الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 أكتوبر 2024 09:42
للمشاركة:

هل يمكن لإيران مواجهة التهديدات العسكرية الإسرائيلية؟

يمكن النظر إلى الردع على أنه التهديد باستخدام القوة لإقناع العدو بعدم الإقدام على أي عمل معادي، حيث تجعله دائمًا أمام حساب التكلفة والمكسب. يشمل الردع إلى جانب الأدوات العسكرية، الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية.

ينقسم الردع بشكل عام إلى نوعين هما الردع بالعقاب والردع بالمنع. في القسم الأول يتم إقناع الخصم بعدم القيام بالعمل لأنّ تكاليف الرد الذي سيتلقّاه ستكون غير قابلة للتحمل. أما من خلال النوع الثاني يمتنع العدو عن القيام بأي عمل لأنه لن يتمكّن من تحقيق أهدافه العملياتيّة.

انطلاقا من هذه الخلاصة عن الردع يمكن الإشارة إلى أنّ ردع محور المقاومة واجه تحديات بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي قامت بها حركة حماس في غزة ضد إسرائيل، حيث أظهرت الأخيرة معايير جديدة في سياق وجهي الردع (المنع والعقاب)، لأنها فاجأت أعداءها بقدرتها على تحمل التكاليف المفروضة بصورة أكبر من توقعاتهم، ومن جهة أخرى تقترب إلى حد كبير من تحقيق أهدافها الميدانية والعملية.

في مواجهة تلك الخطوات الإسرائيلية يبدو أن إيران التي تقف على رأس المحور الذي يقاوم إسرائيل، ليس لديها مناص إلا أن تحدث تغييرًا في استراتيجية الردع الخاصة بها، وهنا يبدأ البحث عن الخيارات التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية على الصعيدين العسكري والتسليحي للتغلب على تلك التحديات.

هل تمتلك إيران وسائل الردع؟

في الآونة الأخيرة توسع الحديث عن وسائل الردع غير التقليدية كالسلاح النووي كخيار يمكن أن تلجأ إليه طهران للحفاظ على ردعها. في الحقيقة، هذا المسار كغيره من المسارات الأخرى له فرصه وقيوده، لكن قبل الولوج فيه بحثه يمكن التطرق في القطعة الحالية للخيار التقليدي وتناول الفرص والقيود المندرجة في إطاره.

فقد أوضحت عملية “الوعد الصادق 1” الأبعاد العملية والواقعية للعديد من القضايا التي طُرِحت نظريًا لسنوات في الأوساط العسكرية. على سبيل المثال، اتضح بشكل واقعي وعملي أنّ هجمات الطائرات من دون طيّار وصواريخ الكروز غير فعّالة بسبب السرعة المنخفضة لهذه الأسلحة، والتفوّق الجوي للمنافس.

لذلك، لم يتم استخدام صواريخ كروز وطائرات انتحارية من دون طيار في عملية “الوعد الصادق 2”. هذا بدوره يُوضح أن التغلب على العديد من التحديات في المجالين التكنولوجي والتسليحي يعد ضرورة لتحسين كفاءة القدرة العسكرية التشغيلية لإيران في مجال الأسلحة التقليدية.

في هذا السياق، يساهم الحصول على صواريخ كروز الفرط صوتية على تعزيز قدرات إيران العسكرية. صحيح أنها تمتلك حاليًا أنواعًا مختلفة من صواريخ كروز المضادّة للسفن، وصواريخ أرض – أرض في نطاقات مختلفة، لكنّ السمة المشتركة بين هذه الصواريخ هي مدى سرعتها، حيث تتمتّع صواريخ كروز الإيرانية بسرعة في نطاق ما دون سرعة الصوت.

لذلك، فإنّ اعتراضها ليس بالمهمة الصعبة بالنسبة للطائرات الإسرائيلية المقاتلة. ونظرًا لإدراك الضعف في هذا المجال، فإنّ القوات الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني تعمل منذ فترة في مجال صناعة صواريخ كروز الفرط صوتية (التي تصل سرعتها من ضعف إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت).

وكانت نتيجة هذه الجهود الكشف عن صاروخ “فتاح 2” في معرض الدفاع، لكن لا يوجد معلومات عن حالة إنتاج واستنساخ هذا الصاروخ، ولم يتم حتى الآن تسجيل أي اختبار تشغيلي له. مع ذلك، فإنّ الحصول على تكنولوجيا صواريخ كروز الفرط صوتية يسمح لإيران بتنفيذ عمليات دقيقة وموثوقة، وبهذه الطريقة، لا تحتاج إلى إطلاق عدد كبير من الصواريخ لتنفيذ عمليّات محدودة والمخاطرة بتصعيد التوترات وخوض خطوات الحرب، بل يمكنها إجراء عمليّات محدودة ولكنها دقيقة.

القدرات التجسسية

كذلك، تؤثر أقمار الاتصال والتجسس بشكل فعال في تقوية قدرات الردع التقليدية على الصعيد العسكري. خلال عمليَّتَيْ الوعد الصادق 1 و2، بقي الحديث عن فعاليّة عمليّات الحرس الثوري الإيراني عديم الفائدة إلى أن نُشرت صور الأقمار الصناعية، حيث يعتمد الخبراء والمهتمون، وحتى جزء من القوات المسلحة الإيرانية، على الأقمار الصناعية التجارية والخاصة الأجنبية لقياس مدى فعاليَة عمليّاتهم، والأهم من ذلك، جمع المعلومات عن قواعد العدو.

لكنّ هذه الأقمار الصناعية غير مخصصة للاستخدام العسكري ولا تتمتّع بالكفاءة اللازمة في هذا المجال، كما أنّ معلوماتها غير متوفرة في أي وقت. والقدرات الإيرانية في هذا المجال تتمثل في القمر الصناعي العسكري الإيراني الأكثر تقدّمًا “نور 3” حيث يتمتع بدقة تصوير تبلغ مترين ونصف، بينما تمتلك جمهورية أذربيجان عبر إسرائيل قمر تجسّس “أذر سكاي”، بدقة تصوير تصل إلى متر ونصف. وتتمتّع عائلة الأقمار الصناعية الإسرائيلية OFEK أيضًا بدقة تصوير تصل إلى نحو 50 سنتيمترًا، مما يوفّر لإسرائيل إمكانية المراقبة الدقيقة لمنطقة الشرق الأوسط.

لا يقتصر استخدام الأقمار الصناعية اليوم على مجال القياس والتصوير، إذ إنّ الطريقة الأكثر فعالية لتوجيه الصواريخ نحو الهدف هي التوجيه عبر الأقمار الصناعية، لأنّ هذا التوجيه دقيق للغاية، ومنذ الغزو الأميركي للعراق عام 1990، أصبح التوجيه عبر الأقمار الصناعية هو الطريقة السائدة والفعّالة لتوجيه القنابل والصواريخ نحو الأهداف الأرضية.

وتستخدم القنابل والصواريخ الإسرائيلية بشكل أساسي أدوات التوجيه عبر الأقمار الصناعية JDAM للوصول إلى أهدافها، في حين تعتمد عمليات المقاومة على استخدام الصواريخ غير الموجهة، واستخدام أنظمة الملاحة التجارية التي يسهّل تعطيلها، ونظام الملاحة (INS) الذي يتمتّع بدقة منخفضة.

لذلك، فإنّ عدم التسلّح بأدوات التوجيه عبر الأقمار الصناعية يجعل من الصعب تحقيق الأهداف العسكرية، ويؤدي إلى انخفاض دقة الضربات، وتصعيد التوترات عن غير قصد ونقل الحرب إلى اتجاه آخر. كما توفّر الأقمار الصناعية أيضًا القدرة على إنشاء اتصال آمن بين الوحدات القتالية المختلفة، ويشكّل الافتقار إلى هذه التكنولوجيا نقطة ضعف دفعت إيران وحلفاءها إلى طرق اتصال غير آمنة، وبالتالي فرضت تكاليف كبيرة.

بسبب هذا الضعف، تُواصل إيران في الوقت نفسه مشاريعها المحلية من أجل وضع نظام من الأقمار الصناعية الإيرانية في المدار، وتتعاون بشكل وثيق مع روسيا لإطلاق أقمار الاستشعار والتصوير، وهو ما وصلت عبره إلى إطلاق أقمار صناعية، مثل “خيام” من قاعدة “بايكونور”، و”بارس 1” من قاعدة “فيستوشوني” الجوية.

أنظمة الدفاع الجوي

إلى ذلك، تلعب أنظمة الدفاع الجوي المحمولة جوًّا دورًا في تحقيق الردع المرتكز على الأدوات التقليدية. لدى إيران أنواع مختلفة من أنظمة الدفاع الجوي لحماية أجوائها، بدءًا من المنظومات المحلية، مثل نظام (Bavar 373)، إلى العيّنات الروسية، مثل (S300-PMU2) و(TOR-M1). لكن من الناحية العسكرية ونظرًا لمحدودية منظومات الدفاع الجوي الأرضية، لا يمكن استكمال حلقة الدفاع الجوي إلا بوجود منظومات الدفاع الجوي المحمولة جوًّا.

من جانب أخر، تواجه أنظمة الدفاع الأرضي في إيران اثنين من القيود الأساسية: أوّلًا، هي إما ثابتة وغير متحرّكة، أو أنّ سرعة حركتها منخفضة جدًا، وبالتالي فإنّ المناطق التي تغطّيها ثابتة وغير مرنة، وثبات مكان هذه الأنظمة يجعل من السهولة اصطيادها من قبل طائرات العدو الهجومية.
ثانيًا، بسبب استدارة الأرض، فإنّ الأشعّة المنبعثة من الرادارات الأرضية تغطّي مساحة أصغر عندما تبتعد عن الكوكب.

والجدير بالذكر أنه لا يوجد أي من هذين القيدين في أنظمة الدفاع الجوي المحمولة جوّا. ومن أنواع أنظمة الدفاع الجوي هذه طائرات “أواكس” التي بحملها رادارات متطوّرة وبتحليقها فوق المناطق المطلوبة، فهي تغطّي نصف قطر كبير جدًا بمرونة عالية، كما أنّ المقاتلات المتطوّرة، التي تمتلك رادارات متقدّمة مثل رادارات Pulse-Doppler، لديها القدرة على تحديد واعتراض الأهداف المعادية، مثل المقاتلات والطائرات من دون طيار وصواريخ كروز.

نقص أدوات الدفاع الجوي المحمولة جوًّا يجعل إيران ترى أنّ حلقة دفاعها الجوي غير مكتملة. بسبب ذلك، تندرج أولوية شراء مقاتلات جديدة مثل سوخوي 35، وكذلك اقتناء طائرات الإنذار المبكر (أواكس)، على رأس خطط وزير الدفاع الجديد.

كما أن إيران بدأت خطوات محلية بصناعة طائرة “سيمرغ” بالاعتماد على طائرة “أنتونوف 140” الأوكرانية، لكن لا يزال أمامها طريق طويل لاستخدامها كطائرة إنذار مبكر.

على أي حال فإن الجهود التي تُبذلُ في سبيل زيادة قوة الأسلحة التقليدية، وبالتالي تثبيت الردع، رغم أنه لا تكلفة دولية لها مقارنة بمسار التسلّح النووي، إلا أن نتائجها من حيث الوقت بطيئة، كما أنه لا يمكن تعويض الفجوة التكنولوجية والنوعية للأسلحة التقليدية من حيث الفارق في الوصول إلى الموارد المالية والتكنولوجيا بين إيران وإسرائيل. لذلك، ربما يؤدي اختيار المسار غير التقليدي إلى خلق المزيد من الموثوقية الأمنية لدى إيران.

*حسين حقيان.. باحث إيراني متخصص بالشؤون العسكرية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: