنى كامل في أحد أكثر الأحياء كثافة سكانيًا في لبنان. أدى الهجوم الإسرائيلي في 10 تشرين الأول/ أكتوبر  الذي استهدف مسؤول الاتصال بين حزب الله والأجهزة الأمنية اللبنانية رفيق صفا إلى انهيار مبنى سكني من ثمانية طوابق في وسط بيروت، مما أسفر عن مقتل 22 شخصًا وإصابة 117 آخرين.

وتقول الحكومة الإسرائيلية إنها تستخدم في كثير من الأحيان المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والمنشورات التي يتم إسقاطها جوًا للحث على إخلاء المناطق المستهدفة قبل مهاجمتها. لكن في تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرت منظمة العفو الدولية إنه في حالة وصول إشعارات الإخلاء، فإنها غالبًا ما تكون غير واضحة أو لا توفر للمدنيين وقتًا كافيًا لمغادرة المنطقة.

وحتى العمليّات التي يشيد بها المحلّلون العسكريون لتطوّرها الفني، فقد افتقرت إلى الدقة اللازمة لتجنّب إلحاق ضرر واسع النطاق بالمدنيين. وقد اندهش العديد من المراقبين، على سبيل المثال، عندما قامت إسرائيل في أيلول/ سبتمبر بتفجير آلاف من أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها حزب الله. لكنّ هذه الهجمات تسبّبت بمقتل وتشويه عشرات الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الجماعة. ووصف مدير وكالة المخابرات المركزية ووزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا هذه العملية بأنها “شكل من أشكال الإرهاب”.

وفي كثير من الحالات، لا يستطيع المدنيون الذين يريدون الفرار ببساطة أن يهربوا. قد لا يتمكّن كبار السن أو المرضى أو المعاقون من التحرّك. وفي بلد يعيش فيه ما يقرب من نصف سكانه في فقر، لا يملك كثيرون آخرون الوسائل المالية للإخلاء.

ونظرًا للعواقب المدمّرة، يتعرّض المدنيون في لبنان لهجمات مستهدفة كعقاب جماعي. بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، قد يكون هذا هو الهدف. ومن المؤكد أنها تأمل أن تؤدي الصعوبات إلى تحوّل المدنيين ضد حزب الله. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، هدّد نتنياهو لبنان بـ”الدمار والمعاناة التي نراها في غزة” ما لم ينتفض الناس ضد المنظمة. إذا ألقى الناس اللوم على حزب الله في تدمير بلادهم، فإنّ هذا المنطق يقول إنهم سيساعدون إسرائيل على استهداف أعضاء الجماعة وتفكيك نفوذها.

لكنّ هذا التحوّل من غير المرجح أن يحدث. في الواقع، إذا حدث أي شيء، فسوف يحدث العكس. إسرائيل هي قوة أجنبية سبق لها أن غزت لبنان ثلاث مرّات وشنّت عمليّات عسكرية أصغر ولكنها لا تزال مدمّرة. فخلال الاحتلال الذي امتد من عام 1982 إلى عام 2000، قامت بمراقبة سكان جنوب لبنان بوحشية، وسجنت الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين، وأثارت التوترات الطائفية من خلال الاستعانة بمصادر خارجية للعنف في جيش لبنان الجنوبي ذي الأغلبية المسيحية. أدى الاحتلال، إلى جانب القمع والمصاعب التي رافقته، إلى حشد مجنّدين جدد في صفوف حزب الله وغيره من الأحزاب السياسية اللبنانية المسلّحة.

إنّ تجربة المدنيين مع الضربات الإسرائيلية باعتبارها عشوائية ومنتشرة في كل مكان تؤثر بشكل أكبر على عملية صنع القرار لديهم. ومن شأن هذه الهجمات أن تعزّز قناعات مؤيدي حزب الله المدنيين. وقد يصبح بعض الذين لم يكونوا مقاتلين سابقًا على استعداد للانضمام، ويقرّرون أنّ الحصول على الأسلحة والراتب والمعلومات هو أفضل طريق لهم، خاصة عندما يُقتلون عشوائيًا حتى أثناء محاولتهم تجنّب الأعمال العدائية المتصاعدة. وكما حدث بين عامي 1982 و2000، من المحتمل أن تحتشد قطاعات أكبر من الشعب اللبناني ضد إسرائيل.

وبشكل عام، يشير سجل عمليّات القتل المستهدف إلى أنّ الهجمات الإسرائيلية على حزب الله من غير المرجح أن تؤدي إلى تدميره. وتستخدم إسرائيل هذا التكتيك ضد الجماعة منذ عقود. وبدلًا من الانهيار، أثبت حزب الله قدرته على الصمود والتكيّف. وقد أنتجت محاولات قطع رأس القيادة المزيد من العنف والتوسع التنظيمي وزيادة النفوذ الإيراني.

ولا أحد يعرف ذلك أفضل من الشعب اللبناني نفسه. وقال سفير لبنان لدى المملكة المتحدة رامي مرتضى في أكتوبر/تشرين الأول، ردًا على تهديد نتنياهو بتحويل لبنان إلى غزة، إن الهجمات الإسرائيلية “سترسّخ حزب الله، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإحباط بين السكان. وسوف يصب ذلك في صالح ما ظل حزب الله يقوله منذ 40 عامًا، وهو أنّ إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: