إذا استهدفت إسرائيل منشأت إيران النووية.. ما هي خيارات طهران للرد؟
يرى موقع "إيران نوانس" المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية أنّ استهداف إسرائيل للمواقع النووية الإيرانية قد يؤدي إلى تسريع النشاط النووي الإيراني، كما يهدد بتقويض معاهدة حظر الأسلحة النووية. كما أشار المقال الذي ترجمته "جاده إيران" إلى أن إحداث تغيير في عقيدة إيران النووية قد يكون أحد عواقب استهداف منشأت البلاد النووية.
دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت الأربعاء 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 إلى توجيه ضربة عسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية في أعقاب الوابل الأخير من الصواريخ التي أطلقتها إيران على إسرائيل.
ويمثّل هجوم يوم الثلاثاء ثاني هجوم إيراني مباشر على إسرائيل، وكان الأول هجومًا صاروخيًا وبطائرات من دون طيار في نيسان/ أبريل الماضي. وجاءت الضربة الأولية ردًا على الغارة الجوية الإسرائيلية القاتلة على القنصلية الإيرانية في دمشق. أما الهجوم الثاني فكان ردًا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية خلال زيارة دبلوماسية إلى طهران، واغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، ومقتل القائد الإيراني الكبير عباس نيلفوروشان في بيروت. وتقول طهران إنّ الهجمات نُفِّذت دفاعًا عن النفس.
وتشمل الدعوة إلى العمل ضد المنشآت النووية الإيرانية شخصيّات أميركية داعمة لإسرائيل. قام رئيس ومؤسس معهد العلوم والأمن الدولي ديفيد أولبرايت، والذي يصف نفسه بـ”الخبير النووي”، بالترويج والإعلان عن الهجمات على المنشآت والمواد النووية العاملة بموجب اتفاقية الضمانات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد وصف النقاد موقفه بأنه متهوّر وخبيث، مشيرين إلى التلاعب والتحريف في “آراء الخبراء”.
وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعًا مع قادة الأمن الإسرائيليين في مقر الجيش الإسرائيلي في تل أبيب يوم الأربعاء، عقب اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي. وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أنّ مجلس الوزراء فضّل قرار الرد العسكري لكنه لم يقرّر بعد كيفية الرد.
وفي الوقت نفسه، أفادت وسائل الإعلام الأميركية بأنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أعرب عن معارضته لضربة محتملة على المواقع النووية الإيرانية، بهدف منع اتساع نطاق الصراع الإقليمي.
عواقب مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية
إنّ اقتراح ضرب المنشآت النووية الإيرانية يحمل في طيّاته عواقب عميقة وربما محفوفة بالمخاطر وتستحق دراسة جادة.
أولاً، من غير المرجّح أن يؤدي الهجوم العسكري على البنية التحتية النووية الإيرانية إلى وقف أنشطتها النووية على المدى الطويل. وتشير السوابق التاريخية إلى أنّ مثل هذه التصرّفات قد تؤدي، على نحو لا يخلو من مفارقة، إلى التعجيل بالتطوّر النووي الإيراني. وإدراكًا لهذه الحقيقة، اختارت الإدارات الأميركية السابقة إجراء مفاوضات دبلوماسية بشأن التدخلات العسكرية لمعالجة المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني. إنّ الضغوط والتخريب والاغتيالات المستهدفة التي تهدف إلى إعاقة التقدم النووي الإيراني كثيرًا ما تسفر عن تأثير معاكس، مما يوفر قوة دافعة لمزيد من التطوير. ومن الجدير بالذكر إنّ إيران وسّعت قدراتها من بضع مئات من أجهزة الطرد المركزي خلال فترة ولاية الرئيس جورج دبليو بوش إلى الآلاف، فحققت مستويات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% و60%، وهي قفزة كبيرة في الكفاءة النووية.
ثانيًا، إنّ أي عدوان عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية قد يجبر طهران على الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. ومثل هذا الانسحاب من شأنه أن يخلّف عواقب خطيرة، حيث يقوض النظام العالمي لمنع الانتشار النووي ويثير قلقًا واسع النطاق بين الحكومات الغربية. لقد ناقش الخبراء منذ فترة طويلة تداعيات إضعاف معاهدة حظر الانتشار النووي، مؤكدين أنّ خروج إيران يمكن أن يؤدي إلى تأثير الدومينو، مما يشجع الدول الأخرى على متابعة القدرات النووية من دون رادع.
ثالثاً، من المرجح أن يدفع الهجوم إيران إلى إعادة تقييم عقيدتها النووية بشكل أساسي. وسوف يجد المدافعون عن مراجعة الحسابات النووية داخل إيران أن حججهم أصبحت أكثر قوة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحويل السياسة الوطنية نحو اتجاه مختلف عن الاتجاه الحالي. وهذا السيناريو لن يفشل فقط في تخفيف المخاوف الأمنية الغربية والإقليمية، بل قد يحولها إلى كابوس وجودي لهم ولحليفتهم في المنطقة، إسرائيل. إن تمكين التوجهات البديلة داخل إيران يمكن أن يؤدي إلى ظهور ظروف جديدة في الشرق الأوسط، مما يضع توازناً ونظاماً جديدين في المنطقة.
رابعًا، أعلنت إيران بشكل لا لبس فيه إنها سترد بقوة على أي عمل عسكري تقوم به إسرائيل، وخاصة الهجمات التي تستهدف بنيتها التحتية أو منشآتها النووية أو المدنيين أو أي موقع أو أشخاص مهمين. ومن المتوقع أن يكون هذا الانتقام مكثّفًا ومتعدّد الأوجه، ومن المحتمل أن يشمل تكتيكات حربية تقليدية وغير متماثلة. ويلفت بعض المحللين إلى أنّ إيران قد تفكر باتخاذ تدابير مضادّة قد تؤدي إلى تصعيد الصراع، مع امتداد تداعياته إلى ما هو أبعد من المنطقة. وتشير التقارير الأخيرة إلى أنّ الدعوات إلى الانتقام القوي قد اكتسبت زخمًا كبيرًا داخل الدوائر الاستراتيجية الإيرانية، مما يشير إلى استعداد متزايد للرد.
ويسلّط التأثير التراكمي لهذه العواقب الضوء على الخطر الكامن في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. ومن الممكن أن يؤدي العمل العسكري إلى التعجيل بتصعيد خارج عن السيطرة، مما يقوض الأمن الدولي ويشعل شرارة صراع أوسع نطاقا بنتائج غير متوقعة.
إنّ النهج المدروس الذي يأخذ في الاعتبار الديناميكيات الجيوسياسية المعقدة أمر ضروري لمنع تفاقم الوضع المضطرب بالفعل.