عملية الأربعين: نجاحات عسكرية وتحديات استراتيجية أمام التوقعات المنتظرة
"عملية الأربعين" التي نفذها حزب الله اللبناني جاءت ردًا على اغتيال القائد العسكري البارز فؤاد شكر. رغم أن العملية أظهرت قدرات عسكرية واستخباراتية مميزة للحزب، إلا أنها لم تحقق بشكل كامل الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي كان يُتوقع أو يُرغب في تحقيقها، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على الصراع الدائر في غزة. وفي هذا السياق، يبرز عنصر آخر بالغ الأهمية، وهو التوقعات الكبيرة من العالم العربي والإسلامي التي تلقي عبئًا ثقيلًا على حزب الله، في وقت يحتاج فيه العرب والمسلمون جميعًا إلى النهوض والعمل من أجل غزة.
من الناحية العسكرية، لا يمكن إنكار النجاح الذي حققته عملية الأربعين. تمكنت مسيّرات حزب الله من تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية واستهداف قاعدة غليلوت العسكرية في ضواحي تل أبيب، مما يؤكد على قدرة الحزب على تنفيذ عمليات دقيقة حتى في ظل استنفار عسكري إسرائيلي. هذا النجاح يعزز من صورة الحزب كقوة مقاومة قادرة على توجيه ضربات مؤثرة وإرباك حسابات العدو.
ومع ذلك، فإن هذا النجاح العملياتي لم يحقق التوقعات الاستراتيجية الكبرى التي كان البعض يطمح إليها. في ظل الصراع المحتدم في غزة، كان هناك توقع بأن يشكل رد حزب الله نقطة تحول استراتيجية تضغط على إسرائيل وتخفف من وطأة العدوان على الفلسطينيين. ولكن حجم العملية وطبيعتها المحدودة لم يؤديا إلى تغيير كبير في المعادلة الاستراتيجية أو تخفيف الضغط على غزة.
في هذا السياق، من المهم النظر إلى العبء الكبير الذي يتحمله حزب الله في ظل التوقعات العربية والإسلامية. ينتظر الكثيرون من حزب الله أن يكون القوة التي تقلب الموازين وتغير مسار الأحداث، ليس فقط في لبنان، بل أيضًا في الصراعات الإقليمية الكبرى مثل تلك الدائرة في غزة. هذه التوقعات تضع الحزب تحت ضغط هائل، وتحمّله مسؤوليات تتجاوز قدراته الفعلية في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية.
من الناحية الداخلية، يواجه حزب الله تحديات كبيرة، سواء من حيث الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان أو من حيث التوازنات الطائفية والسياسية الدقيقة في البلاد. على المستوى الإقليمي، تتشابك تحالفاته ومصالحه مع قوى أخرى، مثل إيران وسوريا، مما يفرض عليه حسابات معقدة تتعلق بتجنب تصعيد قد يؤدي إلى حرب شاملة.
أما دوليًا، فإن حزب الله يعمل في بيئة سياسية وعسكرية معقدة حيث يتعرض لضغوط من قوى كبرى تسعى لتحديد دوره ومنعه من تصعيد الأوضاع. هذه التوازنات تجعل من الصعب على الحزب أن يتحرك بحرية مطلقة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي يتوقعها منه البعض.
في ظل هذه التحديات، من غير المنصف تحميل حزب الله وحده مسؤولية تغيير المعادلة في غزة أو قلب الأمور رأسًا على عقب. يجب أن يكون هناك إدراك بأن المسؤولية تجاه غزة تتجاوز قدرات أي فصيل أو حركة، مهما كانت قوتها. الأمة العربية والإسلامية بكل مكوناتها مسؤولة عن النهوض من أجل غزة والعمل على تحقيق الدعم السياسي والعسكري والإغاثي اللازم للشعب الفلسطيني.
يجب أن تكون هناك جهود جماعية من قبل الحكومات والشعوب العربية والإسلامية، لتقديم الدعم الذي تحتاجه غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي. هذا الدعم لا يجب أن يقتصر على الجانب العسكري، بل يجب أن يشمل أيضًا الجوانب الدبلوماسية والإعلامية والإنسانية، لضمان استمرارية المقاومة الفلسطينية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
في النهاية، حققت عملية الأربعين نجاحًا عسكريًا ملموسًا، لكنها لم تحقق الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي كان البعض يأمل فيها، وذلك بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه حزب الله على الصعيدين الداخلي والخارجي. ومع ذلك، لا يمكن أن يُلقى العبء بالكامل على الحزب، بل يجب على الأمة العربية والإسلامية بأكملها أن تتحمل مسؤولياتها تجاه غزة وتعمل بشكل جماعي لدعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال.
هذا الإدراك يعيد التوازن إلى التوقعات، ويؤكد على أن الدفاع عن غزة والنهوض من أجلها هو واجب جماعي يتطلب مشاركة الجميع، وليس مسؤولية حزب الله وحده.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها