طهران المتعبة.. هل تغير حكومة بزشكيان عاصمة البلاد؟
أحدثت تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن نقل العاصمة إلى مدينة أخرى غير طهران ردود فعل وضجة واسعة في الأوساط الإيرانية، وكان قد جاء على لسان بزشكيان: "إنَّ نقل العاصمة من طهران حو الحل الوحيد لمشاكلها".
وكان بزشكيان قد أدلى بهذا التصريح بعد زيارته لمقر خاتم الأنبياء للبناء برفقة قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، حيث أكد أنّ طهران تعاني من مشاكل عديدة.
وأضاف بزشكيان: “طهران كعاصمة البلاد تواجه مشاكل ليس لدينا حل لها سوى نقل المركزية. إنّ نقص المياه وهبوط الأراضي وتلوّث الهواء وما شابه ذلك لم يتفاقم إلا مع استمرار السياسات والتدابير التي تم اعتمادها وتنفيذها حتى الآن، والحل الأساسي هو تغيير المركزية السياسية والاقتصادية للبلاد. إنّ نقل المركزية السياسية والاقتصادية بطريقة تجعلنا نجلس في طهران ونطلب من الناس أن يتحرّكوا أمر غير ممكن، علينا أن نذهب بأنفسنا أوّلًا حتى يتبعنا الناس”.
وعن مكان العاصمة الجديد، أشار بزشكيان إلى ضرورة أن تكون في جنوب إيران وقرب سواحل الخليج، وقال: “إنّ تنمية البلاد غير ممكنة مع استمرار الواقع الحالي، فنحن نأتي بالموارد الأولية من جنوب البلاد والبحر إلى الوسط ونحوّلها إلى منتجات، ثم نعيد إرسالها إلى الجنوب مرة أخرى من أجل التصدير. هذه الآلية ستقلّل من قدرتنا على المنافسة، وليس أمامنا خيار سوى نقل المركز الاقتصادي والسياسي للبلاد إلى الجنوب بالقرب من البحر”.
ردود أفعال وانتقادات
انتقد الخبير الاقتصادي هادي حق شناس تصريحات بزشكيان عن ضرورة نقل العاصمة من طهران واعتباره عدم وجود حلّ آخر.
وفي مقال له في صحيفة “آرمان ملى” الإصلاحية، أضاف حق شناي أنّ نقل رأس المال لن يكون سهلًا من حيث تكاليف البنية التحتية، خاصة مع انحفاض نسبة الموازنة العامة للحكومة وموازنة البناء، أي أنه لا يمكن توفير الموارد اللازمة لبناء مدينة يمكن تسميتها بالعاصمة، كما أنَّ الموارد المتاحة لدى الحكومة لا تكفي، مثل شبكة الطرق والاتصالات والمياه والصرف الصحي ومجموعة خدمات البنية التحتية غير كافية، لا سيما بالنظر إلى ظروف الميزانية وعجزها، على حد تعبيره.
في ذات السياق، استاءت بعض وسائل الإعلام الإيرانية من هذه التصريحات، معتبرةً أنّ هذه العملية تتطلّب الكثير من رأس المال، كما أنّ إيران لم تتمكّن من الاستثمار بشكل كافٍ في صناعات النفط والغاز في الجنوب لسنوات عديدة، ولا توفير رأس المال الكافي لتنمية الصناعات الجنوبية، حيث يعيش السكان في مناطق مثل بلوشستان في حالة من الحرمان والفقر.
وقالت صحيفة “عصر ايرانيان” إنّ نقل الهياكل الكبيرة للمصانع وتوفير البنية التحتية اللازمة لحياة العمّال والموظفين يتطلّب الكثير من رأس المال، كما يجب إقناع هؤلاء السكان بالذهاب إلى الجنوب للعيش!
وتساءلت مواقع إلكترونية أخرى عن مستقبل العاصمة الجديدة وضمان عم وقوعها في مشاكل طهران مجددًا، وعن مدى الإمكانية الفعلية لنقل البنية التحتية للعاصمة، والجدوى الاقتصادية والاجتماعية للأمر.
من جهته، اقترح البرلماني الإيراني رحيم زارع أن يكون لإيران عاصمتان منفصلتان – سياسية واقتصادية – بل وحتى اختيار عاصمة ثقافية وسياحية لخلق توازن في تنمية البلاد.
وفي مقابلة له مع وكالة “تسنيم” الإيرانية، رحّب بتصريحات الرئيس الإيراني، باعتبارها تقدّم اقتراحًا على مدى سنوات عديدة، مؤكدًا على الحاجة إلى إجراء دراسة مقارنة شاملة مع الدول التي شهدت مثل هذا التغيير.
كما لفت زارع إلى أنّ “التنفيذ الصحيح لفكرة نقل العاصمة من طهران إلى مدينة أخرى أهم من فكرة نقل العاصمة نفسها، حيث انَّ الخطة فكرة جيدة، لكن بشرط أن تكون سهلة الدراسة والتنفيذ، وليس لإنفاق الأموال وإهدار الموارد من دون أن يكون لها تأثير إيجابي في المستقبل”.
وكذلك رحّب محافظ فارس جنوب إيران محمد حسن اسدي بتصريحات الرئيس الإيراني، معلنًا استعداد المحافظة ومدينة شيراز لاستضافة العاصمة الجديدة.
وفي اجتماع مجلس المحافظة، قال اسدي إنّ مدينة شيراز يمكن أن تكون خيارًا مناسبًا لاستضافة العاصمة الإيرانية الجديدة.
لا خارطة طريق للنقل
أكد المعاون السابق لشؤون البناء في بلدية طهران عبد الرضا كلبكاني أنَّ خلاصة رأي وزارة الطرق في إيران هو أنه بدلاً من تغيير العاصمة، يجب تنظيم العاصمة طهران.
وفي مقابلة له مع موقع “انتخاب”، أضاف كلكباني أنه يمكن إصلاح طهران وأن تصبح طهران واحدة من أجمل المدن في شرق آسيا، لأنها تتمتّع بقدرات بيئية واقتصادية فريدة من نوعها.
ولفت المسؤول السابق إلى أنَّه يجب أن تتم دراسة نقل العاصمة على أساس المنهجية والتنمية المستدامة، في حين أنه من الضروري تحقيق اللامركزية في طهران، وتحويل تركيز التنمية وخلق فرص العمل إلى المدن الصغيرة، لأنها خطوات ستساعد في حل جزء من مشكلة طهران.
في سياق متصل، رأى عمدة طهران السابق غلام حسين كارباشي أنه يمكن إدارة وتنظيم مدينة طهران، لكن إدارتها الصحيحة تتطلّب اتخاذ قرار وإرادة ورقابة من أعلى الرتب بين مسؤولي البلاد، وأنّ هذا القرار يجب أن تتخذه القيادة وأن تخضع جميع الأجهزة والمؤسسات الاخرى لهذا الأمر.
المشاكل الكبرى في طهران
تعاني مدينة طهران من المشاكل المعقّدة، أهمها شحُّ المياه وتلوّث الهواء الذي يصل في بعض الأيام إلى وضع خطر، وانخساف الأرض الذي بدا ظاهرة تهدد مستقبل وجود العاصمة، وكذلك ارتفاع الكثافة السكانية والازدحام المروري وتهالك البنية التحتية، وارتفاع أجور السكن واحتمال وقوع زلزال مدمّر في المدينة نتيجة انتشار التصدّعات الأرضية الكبيرة والكثيرة، إلى جانب العديد من المشكلات الأخرة.
تاريخ القضية
إنّ مسألة نقل العاصمة الإيرانية ليست قضية جديدة، فقد تمَّ طرحها أكثر من ثماني مرّات خلال 100 عام، حيث كانت أولى الدراسات في هذا الشأن خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، لكنّ الحرب مع العراق أبعدت هذه القضية عن أولويات الحكومة الإيرانية آنذاك، لتعود مدار بحث في الحكومة الإيرانية العاشرة برئاسة محمود احمدي نجاد، حيث تم اختيار مدينة برند الواقعة جنوب غرب طهران لتكون عاصمة إيران، لكن القضية لم تصل إلى أولويات قادة البلاد، فغابت حتى نهاية العام 2013، حيث وافق مجلس صيانة الدستور على قانون “دراسة جدوى نقل المركز السياسي والإداري للبلاد وتنظيم وإلغاء مركزية طهران”، فتم اتخاذ قرار من البرلمان الإيراني بتشكيل مجلس برئاسة رئيس البرلمان ومجموعة من الوزراء لدراسة أحد الخيارين: ” إنهاء مركزية الخدمات والمرافق والوظائف من العاصمة” أو “نقل العاصمة” كوسيلة رئيسية لإنقاذ طهران من المشاكل الهائلة، وتقديم النتائج خلال مدة أقصاها عامان.
واستمرّت دراسات اللجنة حتى عام 2020، وكانت النتيجة إصدار كُتَيِّبٍ من 53 صفحة يرفض في مضمونة نقل العاصمة، لكن القرار النهائي للّجنة لم يصدر بسبب توقف اجتماعاتها إثر جائحة كورونا.
وقد أجاب الكُتيّبُ آنذاك عن سؤالين هامين هما: كيف ستكون “حالة طهران بعد نقل العاصمة” و”حالة العاصمة الجديدة”، أي عوامل التكلفة ووقت النقل، وكذلك المدينة الجديدة من حيث توفّر إمكانات استضافة العاصمة، مع تقديم “طريقة حل المشاكلات الكبرى لطهران” مقابل “عدم وجود خارطة طريق لنقل العاصمة”. كما تضمّن الكتاب التجارب الهادفة لتجربة 24 دولة في نقل العاصمة والمعالم البارزة في تاريخ العاصمة طهران الممتد لـ235 عامًا.