نعيم قاسم… أستاذ الكيمياء يمسك كرة اللهب
حظي إعلان حزب الله اختيار مجلس الشورى فيه الشيخ نعيم قاسم أمينا عاما خلفا للسيد حسن نصر الله بمتابعة كبيرة. فالقرار استثنائي من حيث التوقيت والظروف المحيطة، كما أن اسم الشيخ قاسم زاد من التفاعل مع قرار الحزب إيجابا وسلبا وبمختلف الأساليب، من إعلان البيعة حتى التعليقات السلبية التي خرجت من مناهضي الحزب.
منذ استشهاد نصر الله برز نائبه (آنذاك) الشيخ نعيم قاسم، بوصفه الوجه القيادي في الحزب، الذي يطلّ ويعلن ما كان يفترض أن يطل نصر الله ويعلنه في الحرب. وبينما كان متوقعا في أوساط عديدة اختيار رئيس المجلس التنفيذي السابق في الحزب السيد هاشم صفي الدين أمينا عاما، جاء اغتياله ليضع منصب الأمانة العامة في خانة الانتظار مؤقتا، وذلك لأسباب تنظيمية ولوجستية ترتبط بالحزب واجتماع الشورى التي تنتخب الأمين العام. حصل ذلك وأُعلنَ انتخاب قاسم وجاء ذلك مطابقا لما قاله في رسالة تلفزيونية سابقة عن أن الحزب في صدد ذلك ضمن خطوة لملء مختلف المناصب التي باتت شاغرة بعد الاغتيالات الإسرائيلية لعدد من أعضاء الجسم القيادي في الحزب.
هكذا، يمكن قراءة عنوان المنصب الجديد من زوايا مختلفة: تنظيمية تعود للحزب، سياسية ترتبط بمختلف الملفات التي يعد الحزب لاعبا أساسيا فيها. لكن قبل محاولة استشراف مستقبل الأمانة العام للحزب بشخصيتها الجديدة، لا بد من الإشارة إلى أن صلاحيات الأمين العام في الحزب ليست مطلقة، وأن القرارات المهمة والكبيرة عادةً ما يتم اتخاذها عبر مجلس الشورى مجتمعا والذي يرأسه الأمين العام. وهنا لا تبدو المهمة صعبة على الشيخ قاسم فحسب، بل على مجلس الشورى عموما مع ما يتعرض له الحزب من حرب إسرائيلية لإنهاء قوته وحضوره.
في مطلع العقد الثامن من عمره (مواليد 1953) تلقّف قاسم قيادة الحزب في أصعب مواجهة يخوضها في تاريخه على مختلف المستويات، كما أنه من المفترض أن يتابع بعد الحرب الإشراف على ملفات عديدة: العسكري، السياسي، الخدماتي المرتكز على مؤسسات أنشأها الحزب خلال 40 عاما وتستهدفها الاعتداءات الإسرائيلية يوميا. إبن بلدة كفرفيلا في منطقة إقليم التفاح بجنوب لبنان يخوض اليوم المهمة القيادية الأصعب لشخصية في الحزب لأسباب عديدة، أبرزها غياب العديد من القادة والمعاونين نتيجة الاغتيالات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، ومن أبرزهم بعد نصر الله وهاشم صفي الدين: فؤاد شكر، وعلي كركي، وإبراهيم عقيل، ونبيل قاووق، وغيرهم من القادة الميدانيين. لم يواجه أي من قادة الحزب هذا الموقف، وعندما تولى السيد نصر الله الأمانة العامة كانت الأزمة في رحيل سلفه السيد عباس الموسوي فقط، ولم يكن أن الجسم القيادي للحزب قد تعرض لشواغر كبيرة.
يعدُّ نعيم قاسم من أبرز وجوه المرحلة التأسيسية ليس فقط لحزب الله، بل لصعود العمل الإسلامي السياسي في لبنان منذ أواخر ستينيات القرن الماضي مع مجيء السيد موسى الصدر إلى لبنان. فيما تطورت مراحل عمله السياسي من مسؤوليات ثقافية وعقائدية في مجلس قيادة حركة أمل، ألهمت الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني الشيخ قاسم كغيره من الشخصيات الشيعية الصاعدة في تلك الفترة. ومع بداية تأسيس حزب الله مطلع ثمانينات القرن الماضي بدأ صعود قاسم كأحد المؤسسين، وكان حينذك ممن اعتقلهم الجيش اللبناني بقيادة الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، حيث تعرض للتعذيب. كان ذلك ما واجهه الحزب بداية مع الدولة اللبنانية التي كانت تأخذ منحى السلام مع إسرائيل. من هذه القصة القديمة نسبيا، ربما يمكن استشراف شيء مما سيواجهه قاسم في الفترة المقبلة. فالدولة اللبنانية اليوم ليست كتلك التي سجنته وعذبته، خصوصا وأن موقفها السياسي واضح لجهة معاداة إسرائيل. لكنّها أيضا ليست الدولة التي تمثل تطلعات الحزب رغم أنه جزء منها. وفي أي تسوية مقبلة للحرب حيث تعلن الدولة اليوم بمختلف أركانها قبول القرار 1701 مع ما ينص عليه من سحب سلاح الحزب، ستتجه الأنظار إلى موقف الأمين العام الجديد للحزب، وهو موقف عام ينتهجه الحزب ويسير معه أنصاره حتى النهاية. لفترة طويلة نسبيا، تولى الشيخ قاسم مسؤولية ملف العمل الحكومي في الحزب، أي أنه كان مسؤولا عن عمل الوزراء الذين سمّاهم الحزب لتمثيله في الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام ألفين وخمسة. كما أنه أدار ملف الانتخابات للحزب لأكثر من دورتين، وهو بالتالي ممن تعاملوا على نحو شبه يومي مع تعقيدات المشهد السياسي اللبناني. تلك التعقيدات التي قادته يوما إلى ترؤس وفد من حزب الله إلى السعودية حيث التقى حينها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز إبّان الأزمة الداخلية اللبنانية عقب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وحرب تموز ألفين وستة.
أستاذ الكيمياء (ماجستير في الاختصاص) لسنوات عديدة قبل التزامه الحزبي، والمتحدث الطلق باللغة الفرنسية، يمسك اليوم كرة اللهب وإزميل ترميم ما تضرّر من حزبه. ورغم سلاسة انتخابه، ومقبوليته لدى مختلف حلفاء الحزب في لبنان وخارجه كما بدا من بيانات الترحيب، فعلى الأرجح يتطلع قاسم إلى أولوية تحقيق ما تصبو إليه الكتلة الصلبة من جماهير حزب الله وما حولها، وهو تحقيق إنجاز عبور الحرب بأقل الخسائر الممكنة وبأكبر آفاق ممكنة ومقدرات من شأنها الحفاظ على قوة المقاومة وحضورها بمعزل عن شكل الصيغة التي ستؤدي إلى ذلك. يمكن القول إنّ قاسم نجح جزئيًا خلال خطابَيْه الأخيرين باستعادة ثقة جمهور الحزب بالقدرة على السيطرة، والانطلاق مجدّدا بمقارعة إسرائيل، مع استمرار سقوط الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، وتوالي البيانات عن الخسائر البشرية لدى الجيش الإسرائيلي في المعارك الدائرة على الحدود الجنوبية. يحصل ذلك من دون أن تسمح الظروف الحالية له بتكوين الكاريزما التي كانت لسلفه، وهي من أبرز النقاط التي تصوّب عليها أكثرية الآراء التي تتناول قرار انتخابه أمينا عاما جديدا للحزب، بمعزل عن اتجاهات هذه الآراء إيجابية كانت أم سلبية. وهنا يمكن رصد نقطة قوة يمكن لقاسم الاتكاء عليها في مهامه الكبيرة حاليا، وهي أنّ الحزب وجمهوره لم يشهدا أي انقسام حول قرار انتخابه، وهو ما يجعله موضع ثقة تؤمن له استقرارا جماهيريا حتى إشعار آخر.
لم يطل الوقت حتى هدّدت إسرائيل باغتيال قاسم. فبعد إعلان منصبه الجديد نشر وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت صورة لقاسم وعلّق قائلا: تعيين مؤقت ولن يدوم طويلا. تلك إشارة واضحة إلة نية حكومة الاحتلال اغيتال الشيخ نعيم قاسم، علما أن ذلك ليس مفاجئًا، ولن يشكل صدمة كبيرة إذا حصل في سياق حرب مفتوحة من هذا النوع. حرب جاءت بالشيخ إلى لحظات حساسة وصعبة ربّما لم يكن يود أن يكون فيها، لكنّها في القوت نفسه، حرب كل فرد في حزب الله. يدرك قاسم ذلك جيدا، ولذلك يبدو أنه يتعامل مع مشقّاتها على نحو مختلف تماما مع ما يظنّه منتقدوه. فهذه اللحظات في التاريخ لمن هم مثله، ليست إلا فرصًا لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه في خدمة ما يؤمنون به بعد عشرات السنوات من العمل.
مناصب الشيخ نعيم قاسم في حزب الله
- مسؤول الأنشطة التربوية والكشفية في بيروت
- نائب رئيس المجلس التنفيذي
- عضو مجلس شورى 3 مرات
- نائب الأمين العام لحزب الله عام 1991
- نائب الأمين العام لحزب الله منذ عام 1992
- الأمين العام لحزب الله 2024
مؤلفاته
- موسوعة حزب الله (مترجمة إلى سبع لغات)
- 20 مؤلفًا في السياسة والدين وحول نظرية ولاية الفقيه
- حقوق الوالدين والولد
- معالم الحياة من نهج الأمير
- حقوق الزوج والزوجة
- عاشوراء مددٌ وحياة
- مجتمع المقاومة
- التربية بالحب
- القرآن منهج هداية
- المهدي المخلّص
- خليفة الله تعالى