مسلسل “غربة” والعرب في إيران.. أزمة مجتمعية بثلاث حلقات
أعلن مدعي عام طهران علي صالحي تعليق بث المسلسل التلفزيوني المحلّي "غربة"، مشيرًا إلى أنّ هذا المسلسل لا يحمل ترخيص هيئة تنظيم الإعلام المسموع والمرئي الشامل في الفضاء الافتراضي "ساترا"1، وقد تسبّب بثّه بإزعاج وشكاوى للمواطنين العرب، كما أنّ المتابعات القضائية بشأن هذا المسلسل ستتم وفق القضايا التي أحدثَها.
من جهتها، قالت هيئة “ساترا” على موقعها الرسمي في بيان إنّ “مسلسل “غربة” وبرنامج “جوكر2” يتمُّ بثّهما من دون المرور بالإجراءات القانونية، وإنّ المحتوى المنشور غير معتمد من قبلها.
وأضاف البيان: “لذلك، من المتوقّع حاليًا أن تقوم السلطات القضائية بمنع أي مخالفات للقانون بناءً على قرار الهيئة الذي أقرّه المجلس الأعلى للثورة الثقافية، حتى لا تتكرّر مثل هذه الأعمال غير القانونية”.
وأثار بث مسلسل “غربة” الكثير من الاعتراضات والاحتجاجات الشعبية، والتي بلغت المستوى الرسمي.
ما قصة المسلسل وبماذا أثار الاستهجان؟
انتشرت في الأيام الماضية أخبارًا عن محتوى مسلسل “غربة” في الفضاء الافتراضي، الذي أغضب جزءًا من الجمهور، خاصة المواطنين الناطقين باللغة العربية، بسبب طريقة التعرّض لهذه القومية في المسلسل، حيث رأى البعض أنّ المسلسل شكل “إذلالًا واستهزاءً بالعرب في البلاد”.
وبحسب بعض الآراء، فقد عكس المسلسل صورة سلبية عن حياة طبقة فقيرة في المناطق ذات الأغلبية العربية جنوب إيران، بينما أكد نقّادٌ أنّ السبب الرئيسي لهذه الاحتجاجات هو معاناة محتوى المسلسل من مشاكل ثقافية واجتماعية، وبعض مشاهده وموضوعاته التي لا تتناسب مع قيم المجتمع.
وبحسب موقع “فيلمنيوز”، فقد بدأ عرض المسلسل على منصّة “نماوا”، وأدّت الاعتراضات في محافظة خوزستان خلال الأسبوع الماضي إلى تدخّلٍ رسمي.
اعتراض بصفة رسمية
وقال النائب عن الأهواز في البرلمان محسن موسوي زاده على حسابه في موقع “إكس”: “تابعت بجدية التصرّف غير الحكيم للمسلسل التلفزيوني المحلّي غربة، والإهانة التي وجهها لأهلنا من القومية العربية الشرفاء. وردًا على ذلك، أعلن رئيس ساترا إنّ هذا المسلسل غير مرخّص ويجب حذفه من الشبكة المنزلية”.
من جهة اخرى، نقلت وكالة أنباء نادي الصحافيين الشباب عن عضو منتدى محلّلي “ساترا” مهران ده نمكي قوله بشأن بيان الهيئة عن المسلسل: “كان في محتوى مسلسل غربة العديد من العيوب، وقسم منها كان واضحًا في الحلقات الثلاث الأولى، وتسبّب باحتجاجات للمواطنين العرب في البلاد. شهدنا في مسلسل غربة الاستخدام الكثير للمخدّرات المنافي لقوانين محتوى ساترا، وفي الحلقات التالية لو لم يتم تطبيق إصلاحات ساترا، كنّا سنشهد مشاهد من شأنها أن تسبب بالتأكيد احتجاجات أوسع من مختلف شرائح المجتمع”.
وأضاف ده نمكي: “لو لم يتم ضبط هذا المسلسل من قبل النيابة اليوم، لكان الوضع أسوأ بكثير في الحلقات المقبلة”. وتابع: “بالطبع، قد يكون الوقت قد فات لتنفيذ الإصلاحات، لأنه بحسب إعلان مكتب المدعي العام لمحافظة طهران، تم حظر هذا المسلسل اليوم. وفي النهاية، فإنّ رفع الحظر عن المسلسل يعتمد على القرار المشترك بين ساترا والنيابة العامة”.
اعتذار المخرج
بدوره، قدّم مخرج وكاتب العمل أمير بوركيان في مقطع مصوّر اعتذاره للجمهور، وردّ على التصريحات الناقدة للعمل مخاطبًا العرب في المنطقة الجنوبية: “أعطيكم التزامًا أخلاقيًا، ليس فقط أنه لم تحصل أي إهانة لقوميتكم الكريمة والنبيلة، ولكن هناك من أراد الإضرار بأخوتنا عن طريق الخداع والإساءة”.
وأردف: “لم يكن أحد يقصد الإساءة، وقمت بحذف كل الأجزاء التي كانت باللهجة العربية، وقصة المسلسل ستكون مختلفة تمامًا”. وفي النهاية، طلب من العرب في البلاد أن يثقوا به وألا يتعرّض مسلسله للأحكام الخاطئة.
وعلى موقع “آفتاب نيوز”، علّق الصحافي الإيراني الأهوازي قاسم آل كثير في تقرير موسّع على الجدل الدائر، منوّهًا إلى أنّ المسلسل “يعرض العواقب الاجتماعية للفقر في إطار عائلة من عائلات عرب منطقة أهواز التي تعيش في إحدى ضواحي طهران، وأحلام ابنة العائلة التي تتكلّم باللغة العربية وترتدي لباسًا عربيًا، وتتزوّج زواجًا مؤقتًا”.
وأوضح الصحافي إنّ النقاد يعتبرون أنه “إذا كان من المفترض أن تكون هذه الفتاة حاضرة بلهجتها وملابسها المحلّية، فإنّ الفتيات الأخريات في المسلسل يجب أن يتحدثن أيضًا بلهجاتهنّ الخاصة”.
وشنّ آل كثير حملة على الإعلام الوطني بشكل عام، مؤكدًا أنه “لو كان الإعلام الوطني يتعامل مع هؤلاء الأشخاص بشكل إيجابي من قبل وركّز هذه المرة على الجانب السلبي، لما اعترض أحد، لكن مثل هذا السلوك له سوابق تجاه هذا المجتمع ولا يزال موجودًا في الذاكرة الجماعية للناس”، على حد تعبيره.
ووفق آل كثير، فإنّ هذا المسلسل المنتج ضمن إطار الدراما والجريمة، يحكي قصة مجموعة من مهرّبي المخدرات، مشدّدًا على أنه “عندما يكون من المفترض أن يصوّر مسلسل أو فيلم ثقافة وقيم مجتمع معيّنٍ، فمن المهم جدًا الانتباه إلى التفاصيل والحساسيات الثقافية لذلك المجتمع”.
وحذّر الصحافي الإيراني من أنه عندما يتناول الفيلم قضية ما من دون مراعاة القضايا الاجتماعية وحساسيّات المجتمع ويتسبّب باستياء الناس، خاصة في القضايا العرقية، فإنّ ذلك يمكن أن يكون له عواقب وخيمة.
وختم آل كثير بأنه رغم اعتذار مخرج العمل للشعب، إلا أنّ الاعتذار في مثل هذه الحالات لا يحل المشكلة، داعيًا للاعتراف بالخطأ وقياس الحساسيات بدقة قبل إنتاج أي عمل.
—————-
1-هيئة تنظيم المقررات الإعلامية في الفضاء الافتراضي