الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 أكتوبر 2024 08:27
للمشاركة:

بين النووي أو الصاروخي.. هل تغير إيران استراتيجية الردع المبنية على الحلفاء؟

دخل الصراع بين إسرائيل ومحور المقاومة إلى مرحلة جديدة بات الردع فيها هو العنوان الأبرز لكلا الطرفين في ظل الضربات الكبيرة التي يتبادلها الجانبان بين حين وآخر.

وسط احتدام الصراع وانتقاله إلى مقدمات الحرب المباشرة في ظل ترقب رد إسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، يرى كثيرون أنَّ إيران بدأت بتغيير منظومة الردع لديها من الاعتماد على فصائل المقاومة كخطوط تماس أولى إلى الاعتماد على القدرات الصاروخية والجوية الإيرانية لردع أعداء إيران، ومن هنا تتجه الأنظار إلى إحداث تغيير في العقيدة النووية لتثبيت وتحسين مستوى الردع العسكري لطهران في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتكررة، فهل تقوم إيران بتغيير عقيدتها النووية، أو تغيير نظام وسياسة الردع العسكرية لديها لتلائم الواقع العسكري والأمني الجديد في المنطقة والعالم؟

منعطفات الصراع الجديد

لفهم القضية بشكل أوضح لا بد من المرور على أبرز المنعطفات في الصراع الحالي بعد حرب غزة. فقد عاد الصراع بين هذين المحورين إلى الواجهة منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2024 ووما تلاه من تدخل حزب الله والمقاومة العراقية وأنصار الله في اليمن إلى جانب حماس، فاجتياح إسرائيل لقطاع غزة. ثم برزت محطة محورية عندما قصفت إسرائيل المستشارية الإيرانية في سوريا الذي أعقبه الهجوم الصاروخي الإيراني الأول على إسرائيل في نيسان/ أبريل 2024. ردت إسرائيل بمهاجمة موقعاً إيرانياً لتتوقف مرحليا دورة الرد. ثم قصف أنصار الله لتل أبيب بمسيرة انتحارية، ورد إسرائيل بقصف ميناء الحديدة، لتتجه إسرائيل بعدها نحو التصعيد باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عاصمة إيران، مرورًا بتفجير إسرائيل لأجهزة البيجر وبدء موجة هجمات جوية ضد حزب الله. وبلغ التصعيد ذروته باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله والعميد عباس نيلفروشان مساعد قائد قوة القدس الإيرانية. ومؤخرا، الهجوم الصاروخي الإيراني الكبير على إسرائيل في 1 تشرين الأول / أكتوبر 2024 والذي تعهدت إسرائيل بالرد عليه، لكنها لم تقم بذلك حتى تاريخ كتابة هذه القطعة.

استراتيجية الردع الإيرانية

شكل النفوذ الإقليمي الإيراني المتمثل بالتحالف مع قوى المقاومة غير النظامية في المنطقة طوال السنوات الماضية أحد أبرز أسس الردع الإيراني ضمن استراتجية الدفاع عن الأمن القومي الإيراني في مقابل إسرائيل. لكن تسلسل الأحداث بمبادرة من إسرائيل انتهى بالهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وهو ما قد يدفع الأخيرة إلى تغيير استراتيجيتها من إعطاء الأولوية للنفوذ الخارجي إلى التركيز على القدرات الصاروخية والمسيرات التي ضاعفت من بنائها داخل البلاد خلال السنوات الماضية. هذا ما يؤشر له استاذ العلاقات الدولية الإيراني آرش رئيسي نجاد باستبدال الرموز الرئيسية للمنظومة الدفاعية الإيرانية من رمزية قاسم سليماني أو قوة القدس (والذي يمثل ردع إيران خارج حدودها) إلى العميد امير علي حاجي زاده (الذي يمثل الردع من داخل إيران، باعتباره قائد القوات الجوفضائية في الحرس الثوري الإيراني).

وبحسب رئيسي نجاد فإن “استراتيجية الردع الإيرانية بدأت تتحول تدريجياً بسبب عاملين جيوسياسيين أولهما هوس الغرب بنزع سلاح إيران بالكامل، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة. أما الثاني فهو محاولة تل أبيب جر أميركا إلى حرب مع إيران، وهو ما أوصل الصراع إلى منعطف الهجمات المباشرة الحالية”.

التغييرات المتوقعة في سياسة الردع الإيراني لم تبق في أذهان المراقبين والمحللين بل بدت واضحة على لسن المسؤولين الإيرانيين حيث شدد حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، حسن خميني على ضرورة رفع مستوى الردع العسكري لإيران إلى مستوى أعلى.

وشدد حسن خميني في كلمة له خلال لقاء تلفزيوني الأحد 06 تشرين الأول/أكتوبر 2024 على وجوب رفع مستوى الردع العسكري الإيراني إلى مستوى أعلى لأن العالم وصل إلى وضع أصبح من الضروري فيه تعزيز الردع للدول.

خميني المحسوب على التيار الإصلاحي أوضح أن الردع يجب أن يكون في القوة وليس في الابتسامة، منوهًا على الحاجة إلى الردع الاقتصادي إلى جانب الردع العسكري.

ولفت حفيد آية الله الخميني إلى أنَّه في سبيل تحقيق “الردع الفعال”، يتعين على إيران أن تلبي مجموعة من المتطلبات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية التي لا تقتصر على القدرة النووية.

السلاح النووي كقوة ردع؟

الخطوات المتخذة من قبل طهران مؤخرًا التي تحمل مؤشرات التغيير في استراتجية الردع الإيرانية وإن كانت برأي الخبير الإيراني في الشؤون الدولية أمين مقدم “أدت إلى إحياء قوة الردع الإيرانية على مستوى عالٍ”. إلا أنها لم تستطع أن تغطي على وجهات النظر الداعية لضرورة الردع بالسلاح النووي. في هذا السياق، أكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران فردين قريشي أن خطط إسرائيل وإجراءاتها العدائية ضد إيران تشير إلى أهمية وضرورة الحاجة لتعزيز النظام الأمني وسد الثغرات الأمنية والردع الفعال في إيران.

وأضاف قريشي في مقال نشره على حسابه في منصة انستغرام أنَّ النقطة الأهم في هذا الصدد هي ضرورة خلق التوازن بين التزامات البلاد الدولية وقدراتها في مجال الردع العسكري، حيث أن قوة الردع الإيرانية اليوم لا تتناسب مع توسع العمق الاستراتيجي الإيراني.

وتابع الإستاذ في جامعة طهران: “لا شك أن أداة الردع العسكري الأكثر فعالية في العالم الحالي هي حيازة الأسلحة النووية، حيث تتمتع الدول الحائزة للأسلحة النووية بأمن دولي أكبر بكثير مقارنة بالدول الأخرى، والحقيقة أن مجال العلاقات الدولية هو مجال القوة والاعتماد على النفس، وفي هذا الإطار، فإن أعلى مستوى للدفاع العسكري هو الدفاع النووي، وإذا لم نعد نرى في العالم الحالي حروباً بمستوى الحربين العالميتين الأولى والثانية، فذلك بسبب امتلاك القوى العظمى الأسلحة النووية وإنشاء نظام الردع النووي، وبناءً على ذلك، فإن الحصول على الأسلحة النووية يجب أن يكون من أهم أولويات البلاد في مجال الردع العسكري، ويمكننا أن نكون على يقين من أننا لو كنا مسلحين بأسلحة نووية، فلن تجرؤ إسرائيل اليوم بسهولة على اللعب بأمننا القومي في طهران أو توجيه ضربات قوية لحلفاء إيران في المنطقة، ويبدو أن هذه النقطة محل اتفاق العديد من خبراء العلوم السياسية والعلاقات الدولية للبلاد”.

وأقر قريشي أنَّ امتلاك أسلحة نووية سيكون له عواقب كالتكاليف الباهظة، والضغوط الدولية، متوقعا في المقابل أنه إذا امتلكت إيران المرافق التقنية اللازمة لصنع أسلحة نووية، فإن الفوائد الأمنية المترتبة على امتلاكها ستتغلب على التكاليف المرتبطة بذلك، كما أن الضغوط الدولية القائمة ستنخفض بعد تحقيق هذه القدرة.

على ذات الوتر عزف استاذ العلاقات الدولية في جامعة علامة طباطبائي جلال دهقاني فيروزآبادي بالقول إن الأسلحة النووية هي وسيلة ردع، والردع النووي يمكن أن يمنح إيران القدرة على القيام بعمليات تقليدية إذا تعرضت لأي تهديد من إسرائيل.

على النقيض من هذا التوجه، رأى المحلل السياسي الإيراني رضا نصري أنَّه في ظل الظروف الحرجة للحرب، فإن إعلان إيران أنها سنتجه نحو بناء قنبلة نووية لن يؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على أي هجوم إسرائيلي محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأضاف نصري في مقابله له مع موقع “انتخاب” أنَّه لا يوجد أي دولة صنعت قنبلة ذرية علناً، وتحت مجهر أجهزة الأمن والتجسس المختلفة!، وإنما كل دولة وصلت إلى صناعة القنبلة الذرية كانت قد فعلت ذلك سرا.

في خلفية ما سبق، يبدو من المنطقي التساؤل عن جدوى الاستثمار الإيراني في ما يسمى بالنفوذ الإقليمي خلال العقود الماضية، حيث وجدت طهران نفسها مضطرة لاستخدام قدراتها الصاروخية من داخل أراضيها للدفاع عن مصالحها الإقليمية التي تقول الحسابات الواقعية إن شبكة الحلفاء والنفوذ الإقليمي يجب أن تؤمنها.

تحالف عسكري جديد

في هذا الإطار نقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية المقربة من الحرس الثوري الإيراني عن وجود تحركات جدية في مجلس الشورى الإيراني لسن قانون بتشكيل تحالف عسكري بين إيران وفصائل محور المقاومة والدول الداعمة لها في سورية ولبنان وفلسطين واليمن والعراق.

وأضافت “تسنيم” أن هذه الاتفاقية تسعى إلى إنشاء هيكل دفاعي مشترك للتعامل مع التهديدات الخارجية والدعم المتبادل في أوقات الأزمات.

وبموجب نص هذه الخطة، فإن جميع الدول أو حركات المقاومة الأعضاء في حلف المقاومة، ستكون ملزمة بتوفير دعم شامل اقتصادي وعسكري وسياسي لبعضهما البعض، في تعرضت أراضي الحلف لهجوم من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.
.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: