مجتمع الـ ٩٢٪ من المحتجين.. أبرز التحديات الداخلية أمام بزشكيان؟
وضع الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان على سلّم أولوياته تجسير الهوّة الموجودة بين الشعب والنظام، بعد انتخابات رئاسية لم يشارك في مرحلتها الأولى زهاء الـ60% ممن يحق لهم التصويت، إذ يتعيّن عليه مواجهة فقدان الأمل في السياسات الانتخابية والرفض الواسع للمشاركة في العملية السياسية، وفي أوضاع يعاني فيها نحو 26 مليون إيراني حسب تقديرات خبراء اقتصاديين من الفقر، ولا يتمكّنون من تلبية احتياجاتهم الأساسية، وحيث يصل معدّل الفقر في إيران إلى 30% تقريبًا.
وركّزت الخطوط العامة لخطاب بزشكيان الذي انتُخبَ على أساسه على الوفاق بين فصائل المجتمع المختلفة، مركّزا على نظام الجدارة في التعيينات والاختيارات في المناصب الحكومية المختلفة.
ومع كل الآمال والتطلّعات التي يعقد عليها بزشكيان الآمال لتجسير هذه الهوّة بين النظام والمجتمع، كشفت نتائج “الموجة الرابعة من المسح الوطني لقيم الإيرانيين” عن حجم ما يواجه الرئيس الإيراني الجديد من تحديات مجتمعية.
وأجرى أحد المراكز التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد في إيران هذا الاستطلاع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأحجم عن نشر نتائجه كاملةً على عكس الموجات السابقة، وأتيحت بعض أجزائه فقط لبعض الباحثين. وشملت عيّنته البحثية 15878 شخصًا فوق الـ51 عامًا من الأسر الحضرية والقروية في 15 محافظة.
كما شمل الاستطلاع أقسامًا مختلفة، مثل الخصائص الأخلاقية، القيم والأعراف الأسرية، الثقة، رأس المال الاجتماعي، القضايا والأضرار الاجتماعية وما إلى ذلك.
وشكّلت قضية الرضا عن الأوضاع الحالية للبلاد أهم القضايا الاجتماعية التي تناولها الاستطلاع في شقه المجتمعي، وأيضا المخاطر البيئية في المستقبل القريب، وسلامة وأمن ممتلكات الناس، والشعور بالأمان على مستوى المدينة والشارع وأمن إيران والأمن الوظيفي للمجتمع.
وعن سؤال المستطلعين عن أهم قضية للبلاد في الوضع الحالي بنظرهم، كانت الإجابات كالآتي: الأسعار والتضخم بنسبة 81.9%، البطالة بنسبة 47.9%، الإدمان بنسبة 26.9%، الفساد الاقتصادي والإداري بنسبة 13.1%، قضية السكن بنسبة 12.1%، قضية الحجاب بنسبة 11.9%، زواج الشباب بنسبة 10.7%، قضية الطلاق بنسبة 7.1%، نقص المياه بنسبة 5.7%، عدم الالتزام بالقوانين 4.7%، تقييد حرية التعبير والصحافة بنسبة 4.2% وتلوّث الهواء والغبار بنسبة 2.6%.
وبما يتعلّق بالوضع الراهن بصورة عامة، أوضح الاستطلاع أنّ هناك ثلاثة آراء لدى المستطلَعين، وجاء فيه أنّ 61.6% من المستطلعين يرون أنه ينبغي تحسين الوضع الحالي من خلال القيام بإصلاحات، و30.2% منهم أنّ وضع البلاد لا يمكن إصلاحه، فيما اعتبر 8.2% أنّ الوضع الحالي جيّد.
أما في التقسيم وفق التوزع الجغرافي، فقد سيطرت أذربيجان الغربية على صدارة قائمة المحافظات الأقل أملًا، حيث اعتبر 40.1% من الأشخاص المستطلعة آراءهم في هذه المحافظة أنّ وضع البلاد لا يمكن إصلاحه، فيما حلَّت محافظة كردستان بعدها بنسبة 37.9%.
وفي مناقشتها لنتائج هذا المسح، علّق عدد من علماء الاجتماع والباحثين لصحيفة “هم ميهن” الإصلاحية على هذه النتائج الاستطلاع المنتشرة حتى الآن، وكشفوا عن أنّ تحليل هذا الجزء من المعطيات يُظهر أنّ 61.6% يرون ضرورة في تحسين الوضع الحالي للبلاد عبر إجراء إصلاحات، و30.2% يرون أنّ الوضع غير قابل للإصلاح، مما يشكل 92% من المشاركين، وبالتالي يمكن اعتبارهم المجتمع المعترض، ولكنّ جزءًا كبيرًا منهم لا يزال يملك الأمل بالإصلاح، وفق ما رأى عالم الاجتماع متين رمضان خواه، والذي اعتبر أنّ 62% من هذه النسبة تبذل قصارى جهدها لتكون ناشطة في هذا الإصلاح، مضيفًا أنه لهذا السبب يرى أنّ فكرة الأمل الاجتماعي في المجتمع الإيراني لا تزال فكرة أساسية.
وأوضح رمضان خواه إنه رغم المخاوف الكثيرة والنظرة القلقة تجاه قضايا الوطن، لكنّ 60% من أفراد المجتمع ما زالوا يؤمنون بنظرية الأمل الاجتماعي، مما يعني أنّ المواطنين يعتقدون بأنهم قادرون على التصرّف بطريقة بنّاءة بأنفسهم، وأنهم يستطيعون تحديد الطريق للخروج من المشاكل الاجتماعية، وأضاف: “المجتمع الإيراني، في المنظور الذي يقدّمه لنا في القضايا الاجتماعية، على الرغم من اهتماماته، لديه أمل أقوى بأنّ الغد يمكن أن يتحسّن.. لو كان 60% من المجتمع يعتقدون بأنّ الوضع غير قابل للإصلاح، فإنّ التغييرات الصغيرة التي تحدث في الحكومة لن تُرى أو تُسمع على الإطلاق”.
ولفت رمضان خواه أنّ بيانات الاستطلاع الأخيرة، مثل جميع استطلاعات الرأي، لديها متلازمة جريئة لفهم حالة الخوف والأمل في المجتمع، مشيرًا إلى “ثلاث طرق لنسأل الناس رأيهم؛ الأولى هي الذهاب إليهم وطرح الأسئلة عليهم عن مواضيع مختلفة وإجراء الاستطلاعات، الثانية الثانية هي سماع صوت المجتمع من خلال المؤسسات المدنية وممثليها، والثالثة هي الاحتجاجات في الشوارع، والتي عادة ما تكون مصحوبة بالعنف الشديد”.
وشدّد عالم الاجتماع على أنّ الاستطلاعات العامة هي نافذة وفرصة لسماع صوت المجتمع وفهم احتياجاته ورغباته، وهو ما يمنح السلطات فرصة لنماذج سياساتها، وهي فرصة لإعادة التفكير، على حد تعبيره.
وفي مقارنة بين الاستطلاع الأخير ونتائج مشروع بحث مستقبل إيران الذي أجري عام 2017 في مركز الأبحاث الاستراتيجية التابع للرئاسة، والذي جمع آراء النُّخب السياسية والثقافية والبيئية وغيرها بشأن مستقبل إيران، قال رمضان خواه إنّ هناك مشتركات بين القضايا العشرة التي طرحتها الخطة المذكورة وما خَلُصت إليه نتائج الاستطلاع الأخير، وأردف: “يبدو أنّ حل المشاكل في المجتمع الإيراني لم يعد من الممكن التشكيك فيه، لأنّ القضايا أصبحت واضحة.. اليوم هناك قواسم مشتركة واتفاق على القضايا التي تواجه إيران”.
من جهتها ركَزت عالمة الاجتماع سيمين كاظمي على أنّ الاستطلاع الأخير يُظهر أنّ 8.2% فقط يعتبرون الوضع الحالي مقبولًا، مستنتجةً أنّ غالبية المجتمع غير راضية عن الوضع الحالي، بينما لا يأمل 30% حتى بتحسين الوضع الحالي.
وفي مقابلة لها مع صحيفة “هم ميهن”، أضافت كاظمي هذا اليأس من إصلاح أوضاع البلاد قد تجلّى بعدم مشاركة 60% في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
وقالت كاظمي إنّ هذا الوضع هو في الواقع نداء صحوة للحكومة لتعيد النظر في موقفها وتغيّره في الاتجاه الذي يخدم مصلحة المجتمع ويوفّر الرفاهية والمساواة والحرية، محملة الحكومة الجديدة مسؤولية وواجبًا مهمًا في استغلال الفرصة التي أتيحت لها، ومحذّرة من اشتداد السخط والإحباط الذي قد يؤدي إلى أزمات سياسية واجتماعية على نطاق أوسع من ذي قبل.
وفي سياق متصل، اعتبرت كاظمي أنّ قضية الإدمان ونتائج الاستطلاع تدلّ على أنّ برنامج مكافحة الإدمان والمخدرات لم يكن ناجحًا، لافتةً إلى أنه في السنوات الأخيرة، بدأ الناس في زراعة الخشخاش في بعض مناطق البلاد، وهو مؤشر مثير للقلق.
أما عن قضية الحجاب، فقد أكدت عالمة الاجتماع أنّ الاستطلاع الثالث للمركز نفسه أظهر أنّ قضية الحجاب ليست قضية مهمة، حيث أتت في مرتبة السادسة بالنسبة للمستطلَعين بنسبة 11.9%.